يعتبر الشرق الأوسط من أكثر المناطق سخونة في العالم، فهو المادة الدسمة على وسائل الإعلام في نشراتها اليومية، وميدان لدراسة النظريات الدولية واختبارًا للتفاعلات السياسية، وتشكل أنظمة الحكم فيه جزءًا من محددات الأمن القومي للدول الكبرى، والأرض الخصبة للنزاعات والحروب، فما إن تنتهي معركة على أراضيه حتى تندلع أخرى ضمن حدوده، مما يجعل منه منطقة المركز في الصراع الدولي، ويغلب على الصراع الدائر فيه شكل الحروب الأهلية أو ما بات يعرف بحرب الوكالة وأحيانًا مع عدو قادم من خلف الحدود الشرق أوسطية ويغادر بعد زرع وكلائه.
ويتميز الشرق الأوسط برخاوة حدوده، فلا حدود فيزيائية ثابتة له، فيتسع ويضيق طبقًا للأحداث التي تجري بين مناطق القلب فيه ومناطق الأطراف، وتارة تصبح حدوده على أساس المشاعر القومية، وعبر التاريخ كانت هذه المنطقة منطقة نزاع بينها وبين جيرانها في الجغرافيا، فتارة تصعد هذه الكتلة وتارة تتعرض للغزو.
ويعتبر التحكم بالشرق الأوسط مسعى قوميًا للدول الكبرى، وذلك لتمتعه بمجموعة من الخصائص والمزايا التي تجعل منه محل أطماع وأنظار القوى العالمية، ومن هذه الخصائص: المقدسات، الجغرافيا، الموارد، والكثافة سكانية.
المقدسات
تعتبر المقدسات الحاضرة في منطقة الشرق الأوسط واحدة من الأسباب الكافية لجعله منطقة حرب مستمرة للسيطرة على المقدسات الساكنة في كنفه، وتشكل السيطرة عليها نزعة دينية متأصلة في عروق أتباع الأديان المخالفة لدين الأغلبية في المنطقة من جهة وبين المذاهب والطوائف من أتباع الدين الواحد المستقرة في المنطقة من جهة ثانية، والتي تدور سياساتها على عقيدة وعقلية إحكام القبضة على المقدسات التي تمثل بالنسبة لبعض المذاهب أولوية في السيطرة عليها وفق نظرية تجهيز المنطقة، وبذلك صيغت نظريات مذهبية ضيقة أدت إلى إراقة الدماء واصطفاف مذهبي حاد أعطب العقد الاجتماعي داخل البلد الواحد من بلدان الشرق الأوسط، مع انجرار الأتباع بكثافة نحو هذه النظريات.
الجغرافيا
الموقع الجغرافي الذي يستقر فيه الشرق الأوسط فريد من نوعه، ويجعل منه تعريفًا للجغرافيا السياسية في دراسة علاقة وأثر الموقع الجغرافي على القرار السياسي، فهو من أكثر الجغرافيا تأثيرًا على القرار السياسي على المستوى الإقليمي والدولي، بداية من حدوده المائية التي تصل أكبر المحيطات ببعضها وإطلالته على البحر المتوسط بواجهة عريضة وضخمة، والتي تمثل العمق الحيوي للمياه الدافئة التي تتحرك فيها السفن التجارية والأساطيل الحربية، ويعد اكتساب واجهات بحرية على المتوسط طموح الدول المعزولة عن البحار.
ويزداد الوزن الجغرافي للشرق الأوسط قوة بمضائق العبور لديه والتي تعتبر منافذ تجارية للعالم من الدردنيل والبوسفور إلى قناة السويس ومضيق هرمز وباب المندب، فضلًا عن ذلك أن الشرق الأوسط يمتلك واحة ضخمة من اليابسة جعلته مرتبط بقارات العالم القديم، وهو حلقة وصل في طريق الحرير الذي أعيد إحياؤه مؤخرًا.
الموارد
كانت الموارد وما زالت سببًا من أسباب النزاعات والحروب، فهي بطبعها نادرة ولا توجد في كل المعمورة، الأمر الذي جعلها على قائمة الأمن القومي لدى الدول الكبرى واعتبرت حمايتها ابتداءً بمراحل الاستخراج إلى التصدير مسؤوليتها، فبنت الدول الكبرى قواعدها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط حماية للموارد الموجودة في باطنه.
الكثافة السكانية والحساسيات الطائفية
في منطقة الشرق الأوسط يستقر مئات الملايين من الناس مما يجعل منه سوقًا للدول الكبرى بمختلف أنواع السلع والبضاعة، والحساسيات الطائفية جعلت منه أكبر سوق لبيع الأسلحة.