في الوقت الذي أصبحت فيه التكنولوجيا حديث العالم وضرورة مُلحة ارتبطت بها واعتمدت عليها المجتمعات في تقديم خدمات في جميع المجالات العامة، ازدادت سيطرة التقنيات الحديثة واستحواذها على مختلف القطاعات في العالم، وتعتبر الإنجازات التكنولوجية والاكتشافات الحديثة التي تحدث بصورة يومية فخرًا وقوة عظيمة للدول الغنية التي تبذل جهودًا لتحقيق المزيد من التقدم في هذا المجال المهم.
الاستثمارات والميزانيات الضخمة التي تخصصها الدول من أجل تقوية نفسها وتعزيز وجودها على الساحة العالمية، لم تعد معتمدة فقط على عوامل القوة التقليدية مثل القوة العسكرية، بل أصبح الأمر مرتبطًا بمدى نجاح الدول في مجال العلوم والتكنولوجيا، وذلك لأنها السمة والعلامة الأساسية من علامات تقدم الدول عالميًا.
التقنيات الحديثة مثل الذكاء الصناعي يمكن أن تكون السبب في نشوب حرب عالمية ثالثة.
ومع انتشار مصطلحات الذكاء الاصطناعي وتقنية التعلم العميق التي يمكن للآلات التعرف على الصوت والصورة وفهم الكلام والترجمة، وهي تقنية تماثل طريقة عمل الدماغ البشري، فهذه الأمور لم تعد محصورة على الإنسان، في حين أن هذه الآلات الذكية لها القدرة على التعلم الذاتي والتجريب كالإنسان تمامًا.
كما أن الفضول البشري لا حد له في هذا المجال الذي أصبح ينافس القدرات البشرية نفسها ويهدد وجودها مثلما قال المبادر والمبتكر إيلون ماسك والعالم الفيزيائي البريطاني ستيفين هوكنج الذي شبه تطور الآلات الذكية باستحضار الشيطان.
بالإضافة إلى هذه التحذيرات، صرح المدير والمؤسس لعلي بابا جاك ما، صاحب أهم موقع صيني للتجارة الإلكترونية، أن التقنيات الحديثة مثل الذكاء الصناعي يمكن أن تكون السبب في نشوب حرب عالمية ثالثة، كما حدث سابقًا في الحرب العالمية الأولى والثانية وكانت الثورات التقنية سبب نشوب هذه الحروب المدمرة، كما جاء في مقابلة مع قناة سي إن بي سي الأمريكية.
تحذيرات جاك ما من الذكاء الاصطناعي
في رأي جاك ما أن الاعتماد الكبير على الاختراعات التقنية يضع وظائف الناس في خطر، الأمر الذي سيخلق توترًا اقتصاديًا في جميع أنحاء العالم، وبرأيه أن ارتباط الاقتصاد بالنظام السياسي سيسهل من افتعال الأزمات والنزاعات، وبالتالي تؤثر على حكومات دول العالم.
وأضاف “في الثلاثين سنة القادمة، ستستحوذ التقنيات على الكثير من فرص العمل، وإن لم يكن باستطاعتنا مساعدة أصحاب الأعمال المبتدئين ونأخذ بيدهم خلال هذه التغيرات العالمية، فسيتسبب ذلك بمشاكل جمة”.
في السنوات الثلاثين المقبلة، سيشهد العالم ألمًا أكثر من السعادة، والصراعات الاجتماعية في العقود القادمة سيكون لها تأثير على جميع أنواع الصناعات والقطاعات”.
كما قال إن السبب في سفره الكثير حول العالم أن معظم رحلاته تكون للحديث مع رؤساء وقادة دول العالم ونصحهم بأخذ التدابير اللازمة في هذه القضية المقلقة، وأضاف “إن لم يتحرك أحد من الحكام والمسؤولين، فسيكون هناك مأزق كبير، لا بد من إصلاح هذه المشكلة قبل أن تتأزم الأمور”.
وأشار في نهاية الحوار أنه لا يحبذ فكرة تشابه وظائف الآلات الذكية بالإنسان، وعلق قائلًا: “ينبغي صنع أجهزة تقنية تفعل أشياء لا يستطيع الإنسان أن يفعلها، وبهذه الآلية يمكن أن نستغل الآلات كشركاء في العمل مع البشر، بدلًا من أن تحل محلهم”.
بجانب توقعاته قال رجل الأعمال في خطاب له في مؤتمر ريادة الأعمال في الصين: “العالم يجب أن يغير نظام التعليم ويحدد أساليب عمل الروبوتات للمساعدة في التخفيف من الضربة الناجمة عن التشغيل الآلي واقتصاد الإنترنت”، وأضاف“في السنوات الثلاثين المقبلة، سيشهد العالم ألمًا أكثر من السعادة، والصراعات الاجتماعية في العقود القادمة سيكون لها تأثير على جميع أنواع الصناعات والقطاعات”.
كما عُرف أن جاك ما انتقد العديد من الشركات التي لا تأخذ بهذه التحذيرات، حيث يقول: “قبل 15 عامًا أعطيت 200 أو 300 خطاب لتذكير الجميع بتأثير الإنترنت على جميع الصناعات والأعمال التجارية، لكن لا أحد يستمع”، وأضاف أن الشركات التي لا تستوعب مخاطر الذكاء الاصطناعي عليها أن توظف شبابًا يشرحون آثار التقنيات الذكية على الاقتصاد.
كيف ستؤثر التقنيات الحديثة على قطاع الوظائف؟
تبعاً لتوقعات جاك ما فإن اضطرابًا اقتصاديًا كبيرًا سيحدث في العقود القادمة، بسبب التمركز العالمي الكبير على تكنولوجية الإنترنت، وخاصة بعد أن تبين أن بإمكان الذكاء الصناعي إنجاز مهمات في مختلف المجالات التي كان الإنسان هو الوحيد القادر على إدارتها في السابق.
أشار تقرير نشر في بيزنيس إنسايدر، أن الملايين من وظائف الناس مهددة بالخطر من قبل الثورة التكنولوجية والتقنية، ومثالًا على هذه الوظائف السيارات ذاتية القيادة التي تهدد السائقين بشكل عام.
تأكيدًا على هذا، قال أستاذ مساعد في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، يسونغ يوي، “أي عمل روتيني ويسير بشكل مبرمج معرض لخطر الآلات التقنية، خاصة الوظائف التي تتطلب مهارات بسيطة وقدرات متدنية من الإدارة والتحكم، فهي أسهل في الاستعاضة بها الأجهزة الحديثة”.
فمثلًا مهنة المحاماة التي تعتمد بالأساس على مجموعة من المحامين والمساعدين القانونيين الذين يبحثون عن قوانين أو وثائق أو مواد قانونية لفترات طويلة، في حين أن الآلات الذكية يمكن أن تقوم بمهمة البحث هذه في فترة قصيرة جدًا.
العلماء يعتقدون أن العلم لن يحقق مستوى رفيع من ذكاء الآلات قبل عام 2075، وبعد ذلك بـ30 عامًا يمكن ابتكار آلات ذات ذكاء فائق يمكن أن تتفوق على دماغ الإنسان وطريقة تفكيره.
يقول الرئيس التنفيذي لشركة هيرينغزولفد، شون بيرتون: “سيكون هناك دائمًا مجالات حيث يريد البشر التفاعل مع بعضهم البعض دون تدخل الآلات”،على سبيل المثال ربما الذكاء الاصطناعي سيكون أكثر قدرة على تشخيص المرض، ولكن البشر لا يزالون يريدون على الأرجح التحدث إلى الطبيب لمعرفة المزيد عن التشخيص ومناقشة الخيارات المتاحة.
ويضيف كبير الاقتصاديين في شركة برايس ووترهاوس كوبرز، جون هوكسورت، إن السماح بتدخل الذكاء الاصطناعي في المهام اليدوية سيؤدي إلى القضاء على العمال البشر فيها، وقد يمكّنا هذا من جعل العمال يركزون بشكل أكبر على وظائف أعلى قيمة وأكثر كفاءة وإبداع من الوظائف الرتبية”، ويشير إلى إمكانية زيادة الإنتاجية على المدى الطويل.
وتبين في دراسة كشفت عنها شركة الخدمات المهنية برايس ووترهاوس كوبرز،أن 38% من الوظائف في الولايات المتحدة يمكن أن تقوم بها “الروبوتات”، و35% من الوظائف في ألمانيا، كما أن الروبوتات يمكن أن تحل محل ما يقارب من 250.000 عامل في القطاع العام في المملكة المتحدة على مدى 15 سنة المقبلة.
استنادًا لاستطلاع رأي أجراه الفيلسوف والمؤلف نيك بوستروم، بين مجموعة من خبراء الذكاء الصناعي، أشار إلى أن العلماء يعتقدون أن العلم لن يحقق مستوى رفيع من ذكاء الآلات قبل عام 2075، وبعد ذلك بـ30 عامًا يمكن ابتكار آلات ذات ذكاء فائق يمكن أن تتفوق على دماغ الإنسان وطريقة تفكيره، في المقابل، قال 21% من هؤلاء العلماء إن ذلك لن يتحقق على الإطلاق.
ولسنوات طويلة يعتقد أستاذ علم الحاسوب في جامعة مونتريال الكندية، يوشوا بيغتون، أن قدرات الذكاء الصناعي محبطة للغاية، وأنها غبية جدًا والعلماء يعملون بجد على جعلها أكثر ذكاءً وأقل غباءً، كما أنه أشار إلى تسميته لهذه التقنية باسم “الغباء الصناعي” لا “الذكاء الصناعي” على حد وصفه.
ورغم قلق الكثير من العلماء والشخصيات البارزة من عواقب الاعتماد على هذه الآلات، فإن آخرين يرون أن المخاوف الحقيقة تكمن في الاستغلال الخاطئ والمفرط لهذه التقنيات، خاصة في الشؤون الأمنية والعسكرية.