لم يكن يخطر ببال الليبيين واليمنيين الذين خرجوا بالملايين إلى الشوارع للمطالبة بإسقاط أنظمتهم قبل نحو 6 سنوات ونصف، أن الله سيسلط عليهم ثلة من المتربصين بثوراتهم وثرواتهم، ليعكروا صفو حياتهم ويدفعونهم لرفع السلاح ومقاتلة بعضهم البعض.
هؤلاء المتربصون بثورات شعوب عربية خرجت ذات شتاء 2011 تنادي بإسقاط أنظمة ديكتاتورية لم ترقب فيهم إلا وذمة طيلة عقود من الزمن، ظنوا في لحظة لا وعي أنهم قادرون على تسيير المنطقة بأسرها والتحكم فيها وقتل وسجن وتشريد من لا يعجبهم من المعارضين، إسلاميين كانوا أم علمانيين، لكنهم تناسوا أن الشعوب لن تخضع لأهوائهم ورغباتهم مهما مرت بالمحن والشدائد والفتن.
دعمت أبو ظبي مليشيات المشير خليفة حفتر في تدمير الأخضر واليابس في بنغازي ودرنة وغيرهما من المدن التي دفعت غاليًا، ثمن خروجها على معمر القذافي
من هذه الشعوب التي تآمر عليها بنو جلدتهم وجيرانهم لإفشال ثورتيهما وتنغيص فرحتهما بعيد الفطر المبارك الذي احتفل به غالبية المسلمين يوم الأحد، الشعبين الليبي واليمني، اللذين لم يجدا ما يفرحان به سوى الدمار والخراب والأوبئة بسبب الحرب الأهلية التي أبت دولة الإمارات العربية المتحدة إنهاءها، وأججتها عن طريق رجالها في الدولتين.
ففي ليبيا، وبعد أشهر قليلة من نجاح الليبيين في تنظيم أول انتخابات حرة ونزيهة، صعد بمقتضاها الإسلاميون إلى البرلمان ليشاركوا في الحكم وليتعاونوا مع بقية الأحزاب والشخصيات السياسية لبناء ليبيا الغد، دعمت أبو ظبي مليشيات المشير خليفة حفتر في تدمير الأخضر واليابس في بنغازي ودرنة وغيرهما من المدن التي دفعت غاليًا، ثمن خروجها على معمر القذافي.
هذه الانتخابات الناجحة، لم تعجب “عيال زايد” ومستشار ولي عهدهم محمد دحلان، الذي تورط سابقًا فيالسمسرة والتوسط للعقيد معمر القذافي، في شراء صفقة أسلحة إسرائيلية ليقمع بها الاحتجاجات التي عمت البلاد عام 2011، فسلوا سيوفهم وأخرجوا رجالهم من الأرشيف، ودعموهم بمئات الملايين من الدولارات وطلعات الطائرات الحربية، لكي يحولوا حياة الليبيين إلى جحيم، ويقلبوا خلافات أبناء البلد الواحد إلى حرب مدمرة، راح ضحيتها آلاف المدنيين وخسائر بمليارات الدولارات.
يتساءل البعض، لماذا تفعل الإمارات بالليبيين هكذا، رغم أنهم أبعد ما يكون عن حدودها وتهديد أمنها القومي، لكن العارف بتاريخ القوم المرعوبين، سيتأكد أن شيوخ الإمارات خائفون من أن تطال الثورات العربية قصورهم المحصنة بمرتزقة بلاك ووتر
لم يكن يهم كثيرًا ولي عهد أبو ظبي ومستشاره محمد دحلان القيادي الفتحاوي المفصول، إنفاق مئات ملايين الدولارات على مليشيات حفتر ورجاله العاملين في الشأن السياسي، ما دام الشعب الإماراتي ساكتًا عن حقوقه وراضيًا على إيذاء حكامه لبني جلدتهم وأخوانهم، بل كان همهم الأكبر، تخريب الليبيين بيوتهم بأيديهم، بالاستعانة بطائرات سلاح الجو الإماراتي والمصري.
قد يتساءل البعض، لماذا تفعل الإمارات بالليبيين هكذا، رغم أنهم أبعد ما يكون عن حدودها وتهديد أمنها القومي، لكن العارف بتاريخ القوم المرعوبين، سيتأكد أن شيوخ الإمارات خائفون من أن تطال الثورات العربية قصورهم المحصنة بمرتزقة بلاك ووتر، حتى إنهم قاموا في شهر مارس 2001، بسجن وسحب جنسية عشرات المصلحين من خيرة أبناء الإمارات، بسبب مطالبتهم بـ”انتخاب أعضاء المجلس الوطني الاتحادي، وتعديل المواد الدستورية ذات الصلة بالمجلس”.
في مارس 2011، فهمت السلطات الإماراتية عريضة الإصلاح التي رفعها 133 إماراتيًا إلى رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد، كإعلان حرب عليها من قبل النشطاء السياسيين، مما دفعها إلى قطع عهد على نفسها بإفشال أي تحرك ثوري في كل الدول العربية، إضافة إلى دعم الثورات المضادة وتمويل الانقلابات، والرهان على تقسيم المقسم وتجزئة المجزئ في كل من ليبيا واليمن.
اليمن التي أطلقت المملكة العربية السعودية رفقة حلفائها في شهر مارس 2015، “عاصفة الحزم” لإعادة الشرعية والقضاء على الحوثيين وحليفهم علي عبد الله صالح، الذين سيطروا على العاصمة صنعاء ومدن أخرى نهاية العام 2014، لم يمنع من مؤامرات “عيال زايد” الذين راهنوا على إذلال شيوخه وقتل مصلحيه وسجن علمائه وتصفيتهم.
فقبل أيام قليلة، كشف تحقيق أجرته وكالة أسوشيتد برس عن وجود شبكة سجون سرية في اليمن تديرها الإمارات داخل قواعد عسكرية ومطارات ومواني يمنية عدة، يخضع فيها المعتقلون لصنوف مختلفة من التعذيب تصل إلى حد شواء السجين على النار، كما أشارت الوكالة إلى أنها وثقت ما لا يقل عن 18 سجنًا سريًا في جنوب اليمن تحت إدارة الإماراتيين أو القوات اليمنية التي شكلتها ودربتها الإمارات، وفق تقارير جمعتها من معتقلين سابقين وعائلات السجناء ومحامين وحقوقيين ومسؤولين عسكريين يمنيين.
على غرار هذه المعتقلات السرية التي ينكل فيها باليمنيين من قبل الإماراتيين والمجموعات المسلحة الموالية لهم، لا تزال أبو ظبي تراهن على تقسيم اليمن وفصل جنوبه عن شماله
منظمة هيومن رايتس ووتس هي الأخرى، وثقت حالات 49 شخصًا من بينهم 4 أطفال، تعرضوا للاحتجاز التعسفي أو الإخفاء القسري في محافظتي عدن وحضرموت العام الماضي، اعتقلت واحتجزت منهم قوات أمنية مدعومة من الإمارات، 38 على الأقل، كما ذكرت المنظمة الحقوقية الدولية، أن قوات الحزام الأمني وقوات النخبة الحضرمية المدعومة إماراتيًا، استخدمت القوة المفرطة خلال الاعتقالات والمداهمات، واعتقلت أقارب مشتبه بهم للضغط عليهم للاستسلام بشكل “إرادي”، واحتجزت تعسفًا رجالاً وشبانًا، واحتجزت أطفالاً مع راشدين، وأخفت العشرات قسرًا، ونقلت المنظمة عن أحد المحتجزين السابقين نقلاً عن محتجز آخر في أحد معتقلات عدن غير الرسمية الكثيرة قوله: “هذا سجن لا عودة منه”.
وعلى غرار هذه المعتقلات السرية التي ينكل فيها باليمنيين من قبل الإماراتيين والمجموعات المسلحة الموالية لهم، لا تزال أبو ظبي تراهن على تقسيم اليمن وفصل جنوبه عن شماله، رغم المعارضة السعودية لذلك، وهو ما تفطن إليه الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، الذي نفذ ضربات استباقية ضد رجال الإمارات المحيطين به، على غرار محافظ عدن عيدروس الزبيدي، أحد قيادات الحراك الجنوبي المدعوم إماراتيًا، والذي ينادي بانفصال الجنوب اليمني عن شماله، ووزير الدولة السلفيهاني بن بريك قائد قوات “الحزام الأمني”، التي تشكلت بتمويل ودعم إماراتي في الجنوب، لمواجهة نفوذ جماعة الإخوان المسلمين، التي يمثلها في اليمن حزب التجمع اليمني للإصلاح.
بالخراب والدمار والأوبئة والتهديد بالتقسيم، هكذا احتفل الليبيون واليمنيون بعيد الفطر المبارك، وهكذا أضحى حال ليبيا واليمن بفضل تآمر الإمارات عليهما
بركات عاصفة الحزم السعودية الإماراتية لم تقف عند هذا الحد، فبفضل تدمير البنية التحتية لليمن وتواصل الحرب منذ أكثر من سنتين، تفشى وباء الكوليرا في البلاد، مما استدعى تحذير منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” من أن مرض الكوليرا ينتشر في اليمن بصورة غير مسبوقة، وهو ما يحول وضع الأطفال المزري إلى كارثة، في حين قال غيرت كابيلير، المدير الإقليمي لليونيسيف، بعد زيارته لليمن: “في غضون شهر واحد فقط، أُعلن ظهور ما يقرب من 70 ألف حالة إصابة بالكوليرا، ووفاة نحو 600 شخص”.
إذًا، بالخراب والدمار والأوبئة والتهديد بالتقسيم، احتفل الليبيون واليمنيون بعيد الفطر المبارك، وهكذا أضحى حال ليبيا واليمن بفضل تآمر الإمارات عليهما، وتهافت مرتزقتها على موائد “العيال الكبرانة” طمعًا في “الرز” الذي سينضب لا محالة، بعد أن تقع الفأس في الرأس ويقول المتآمرون: “يا ليتنا أخذنا بنصائح عريضة الإصلاح ولم نكن من المتكبرين”.