قدمت الدول الأربعة المقاطعة لقطر (السعودية – الإمارات – مصر – البحرين) مطالبها لقطر، وقد احتوت المطالب التي تسربت للإعلام والتي يلزم لتطبيقها 10 أيام فقط، على 13 بندًا، بدت لكثير من المعلقين والمحللين في أغلبها مطالب غير منطقية، والتي من بينها إغلاق قناة الجزيرة القطرية التي لطالما عرفت بمهنيتها وتغطيتها الكبيرة خلال ثورات الربيع العربي وكذلك تخفيض العلاقات الدبلوماسية مع إيران.
وموضوعنا الذي سنتناوله في هذا المقال هو الموقف التركي من طلب إغلاق القاعدة التركية في الدوحة، حيث تم المصادقة على نشر عسكريين فيها من البرلمان التركي بعد وقوع الأزمة بعدة أيام (حيث صدق 240 نائبًا في البرلمان من حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية) .
وبعد قبول البرلمان التركي للاتفاقية ومصادقة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عليها، ذهب وفد عسكري تركي فني إلى قطر من أجل تشغيل القاعدة وتهيئة الأوضاع هناك لاستقبال عدد أكبر من الجنود الأتراك والمعدات العسكرية التركية، حيث كان يوجد في القاعدة عدد من المعدات العسكرية والعربات المدرعة التركية ولم تكن مهيأة لاستقبال بضعة آلاف من الجنود الأتراك.
كما زار وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو، قطر بعد ذلك، وقد تزامن الطلب من الدول المقاطعة لقطر مع وصول أول دفعة من القوات التركية التي تهدف لزيادة العدد في القاعدة في الدوحة إلى 3000 عسكري تركي.
علق وزير الدفاع التركي بأنه لا ينبغي أن يشعر أحد بالقلق من القاعدة التركية في الدوحة، فهي من أجل تأمين استقرار المنطقة ولا يوجد احتمال للتراجع عن الاتفاقية مع قطر
ولعل الذي اشتهر هو طلب إغلاق القاعدة التركية في الدوحة، ولكن الأمر أبعد من ذلك، حيث احتوت المادة المتعلقة بتركيا بضرورة إيقاف جميع أشكال التعاون العسكري مع تركيا داخل الحدود القطرية، وفي أول تعليق تركي رسمي قال وزير الدفاع التركي فكري إيشيك إن تركيا لم تبلغ من قبل قطر بأي شيء من هذا القبيل، ولكن إن وجد هذا الطلب فهذا يحمل تدخلاً في شؤون ثنائية بين دولتين، كما علق وزير الدفاع بأنه لا ينبغي أن يشعر أحد بالقلق من القاعدة التركية في الدوحة فهي من أجل تأمين استقرار المنطقة ولا يوجد احتمال للتراجع عن الاتفاقية مع قطر.
وبالنظر إلى تصريح وزير الدفاع التركي فإن تركيا لا يبدو أنها ستوافق على هذه الخطوة، ومن المتوقع أن يحدث تصعيد في الخطاب التركي ولكن ربما بعد انتهاء مهلة الـ10 أيام، ومن المرجح انتظار الخطوة التالية من الدول المقاطعة لقطر.
ولكن ليس من المعروف إذا كانت تركيا ستسرع انتقال المزيد من العسكريين الأتراك خلال مهلة الـ10 الأيام، وكما ذكرت على الأرجح أن تنتظر تركيا حتى تتبين حقيقة وجدية الموقف المقاطع لقطر وعينها كذلك ستبقى على الموقف الأمريكي الغامض من الأزمة الخليجية.
ولهذا عند النظر إلى هذه المطالب بما فيها مطلب إغلاق القاعدة التركية وإنهاء اتفاقية التعاون العسكري بين تركيا وقطر، فإن الأتراك لا يتوقعون أن تنصاع قطر لهذه المطالب ويرونها مطالب غير منطقية أبدًا، ويعتقدون أن قطر تستطيع أن تتغلب على هذا الحصار من خلال مواردها المالية الكبيرة ووجود مجال جوي وبحري تستطيع أن تتحرك فيه.
نظريًا لا نستبعد نهائيًا تجاوب قطر مع بعض المطالب ولكن هذا سيأخذ وقتًا أطول، وسيعني أن قطر قبلت بهذه المطالب، مع أن ذلك غير متوقع حاليًا إلا أن هذا سيعني أن الدولة القادمة بعد قطر ستكون تركيا التي ستقف وحدها أمام عداء إقليمي، ولعل تركيا تدرك هذا الأمر وسيتعين عليها الموازنة بين خياراتها التي يعد أحلاها مرًا وفيه أثمان كبيرة
وفيما تبنت تركيا موقفًا أقرب من التوازن في الأزمة منذ بدايتها وإلى حين كتابة هذه السطور وحاولت أن تتدخل من أجل حل الأزمة بالحوار، فقد كان هناك شكًا كبيرًا دائمًا في إمكانية أن تنجح تركيا بعمل شيء، فالأطراف المقاطعة لقطر تعتبر تركيا طرفًا منحازًا لقطر، فتركيا رفضت حصار قطر منذ البداية، كما أن السعودية شددت موقفها بعد عودة الوفد التركي من الرياض، ولم تنجح زيارة وزير الخارجية التركي إلى الرياض في إحداث شيء، ولهذا فإن هذه الخطوة الأخيرة من قبل السعودية والإمارات تحديدًا تبدو أنها استهداف مباشر لتركيا.
يبدو أن هناك رسالة سعودية مفادها أن السعودية تريد أن تصبح قوة إقليمية من خلال الدعم الأمريكي ولا تريد لأي دولة أخرى أن تستعرض مظاهر قوتها في جوارها، ولكن هذه اللعبة تعد لعبة خطرة بالنظر إلى المرتكزات التي ترتكز إليها القوى الإقليمية الأخرى في المنطقة.
لعلنا نظريًا لا نستبعد نهائيًا تجاوب قطر مع بعض المطالب ولكن هذا سيأخذ وقتًا أطول وسيعني أن قطر قبلت بهذه المطالب، ومع أن ذلك غير متوقع حاليًا إلا أن هذا سيعني أن الدولة القادمة بعد قطر ستكون تركيا التي ستقف وحدها أمام عداء إقليمي، ولعل تركيا تدرك هذا الأمر وسيتعين عليها الموازنة بين خياراتها التي يعد أحلاها مرًا وفيه أثمان كبيرة.
على كل حال لا بد لنا أن ننتظر مهلة 10 أيام في حال لم تقم قطر برد قبل انتهائها، ومع هذا فإن عددًا من الكتاب الأتراك يرون أن هذه الأزمة يبدو أنها لن تنتهي قريبًا وربما قد تجلب تدخلات عسكرية من دول أخرى مثل روسيا، ولكن هذا يبدو صعبًا حاليًا مع الوجود العسكري الأمريكي في الخليج.
لن تحدد العشرة أيام القادمة العلاقات بين قطر وجيرانها الخليجيين، بل ربما تكون نقطة تحول في المسار الإقليمي والدولي كله.