أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية لائحة تتضمن الشروط الواجب توافرها لمنح مواطني إيران وسوريا والسودان والصومال وليبيا واليمن تأشيرة دخول للولايات المتحدة وذلك بعد ماراثون من الشد والجذب بين الرئيس دونالد ترامب وبعض المؤسسات القضائية الداخلية بشأن قرار حظر مواطني هذه الدول من دخول البلاد بدعوى الحماية من الإرهاب.
اللائحة الصادرة عن الخارجية مساء أمس الأربعاء (28 من يونيو/حزيران) استجابة لقرار المحكمة العليا الصادر الإثنين (26 من حزيران/يونيو 2017) بشأن تطبيق جزئي لقرار الحظر الذي أصدره ترامب في السابع والعشرين من يناير الماضي بعد أيام قليلة من تنصيبه رسميًا رئيسًا لأمريكا، أثارت الكثير من الجدل داخل أمريكا وخارجها خاصة حيال ما تتضمنه من شروط يراها البعض قاسية وتحمل نوعًا من التعنت من قبل البيت الأبيض.
الأجداد والأحفاد والعمات والأعمام وغيرها من العلاقات الأسرية الأبعد لا تعتبر علاقة وثيقة، ومن ثم لا يجوز للمواطن هنا الحصول على تأشيرة دخول لأمريكا
شروط منح التأشيرة
حددت لائحة الإرشادات الموزعة على بعثات الخارجية الأمريكية حول العالم عددًا من الشروط المطلوبة لمنح مواطني الدول الستة سالفة الذكر تأشيرات دخول إلى البلاد، حيث تمحورت هذه الشروط في ركيزتين أساسيتين:
الأولى: وجود علاقة أسرية مع شخص أمريكي
الشرط الأول يتمثل في ضرورة أن يكون لمواطني هذه الدول علاقة أسرية وثيقة مع شخص أمريكي حتى يتسنى لهم دخول الولايات المتحدة.
أما عن مفهوم “العلاقات الأسرية الوثيقة” أشارت البرقية المرسلة للبعثات الخارجية بأن تكون العلاقة إحدى الصور التالية: أحد الوالدين أو زوج أو طفل أو ابن بالغ أو ابنة بالغة أو صهر أو زوجة ابن أو شقيق أو أخ غير شقيق.
وقالت البرقية إن الأجداد والأحفاد والعمات والأعمام وغيرها من العلاقات الأسرية الأبعد لا تعتبر علاقة وثيقة، ومن ثم لا يجوز للمواطن هنا الحصول على تأشيرة دخول لأمريكا.
الثاني: وجود علاقة مع كيان أمريكي
أما عن الشرط الثاني لمنح تأشيرة الدخول للولايات المتحدة كما حددتها الخارجية فهو وجود علاقة مع كيان أمريكي شرط أن تكون العلاقة رسمية وموثقة وتشكلت بصورة طبيعية وليس لغرض تفادي قرار الحظر وفقط.
حظر جزئي
تأتي هذه اللائحة استجابة لقرار المحكمة العليا الأمريكية الصادر الإثنين الماضي بتقليص حكمين صادرين سابقًا من محاكم أدنى درجة بخصوص إلغاء قرار ترامب بحظر دخول مواطني الدول الستة للبلاد، ومن ثم فلا قيمة لقرار محكمة استئناف مدينة ريتشموند بولاية فرجينيا الصادر في 25 من مايو/أيار الماضي بتأييد قرار قاضٍ في ولاية ماريلاند بوقف قرار الحظر.
المحكمة قالت في حكمها إنها ستستمع إلى المرافعات بشأن قانونية الأمر في فترة نظر القضايا التالية التي تبدأ في أكتوبر/تشرين الأول القادم إلا أنها وافقت على الطلب المقدم من البيت الأبيض بشأن تنفيذ الأمر الصادر عن ترامب بالسماح جزئيًا بتنفيذ حظر مدته 120 يومًا على دخول مواطني هذه الدول للولايات المتحدة.
ترامب يوقع قرار حظر دخول مواطني 6 دول لبلاده
البيت الأبيض يضغط
قرار المحكمة العليا الأمريكية بشأن تطبيق حظر جزئي لمواطني تلك الدول الستة ذات الأغلبية المسلمة جاء نتيجة طلب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منها إقرار حظر سفر مؤقت لهم بعد أن عرقلت محاكم أقل درجة تنفيذ القرار على اعتبار أنه ينطوي على تمييز.
هذا وقد تقدمت إدارة البيت الأبيض بطلبين عاجلين للمحكمة المكونة من 9 أعضاء بهدف وقف الحكمين الصادرين سابقًا بإلغاء قرار الحظر، حيث قالت سارة إيسجور المتحدثة باسم وزارة العدل في بيان لها: “طلبنا من المحكمة العليا نظر هذه القضية المهمة ونحن واثقون أن الأمر التنفيذي الصادر عن الرئيس ترامب يقع في نطاق سلطته القانونية لإبقاء البلاد آمنة ولحماية مجتمعاتنا من الإرهاب”.
وبعد الاستماع إلى الدفاع المقدم وافقت المحكمة على إلغاء الحكمين السابقين وبدء دراسة القضية مجددًا مع السماح جزئيًا بتنفيذ حظر مدته 120 يومًا بشروط محددة لحين معاودة فتح الملف في أكتوبر القادم.
ترامب: القرار الذي أصدرته المحكمة العليا بالإجماع انتصار واضح لأمننا القومي
ترامب يشيد بالقرار
اعتبر الرئيس دونالد ترامب قرار المحكمة العليا “انتصارًا” للأمن القومي، مشيرًا في بيان له تعليقًا على الحكم الصادر في 26 من يونيو الماضي “بوصفي رئيسًا، لا أستطيع أن أسمح لأناس يريدون بنا الشر دخول بلادنا، أريد أناسًا يمكنهم أن يحبوا الولايات المتحدة وجميع مواطنيها وأن يكونوا عاملين ومنتجين”.
وأضاف “القرار الذي أصدرته المحكمة العليا بالإجماع انتصار واضح لأمننا القومي”، مؤكدًا أن مسؤوليته “الأولى” كقائد تقضي بضمان أمن الأمريكيين، ومن ثم فإن هذا القرار سيطبق على كل من لم يقم علاقة حسن نية مع شخص أو كيان في الولايات المتحدة.
المقربون من الرئيس الأمريكي يعتبرون هذا القرار خطوة أولى نحو بدء تحقيق وعوده الانتخابية التي قطعها على نفسه، وأن المستجدات الدولية الأخيرة أثبتت صدق رؤيته فيما يتعلق بضرورة حماية الشعب الأمريكي من العناصر الإرهابية حتى ولو كان ذلك عبر بناء جدران فاصلة.
وينفذ وعده
قبل نحو أكثر من عام وفي أعقاب مذبحة سان بيرناردينو وكاليفورنيا، أطلق دونالد ترامب حزمة من الوعود لعل أكثرها جرأةً وجدلاً “إصدار حظر عام وشامل على دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة الأمريكية”، ثم خفف من وطأة هذا الوعد عقب موجة الجدل التي أثارها ليشير إلى أن الحظر يشمل الدول المصنفة إرهابية.
وفي الـ27 من يناير وبعد أيام قليلة من تنصيبه رئيسًا أصدر ترامب قرارًا بحظر دخول مواطني سبع دول إسلامية تراجعت بعد ذلك إلى ست دول فقط بعد حذفه للعراق من هذه القائمة، مما تسبب في موجة احتجاجات واسعة، حيث شهدت مدن رئيسية أمريكية مسيرات كبرى تنديدًا بهذا القرار، فيما اعتصم آلاف الأمريكيين في المطارات وخارجها للتعبير عن رفضهم، وشدّد المتظاهرون على رغبتهم في احتضان الجميع، وأن ما يقوم به ترامب لا يمثل المجتمع الأمريكي والقيم الأمريكية.
أحمد النسي المسؤول في وزارة المغتربين اليمنية: نشعر بخيبة أمل من هذا القرار ونعتقد أنه لن يساعد على مواجهة الإرهاب والتطرف، بل يزيد الشعور لدى رعايا هذه الدول بأنهم جميعًا مستهدفون
كما ندد ممثلو الادعاء في 16 ولاية أمريكية، في بيان مشترك، بهذا القرار، وقالوا في بيان مشترك لهم: “تعهدنا بالعمل لضمان عدم معاناة الكثير من الأشخاص من الموقف الفوضوي الذي تسبب فيه الأمر التنفيذي”، كما أعلن المدعي العام لولاية واشنطن بوب فيرغسون أن الولاية ستلجأ إلى المحكمة الاتحادية للطعن على الأمر التنفيذي الذي وقعه ترامب، وسبق لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية أن أعلن رفع دعوى قضائية لإبطال هذا الأمر.
وعلى الفور بدأ تحريك الدعاوى القضائية ضد ترامب، حيث أصدر قاضٍ في ولاية ماريلاند قرارًا بوقف هذا القرار، لتؤيده محكمة استئناف مدينة ريتشموند بولاية فرجينيا بقرارها الصادر في 25 من مايو/أيار الماضي، ليجد الرئيس الأمريكي نفسه في مأزق أمام مؤسسات الدولة القضائية وهو ما تسبب في بعض المناوشات بينهما إثر انتقاده للأحكام الصادرة المعرقلة لتنفيذ قرار الحظر.
وبعد ما يقرب من خمسة أشهر تقريبًا من السجال والشد والجذب ها هي المحكمة العليا تنتصر لقرار ترامب وتلزم بتنفيذه جزئيًا، مما أعده الرئيس انتصارًا يحسب له في مسيرته نحو تحقيق وعوده التي قطعها على نفسه إبان حملته الانتخابية.
خيبة أمل
ردود فعل منددة بقرار المحكمة العليا الأمريكية وما تبعه من لائحة وزارة الخارجية المرسلة للبعثات الدبلوماسية الأمريكية في الخارج بشأن الشروط الواجب توفرها لمنح تأشيرة الدخول لأمريكا لمواطني الدول الستة المشمولة بقرار المحكمة.
من جانبه أعرب أحمد النسي المسؤول في وزارة المغتربين اليمنية عن خيبة أمله بشأن قرار المحكمة الأمريكية، حيث قال في تصريحات له: “نشعر بخيبة أمل من هذا القرار ونعتقد أنه لن يساعد على مواجهة الإرهاب والتطرف، بل يزيد الشعور لدى رعايا هذه الدول بأنهم جميعًا مستهدفون، خاصة أن اليمن شريك فاعل للولايات المتحدة في محاربة الإرهاب وهناك عمليات مشتركة ضد العناصر الإرهابية في اليمن”.
ورغم كون قرار الحظر جزئيًا خلال فترة 120 يومًا فقط بحسب المحكمة العليا، فالبعض يساوره القلق حيال فكرة تطبيق القرار من الأساس، فمجرد الموافقة على تنفيذه ولو كان مؤقتًا بعد موجة الاحتجاجات التي شهدها في البداية فإن ذلك قد يفتح الباب مستقبلاً لتطبيقه بصورة كلية ودائمة فضلاً عن إمكانية زيادة القائمة بدول أخرى لم تحدد بعد.