بلغ تخارج أو بيع مؤسسات ومستثمرين خليجيين لأسهم في البورصة القطرية ثالث أكبر سوق في الخليج بعد أسواق السعودية والإمارات، نحو 800 مليون ريال قطري أو ما يقارب 219 مليون دولار خلال الفترة التي أعقبت إعلان المقاطعة حتى يوم الأربعاء الماضي، ومع ذلك تمكنت السوق من تجاوز الأزمة التي عصفت بها والحد من تبعاتها، حيث شهدت التعاملات استقرارًا ملحوظًا على مدار الأيام الماضية.
ويشير محللون أن سوق الأسهم متماسكة في المرحلة الحالية مدفوعة بقرب توزيع الأرباح نصف السنوية والتي تؤدي إلى جذب مستثمرين ومؤسسات مختلفة إليها، بالإضافة إلى الإدراجات الجديدة التي ستشهدها البورصة في الشهور المقبلة.
على حد قول الرئيس التنفيذي للبورصة القطرية فإن هناك أفرادًا ومؤسسات خليجية من الدول المقاطعة تعمدوا الإضرار بالسوق، وقال لقد أرادوا من خلال بيعهم للأسهم في السوق دفعة واحدة التأثير على البورصة، وهو ما أدى إلى هبوط المؤشر القطري الرئيسي 11.5% منذ أوائل يونيو/حزيران.
تمتلك قطر سيولة مالية تقترب من 400 مليار دولار، موزّعة ما بين صندوق الثروة السيادي الذي يُدير أصولاً تزيد عن 335 مليار دولار، والباقي في شكل احتياطي من النقد الأجنبي
البورصة مرآة الاقتصاد
تعد الخلافات السياسية مادة دسمة للإضرار بالاقتصاد والأسواق المالية والشركات المدرجة في البورصة فضلا عن البيئة الاستثمارية وقيمة العملة وأمور أخرى، في هذه الحالة يتعرض الاقتصاد إلى صدمة كبيرة يتم اختبار قدرته على الصمود، فكمية الأموال التي تخرج من البلد الناتجة عن تسييل الأسهم والسندات بسبب الخوف من تبعات الأزمة، قد تسبب انهيار الاقتصاد والعملة وتخفض أسعار الأسهم في السوق إلى نسب متدنية.
عادة ما يشبه الاقتصاديون البورصة بالمرآة التي تعكس حالة الاقتصاد، وبقدر ما يكون المؤشر والسوق مستقر وقوي بقدر ما يكون اقتصاد البلد مستقر هو الآخر، والأزمة السياسية تسبب إلى تخارج كميات كبيرة من الأموال من السوق ناجمة عن بيع الأسهم بغرض الهروب من السوق والتخلي عن المراكز وجني الأرباح، وهذا بطبيعة الحال يقود المؤشر العام للسوق للهبوط بسبب عمليات البيع الكبيرة.
استقبل سوق الأسهم القطري الحصار البحري والجوي والبري على البلاد بصدمة أولية كلفت السوق خروج ما يقرب من 800 مليون ريال
والواقع أن ما تعرضت له قطر من أزمة سياسية يحتوي على معالم الأزمة المسببة لانهيار سوق الأسهم، فهكذا أزمات أدت في بعض البلدان إلى انهيار العملة والاقتصاد كما حصل في أزمة النمور الخمسة في دول شرق آسيا في العام 1997.
استقبل سوق الأسهم القطري الحصار البحري والجوي والبري على البلاد بصدمة أولية كلفت السوق خروج ما يقرب من 800 مليون ريال ناجمة عن عمليات البيع والتخارج من السوق، وكان يمكن أن تستمر مسيرة الهبوط في المؤشر العام وعمليات التخارج فيما لو وجدت عوامل عكس التي توفرت لدى الاقتصاد القطري أولا، وفي الاصطفافات والموافق من الأزمة الخليجية ثانيًا. إذ ارتفع المؤشر العام للبورصة بنسبة 0.22% خلال الأسبوع الثاني بعد الأزمة، ليُغلق عند 9257.9 نقطة، رابحًا 20.22 نقطة عن مستوياته السابقة، فيما أغلق المؤشر قبل عطلة العيد عند 9030.44 نقطة.
أدرك المستثمرين في السوق القطري فشل الحصار بعد تدخل تركيا إلى جانب قطر وحيازتها على ثقة العديد من دول العالم على رأسها ألمانيا وفرنسا وروسيا
وارتفعت القيمة السوقية للبورصة بعد نحو عشر أيام من اندلاع الأزمة بنسبة 1.07%، لتصل إلى 500.65 مليار ريال (136.56 مليار دولار)، مقابل 495.35 مليار ريال (135.69 مليار دولار) بالأسبوع الذي سبقه، بمكاسب سوقية قدرها 5.3 مليارات ريال خلال أسبوع.
وأشار السماسرة في السوق أن السوق كسر فرض الحصار بالفعل، فحالما تأكد المستثمرون أن الحصار فشل عاود من باع لاغتنام الفرصة للدخول وأخذ مراكز جديدة في السوق بعد انخفاض بعض الأسهم لمستويات عامي 2010 و2011، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار وتحسن المؤشر العام حيث ارتفعت أسعار أسهم 26 شركة من إجمالي أسهم 44 شركة مدرجة بالبورصة القطرية، فيما انخفضت أسعار 15 سهمًا، وحافظت 3 شركات على إغلاقها السابق.
أسباب صمود البورصة
صمود بورصة قطر بعد الأزمة، نابع من قوة الاقتصاد البالغ حجمه 170 مليار دولار والذي لا يحمل ديون ثقيلة ويتمتع بملاءة مالية عالية واستثمارات أجنبية متنوعة في الخارج وهذا شكل حافزًا مهمًا لإبعاد الصدمة عن الأسواق، فضلا عن الأوضاع الجيدة للشركات المدرجة والتي ظهرت مؤشراتها المالية القوية في نتائج الربع الأول من العام الجاري.
ارتفعت القيمة السوقية للبورصة بعد نحو عشر أيام من اندلاع الأزمة، إلى 500.65 مليار ريال أي 136.56 مليار دولار
تمتلك قطر سيولة مالية تقترب من 400 مليار دولار، موزعة ما بين صندوق الثروة السيادي الذي يُدير أصولاً تزيد عن 335 مليار دولار، والباقي في شكل احتياطي من النقد الأجنبي، وتبلغ موجودات البنوك القطرية 1.3 ترليون ريال، جميع هذه السيولة تمكنها من تمويل تجارتها الخارجية، وتعد قطر الأولى عالميًا في إنتاج الغاز المسال بواقع 77 مليون طن سنويًا وهذا لم يتأثر بالحصار، وما يعطيها قوة أن احتياطياتها من الغاز المسال تبلغ 900 ترليون قدم مكعب.
كما أن لدى قطر واحدًا من أكبر بنوك المنطقة، وهو بنك قطر الوطني، وله مركز قوي في العالم، وهو ما يمكنه من فتح اعتمادات مستندية لمستوردي كل السلع والخدمات من الخارج، خاصة مع امتلاكها شبكة حول العالم.
وتمكنت قطر خلال السنوات الماضية البدء باستراتيجية لتنويع اقتصادها بعيدًا عن الصادرات النفطية، وكان أبرزها استضافة كأس العالم كما أنها احتلت المراكز الأولى في مؤشرات اقتصادية عالمية عديدة، وهو ما مكنها من استيعاب الصدمة.
أضف أن الشركات والمؤسسات الخليجية التي تعمدت بيع أسهم في سوق قطر بعد الأزمة لا تشكل ثقلا كبيرًا في السوق بحيث يؤدي انسحابها إلى انهيار السوق، وحتى حجم ما تم سحبه من السوق لا يعد كاف لعمل أزمة كبيرة بسبب ضآلته مقارنة بالقيمة السوقية للبورصة، كما يشكل مستثمرو مجلس التعاون الخليجي غير القطريين بشكل عام نسبة بسيطة من المستثمرين في السوق، وعلى سبيل المثال، يشكل المستثمرون الأفراد من مجلس التعاون نحو 0.25% من إجمالي ملكية أسهم بنك قطر الوطني، وهو البنك الأكبر في البلاد، بحسب بيانات البورصة القطرية.
عدم توفر الموارد المالية الكافية للوفاء باحتياجات البلاد، يسهم في إعطاء صورة أن الحكومة على وشك الإفلاس وأن الثقة بالأسواق والقطاعات ستنهار والمستثمرين سيغادرون إلا أن العكس سيمنح فرصة ثمينة للمستثمر لإعادة التمركز في أسهم رخيصة بعد تأكده أنها سترتفع في النهاية. وأن المؤسسات والشركات قادرة على المناورة وتعويض الخسارة المؤقتة، فصحيح أن الحدود أغلقت من جيران قطر كالسعودية والإمارات والبحرين، لكن هذا الإغلاق لم يؤثر على أنشطة الاقتصاد ولا المعيشة اليومية، إذ سرعان ما اكتشف المستثمر أن الأزمة خلقت فرصًا متنوعة للاستثمار في نشاطات مختلفة في البلاد كما حصل في قطاع الألبان.
صمود بورصة قطر بعد الأزمة التي عصفت بالبلاد، نابع من قوة الاقتصاد البالغ 170 مليار دولار
محللون في السوق ذكروا، إن كثيرًا من المؤسسات والأفراد بنوا مراكز مالية جديدة خلال الأسبوعين الماضيين، بعد تأكدهم من فشل الحصار المفروض وعدم تأثير الأزمة بالقرار السياسي للحكومة، وبالأخص بعد تدخل تركيا إلى جانب قطر وإرسالها جنود إلى قاعدة العديد العسكرية حسب الاتفاق بين البلدين وكسب قطر ثقة العديد من دول العالم من بينها ألمانيا وروسيا فضلا عن تذتذب الموقف الأمريكي، وهو ما أسهم في انتعاش الأسواق مجددًا.
كما أكد الرئيس التنفيذي لبورصة قطر، أن السوق قد تشهد المزيد من الإدراجات في الأشهر القادمة بعد خطط مجموعة استثمار القابضة لطرح 60% من أسهمها في البورصة وشركات أخرى، وأن البورصة بصدد تدشين صندوق مؤشرات مرجح بالذهب.