ترجمة وتحرير نون بوست
في المستقبل، سيصدر قانون يجرم خطاب الكراهية على شبكة الإنترنت. وفي الأثناء، أعرب العديد من النقاد عن قلقهم بشأن توخي مزودي خدمة الإنترنت إجراءات أكثر صرامة وذلك خوفا من العقوبات. ومن خلال هذا التقرير، سنتطرق للحملة التي يقوم بها تويتر للحد من خطاب الكراهية.
في 22 من حزيران/يونيو 2017، تلقى القيادي بحزب البديل من أجل ألمانيا، توبياس هوخ، رسالة من موقع تويتر يبلغه من خلالها أنه قد نشر تعليقا يحرض على الكراهية بشكل يتنافى مع قوانين الموقع. والجدير بالذكر أن هوخ نشر تغريدة وصف من خلالها ضعف إقبال المسلمين على مظاهرة مناهضة للإرهاب بمدينة كولونيا مقارنة بمظاهرة أخرى مناهضة لإسرائيل أقيمت بمدينة برلين. وكرد فعل، قامت إدارة موقع تويتر بحظر هذه التغريدة ثم تجميد حساب هوخ دون ذكر الأسباب، وذلك مباشرة بعد أن تطرقت صحيفة بيلد الألمانية لما قام به هوخ.
في الحقيقة، تسلط هذه الواقعة الضوء على طريقة تعاطي مواقع التواصل الاجتماعي مع المحتويات غير القانونية. ومن المتوقع أن يبادر البرلمان الألماني، خلال هذا الأسبوع، بالمصادقة على مشروع قانون النفاذ إلى المواقع الاجتماعية الذي يسلط عقوبات صارمة على كل مزودي خدمة الإنترنت الذين لا يحذفون المحتويات غير القانونية ضمن حيز زمني محدد.
في المقابل، أعرب العديد من النقاد عن خشيتهم من أن يتحول هذا القانون إلى حملة لقمع حرية التعبير. فقد تبادر بعض مواقع التواصل الاجتماعي على غرار فيسبوك وتويتر بحذف المحتويات التي تشمل صبغة عدائية دون التثبت من مدى تعارضها مع القوانين الألمانية.
حرية التعبير تغيب بشكل كبير عن المنصات الرقمية
في واقع الأمر، قد تكون هذه المخاوف مشروعة، حيث قام موقع تويتر بحظر كل التغريدات والتعليقات التي تتعارض مع قوانينه دون تقديم مبررات مقنعة. ومن المثير للاهتمام أنه يحق لموقع تويتر، باعتباره ملكا لشركة خاصة، تطبيق قوانينه دون الحاجة إلى تقديم أي تفسير في الغرض. وعلى العموم، لا يوجد أي قانون يبيح حرية التعبير على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مطلق.
والجدير بالذكر أن مواقع التواصل الاجتماعي باتت تمثل عنصرا مهما للغاية في حياة مستخدميها، حيث تتيح لهم فرصة التعبير عن آرائهم بكل حرية. وبالتالي، من غير المقبول أن تصبح هذه المواقع مجالا لقمع الحريات بأي شكل من الأشكال.
من جانب آخر، تعكس حادثة هوخ في حد ذاتها مدى حساسية قضية قمع الحريات. وقد شن موقع تويتر حملة “حظر سري” طالت العديد من الحسابات، علما وأن هذا الحظر يتم دون أن يتفطن المستخدمون إلى ذلك. وفي هذا السياق، أفادت الصحيفة الأسبوعية “يونغه فهرنهايت”، يوم الأحد الفارط، أنها لم تتمكن من العثور على تغريداتها على موقع تويتر عند البحث عنها. من جهتها، صرحت إدارة الموقع أن الأمر يتعلق بمشكل تقني.
في نهاية شهر أيار/مايو الماضي، أثار حظر الحساب الخاص بالمدون الألماني، كوليا بونكا، على تويتر موجة من الاحتقان في صفوف أنصاره. وتجدر الإشارة إلى أن هذا المدون قد اشتهر بتعليقاته الساخرة من المهاجرين وطالبي اللجوء. وبالإضافة إلى ظاهرة تجميد حسابات بعض المستخدمين، بادر موقع تويتر بحظر بعض التغريدات في بلدان معينة. وفي حال رغب المستخدم في فتح حسابه، كان يفاجأ بأنه قد وقع تجميده.
ما هي البيانات التي قمنا بتحليلها؟
استعرضت “دير شبيغل” قائمة تضم حوالي 273 حساب تويتر و3000 تغريدة تم حظرها بألمانيا خلال الفترة الممتدة بين 3 نيسان/أبريل و30 أيار/مايو سنة 2017 . والجدير بالذكر أن هذه القائمة صادرة عن قاعدة بيانات “لومن”، وهي مشروع بحث تابع لمركز “بيركمان للإنترنت والمجتمع” في جامعة هارفارد. ويعنى هذا المركز بفحص مطالب حذف المحتويات من الإنترنت بهدف إضفاء الشفافية على هذه العملية، مع العلم أن مشروع “لومن” قد تم تنفيذه بالشراكة مع المنصات الرقمية على غرار تويتر.
والجدير بالذكر أن الصحيفة أوردت حوالي 170 رابط إنترنت أو ما يعرف “باليو آر إل”، في حين حرصت على حذف خاصية الولوج إلى الرابط. وإلى حدود شهر حزيران/يونيو الحالي، تم تجميد قرابة 251 حساب بشكل مؤقت، بينما تم حذف 10 حسابات بصفة نهائية، فيما تم حذف 11 حسابا من قبل المستخدمين أو موقع تويتر، في حين تم السماح لمستخدم واحد باسترجاع حسابه.
لماذا حظر تويتر هذا العدد الكبير من الحسابات؟
وفقا لتقارير الشفافية المتعلقة بالمحتويات المحذوفة التي يقوم موقع تويتر بنشرها كل ستة أشهر، بادر هذا الموقع بتجميد 35 حسابا وحذف 138 تغريدة في ألمانيا، خلال الفترة الممتدة بين سنة 2012 وسنة 2016. وفي الوقت نفسه، قامت إدارة موقع تويتر بحظر ما يناهز 146 حسابا بصفة نهائية بتعلة خرق شروط الاستخدام.
وفي هذا السياق، لسائل أن يسأل، لماذا حظر تويتر عددا كبيرا من الحسابات خلال الشهرين الماضيين في ألمانيا؟ وهل يمكن مقارنة هذه المعطيات بتلك الواردة ضمن تقارير الشفافية الخاصة بالموقع؟ وهل يعزى الارتفاع المتزايد لعدد الحسابات المحظورة إلى قانون النفاذ إلى مواقع التواصل الاجتماعي؟ من جهتها، لم تقدم شركة تويتر أي توضيح بشأن هذه الأسئلة، في حين اكتفى المتحدث الإعلامي باسم الشركة بسرد معلومات مقتضبة ومعلومة لدى الجميع.
محتويات مستهجنة وغير مناسبة لكنها غير محظورة
عند تجميد أي حساب، عادة ما يتعلل موقع تويتر بالوضع القانوني في ألمانيا. وفي الأثناء، تعتبر أغلب الحسابات المحظورة معادية للمهاجرين وطالبي اللجوء، مع العلم وأنه من غير الثابت ما إذا كانت كل المحتويات المحظورة تمثل خرقا للقانون الألماني. في المقابل، تم نشر العديد من التغريدات المستهجنة التي تطرقت إلى هجوم مانشستر، في حين كانت بعض التغريدات تتضمن دعابات نازية مسيئة، لكن إدارة تويتر لم تقم بحذفها. من جهة أخرى، لا تتعارض كل الحسابات المجمدة مع القانون الألماني، فقد وقع حظر بعض الحسابات التي تتضمن بعض المحتويات غير القانونية على غرار الصور الصادمة واللاأخلاقية.
من يتخذ قرار حظر الحسابات؟
في الوقت الراهن، يستعين موقع تويتر بمجهودات عدد من الشركاء الخارجيين الذين يساعدونه على تحديد المحتويات التي تستوجب العقاب. وفي صلب الاتحاد الأوروبي، تعمل شركة تويتر رفقة تسع منظمات متميزة تتموقع في ثلاثة دول، في حين تملك ترخيصا حكوميا يتيح لها الإبلاغ عن المحتويات المحظورة وفقا للقانون المحلي. وفي ألمانيا، يعنى مركز “يوغند شوتس.نت”، وهي شركة ذات مسؤولية محدودة ممولة من قبل الوزارة الاتحادية لشؤون الأسرة بمراقبة كل المحتويات، علما وأنها تعمل بالشراكة مع تويتر منذ سنة 2014.
تكوين في مجال سياسة الحذف التي يتبعها موقع تويتر
منذ سنة 2012، قام تويتر بحظر العديد من الحسابات في 12 دولة من بينها ألمانيا. ووفقا للتقارير الصادرة عن تويتر، تعود طلبات حظر الحسابات بالأساس إلى شركة “يوغند شوتس.نت”. خلافا لذلك، لم يقدم موقع تويتر أي معلومات كافية بشأن الموظفين المكلفين بحظر الحسابات، في حين أكدت أن موظفيها قاموا بتكوين يتعلق بسياسة الحذف التي تنتهجها الشركة.
يتم الإبلاغ عن معظم الخروقات عن طريق الخط الساخن
في الحقيقة، لم يستجب موقع تويتر لطلب الصحيفة بإرسال المعطيات المتعلقة بالمحتويات المجمدة في ألمانيا. كما رفض مركز “يوغند شوتس.نت” تقديم قائمة المعطيات التي أرسلها لموقع تويتر بحجة حماية حقوق المستخدمين.
وتجدر الإشارة إلى أن القائمة التي أوردتها صحيفة “دير شبيغل” تضمنت حسابات وتغريدات يمينية متطرفة. من جهة أخرى، لا يمكن الجزم بأن مركز “يوغند شوتس.نت” قادر على التدخل بشأن التغريدات المتطرفة حتى الأجنبية منها. وفي هذا الصدد، أفاد المسؤول في مركز “يوغند شوتس.نت”، مراد أوزكيليك، قائلا: “نحن نتابع كل أشكال التطرف السياسي، فعلى سبيل المثال، نحن نهتم بمسألة ظاهرة التطرف الإسلامي المتفشية في الإنترنت منذ سنة 2011”.
من ناحية أخرى، لم يقدم هذا المسؤول أي معلومات بشأن المهارات اللغوية للموظفين العاملين بالمركز. وفي السياق ذاته، أورد أوزكيليك أن “أغلب الخروقات يتم الإبلاغ عنها عن طريق الخط الساخن ثم يتم معالجتها عن طريق موظفين يتمتعون بالخبرة علما وأنه قد وقع تكوينهم بشكل معمق في هذا المجال. وفي بعض الحالات، نضطر للاستنجاد بمحامين”.
تعددت عمليات الحظر المثيرة للجدل، ولكن الخطاب التحريضي لا يزال منتشرا على الإنترنت
في الوقت الذي عمد فيه تويتر إلى تجميد العديد من الحسابات، لم تتلاشى الخطابات التحريضية على هذا الموقع، مع العلم وأن إدارته تحرص على فحص كل التغريدات التي ترد ضمن الموقع. وعلى الرغم من الاجراءات المثيرة للجدل التي عادة ما يتخذها موقع تويتر، إلا أن إدارته لا تستجيب لأغلب البلاغات المتعلقة بالشتائم أو الإهانات التي تستهدف بعض الجهات أو الأفراد بتعلة أنها لا تتعارض مع قوانين هذه المنصة الرقمية.
المصدر: دير شبيغل