هوس الاحتفاظ بالأشياء بين الاضطراب النفسي والهواية

compulsive-hording-issues

هل تعرف شخصًا يرفض التخلص من الأشياء التالفة أو عديمة القيمة، ويصر على الاحتفاظ بها بدعوى أنه قد يحتاجها يومًا ما؟ هذا الشخص وبغض النظر عن مدى تعلقه بالأشياء واحتفاظه بها، يعاني بدرجة ما، من اضطراب الاكتناز القهري Compulsive Hoarding، ذلك الاضطراب الذي قد يتسبب – في بعض الحالات الحادة – في موت صاحبه.

من مريض الاكتناز القهري؟

مريض الاكتناز القهري، لا يستطيع التخلص من الأشياء مهما كانت تالفة أو ليس لها قيمة، سواء كانت صحف قديمة أو مجلات، عبوات معدنية أو ورقية فارغة، ملابس قديمة لم تعد مناسبة أو صارت مهترئة، أثاث تالف ومكسور، وما إلى ذلك من تراكم مزعج غير مريح ومقزز لأشياء ليس لها قيمة، بل بالعكس، تجعل من الحياة في منازلهم العامرة بالفوضى، جحيم مستعر، وتمنعهم من الحركة، وتُصعّب من عملية التنظيف، ويتجمع بسببها الحشرات والقوارض.

كما يميل بعض المصابين بهذا الاضطراب للاحتفاظ بالعشرات من الحيوانات الأليفة في منازلهم، رغم صعوبة الاعتناء بهم بالشكل الصحي الصحيح. 

وتتراوح درجة اضطراب التكديس والاكتناز القهري لدى المصابين به بين المتوسطة والحادة، ففي بعض الحالات قد لا يظهر تأثيره على المصاب بشكل مباشر، وفي حالات أُخرى قد يؤثر الاضطراب على مسار حياة المصاب به ويتسبب في إصابة حياته بالشلل.

 تتلخص أعراض الاكتناز القهري في الأعراض التالية: 

– العجز التام عن التخلي عن أي شيء بغض النظر عن قيمته أو إمكانية استخدامه من قِبل المريض أو أي فرد من أفراد أسرته.

– التعلق المُفرط بالممتلكات الخاصة، لدرجة عدم السماح لأي شخص باستخدامها أو استعارتها، ويصل التعليق بالأشياء أحيانًا، إلى عدم تَقبّل المريض فكرة مغادرة أي شيء من الأشياء لمنزله.

– الفوضى التي تعم منزل المصاب بالاكتناز القهري، مما يجعل بعض الأماكن فيه غير صالحة  للعيش الآدمي أو إنجاز بعض المهام، كطهي الطعام في المطبخ أو استعمال الحمام.

– الاحتفاظ بأكوام لا محدودة من الصحف والمجلات ورسائل البريد، وترك بقايا الطعام والقمامة ليتراكما في الأنحاء بشكل مقزز ويدعو للغثيان.

– جمع أشياء عديمة الجدوى مثل المناديل الورقية من المطاعم أو جمع النفايات والاحتفاظ بها مثل الشعر المتساقط.

– صعوبة تنظيم المهام اليومية واتخاذ القرارات وتبني المماطلة والتأجيل كأسلوب حياة.

– الشعور بالإحراج أمام الآخرين والرغبة في الانعزال وعدم التواصل الاجتماعي هربًا من حكم الآخرين عليهم.

وقد بينت بعض الدراسات النفسية والاستشارات أن سبب احتفاظ الأشخاص المصابين باضطراب الاكتناز القهري بهذه الأشياء عديمة القيمة يرجع إلى:

– يؤمن هؤلاء إيمانًا تامًا أنهم سيحتاجون هذه الأشياء يومًا ما.

– يصبغون على هذه الأشياء صبغة عاطفية بدعوى أنها تذكرهم بأوقات سعيدة مرّوا بها، أو تحمل ذكريات لطيفة عاشوها.

– يستمدون الأمان من هذه الأغراض البالية التالفة، وتصبح لهم مصدرًا للأمان والراحة النفسية.

هل يمكن التمييز بين مصابي اضطراب الاكتناز القهري وهواة جمع الأشياء؟

مجموعة طوابع تخص أحد المهتمين بجمع الطوابع وتبدو مرتبة ومنسقة

يسهل تمييز مرض اضطراب الاكتناز القهري والتكديس عن هواة جمع الطوابع أو أعداد المجلات القديمة أو العملات المالية أو حتى جمع طراز معين من السيارات، فمحبو الجمع يبحثون عن أصناف بعينها من الأشياء ذات القيمة المعنوية أو المادية، ومن ثم ترتيبها وتصنيفها وعرضها بشكل مُنسّق على الآخرين والتباهي بها.

على عكس مرضى التكديس، الذين يجمعون أي شيء وكل شيء بلا تنسيق أو تنظيم ومن ثم وضعه في أي مكان دون الاهتمام به أو بالحفاظ على حالته ويخجلون من عرضه على الناس.

مجموعة من العملات المالية المعدنية المنسقة بعناية

كما أن هواة الجمع لا يشعرون بالضيق من امتلاء أماكن معيشتهم بالأشياء التي يقومون بتجميعها وتتسبب في خلق فوضى في المكان، حيث إن الشعور بالضيق واحد من أعراض اضطراب الاكتناز.

والإصابة باضطراب تكديس الأشياء، تلحق بأي شخص في أي فئة عمرية وأي وضع اقتصادي، ورغم صعوبة تخمين أو معرفة النسبة الحقيقية لعدد المصابين بهذا الاضطراب ومدى انتشاره، بسبب عدم اعتراف الكثير من المرضى بإصابتهم بهذا الاضطراب وعدم سعيهم للعلاج، الدراسات تشير إلى وجود مليون مصاب بهذا الاضطراب داخل الولايات المتحدة الأمريكية. 

وتقول بعض الدراسات إن هناك عوامل وراثية في الإصابة بهذا الاضطراب، ويرى البعض الآخر أن بعض مرضى الوسواس القهري يعانون من اضطراب التكديس القهري، كما ربط بعض الإخصائيين النفسيين بين الأزمات النفسية الحادة كفقدان حبيب أو فقدان ممتلكات في كارثة طبيعية (زلزال – حريق – إعصار) بين الإصابة بهذا الاضطراب.

وقد يبدو الاكتناز القهري في مراحله الأولى غير مؤذٍ، ويمكن اعتباره مجّرد شكل من أشكال التعلّق بالأشياء التي قد تكون ذات نفع في المستقبل، لكن سرعان ما يتطور الاضطراب، ويصل إلى حالة مرضية يصعب التعامل معها وقد يتسبب في مقتل المصاب به، بعد تحول منازلهم لبؤرة قوارض وحشراب وبكتريا.

الأخوان كولير اللذان ماتا تحت أطنان من النفايات المكدسة

جانب من الأشياء التي كان يجمعها الإخوة كولير وتسببت في النهاية بمقتلهما

ومن أشهر حالات الاكتناز المعروفة، حالة الأشقاء هومر ولانجلي كولير، اللذان لقيا حتفهما بسبب اضطراب الاكتناز القهري في منزلهما الكائن في مانهاتن عام 1947، حيث وجدت جثة أحدهما تحت أطنان من أوراق المجلات والصحف التي كان يجمعها، وقال رجال الشرطة إن الآخر مات جوعًا، أو ربما بسبب أحد الأفخاخ الموجودة في المنزل والتي وضعاها من أجل إبعاد الناس عن الدخول لمنزلهم.

رجال الشرطة يعثران على جثة أحد الأخوين تحت أطنان القمامة الموجودة في أرجاء المنزل بعد عملية بحث دامت 10 أيام

ووجد رجال الشرطة أطنانًا من الأشياء الغريبة المجمعة داخل منازلهم، بداية بأطنان من الصحف والمجلات، مرورًا بأثاث تالف، صناديق نفايات، 25 ألف كتاب، شاسيه سيارة قديمة، جزء من عربة تجرها الخيول، مئات الأمتار من أقمشة وحرائر لم تستخدم قط، أعضاء بشرية محفوظة في محاليل ملحية، إطارات سيارت نقل، والكثير الكثير من الخردة والأجزاء المعدنية.

هوس الكتب Bibliomania

هوس اقتناء الكتب

والببلومانيا، مصطلح يُطلق على حالة متطرفة من حب الكتب واقتنائها، حيث تبدأ الإشارات الأولى لهذا الاضطراب الذي يُصنفه البعض ضمن حالات الاكتناز القهري أو الوسواس القهري، بالشعور بالبهجة الخالصة عند الوجود في مكتبة أو مشاهدة أي كتاب، ثم لا يلبث أن يتحول الأمر إلى رغبة ملحة في اقتناء أي كتاب من أي نوع.

أما المرحلة المتقدمة من هذا الاضطراب، فتصل بالمريض إلى حالة هوس بشراء واقتناء أكبر قدر من الكتب وأكثر من نسخة من الكتاب الواحد، لمجرد الامتلاك فقط، وادعاء إمكانية الاستفادة منه يومًا ما، وعدم الموافقة على إعارته لأي شخص قد يستفيد منه حقًا، والخوف طيلة الوقت من أن يلمس الآخرون هذه الكتب، ورغم ذلك، لا يعد الهوس بالكتب اضطراب نفسي معترف به من الجمعية الأمريكية للطب النفسي.

أعراض الإصابة بالببلومانيا

من أكثر الأعراض انتشارًا، شدة الولع والشغف باقتناء الكتب، حيث إن أرفف مكتبات المصابين بهذا الاضطراب تكون في حالة فوضوية لا يمكن معها تمييز الكتب أو معرفة ماهيتها، ويصل الأمر أحيانًا إلى تخزين الكتب في أحد الأقبية أو الغرف المغلقة بشكل غير نظامي وتراكمي.

ومن أشهر المصابين بهذا الاضطراب، السير توماس فيليبس Sir Thomas Phillipps المتوفى سنة 1872، والذي كان مهووسًا بالكتب وجمعها، لدرجة أن مجموعته كانت تضم نحو 160 ألف كتاب ومخطوط، وظلت المزادات تقام لمدة تزيد على مئة سنة بعد وفاته لبيع هذه المجموعة.

ومن أعراض هذا الهوس المرضي أيضًا، عدم تفويت المصاب به أي معرض للكتاب، حيث تراه في حالة مبالغ فيها من الحبور والسعادة في حالة وجوده في مكان به كتب.

وقد يصل حد الهوس بالكتب ببعض المصابين به أن يقوموا بالاستيلاء وسرقة الكتب – وأحيانًا نسخ عديدة من نفس الكتاب – دون أي سبب منطقي، ويعرف هذا الفعل بمصطلح “bibliokleptomania”، والذي يعني سرقة الكتب، ويندرج تحت مرض الببلومانيا، حيث يتطور الهوس بالكتب ليصل إلى عدم إحساس المصاب به بأي ذنب عندما يبدأ في سرقة الكتب. 

ومن أشهر حوادث سرقة الكتب التي حدثت بسبب هذا الوساوس، عندما تم ضبط ستيفن بلومبرج عام 1990، واكتشفوا سرقته ما يزيد على 23 ألف كتاب ومخطوطة نادرة من المكتبات والمتاحف والمعارض، والتي تصل قيمتها إلى 5 ملايين دولار.