شهدت الأيام القليلة الماضية تحشيدات عسكرية كبيرة للقوات التركية على الحدود مع سوريا فى ولاية كيليس التركية، ومنطقة إعزاز فى ريف حلب الشمالي والمحاذية لمنطقة عفرين، وتشمل التعزيزات دبابات وناقلات جند ومدافع وآليات مدرعة ورصدت بعض المصادر 11 عربة عسكرية بينها 4 شاحنات محملة بالمدافع، فيما يبدو كاقتراب اختمار فكرة تدخل أنقرة في عملية جديدة بالشمال السوري الغرض منها توسيع منطقة نفوذ تركيا في الشمال.
ويسعى الجيش التركي بمساعدة من فصائل سورية منضوية تحت درع الفرات، للدخول إلى مدينة تل رفعت ومطار منغ في المرحلة الأولى، ولم تُحدد حتى الآن أسماء الفصائل المشاركة، لكن على ما يبدو سيتم استثناء الفصائل ذات الولاء الأمريكي، وتتضمن المرحلة الثانية التقدم في محيط مدينة إعزاز، والوصول إلى مريمين التي تبعد 5 كيلومترات عن مدينة عفرين.
يأتي هذا بعد انتهاكات قوات سوريا الديمقراطية “قسد” وقصفها لمناطق سيطر عليها درع الفرات وتحركات “قسد” العسكرية في الآونة الأخيرة والساعية لتعزيز سيطرتها على مناطق عفرين وغيرها، وباعتبار أن أنقرة تسجل انتهاكات “قسد” على أنها خطر على الأمن القومي التركي، زادت الحشود والتعزيزات العسكرية لكسر القوات الكردية هناك وإسقاط مخططاتها بتأسيس كيان كردي في الشمال.
التحركات التركية الأخيرة تعززت بعد حملة محور الرياض أبو ظبي على قطر واصطفاف أنقرة مع الدوحة ضد محور المقاطعة، فيما رد المحور على تركيا بدعم انفصال الأكراد في سوريا والعراق
كانت لتقتصر التحركات التركية على طرد الاتحاد الديمقراطي من مناطق ريف حلب الشمالي وكان هذا السيناريو الأبرز للتدخل التركي في سوريا، ولكن ظهر سيناريو آخر بعد تصريح المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن عن إمكانية نشر قوات روسية وتركية في محافظة إدلب في إطار مناطق خفض التصعيد.
في الأثناء تستمر الاشتباكات العنيفة بشكل متقطع منذ أسبوعين على جبهات التماس بين قوات المعارضة السورية المنضوية في إطار عملية درع الفرات وقوات الاتحاد الديمقراطي في ريف حلب الشمالي، كما قصف الجيش التركى مواقع لتنظيم وحدات حماية الشعب الكردية السورية فى منطقة عفرين بريف حلب الشمالى شمال غرب سوريا، ومن جهة أخرى تجهز السلطات التركية مساعدات إنسانية كبيرة، تحسبًا لأي عملية نزوح من القرى والمدن المجاورة على إثر العملية العسكرية المرتقبة.
درع الفرات 2
في تصريحات له اليوم الأربعاء عاود الرئيس التركي ما أكد عليه مرارًا وتكرارًا، استعداد بلاده لعمل عسكري جديد في شمال سوريا وإلحاق الرقة ومنبج بمنطقة مسؤوليتها ضمانًا لأمن الحدود التركية.
وقال أردوغان فى تصريحات جديدة: “نحن على استعداد تام للعمل العسكري لدى شعورنا بأدنى خطر قد يهدد بلادنا”، مشيرًا إلى أن سوريا تشهد في الوقت الراهن عمليات سلبية وإذا تمخض عن هذه العمليات أي خطر يهدد أمن حدودنا سوف نرد كما فعلنا خلال عملية درع الفرات.
وأعرب أردوغان عن أسفه حيال تواطؤ شركاء استراتيجيين لأنقرة مع الإرهابيين من تنظيم حزب العمال الكردستاني وجناحه العسكري المتمثل في وحدات حماية الشعب الكردية الناشطة شمال سوريا، وسبقها تصريحات في أول أيام العيد لأردوغان قال فيها: “كما حررت القوات التركية بالتعاون مع الجيش السوري الحر 2000 كيلومتر شمالي سوريا، فإنها ستفعل الشيء نفسه في الفترة المقبلة”.
إعلان بداية معركة جديدة لتركيا في سوريا مرتبط بتطورات قادمة على وشك الحدوث وأبرزها في الرقة بعد تحريرها من “داعش” من حيث من سيدير المدينة بعد تحريرها وفيما إذا سيتم سحب السلاح الأمريكي النوعي الممنوح للقوات الكردية
إلا أن منظر التحشيدات العسكرية للجيش التركي على الحدود مع سوريا تم الاعتياد عليه خلال السنوات الماضية، أضف أن التصريحات التركية لا تتوقف بخصوص إمكانية التدخل وشن عملية عسكرية برية في مناطق معينة بالشمال السوري، لذا يرى مراقبون أنه لا جديد حتى الآن في المشهد التركي فيما بخص التدخل بسوريا، ولكن قد يفهم من تلك التحشيدات وجود خطط ونية تركية لمحاولة الاستفادة من التوتر الأمريكي الروسي القائم.
الخلاف الروسي الأمريكي محتدم والعلاقات بين البلدين في أدنى مستوياتها منذ الحرب البادرة، حيث تصاعدت حدة الخلافات بين الجانبين على إثر إسقاط الطيران الأمريكي طائرة سوخوي 22 الروسية التابعة لقوات النظام السوري، وإعلان روسيا وقف العمل بمذكرة منع الحوادث في الأجواء السورية، ومن ثم فرض الولايات المتحدة عقوبات جديدة على أشخاص ومصارف وشركات روسية، فردت روسيا بإلغاء المشاورات الثنائية على مستوى نائبي وزيري الخارجية، تيلرسون ولافروف.
وإلى جانب استغلال الخلاف الأمريكي الروسي فإن إعلان بداية معركة جديدة لتركيا في سوريا مرتبط بتطورات قادمة على وشك الحدوث، وأبرزها تحرير مدينة الرقة من “داعش” من حيث من سيدير المدينة بعد تحريرها، وفيما إذا سيتم سحب السلاح الأمريكي النوعي الممنوح للقوات الكردية، وهو ما تراجعت عنه واشنطن في الأمس، إذ صرح وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس في تصريحات من شأنها أن تعزز أزمة الثقة بين أنقرة وواشنطن فيما يتعلق بملف أكراد سوريا، بعدما ترك ماتيس الباب مفتوحًا أمام احتمال تقديم مساعدات عسكرية مستقبلية لـ”وحدات حماية الشعب” الكردية، قائلاً إن الولايات المتحدة ربما تحتاج إلى إمداد وحدات حماية الشعب بأسلحة ومعدات حتى بعد استعادة الرقة من “داعش”، وهو ما كانت تتوقعه القيادة التركية في هذا الشأن، لذا لم يكن أمرًا مفاجئًا لها، وستسعى من خلال حملتها الجديدة لوضع حد للدعم الأمريكي للأكراد.
من شأن اتفاق أستانة أن يُدخل سوريا إلى مرحلة جديدة عنوانها تحويل البلاد إلى مناطق نفوذ واضحة المعالم بين الأطراف الإقليمية والدولية وستكون منطقة النفوذ التركية في الشمال والشمالي الغربي لسوريا
من جهة أخرى هناك اجتماع أستانة بجولته الخامسة مطلع الشهر المقبل، فالمفاوضات الجارية بين خبراء من الدول الضامنة لترسيم مناطق خفض التصعيد، انتهت حتى الآن بالتوافق على المنطقة الثانية والثالثة وتشملان الغوطة الشرقية وشمال حمص وشمال غربي حمص، بينما لا تزال المنطقتان الأولى والرابعة قيد التفاوض ممثلة بدرعا وبعض ريف القنيطرة بالمنطقة الرابعة وتشكل إدلب المنطقة الأولى.
ومن شأن هذا الاتفاق أن يدخل سوريا لمرحلة جديدة عنوانها تحويل البلاد إلى مناطق نفوذ واضحة المعالم بين الأطراف الإقليمية والدولية وستكون منطقة النفوذ التركية في الشمال والشمالي الغربي لسوريا، ومن شأن تدخل تركيا إلى جانب روسيا في مناطق سيطرة المعارضة في كل من إدلب وريفي حلب وحماة لضرب هيئة تحرير الشام وهو ما يسمح لتركيا إطباق الحصار على منطقة سيطرة الاتحاد الديمقراطي.
أستانة 4 وإعادة التموضع التركي في سوريا
بحسب الخطة التركية المقترحة التي سيتم اتخاذ القرار النهائي بشأنها في اجتماع أستانة في 4 و5 من يوليو/تموز، فإن دخول الجيش التركي سيتم بالتعاون مع نحو 1500 إلى 2000 من عناصر الجيش السوري الحر، من ثلاثة محاور بطول 85 كيلومترًا على طول حدود ولاية هاتاي “لواء إسكندرون”، وذلك بعمق 35 كيلومترًا، بدءًا من بلدة دارة عزة وقلعة سمعان في ريف حلب الغربي، وصولاً إلى خربة الجوز في محافظة إدلب على الحدود السورية، كما ستمتد مناطق السيطرة التركية إلى سهل الغاب في حماة، بينما ستدخل قوات روسية إلى باقي مناطق سيطرة المعارضة، بالتعاون مع بعض وحدات قوات النظام السوري.
ويُذكر أيضًا أن التحركات التركية الأخيرة تعززت بعد حملة محور الرياض أبوظبي على قطر واصطفاف أنقرة مع الدوحة ضد محور المقاطعة، حيث رد المحور على تركيا بدعم انفصال الأكراد في سوريا والعراق وذلك من خلال دعم الاستفتاء على تقرير المصير الذي أعلنت عنه سلطات إقليم كردستان العراق خلال الأسابيع الماضية، المزمع إجراؤه في سبتمبر/أيلول المقبل، ويتمحور حول استطلاع رأي سكان المحافظات الثلاث بالإقليم، وهي أربيل والسليمانية ودهوك، فيما إذا كانوا يرغبون بالانفصال عن العراق من عدمه.
تجهز السلطات التركية مساعدات إنسانية كبيرة، تحسبًا لأي عملية نزوح من القرى والمدن المجاورة إثر العملية العسكرية المرتقبة
واعتبرت تركيا على لسان وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو أن اعتزام إقليم كردستان تنظيم استفتاء بشأن انفصاله من العراق، خطير وعمل تصعيدي، وأكد الوزير دعم بلاده بشكل قوي وحدة وسلامة الأراضي العراقية والسورية، كما وصف رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، قرار الإقليم الكردي تنظيم استفتاء للانفصال عن العراق، بأنه “صادر بطريقة غير مسؤولة” في ظل الأزمات التي تشهدها المنطقة.
إلى ذلك سعى محور الرياض أبوظبي أيضًا لمعادة تركيا عبر تحسين صورة قوات حزب الاتحاد الديمقراطي في القنوات الإعلامية المدعومة من قبل السعودية والإمارات، ومن ثم تغطية الانتصارات في معركة الرقة على يد قوات النخبة التي يقودها رئيس الائتلاف السابق أحمد الجربا المدعوم من السعودية والإمارات بشكل مباشر، جميع تلك المؤشرات تعد إرهاصات لتدخل تركي في سوريا قريبًا، ومن ثم سيغير من شكل العلاقة بين تركيا والمعارضة السورية لتنتقل من التدخل العسكري إلى إدارة شؤون المناطق الواقعة تحت النفوذ التركي.