يبدو أنّ الوضع في الريف المغربي، يتّجه إلى مزيد من التعقيد مع فشل الحكومة في تطويق الاحتجاجات والحدّ من انتشارها رغم مضي أكثر من سبعة أشهر على انطلاقتها بعد مقتل بائع السمك محسن فكري سحقًا داخل شاحنة نفايات تابعة للبلدية وتشبثها بالمقاربة الأمنية وسياسة الاعتقالات التي تستهدف ناشطي الحراك.
هذه المرة وصل الأمر بالرباط حدّ استدعاء سفيرها لدى هولندا للتشاور بعدما اتهمت السلطات الهولندية بالتقاعس عن اتخاذ إجراء ضد مغربي مقيم في هولندا تقول إنه يمول اضطرابات مدنية، وهو ما اعتبرته أمستردام خطوة مغربية غير مفهومة قبل أن ترد وتستدعي سفيرها هي الأخرى.
المغرب يستدعي سفيره لدى هولندا ويتهمها بـ “التقاعس”
استدعاء سفيره من أمستردام للتشاور، الأحد، جاء بعدما اتهام الرباط السلطات الهولندية بالتقاعس عن اتخاذ إجراء ضد مغربي مقيم في هولندا تقول المملكة إنه يمول اضطرابات مدنية، في إشارة إلى حراك الريف شمال المغرب. وذكرت وزارة الخارجية المغربية أن المغرب “الذي كان دائماً متعاوناً في مجال مكافحة المخدرات وبطلب ملح من الاتحاد الأوروبي وهولندا، لن يسمح بأن يحظى مهرب مخدرات بوضعية خاصة تسمح له بإعادة خلق ظروف ملائمة لأنشطته الإجرامية”.
عرف شعو، الذي يحمل الجنسيتين المغربية والهولندية، بكونه من المطالبين بانفصال منطقة الريف عن البلاد
ورغم أن الوزارة لم تكشف هوية الشخص المطلوب وأكتفت بالقول إن “هذا المهرب المعروف كان موضوع مذكرتي بحث دوليتين أصدرتهما في حقه العدالة المغربية، لتكوينه عصابة إجرامية منذ 2010، والتهريب الدولي للمخدرات منذ سنة 2015″، إلا أن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة قال إن الرجل يدعى سعيد شعو (50 سنة) من منطقة الريف حيث الاحتجاجات.
ويعيش سعيد شعو في هولندا فارا من السلطات الأمنية بالمغرب، بعد ورود اسمه في قضية الاتجار بالمخدرات. هو من مواليد 1965 بمنطقة الريف المغربي، دخل المجال السياسي من بوابة حزب “العهد”، حيث حصل على مقعد برلماني عن منطقة الريف، قبل أن يُتهم بضلوعه في الاتجار الدولي بالمخدرات. وعرف شعو، الذي يحمل الجنسيتين المغربية والهولندية، بكونه من المطالبين بانفصال منطقة الريف عن البلاد، وترجم هذا المسعى إلى حضوره القوي في حركة 18 سبتمبر، الداعية إلى الحكم الذاتي بمنطقة الريف
وقبل يومين، ظهر شعو في شريط يتحدث فيه عن حراك الريف، فاعتبر أن معضلة الريف حلها بيد الدولة، وأن سكان الريف لا يحتاجون إلى وساطة مع المؤسسة الملكية، كما اتهم سياسيين مغاربة بالاغتناء غير المشروع على حساب مآسي الريف.
هولندا: القرار المغربي ” غير مفهوم وغير ضروري”
الردّ الهولندي على هذه الاتهامات المغربية لم يستغرق وقتا طويلا، حيث أعلنت السلطات الهولندية أن تعاونها مع المغرب مبني على الأسس القانونية الدولية وسلطة القانون. وقالت وزارات الخارجية والأمن والعدل الهولندية في بيان مشترك على مواقعها الإلكترونية، “هولندا ملتزمة مع المغرب بالتعاون الفعال في المستقبل وهذا التعاون القضائي سيكون مبنياً على الأسس القانونية الدولية وسلطة القانون، ما يجعل القرار الأخير للدولة المغربية غير مفهوم وغير ضروري”.
وقبل أيّام، حذرت وزارة الخارجية الهولندية مواطنيها من أصول مغربية الراغبين في السفر إلى المغرب مما أسمته “المخاطر”، ودعتهم إلى “أخذ الحيطة والحذر”، واتباع نصائح الوزارة، كما حثتهم، على ضرورة ترك معلوماتهم الشخصية لدى مصالحها في حالة سفرهم إلى المغرب، ليتسنى لها العثور عليه أو اغاثتهم في حالات “الطوارئ”.
صدامات جديدة بين المتظاهرين وقوات الأمن المغربي في أول أيام العديد
في الجانب الميداني دارت صدامات جديدة عشية أمس الاثنين بين المتظاهرين وقوات الأمن المغربي في مدينة الحسيمة، حيث استخدمت قوات الأمن المتمركزة في المدينة القوة لتفريق المتظاهرين لإجهاض تجمع كبير كان مقررا في هناك بالتزامن مع حلول عيد الفطر تلبية لنداء أطلقه حراك الريف للمطالبة بالإفراج عن قادته وأنصاره الموقوفين، على رأسهم زعيم الحراك ناصر الزفزافي المعتقل منذ الـ 29 من شهر مايو الماضي بتهمة “المساس بسلامة الدولة الداخلية”.
مسيرة كبرى تزامنت مع أول أيام العيد رغم التواجد الأمني الكثيف
وفي بلدة أجدير المجاورة للحسيمة، اندلعت مواجهات بين قوات الأمن ومتظاهرين أرادوا التوجه إلى الحسيمة”، ونتج عن هذه الصدامات وقوع إصابات واعتقال عشرات المتظاهرين، حسب تقارير تناقلتها وسائل اعلام محلية نقلا عن شهود عيان. كما منعت قوات الأمن متظاهرين أتوا من المناطق المجاورة، ولا سيما من إمزورن وتماسين، من الوصول إلى الحسيمة حيث أغلق المدينة بالكامل وضاعفت نقاط التفتيش المؤدية إليها.
لم تكن هذه الاحتجاجات التي يعرفها الريف المغربي الأولى من نوعها، فقد عرفت المنطقة بعض الاحتجاجات الاجتماعية في عهد العاهل الراحل الملك الحسن الثاني
وأدى مقتل بائع السمك الشاب محسن فكري سحقًا داخل شاحنة نفايات، إلى أحد أكبر الاحتجاجات على مستوى المملكة المغربية منذ عام 2011 عندما نظمت حركة 20 من فبراير مظاهرات تطالب بالإصلاح الديمقراطي مستلهمة انتفاضات الربيع العربي التي اندلعت في مختلف أرجاء المنطقة، وأصدرت الغرفة الجنائية بمحكمة الاستئناف في الحسيمة، نهاية الشهر، أحكامًا وزعت بين البراءة والسجن النافذ في حق 11 متابعًا في ملف ما عرف بـ “بائع السمك“.
ولم تكن هذه الاحتجاجات التي يعرفها الريف المغربي الأولى من نوعها، فقد عرفت المنطقة بعض الاحتجاجات الاجتماعية في عهد العاهل الراحل الملك الحسن الثاني الذي قمع بشدة ثورة في الريف في عام 1958 وكان آنذاك وليًا للعهد، كما انتفضت المنطقة في احتجاجات اجتماعية في عام 1984 إلى جانب عدد من مناطق المغرب.
استياء الملك
في أوّل موقف علني له تجاه ما يحدث في شكال البلاد منذ انطلاق الاحتجاجات، أعرب ملك محمد السادس عن استيائه من عدم تنفيذ الحكومة والوزراء المعنيين المشاريع التي يتضمنها البرنامج التنموي الخاص بمنطقة الحسيمة شمالي شرقي البلاد، والمقررة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2015.
وخلال اجتماع المجلس الوزاري الذي ترأسه في الدار البيضاء أمس الأحد، أصدر الملك أوامر بالتحقيق في أسباب عدم تنفيذ هذه المشاريع التنموية، وتحديد المسؤولية عن التقصير، ورفع تقرير بذلك في أقرب فرصة، كما وجّه الملك بعدم استفادة الوزراء المعنيين ببرنامج التنمية الخاص بالحسيمة من العطلة السنوية، وطلب منهم العمل على متابعة سير أعمال المشاريع فيها.
أصدر الملك تعليماته للوزراء بالانكباب على متابعة سير أعمال المشاريع المتعلقة بمدن الريف
ومن أبرز المطالب الملحة للجهة، إلى جانب الافراج عن المعتقلين، الإسراع بالكشف عن مآل التحقيق في ملف وفاة محسن فكري والإفراج عن المعتقلين على خلفية الأحداث الأليمة التي أعقبت احتجاجات “إمزورن” و”بني بوعياش” وإعطاء الأولوية للمطالب ذات الطبيعة الاجتماعية المتعلقة بالصحة والتعليم والتشغيل عبر خلق مؤسسة جامعية ومستشفى للسرطان، وخلق فرص للشغل عبر تقديم تحفيزات وامتيازات ضريبية للمستثمرين، حسب المحتجين.
تواصل الاعتقالات ولا عفو ملكي
كان منتظرا أن تفرج السلطات المغربية عن معتقلي الحراك بموجب عفوا ملكي بمناسبة عيد الفطر المبارك الذي احتفل به المغرب أمس الاثنين لتهدئة الوضع هناك، خاصة بعد موقفه الملك الأخير من تعطل المشاريع في الريف وابدائه الحرص على حلّ الأزمة، إلا أن ذلك لم يحصل، فالعفو صدر ولم يشمل معتقلي الحراك.
يطالب ساكنة الريف بضرورة إطلاق معتقلي الحراك من دون شرط أو قيد وإسقاط التهم التي يتم التحقيق فيها معهم
ليس هذا فقط بل قامت السلطات بجملة اعتقالات أخرى في صفوف أهالي الريف من ذلك اعتقال الشاب ولِيد حلّوشي في أحد شوارع حي سيدي عابد، في مدينة الحسيمة بعد تسجيل فيديو يدعو فيه للمشاركة وبكثافة من أجل إنجاح مسيرة عيد الفطر كما اعتقلت الناشط خالد البركة، بعد مداهمة بيته في قرية أولاد أمغار بمنطقة تمسمان، شرق مدينة الحسيمة.
ويطالب ساكنو الريف بضرورة إطلاق معتقلي الحراك من دون شرط أو قيد وإسقاط التهم التي يتم التحقيق فيها معهم، وإلغاء المتابعات في حقهم، وفي وقت سابق، كشف وزير العدل المغربي محمد أوجار، أن إجمالي من تم توقيفهم على خلفية الأحداث التي تعرفها الحسيمة وإقليم الريف بلغ 104 أشخاص، بينهم 86 ما زالوا رهن التوقيف، و8 يتم التحقيق معهم في حالة سراح (طلقاء)، و10 تم إطلاق سراحهم في وقت سابق دون توجيهتهم لهم، إلا أن عديد الأطراف تشكّك في أرقام الوزير.