ترجمة وتحرير نون بوست
يوم الجمعة الماضي، أصدرت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها قائمة تضم 13 مطلبا موجهة لقطر مقابل إنهاء الحصار المفروض عليها وحل الأزمة، التي تعتبر الأكثر حدة منذ حرب الخليج الثانية. منذ الخامس من حزيران/ يونيو الجاري، تعرضت قطر للعزل بعد أن أدى التوتر المتصاعد مع السعودية والإمارات ومصر والبحرين إلى اتخاذ هذه الدول خطوة غير مسبوقة عبر قطع جميع العلاقات الدبلوماسية وروابط النقل معها.
في الأثناء، تسبب الحصار السعودي في حدوث اضطرابات جمة على مستوى مخزون الغذاء والوقود، فضلا عن الرحلات الجوية في جميع أنحاء المنطقة، ما أدى إلى تنامي مخاوف الكثيرين من احتمال انفصالهم عن أسرهم وفقدان لوظائفهم. وتتجاوز مطالب التحالف الذي تقوده السعودية مجرد تقديم قطر لتعويض مالي لا محدود وإغلاق وسيلة الإعلام المحترمة، الجزيرة، ليبلغ حد إجبار الدوحة على الخنوع والخضوع التام لجاراتها الخليجية.
من هذا المنطلق، أصبح الوضع بين قطر والدول الخليجية أشبه ما يكون بالمثل العربي القائل، “من لا يرغب في تزويج ابنته فليبالغ في طلب المهر”، نظرا لأن المطالب قد وضعت بعناية ليكون الامتثال لها أمرا مستحيلا. في الواقع، استمد التحالف شجاعته لاتخاذ إجراء مماثل بشأن قطر، في وقت سابق من هذا الشهر، من الالتزام العلني للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمكافحة الإرهاب في المنطقة.
في المقابل، أصبح كل من ترامب ووزير خارجيته، ريكس تيلرسون أكثر إدراكا لمجريات الأحداث الراهنة ولعدم دقة هذه الادعاءات، ما جعلهما يحاولان إنهاء الحصار. من جانبهم، يتفق المراقبون الدوليون على أن العوامل المحفزة لعزل قطر كانت قائمة على مجموعة معقدة من القضايا ومشاعر الاستياء التي تعد أكثر أهمية من الأسباب الظاهرية والمبسطة المتمثلة في دعم قطر المزعوم للتطرف.
ووفقا لما لاحظه مؤخرا جيمس دورسي، أحد كبار الباحثين في مدرسة اس. راجاراتنام للدراسات الدولية بسنغافورة، فإن المطالب السعودية-الإماراتية تبدو بعيدة كل البعد عن الدعوة التي أطلقتها وزارة الخارجية الأمريكية. فخلافا لما تتبناه الدول الخليجية، فقد دعت الوزارة إلى أن تكون شروط رفع الحصار الدبلوماسي والاقتصادي عن قطر “معقولة وقابلة للتنفيذ”.
أما على أرض الواقع، فإن مجموعة المطالب التي قدمها التحالف بقيادة السعودية ليست مصممة من أجل السعي وراء حل سلمي، بل للمطالبة بتعويضات تأديبية ومفتوحة في محاولة منهم لتعجيز الجارة الصغيرة والناشطة في الآن نفسه. وفي الوقت الذي يسافر فيه وزير خارجية قطر إلى واشنطن خلال هذا الأسبوع، يبدو أن الوقت قد حان للولايات المتحدة لمعالجة هذا الصدع مع حليف قديم وذلك قبل تصاعد الأزمة. علاوة على ذلك، تعتبر هذه الزيارة بمثابة فرصة من أجل تجديد الجهد المبذول لمواجهة التطرف أينما كان.
وعلى الرغم من مبالغة السعودية والإمارات وحلفائهما بشأن أسباب عزل قطر، إلا أن العواقب غير المقصودة لإعادة تركيز الجهود الأمريكية على التطرف في منطقة الخليج قد تحدث تغييرا حقيقيا. وفي حال كان الرئيس ترامب وإدارته ملتزمان حقا بهذه المسألة، فقد آن الأوان للعمل عليها والقيام بالخطوات الضرورية.
وفي سياق متصل، من المفارقات أن الدعم المستمر الذي تقدمه قطر يعتبر في الواقع جزءا أساسيا من محاربة المتطرفين، علما بأن قاعدة “العديد” الجوية تستضيف 11 ألف جندي أمريكي لتمثل بذلك أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة ما يجعلها ذات دور حاسم في القتال ضد تنظيم الدولة. خلال سنة 2016، تم استخدام الموقع لشن ضربات في العراق وسوريا وقد كانت قبل ذلك قاعدة رئيسية للحملة الأمريكية في أفغانستان.
عموما، بلغ التعاون العسكري بين البلدين أعلى مستوياته في التاريخ. وفي هذا الصدد، يعد الاتفاق الذي وقعه ترامب بقيمة 12 مليار دولار لتوريد طائرات من طراز إف-15 إلى قطر، بعد توجيهه الانتقادات للإمارة حول دعمها للإرهاب، دليلا على وجود ولاءات عملية قوية التي من غير المرجح أن تتغير في المستقبل القريب. أما في الأسبوع الماضي، فقد صرح وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، بأن الحصار يقف حجر عثرة بالفعل أمام الحملة الموجهة ضد تنظيم الدولة في المنطقة.
من جهة أخرى، يبدو أن الدعم الأيديولوجي هو أكثر ما يمكن لقطر تقديمه إلى الولايات المتحدة من حيث الأهمية. فعلى الرغم من تلقيها التمويل من قبل الحكومة القطرية، إلا أن قناة الجزيرة تستقطب الاحترام الدولي كمنصة إعلامية، كما أنها ذات قيمة لأهداف السياسة الأمريكية والغربية في المنطقة.
وبالتالي، بإمكاننا مقارنة ما سبق ذكره مع التشريع الجديد في الإمارات العربية المتحدة، الذي يسلط على من “يظهرون التعاطف” لقطر أحكاما تصل إلى السجن لمدة 15 سنة. أما الولايات المتحدة فليس في مقدورها أن تعاقب، حتى وإن كان ذلك بشكل سلبي، القمع الوحشي لوسائل الإعلام والحريات الشخصية.
من جانبها، أشادت المملكة العربية السعودية باتفاق الأسلحة الذي عقدته مؤخرا مع الولايات المتحدة بقيمة 110 مليار دولار، والذي يعد قطعا مع سنوات باراك أوباما المتسمة بتنامي التوترات بشأن الاتفاق الذي عقده مع إيران. خلافا لذلك، رحبت الرياض بدعم الرئيس ترامب الضمني لأجندتها في الشرق الأوسط.
أما الولايات المتحدة فلا بد لها من تبني نهج أكثر دقة للموازنة بين المصالح المتعددة في الخليج. والأهم من ذلك أن أي زلة قد ترتكبها الولايات المتحدة في هذه المرحلة تهدد بتأجيج الصراع في الوقت الراهن وفي المستقبل على حد السواء في منطقة شهدت تدخلا غربيا خلال التاريخ الحديث. علاوة على ذلك، ينبغي للأحداث الأخيرة أن تكون بمثابة تذكير دائم بأن كل أمة في الشرق الأوسط تدعم جدول أعمال معقدة، ما يجعل من القول المأثور “عدو عدوي هو صديقي” عديم الجدوى.
ومما لا شك فيه، إن السعودية تعتبر إيران أكبر تهديد لسيادتها، تماما مثلما يتوجس الرئيس ترامب ذات الريبة من طهران، بيد أن الدعم الكلي لسياسة السعودية قد يهدد بشكل جدي الولايات المتحدة والعالم الغربي أيضا. في هذا الإطار، يجب عدم تجاهل حقيقة أن الإيديولوجيا التي تمثل مصدر إلهام لأكثر المنظمات الإرهابية عنفا ليست سوى الوهابية التي تعتبر عقيدة سنية تقليدية متطرفة لها جذورها التاريخية في السعودية.
وبغض النظر عن الولاءات التي تجمع الولايات المتحدة بالرياض، فلا بد من التحدث علنا عن مصادر تمويل مواعظ الكراهية في جميع أنحاء العالم. ووفقا لملاحظات المراقبين، فإن المَخرج الوحيد الممكن للمأزق الحالي يتمثل إما في أن تستلم قطر بالكامل وأن تصبح مجرد دولة عميلة للسعودية أو أن تواجه الطرد من مجلس التعاون الخليجي وترتمي في أحضان إيران التي تنظرها.
في الختام، ينبغي أن يكون حل الأزمة واضحا وذلك من خلال دعوة فريق من الخبراء القانونيين ،الذين يحظون باحترام دولي، للتباحث في الادعاءات القائلة بأن قطر تروج للإرهاب. وفي حال اتضح وجود الأدلة على ذلك، فلا بد من دعوة القطريين للتعامل مع هذه المسألة بشكل صريح وشفاف، خاصة عدم تعريض ما يمثله مجلس التعاون الخليجي من منارة للأمل في المنطقة وفي العالم أجمع.
المصدر: نيوزويك