أعلن الديوان الأميري الكويتي بعد ظهر اليوم السبت، وفاة أمير الدولة الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح عن عمر 86 عامًا (25 يونيو/حزيران 1937 – 16 ديسمبر/ كانون الثاني 2023) إثر وعكة صحية طارئة ألمت به، ومعاناة طويلة مع المرض، دخل على إثرها المستشفى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي حتى وافته المنية اليوم.
ورغم قصر الفترة التي تولاها الشيخ نواف، حيث لا تتجاوز 3 سنوات (29 سبتمبر/ أيلول 2020 – 16 ديسمبر/ كانون الثاني 2023)، لكنها في المجمل شهدت التزامًا بنفس النهج الذي كان عليه الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، كما شهدت فترة حكمه العديد من القرارات والممارسات التي زادت من شعبيته في الداخل والخارج، حتى عُرف محليًا بـ”أمير العفو”.
وفي بيان لمجلس الوزراء الكويتي بعد وقت قصير من إعلان الوفاة، نودي بولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح أميرًا للبلاد وفقًا للدستور الذي يقر بأن يصبح ولي العهد أميرًا بصورة تلقائية، وعليه اختيار ولي للعهد في غضون عام.
الديوان الأميري ينعى إلى الشعب الكويتي والأمتين العربية والإسلامية والعالم وفاة سمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباحhttps://t.co/tEXF7OfFGB#كونا #الكويت pic.twitter.com/FEiiaAbL0S
— كونا KUNA (@kuna_ar) December 16, 2023
أمير العفو والحساب
حاول الأمير الراحل خلال فترة ولايته تبريد الأجواء الساخنة في المشهد الداخلي منذ الحراك الاحتجاجي عام 2011، والذي بسببه زُج بالعشرات من الساسة والبرلمانيين والكتاب والدعاة الكويتيين داخل السجون والمعتقلات، إذ بدأ في انتهاج سياسة جديدة تخفف حالة الاحتقان التي خيمت على الساحة لأكثر من عقد كامل.
في سبتمبر/أيلول 2021 دعا الأمير إلى ما عُرف باسم “الحوار الوطني”، وذلك بهدف جمع الفرقاء السياسيين على طاولة واحدة، وبعدها بشهرين فقط أصدر حزمة قرارات بالعفو عن المُدانين في قضية اقتحام مجلس الأمة عام 2011، والبالغ عددهم 34 شخصًا، على رأسهم النواب السابقون، مسلّم البراك، وفيصل المسلم، وجمعان الحربش، وغيرهم.
وفي يناير/كانون الثاني 2023 أصدر قرارًا آخر بالعفو عن المدانيين في قضية “غروب الفنطاس” المتهم فيها العشرات بمحاولة التخطيط لقلب نظام الحكم، وفي مايو/ أيار من نفس العام عفا عن 28 مدانا في قضية “قبيلة شمر” أبرزهم النائب السابق مرزوق الخليفة.
وفي نوفمبر/ كانون الثاني الماضي، أي قبل شهر واحد فقط، أصدر الأمير الراحل قرارًا بالعفو عن 49 شخصًا آخرين، كان قد تم إلقاء القبض عليهم في الحراك الاحتجاجي عام 2014، من بينهم النائبان السابقان، سلطان اللغيصم وعبد الحميد دشتي.
وبالتوازي مع تبريد الساحة سياسيًا وحقوقيًا، تبنى الشيخ نواف استراتيجية جديدة لتطهير البلاد من الفساد، إذ قدم عددًا من أفراد الأسرة الحاكمة للمحاكمة دون أي اعتبار لذلك على سمعة الكويت وتماسك جبهتها الداخلية، ومن أبرز من أحيلوا للمحاكمة بتهم الفساد رئيس مجلس الوزراء السابق، الشيخ جابر المبارك الصباح، المدان في القضية المعروفة باسم قضية “صندوق الجيش”، كذلك وزير الدفاع السابق، الشيخ خالد الجراح الصباح، ونجل رئيس الوزراء السابق، صباح جابر المبارك الصباح، بعد تورطه في غسل الأموال في القضية الشهيرة “الصندوق الماليزي”.
دعم القضية الفلسطينية ومقاومة التطبيع
حرص الشيخ نواف على التزام النهج السياسي لأسلافه فيما يتعلق بدعم حقوق الشعب الفلسطيني، وفتح المجال العام أمام الشارع الكويتي للتعبير عن رأيه الداعم للفلسطينيين، هذا بخلاف إتاحة مساحة من المرونة السياسية للبرلمان والكيانات السياسية لممارسة كافة الأنشطة التي تصب في خدمة القضية الفلسطينية.
وفي الوقت الذي هرولت فيه بعض دول مجلس التعاون الخليجي لإبرام اتفاقيات تطبيع مع الاحتلال، تمسكت الكويت بنظافة يدها وسمعتها من هذا العار، حتى استرداد الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة، وهو الموقف الذي ربما وضع البلاد في حرج كبير أكثر من مرة أمام الرياض وأبو ظبي والدمام وغيرها.
وعبرت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” عن تقديرها للدور الذي قام به الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، من خلال بيان التعزية الصادر عنها، والتي عددت فيه مواقف الكويت تحت ولاية أميرها الراحل تجاه القضية الفلسطينية.
حماس في بيانها قالت “لنستذكر بكل فخر واعتزاز، مواقف دولة الكويت الثابتة وأدوارها الأصيلة، أميرًا وحكومة وبرلمانًا وشعبًا، في دعم الشعب الفلسطيني والتضامن معه، من خلال المشاريع الخيرية والإنسانية في قطاع غزَّة والضفة الغربية المحتلة والقدس، والانتصار لحقوقه وقضيته العادلة، في كلّ المحافل والمناسبات”، مشيدة بالدور “السياسي والدبلوماسي والإنساني والإغاثي الكبير والمشهود الذي تضطلع به دولة الكويت”.
عرًاب المصالحات
آمن أمير الكويت الراحل بأهمية تماسك ووحدة الجبهة الداخلية لمجلس التعاون الخليجي، وكان هذا الإيمان عقيدة راسخة لديه، سواء حين كان وزيرًا للداخلية أو وليًا للعهد، حيث كان يرى أن القوة والمنصب يجب أن يسخرا لخدمة الضعيف والمظلوم وأن الجميع متساو أمام القانون.
وحمل الشيخ نواف شعلة المصالحات وتخفيف الاحتقان بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، حيث ظل الضلع الأكثر دعمًا ومساندة لجهود الشيخ جابر في المصالحة الخليجية وحل الأزمة اليمنية، وهو الدور الذي أثار امتعاض بعض الحكومات الخليجية لكن ذلك لم يؤثر على حرص الكويت على المضي قدما في طريقها.
وواصلت الكويت تحت ولاية نواف نفس المسار السابق لها، مستمسكة بلغة الحوار والوساطة، رافضة للمواقف المتشددة والانحياز للآراء المتطرفة، وهو ما جعلها تقف على مسافة واحدة من معظم الأطراف والقوى المتصارعة، ما أكسبها احترام الجميع.
يذكر أنه خلال تقلده منصب وزير الداخلية قبل توليه السلطة ساهم نواف في تقوية الجبهة الأمنية الداخلية لدول مجلس التعاون، مشددًا على أن توحيد الصف الخليجي هو الضمانة الوحيدة لمجابهة كافة المخاطر التي تحيط بالمنطقة وتهدد أمنها واستقرارها.
محطات في حياته
الشيخ نواف هو الابن السادس لأمير الكويت الشيخ أحمد الجابر الصباح ( حكم من 1921 – 1950) وهو الأخ غير الشقيق للأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الصباح ( حكم من 2006 – 2020)، ولذا يعتبره البعض أحد الركائز الأساسية في بناء الكويت الحديثة، ولد في 25 يونيو/حزيران 1937 في مدينة الكويت وتربى في قصر الحكم آنذاك المعروف بـ”قصر دسمان”.
بدأ حياته المهنية في 21 فبراير/شباط عام 1962، حين عيّنه الأمير الراحل الشيخ عبد الله السالم الصباح محافظا لمحافظة “حَوَلِّي”، وظل بهذا المنصب قرابة 16 عامًا، وذلك حتى 19 مارس/آذار عام 1978.
وانتقل من العمل المحلي إلى وزارة الداخلية، حيث يوصف بأنه الأب الروحي لها، وتقلد المنصب فترتين كاملتين في عهد شقيقه الشيخ جابر الأحمد الصباح، الأولى من 19 مارس/آذار عام 1978 حتى 16 يونيو/حزيران 1990، والمرة الثانية من 14 يوليو/تموز 2003 حتى 7 فبراير/شباط 2006، وفي تلك الفترة تولى منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء بجانب حقيبة الداخلية.
وفي 20 فبراير/ شباط 2006 أصدر أمير البلاد مرسومًا بتعيين الشيخ نواف وليًا للعهد، واستمر في هذا المنصب حتى 29 سبتمبر/ حزيران 2020، عقب وفاة شقيقه الأكبر وتوليه الحكم في البلاد وفقًا للدستور الوطني الكويتي.
الأمير الجديد.. خارج الدوائر الحكومية
في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أصدر الأمير الراحل قرارًا دستوريًا بتعيين الشيخ مشعل الأحمد وليًّا للعهد، حيث يعد آخر أمراء الكويت من أبناء حاكم البلاد السابق، الشيخ أحمد الجابر الصباح، ليُنقل الحكم بعدها إلى جيل جديد من أبناء الأسرة الحاكمة.
والأمير الجديد هو الابن السابع للأمير الراحل أحمد الجابر، ولد عام 1940، وعمل رئيسًا لجهاز المباحث العامة بين أعوام 1967 و1980، كما يُنسب له إنشاء جهاز “المباحث السياسية” (أمن الدولة حاليًا)، لكن لم يستمر طويلًا في العمل الأمني، ففي منتصف ثمانينات القرن الماضي قرر مشعل التفرع للعمل التجاري، حيث عمل ممثلًا تجاريًا لأبناء الشيخ أحمد الجابر الصباح، ووكيلًا عن أملاك ورثته العقارية.
ويعد الشيخ مشعل من المهتمين بالتراث والشعر، وسبق له أن تولى رئاسة “ديوانية شعراء النبط” عام 1977، وهو الأمر الذي زاد من شعبيته بين الكويتيين، خاصة وأنه من عشاق التراث الكويتي والاحتكاك عن قرب بكافة أطياف الشعب الكويتي.
ولم يتقلد الأمير الجديد طيلة فترة حياته أي منصب وزاري، مفضلًا الابتعاد عن تجاذبات السياسة وضبابية الأجواء السياسية المعروفة في المشهد الكويتي، وعليه يعتبر أول أمير يأتي من خارج المناصب الحكومية، وهو الأمر الذي يحمل تحديات متعددة الأوجه.
وهكذا فقدت الكويت أحد رموزها السياسيين، أصحاب الحضور القوي إقليميًا، والذي رغم التحديات التي واجهته وفشل في بعضها كملف البدون، لكنه استطاع في وقت قصير أن يخفف من حالة الاحتقان الداخلي ويكسب ود وتأييد معظم الشعب الكويتي، لتبدأ البلاد مرحلة جديدة مع أمير جديد بتحديات داخلية وإقليمية ودولية مختلفة.