ترجمة وتحرير: نون بوست
منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر؛ أودت الحرب الأخيرة بين حماس وإسرائيل بحياة أكثر من 15 ألف فلسطيني وأكثر من 1200 إسرائيلي وأصيب العشرات، وقد أدت الحرب إلى نزوح أكثر من 1.8 مليون فلسطيني وتركت مصير العديد من الإسرائيليين مجهولًا؛ وما زال هناك أكثر من 100 من الرهائن الإسرائيليين المحتجزين، وأدى القصف إلى إلحاق أضرار بنسبة 15 بالمائة من المباني في غزة، بما في ذلك أكثر من 100 معلم ثقافي وأكثر من 45 بالمائة من جميع الوحدات السكنية.
ووفق ما أعلنه العديد من المحللين بالفعل، فقد ترددت أصداء التكاليف الباهظة للحرب في غزة في مختلف أنحاء العالم العربي، الأمر الذي يؤكد من جديد على بروز وقوة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في تشكيل السياسات الإقليمية، ومع ذلك، كان من الصعب تحديد مدى تأثير الهجوم وبأي طرق محددة أثر على المواقف العربية.
ويتغير هذا الآن؛ ففي الأسابيع التي سبقت الهجوم والأسابيع الثلاثة التي تلت ذلك، أجرت شركة الأبحاث غير الحزبية “البارومتر العربي”، دراسة استقصائية تمثيلية على المستوى الوطني في تونس بالتعاون مع شريكنا المحلي “ون تو ون للبحث والاستطلاع”، وحدث صدفة أن تم الانتهاء من حوالي نصف المقابلات البالغ عددها 2406 في الأسابيع الثلاثة التي سبقت 7 تشرين الأول/أكتوبر، وتم إجراء النصف المتبقي في الأسابيع الثلاثة التالية، ونتيجة لذلك، فإن مقارنة النتائج يمكن أن تظهر – بدقة غير عادية – كيف غيّر الهجوم والحملة العسكرية الإسرائيلية اللاحقة وجهات النظر بين العرب.
وأظهرت الدراسة نتائج مذهلة، ففي حين حذّر الرئيس الأميركي جو بايدن مؤخرًا من أن إسرائيل تخسر الدعم العالمي بشأن غزة، فإن هذا ليس سوى غيض من فيض، فمنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، شهدت كل دولة لها علاقات إيجابية أو دافئة مع إسرائيل انخفاضًا في معدلات تأييدها بين التونسيين وفقًا للاستطلاع، وشهدت الولايات المتحدة أكبر انخفاض، لكن حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط الذين أقاموا علاقات مع إسرائيل على مدى السنوات القليلة الماضية شهدوا أيضا انخفاضًا في أعداد المؤيدين لها، وفي الوقت نفسه، لم تشهد الدول التي ظلت محايدة سوى القليل من التحول، وشهدت القيادة الإيرانية، التي تعارض إسرائيل بشدة، ارتفاعًا في معدلات التأييد لها، فبعد ثلاثة أسابيع من الهجمات؛ حصل المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي على معدلات تأييد تطابق أو حتى تجاوز تلك التي يتمتع بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس الإماراتي محمد بن زايد.
تونس ليست سوى دولة واحدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي منطقة ذات اختلافات شاسعة، ولا يمكن لهذا الاستطلاع أن يخبر الخبراء بكل شيء عن كيفية تفكير الناس في جميع أنحاء المنطقة ومشاعرهم، لكن تونس قريبة من الريادة كما يمكن للمرء أن يتصور، وفي استطلاعات البارومتر العربي السابقة، كانت لدى التونسيين آراء مماثلة لتلك الموجودة في معظم الدول العربية الأخرى، فالسكان منفتحون على الغرب، لكنهم منفتحون أيضًا على القوى العالمية الأخرى، مثل الصين وروسيا، وهي بعيدة جغرافيًا عن التأثيرات المباشرة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكن لها تاريخًا من التدخل المباشر، بما في ذلك استضافة منظمة التحرير الفلسطينية، لذا يمكن للمحللين والمسؤولين أن يفترضوا بأمان أن آراء الناس في أماكن أخرى من المنطقة قد تغيرت بطرق مشابهة للتغيرات الأخيرة التي حدثت في تونس.
وقد كانت تلك التحولات دراماتيكية؛ فنادرًا ما نشهد تغيرات بهذا الحجم خلال بضعة أسابيع، لكن هذا لا يشير إلى ردود أفعال غير محسوبة من جانب التونسيين، ولو كان الشعب التونسي يغير وجهات نظره لمجرد أنه يدعم تصرفات حماس، لحدث تحول كبير في غضون يوم واحد من الهجوم، ولكانت آراء التونسيين قد استقرت بسرعة، ولكن آراءهم تحركت شيئًا فشيئًا على أساس يومي على مدى ثلاثة أسابيع، ولكن ذلك كان بشكل ملحوظ على مدى الفترة بأكملها، ونتيجة لذلك فمن المرجح أن وجهات نظر التونسيين لم تتغير ردًا على هجوم حماس بل بسبب الأحداث اللاحقة، أو على وجه التحديد التكلفة المتزايدة التي يتحملها المدنيون نتيجة للعملية العسكرية الإسرائيلية في غزة، ومع ذلك، فإن الحرب زادت من دعم التونسيين للقتال الفلسطيني بالتأكيد، ومقارنة بالاستطلاعات التي أجريت قبل هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، فإن عددًا أكبر بكثير من التونسيين اليوم يريدون من الفلسطينيين أن يحلوا صراعهم مع إسرائيل بالقوة بدلًا من التسوية السلمية.
إن الرأي العام مهم حتى في البلدان غير الديمقراطية؛ حيث يجب على القادة أن يقلقوا بشأن الاحتجاجات، كما ستعمل وجهات النظر المتغيرة هذه على إعادة تشكيل السياسة في العالم العربي، وكذلك في جميع أنحاء العالم؛ حيث ستواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون صعوبة كبيرة في توسيع اتفاقيات إبراهيم، التي طبَّعت العلاقات بين العديد من الدول العربية وإسرائيل، وقد تخسر واشنطن أيضًا تقدمها في منافستها مع صعود الصين وروسيا، بل قد تجد الولايات المتحدة أن العديد من الحلفاء القدامى، مثل السعودية والإمارات، أصبحوا أقل ودية تجاه الولايات المتحدة وأكثر تقبلًا تجاه منافسيها في سعيهم لدرء تراجعاتهم الإقليمية، فبعد الهجوم – على سبيل المثال – رحبت الدولتان بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أول زيارة له إلى المنطقة منذ غزو أوكرانيا.
وقد يكون للدعم المتزايد للمقاومة المسلحة عواقب خطيرة أيضًا، ففي حين لم تؤد الحرب ضد حماس إلى صراع أوسع نطاقًا حتى الآن، ولكن إسرائيل اضطرت إلى صد الهجمات التي يشنها حزب الله في لبنان، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الإجمال معرضة لعدم الاستقرار، وليس من الصعب أن نتصور كيف يمكن للغزو الحالي أن يتصاعد أو يفتح الباب أمام صراع مستقبلي، ومن أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة؛ يتعين على إسرائيل وحلفائها أن يعملوا على إيجاد وسيلة لإنهاء هذه الحرب ثم التوجه بسرعة نحو حل سلمي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
الحضيض
كان مشروعنا البحثي الأكاديمي، الباروميتر العربي، بصدد إجراء مسح واسع النطاق للقضايا مع عينة عشوائية من سكان تونس عندما هاجمت حماس إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر؛ فقررنا استغلال هذا التوقيت للتحقيق في كيفية تأثير هذا الحدث والحرب التي تلته على الرأي العام، وبما أننا لم نتوقع حدوث تغييرات كبيرة في آراء التونسيين قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر؛ فقد قمنا أولًا بأخذ متوسط الرأي خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من العمل الميداني، ثم نظرنا في كيفية تغير الرأي العام في الأسابيع التالية. وبما أن حجم العينة صغير نسبياً في كل يوم من أيام تحليلنا بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر؛ فقد قمنا بإعداد تقديراتنا حول شعور الناس في أي وقت باستخدام المتوسطات المتحركة للرأي العام على مدى ثلاثة أيام، وهذا يعني أن كل نقطة بيانات تمثل تقديرًا ليوم المسح واليومين السابقين، (على الرغم من أن آخر يوم للمشاركة الميدانية كان 4 تشرين الثاني/نوفمبر، إلا أن 27 تشرين الأول/أكتوبر كان آخر يوم تم فيه جمع ما يكفي من المقابلات اليومية لتوفير بيانات كافية لإجراء تحليل مفيد).
وبعد رسم هذا المتوسط المتحرك؛ قمنا بحساب خط التوافق الأمثل للمقابلات التي أجريت قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر وبعده لفهم التغييرات التي نتجت عن كل سؤال إن وجدت، وقد ساعد هذا الخط في إظهار كيف تغيرت آراء التونسيين في الوقت الحقيقي، لكن تقديراتنا النهائية للتغير في الرأي العام ركزت على رقمين، الأول هو متوسط آراء التونسيين قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، والثاني هو مستوى الدعم على أساس المتوسط من خط التوافق الأمثل ليوم 27 تشرين الأول/أكتوبر.
كانت هناك العديد من التحولات، ومع ذلك، كان أكبرها يتعلق بالتصورات الخاصة بالولايات المتحدة؛ ففي المقابلات الـ1146 التي أجريت قبل هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، كان لدى 40 بالمائة من التونسيين وجهة نظر إيجابية أو إيجابية إلى حد ما تجاه الولايات المتحدة، مقارنة بـ 56 بالمائة ممن كان لديهم رأي سلبي، ولكن بعد أن بدأت الحرب في غزة، تغير ذلك بسرعة، وبحلول نهاية عملنا الميداني، كان لدى 10 بالمائة فقط من التونسيين وجهة نظر إيجابية تجاه الولايات المتحدة، وعلى النقيض من ذلك، كان لدى 87 بالمائة انطباع سلبي.
وقبل 7 تشرين الأول/أكتوبر؛ كان 56 بالمائة من التونسيين يريدون علاقات اقتصادية أوثق مع الولايات المتحدة، وبعد ثلاثة أسابيع، انخفض هذا الرقم إلى 34 بالمائة، ولم يتمتع بايدن بشعبية خاصة في تونس على الإطلاق؛ حيث بلغت نسبة تأييده 29 بالمائة قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، ولكن بعد أن بدأت إسرائيل حملتها – وإعلان بايدن أنه لا توجد “شروط” بشأن الدعم الأمريكي – انخفض معدل تأييده إلى ست نقاط فقط.
الارتباط لا يعني السببية بطبيعة الحال؛ لكن من الصعب رؤية تفسير بديل في هذه الحالة، خاصة في ظل التحول اليومي المطرد في الرأي التونسي، وقد كانت الحرب إلى حد بعيد أكبر حدث إخباري حدث خلال الاستطلاع، وأوضحت الردود الأخرى أن التونسيين كانوا يفكرون في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أثناء تقييمهم للولايات المتحدة؛ فعندما سُئل التونسيون عن السياسات الأمريكية الأكثر أهمية بالنسبة لهم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ارتفع حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بشكل كبير بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر من 24 بالمائة إلى 59 بالمائة، وبالمقارنة، انخفض عدد التونسيين الذين أجابوا على “التنمية الاقتصادية” من 20 بالمائة إلى 4 بالمائة.
وحتى الآن؛ لم تترجم الآراء السلبية بشأن الولايات المتحدة بشكل مباشر إلى مكاسب للصين وروسيا، اللتين ظلتا على حياد في الحرب. فقبل هجوم حماس؛ كان لدى 70 بالمئة من التونسيين نظرة إيجابية تجاه الصين، وبحلول 27 تشرين الأول/ أكتوبر، ارتفع هذا الرقم بمقدار خمس نقاط، وانخفض عدد الأشخاص الذين يريدون إقامة علاقات اقتصادية أكثر دفئًا مع الصين من 80 بالمئة إلى 78 بالمئة، في نطاق هامش الخطأ. وقبل الهجوم؛ كان لدى 56 بالمئة من التونسيين وجهة نظر إيجابية تجاه روسيا مقارنة بـ 53 بالمئة في نهاية بحثنا، فيما ارتفعت نسبة الأشخاص الذين يريدون علاقات اقتصادية أوثق مع موسكو من 72 بالمئة إلى 75 بالمئة.
ولكن هناك دلائل تشير إلى أن الصين، على الأقل، يمكن أن تفوز بدعم أكبر على حساب الولايات المتحدة؛ فعندما سُئلوا قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر عما إذا كانت لدى بكين أو واشنطن سياسات أفضل تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني× فضل ثلث التونسيين سياسات الصين على سياسات الولايات المتحدة. وبحلول نهاية استطلاعنا؛ ارتفع هذا الرقم إلى 50 بالمائة. (ارتفعت نسبة التونسيين الذين يفضلون السياسة الأمريكية من 13 بالمئة إلى 14 بالمئة). وعندما سُئلوا عما إذا كانت لدى الصين أو الولايات المتحدة سياسات أفضل للحفاظ على الأمن الإقليمي، كانت النتائج متشابهة. وقبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر؛ ارتفع عدد الأشخاص الذين يفضلون السياسة الصينية من 31 بالمئة إلى 50 بالمئة، وانخفضت نسبة التونسيين الذين يفضلون السياسة الأمريكية من 19 بالمئة إلى 12 بالمئة.
التجريم يحكم بالتبعية
لا تُعتبر القوى العظمى من الدول الوحيدة التي ينظر إليها التونسيون حاليًّا بشكل مختلف، فقد تغير موقف السكان أيضا تجاه عدد من القوى الإقليمية بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر. وكما هو الحال مع تحوّل الآراء تجاه واشنطن؛ فإن التغييرات تتوافق إلى حد كبير مع كيفية تعامل هذه الدول مع إسرائيل.
لنأخذ على سبيل المثال السعودية؛ ففي الفترة التي سبقت الهجوم، كانت هناك تكهنات واسعة النطاق بأن الرياض ستقوم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وفي ظل تصاعد الغضب تجاه إسرائيل في صفوف التونسيين في الأسابيع التي تلت 7 تشرين الأول/ أكتوبر؛ أصبحت وجهات نظرهم تجاه السعودية قاتمة أيضًا، مع انخفاض نسبة تأييد البلاد من 73 بالمئة إلى 59 بالمئة.
وعلى نحو مماثل؛ انخفضت نسبة التونسيين الذين يريدون إقامة علاقات اقتصادية أوثق مع السعودية من متوسط 71 بالمئة إلى 61 بالمئة، وانخفض معدل تأييد محمد بن سلمان من 55 بالمئة قبل الهجوم إلى 40 بالمئة بحلول 27 تشرين الأول/ أكتوبر، وهذه التغييرات ملحوظة بشكل خاص بالنظر إلى أن الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي يتمتع بمعدلات تأييد عالية في الداخل، ولديه روابط وثيقة للغاية مع محمد بن سلمان.
ولم يتضمن الاستطلاع أسئلة مباشرة حول دولة الإمارات، التي قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل في آب/ أغسطس 2020، لكنه طرح أسئلة عن سياسات محمد بن زايد الخارجية، وأثبتت النتائج أنها مشابهة جدًا للنتائج الخاصة بمحمد بن سلمان، فقبل هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، كان 49 بالمئة من التونسيين ينظرون بشكل إيجابي إلى سياسات محمد بن زايد. وبحلول نهاية البحث الميداني، انخفض هذا الرقم إلى الثلث.
في المقابل؛ لم تتغير وجهات النظر تجاه تركيا إلى حد كبير، فلطالما سعت أنقرة إلى تسليط الضوء على محنة الفلسطينيين والتعاطف معها، وإن كان ذلك من الجانب، وكان لدى 68 بالمئة من التونسيين نظرة إيجابية تجاه تركيا قبل الهجوم وبعده، وانخفضت الآراء حول السياسة الخارجية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان من 54 بالمئة إلى 47 بالمئة، لكن عدد الأشخاص الذين يريدون إقامة علاقة اقتصادية أوثق مع البلاد ارتفع من 57 بالمئة إلى 64 بالمئة .
ومع ذلك؛ لا يبدو أن الحرب في غزة قد حسنت وجهات النظر حول تركيا في صفوف التونسيين، ربما لأن إدانتها لإسرائيل كانت محدودة نسبيًّا، ولكن يبدو أن إيران هي الوحيدة التي استفادت من الوضع، فالجمهورية الإسلامية تعارض بشدة وجود إسرائيل، وقد أيدت هجوم حماس. وفي نداء لاقى صدى بالتأكيد لدى الرأي العام العربي، في 17 تشرين الأول أكتوبر، دعا خامنئي إلى إنهاء قصف غزة ووصف تصرفات إسرائيل بأنها “إبادة جماعية”.
وعلى الرغم من أن الاستطلاع لم يتضمن وجهات نظر تجاه إيران نفسها، إلا أنه سأل عن السياسات الخارجية لخامنئي، ومن الواضح أن نسبة التأييد ارتفعت. فقبل الهجوم، كان لدى 29 بالمئة فقط من التونسيين وجهة نظر إيجابية بشأن سياساته الخارجية، وفي نهاية البحث الميداني ارتفع هذا الرقم إلى 41 بالمئة. وكانت القفزة في الدعم أكثر وضوحًا في الأيام التي تلت بيان خامنئي في 17 تشرين الأول/أكتوبر.
ثم تأتي إسرائيل نفسها، فقد كان لدى التونسيين وجهة نظر سلبية للغاية تجاه إسرائيل حتى قبل الهجوم؛ حيث قام خمسة بالمئة فقط من الناس بتقييم البلاد بشكل إيجابي. ونتيجة لذلك؛ فإن تراجع تقييم البلاد إلى صفر بالمئة فعليًّا لم يكن يشكل انخفاضًا كبيرًا على الإطلاق. ولكن الآراء حول التطبيع تغيرت؛ فلم يكن تطبيع العلاقات مع إسرائيل يحظى بشعبية على الإطلاق، ولكن بعد الهجوم، تبدد الدعم الضئيل الذي كان موجودًا تمامًا، ففي 7 تشرين الأول/ أكتوبر؛ أيد 12 بالمئة من الناس التطبيع، وبحلول 27 تشرين الأول/ أكتوبر وصل هذا الرقم إلى واحد بالمئة فقط.
وتغيرت وجهات النظر بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بطرق مهمة، فقبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر؛ عندما سُئلوا عن وسائلهم المفضلة لحل الصراع، فضل 66 بالمئة من التونسيين حل الدولتين على أساس حدود 1967، في حين فضل 18 بالمئة تبني مسار دبلوماسي بديل، مثل دولة واحدة ذات حقوق متساوية للجميع أو كونفدرالية. واختار ستة بالمئة فقط من التونسيين “حلولا أخرى”، واقترحت الغالبية العظمى منهم مقاومة مسلحة للاحتلال الإسرائيلي، مما قد يستلزم القضاء على دولة إسرائيل. لكن بحلول نهاية البحث الميداني، كان 50 بالمئة فقط من التونسيين يؤيدون حل الدولتين، أما أولئك الذين يؤيدون حل الدولة الواحدة أو الكونفدرالية فقد تراجعوا بسبع نقاط مجتمعة، وارتفعت نسبة المشاركين الذين اختاروا “حلولا أخرى” بمقدار 30 نقطة لتبلغ 36 بالمئة. ومرة أخرى، أرادت الغالبية العظمى من هؤلاء التونسيين استمرار المقاومة المسلحة.
الخروج من الدوامة
تعتبر تونس بعيدة جغرافيًّا عن إسرائيل؛ ومن غير المرجح أن تؤثر رغبة سكانها المتزايدة في المقاومة المسلحة بشكل مباشر على الحرب. ولكن إذا كان لدى الدول العربية الأخرى تحولًا مماثلًا في الآراء، فإن القتال على حدود إسرائيل قد يشتعل أكثر. وفي جميع الاحتمالات؛ فإن الغضب تجاه إسرائيل يتزايد بشكل أكبر في البلدان القريبة من الصراع أو في تلك التي تؤوي المزيد من اللاجئين الفلسطينيين، مثل الأردن ولبنان. وبالتالي فإن احتمال حدوث المزيد من العنف أمر خطير، ذلك أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعاني من صراعات مستمرة أكثر من أي جزء آخر من العالم.
ومع استمرار القصف على غزة؛ فإن هذا الخطر سوف يتزايد. في الواقع؛ حتى بعد انتهاء القتال، قد تظل المنطقة أكثر خطورة، فلقد شهد جيل جديد اليوم أهوال الاحتلال على شاشات التلفزيون وعلى منصات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك الصور المأساوية للجثث والعائلات المنكوبة التي من غير المرجح أن ينسوها. وقد تختار نسبة معينة منهم تمويل الجماعات المسلحة التي تقاتل ضد وجود إسرائيل أو الانضمام إليها أو مساعدتها بأي شكل آخر، وربما يعتقد السياسيون في البلاد أن هذه الحرب ستجعلهم أكثر أمانًا، لكن أمن إسرائيل لن يزداد بسبب الصراع.
والحقيقة البسيطة هي أن القضية الفلسطينية تظل ذات أهمية حيوية للعالم العربي، ولا يمكن لإسرائيل أن تأمل في إلحاق الهزيمة بها ببساطة بالقنابل، ولم تفقد هذه القضية أهميتها بالنسبة للجيل الجديد، وعلى الرغم مما قد تفترضه العديد من العواصم الغربية (وبعض الدول العربية)، فإن إسرائيل لن تكون قادرة على صنع السلام مع جيرانها ما دام الفلسطينيون لا يملكون دولة.
في غضون 20 يومًا فقط؛ تغيرت آراء التونسيين حول العالم بطرق نادرًا ما تحدث حتى على مدار بضع سنوات، فلا توجد قضية أخرى في العالم العربي يشعر الناس بأنها مرتبطة بهم على المستوى الفردي والعاطفي.
وهذه الكثافة ملفتة للنظر بشكل خاص بالنظر إلى التحديات الداخلية التي تواجهها تونس، فقد أصبح نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الولاية حاليًّا أقل مما كان عليه قبل ثورة 2010 في البلاد. ومع ذلك؛ لا يزال التونسيون يريدون مشاركة اقتصادية أقل مع الولايات المتحدة. ووفقا لبياناتنا، بحلول 27 تشرين الأول/أ كتوبر، فضّل التونسيون المشاركة الدولية بشأن القضية الفلسطينية على التنمية الاقتصادية بفارق هائل؛ 59 بالمئة مقابل أربعة في المئة.
إذا كانت إسرائيل والولايات المتحدة تسعيان إلى سلام حقيقي مع العالم العربي ـ بدلاً من السلام البارد مع الأنظمة القمعية التي تحكم أغلبه ـ فيتعين عليهما أن يغيرا سياساتهما. إنهما بحاجة إلى إيجاد طريقة لإنهاء الصراع المستمر بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهذا يعني أن جميع هذه المجموعات يجب أن تعمل بجد من أجل مستقبل عادل وكريم للشعب الفلسطيني، وعلى وجه التحديد، حل الدولتين. إنها الطريقة الوحيدة لتغيير قلوب وعقول الشعوب المجاورة ووضع حد لدوامة العنف التي ابتليت بها منطقة الشرق الأوسط طوال القرن الماضي.
المصدر: فورين أفيرز