ترجمة وتحرير: نون بوست
في 11 تشرين الأول /أكتوبر، أي بعد أربعة أيام من الهجمات التي قادتها حماس في إسرائيل، خاطب الرئيس جو بايدن مجموعة من قادة الجالية اليهودية في غرفة المعاهدة الهندية في مبنى المكتب التنفيذي في واشنطن العاصمة، قائلًا: “لقد كنت أفعل هذا منذ وقت طويل. لم أعتقد مطلقًا أنني سأرى أو تأكدت من صور الإرهابيين وهم يقطعون رؤوس الأطفال”.
لقد كان تصريحًا متناقضًا، وكان كاذبًا.
لم ير بايدن مثل هذه الصور، ولم يتلق أي تأكيد من هذا القبيل، وقد أدلى بهذه التصريحات بعد أن ذكرت نيكول زيديك، الصحفية في قناة آي 24 نيوز الإسرائيلية، أنه تم قطع رؤوس 40 طفلًا، نقلًا عن جنود إسرائيليين في موقع الهجمات في كفار عزة. وصرح متحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في وقت لاحق أنه تم العثور على الرضع والأطفال الصغار “مقطوعة الرأس”.
وبعد ثلاث ساعات؛ روج بايدن لهذا الادعاء أمام العالم، وأكد أنه شاهد شخصيًا صورًا للمشهد المروع، مما أعطى القصة شرعية عليا.
ونفت حماس هذا الادعاء، وبدأ صحفيون إسرائيليون آخرون في مكان الحادث في الإبلاغ عن أنهم لم يروا أدلة على حدوث عمليات قطع الرؤوس هذه، ولم يتم إخبارهم بحدوث ذلك من قبل أي من الجنود الإسرائيليين الذين تحدثوا معهم. وغرّد زيديك، مراسل آي 24 نيوز والذي كان أول من نشر هذا الادعاء، لاحقًا قائلًا: “أخبرني الجنود أنهم يعتقدون أن 40 رضيعًا وطفلًا قتلوا. ولا يزال عدد القتلى الدقيق غير معروف؛ حيث يواصل الجيش التنقل من منزل إلى منزل والعثور على المزيد من الضحايا الإسرائيليين”.
ودافع مذيع في الشبكة عن المراسل وقال إن ثلاثة مسؤولين منفصلين في جيش الدفاع الإسرائيلي قالوا لـ”آي 24 نيوز”: “إن حوالي 40 طفلًا رضيعًا وطفلًا صغيرًا قُتلوا في كفار عزة، بعضهم أحرق، وبعضهم قُطعت رؤوسهم”. كما نشرت شبكة سي بي إس نيوز وسي إن إن تأكيدات إسرائيلية بأنه تم قطع رؤوس الرضع والأطفال الصغار.
وفي النهاية، اضطرت الحكومة الإسرائيلية إلى الاعتراف بعدم وجود أي دليل يدعم هذا الادعاء، على الرغم من استمرارها في الإشارة إلى أنه قد يكون صحيحًا. وقال متحدث عسكري إن الجيش الإسرائيلي لن يجري المزيد من التحقيقات في تهم قطع الرؤوس لأن ذلك سيكون “قلة احترام للموتى”.
بايدن هو رئيس أقوى دولة على وجه الأرض، ومن المفترض أنه يتمتع بإمكانية الوصول إلى أفضل معلومات استخباراتية في العالم.
ثم “أوضح” مسؤولو البيت الأبيض ما زعموا أن بايدن كان يشير إليه بالفعل. وذكرت صحيفة واشنطن بوست أن “المسؤولين الأميركيين والرئيس لم يروا الصور ولم يؤكدوا مثل هذه التقارير بشكل مستقل”، واستند الرئيس في تصريحاته حول الفظائع المزعومة إلى ادعاءات المتحدث باسم نتنياهو والتقارير الإعلامية الواردة من إسرائيل، بحسب البيت الأبيض. وكان الغرض من هذه الأوصاف التصويرية، وفقًا للمتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي، هو “التأكيد على الفساد المطلق والطبيعة الهمجية التي قتل بها هؤلاء الإرهابيون وذبحوا المدنيين الإسرائيليين الأبرياء”. وأضاف كيربي، الذي تهرب من الأسئلة المباشرة حول ما إذا كان بايدن قد رأى شخصيًا أي صور: “وهذا يؤكد بشكل أكبر لماذا – وهذه هي نقطة الرئيس المحددة بالأمس – أننا يجب أن نبقى مع إسرائيل. علينا أن نستمر في التأكد من حصولهم على الدعم الذي يحتاجون إليه”.
ولم يتراجع بايدن علنًا عن هذه الادعاءات التحريضية، وذكرت صحيفة واشنطن بوست أن الموظفين حثوا الرئيس على عدم الإدلاء بهذا الادعاء في خطابه في 11 تشرين الأول/ أكتوبر “لأن هذه التقارير لم يتم التحقق منها”.
وعلى الرغم من تعليقات الحكومة الإسرائيلية، والتحذيرات بشأن صحة ادعاءات مستشاريه، والقوائم الموثقة على نطاق واسع بأسماء الأشخاص الذين قتلوا في 7 تشرين الأول/ أكتوبر خلال غارات حماس، فقد ضاعف بايدن مرارًا وتكرارًا، لسبب غير مفهوم، من الادعاء بأنه شاهد صورًا لطفال مقطوعي الرأس.
ففي مؤتمر صحفي عُقد في وودسايد بولاية كاليفورنيا في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر، بعد لقائه مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، روج بايدن لأول مرة لاتهام آخر مفضوح، وهو أن حماس لديها ما يرقى إلى نسختها الخاصة من البنتاغون تحت مستشفى الشفاء في غزة. وقال بايدن: “هذا هو الوضع: لديك واقعة حيث ترتكب حماس جريمة الحرب الأولى من خلال إخفاء مقرها الرئيسي، وجيشها تحت المستشفى، وهذه حقيقة. هذا ما حدث”، ثم أعلن: “لقد قالت حماس علانية بالفعل إنها تخطط لمهاجمة إسرائيل مرة أخرى كما فعلت من قبل؛ حيث كانت تقطع رؤوس الأطفال لحرقها، وحرق النساء والأطفال أحياء”.
ويستمر انتشار الادعاء بأن حماس تقطع رؤوس الأطفال عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي؛ ففي منشور على حساب إسرائيل الرسمي على موقع إكس، تمت دعوة القراء إلى “الاستماع إلى روايات شهود العيان عن الأطفال الثمانية المحترقين والرضيع المقطوع الرأس الذين ذبحهم إرهابيو حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر”، وظهر مقطع فيديو للعقيد الإسرائيلي جولان فاش يزعم أنه يصف ما شاهده. وفي 26 تشرين الثاني/ نوفمبر؛ نشر صحفي إسرائيلي مقابلة مع جندي من جيش الدفاع الإسرائيلي ادعى فيه أنه تم تعليق الأطفال الرضع على حبال الغسيل، واعتذر المراسل لاحقًا لقرائه وقال إن القصة كاذبة، وكتب يقول: “لماذا يخترع ضابط في الجيش مثل هذه القصة المرعبة؟ لقد كنت مخطئًا”.
وهناك أدلة تشير إلى أن بايدن، بالإضافة إلى استيعاب الادعاءات الأكثر إثارة التي قدمتها وسائل الإعلام الإسرائيلية في أعقاب هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر، تم تغذيته بادعاءات أخرى لم يتم التحقق منها مباشرة من نتنياهو، صديقه المقرب لعدة عقود؛ حيث نشرت إسرائيل مقطع فيديو لمكالمة هاتفية بين نتنياهو وبايدن في 11 تشرين الأول/ أكتوبر، وهي المرة الأولى التي يعلن فيها بايدن علنًا عن ادعاء قطع الرأس؛ حيث قال نتنياهو لبايدن: “لقد تعرضنا يوم السبت لهجوم أستطيع أن أقول إننا لم نشهد وحشيته منذ المحرقة. ومنذ تحدثنا آخر مرة، أصبح مدى هذا الشر أسوأ؛ لقد أخذوا عشرات الأطفال وقيدوهم وأحرقوهم وأعدموهم”، وأضاف: “إنهم أسوأ من تنظيم الدولة، ويجب أن نعاملهم على هذا النحو”. ومن الجدير بالملاحظة أنه لا يبدو أن نتنياهو زعم أن حماس قطعت رؤوس الأطفال، رغم أنه ادعى أنه تم قطع رؤوس الجنود. وفي ظهوره مع بايدن في 18 تشرين الأول/ أكتوبر في تل أبيب، لم يشر نتنياهو إلى قطع رؤوس الأطفال، وأضاف: “لقد قطعوا رؤوس الجنود”. كما أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن، الذي عُرضت عليه صور بيانية واسعة النطاق لآثار الهجمات خلال زيارة لإسرائيل، لم يذكر أي أطفال مقطوعي الرأس.
لم تغير أي من هذه الحقائق التزام بايدن بجعل ادعاء قطع الرأس المفضوح تفصيلًا أساسيًا في دفاعه الحماسي عن شرعية حملة القتل الجماعي الإسرائيلية، والتي قُتل خلالها أكثر من 18 ألف فلسطيني، بما في ذلك أكثر من 7000 طفل. ففي 12 كانون الأول/ ديسمبر؛ في إحدى فعاليات حملة إعادة الانتخاب في فندق سالاماندر في واشنطن العاصمة، قال بايدن: “رأيت بعض الصور عندما كنت هناك؛ حيث تم ربط أم وابنتها معًا بحبل ثم صُبَّ عليهما الكيروسين وتم قتلهما، ثم حرقهم، وقطع رؤوس الأطفال، والقيام بأشياء غير إنسانية… غير إنسانية تمامًا”.
يعد هذا الادعاء واحدًا من أكثر الاتهامات المروعة والمثيرة للقلق حول أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر. إنها ليست تفاصيل تافهة يمكن تفسيرها بعمر بايدن أو ميله إلى المبالغة أو الوقوع في الزلات
إن بايدن هو رئيس أقوى دولة على وجه الأرض، وليس منشورًا عشوائيًا على وسائل التواصل الاجتماعي. ومن المفترض أنه يتمتع بإمكانية الوصول إلى أفضل معلومات استخباراتية في العالم. وإذا كان لديه بالفعل دليل يدعم ادعاء قطع الرأس هذا – وهو دليل على ما يبدو لم يطلع عليه أقرب مستشاريه – فيجب عليه تقديمه.
ويعد هذا الادعاء واحدًا من أكثر الاتهامات المروعة والمثيرة للقلق حول أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر. إنها ليست تفاصيل تافهة يمكن تفسيرها بعمر بايدن أو ميله إلى المبالغة أو الوقوع في الزلات، فلقد كانت هذه التفاصيل هي التي غذت الغضب والسعي للانتقام، وتم الاستشهاد بها عندما أعلن بايدن أن إسرائيل تقاتل أناسًا دون البشر في غزة. وقال بايدن في 12 كانون الأول/ ديسمبر عندما كرر مزاعم قطع الرؤوس: “إنهم حيوانات. لقد تجاوزوا أي شيء فعلته أي جماعة إرهابية أخرى في الآونة الأخيرة – إنه لن ينسى”.
إن الحقائق التي تم التحقق منها، كما نفهمها حاليًا، مرعبة بما فيه الكفاية. فلماذا يشعر بايدن بالحاجة إلى تعزيز دفاعه عن حرب إسرائيل العشوائية ضد غزة من خلال نشر مزاعم مفضوحة؟ آخر التقديرات لعدد القتلى في 7 تشرين الأول/ أكتوبر هي كما يلي: حددت إسرائيل رسميًا ما يقرب من 1200 إسرائيلي أو مقيم إسرائيلي قتلوا. ومن بين هؤلاء، 274 جنديًا، و764 مدنيًا، و57 من الشرطة الإسرائيلية، و38 من حراس الأمن المحليين. ومن بين القتلى المدنيين، بالإضافة إلى ميلا كوهين البالغة من العمر 9 أشهر، 12 منهم تتراوح أعمارهم بين 1 و 9 سنوات، و36 تتراوح أعمارهم بين 10 و19 عاما، وتشير التقارير إلى أنه لا تزال هناك جثث لم يتم انتشالها رسميًا تم تحديدها.
وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية نشرت تقارير عن حوادث “نيران صديقة” قتلت فيها القوات العسكرية الإسرائيلية، التي ردت على الهجمات، مواطنين إسرائيليين، على الرغم من عدم وجود حساب محدد لعدد هذه الوفيات وقد لا يكون واحدًا على الإطلاق.
وقامت صحيفة هآرتس الإسرائيلية بعمل مكثف في محاولة لتأكيد الأحداث الفعلية التي وقعت يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر ونشرت قصة مهمة تفضح بعض الادعاءات الكاذبة الأكثر إثارة للصدمة التي صدرت في أعقاب هجمات حماس، وهي ما يجب على بايدن قراءتها.
المصدر: ذا انترسبت