أعلنت شركة خطوط الطيران القطرية عن نقل نحو نصف مليون مسافر خلال إجازة عيد الفطر على متن 2900 رحلة جوية في وجهات كثيرة حول العالم، على الرغم من الحصار المفروض على حركة الطيران من طرف دول المقاطعة، كما يسير عمل الخطوط القطرية من مطار حمد الدولي في الدوحة بشكل طبيعي رغم القيود المفروضة على حركة الطيران في المنطقة.
مع ذلك فإن قطر تسعى بكل ما لديها من أدوات لرفع الحظر الذي أغلق المجال الجوي أمام طائراتها، إذ من شأن استمرار الأزمة أن يؤثر على تكاليف الرحلات وزمنها وبالتالي فقدان ركاب لصالح شركات أخرى، وخصوصًا أن قطر تستضيف بطولة كأس العالم 2022 وفي حال استمرار الأزمة لذلك الوقت فقد يؤثر هذا على استضافتها للبطولة بشكل سلبي.
خطوط الطيران القطرية في الأزمة
صار لزامًا على القطرية بسبب الحصار المفروض عليها من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر، في 5 يونيو/حزيران، سلوك رحلات جوية طويلة ومكلفة، حيث فرض الحصار عليها سلوك طريقين بحسب خبراء في مجال الطيران، وكلاهما طويلان مقارنة بالطرق التقليدية. الطريق الأول هو التحليق فوق إيران ثم العراق ثم الأردن وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط، ومن ثم الوصول إلى مختلف الوجهات بعيدًا عن الخليج العربي ومصر وليبيا، فيما يمر الطريق الثاني بإيران أيضًا ثم تركيا ومنها إلى مختلف دول الاتحاد الأوروبي.
لمشكلة الأكبر التي تواجهها قطر تتمثل في كيفية تعاملها مع إغلاق مساحات هائلة من المجال الجوي الاقليمي أمامها، وخاصة أنها لن تعود قادرة على التحليق فوق كل من السعودية والامارات
ومن المتوقع أن تتأثر القطرية نظريًا بسلوك هذين الطريقين من حيث ارتفاع الضرائب على الرحلات الجوية القطرية، وارتفاع تكلفة الطريق كونها أطول من حيث المسافة، هذا فضلاً عن أن المدد اللازمة للرحلات سوف تتغير وتصبح أطول، وهذا سيؤدي إلى تقليل التنافسية مع شركات الطيران الخليجية وغيرها وهذا سيفيد بالدرجة الأولى شركات الطيران الأمريكية والأوروبية قبل الخلجية التي سبق لها واشتكت من شركات الطيران الخليجية (القطرية، والإمارات، والاتحاد) لدى المفوضية الأوروبية. ولكن من الناحية العملية فإن قطر لديها علاقات جيدة جدًا مع كل من تركيا وإيران وهذا سيساعدها في تقليل الآثار وتوجد آليات تعاون جديدة تخفف من التكاليف المترتبة على الشركة.
وحسب لارا برونت، الخبيرة في شؤون الطيران بجريدة “ديلي تلغراف” فإن “المشكلة الأكبر التي تواجهها قطر تتمثل في كيفية تعاملها مع إغلاق مساحات هائلة من المجال الجوي الاقليمي أمامها، وخاصة أنها لن تعود قادرة على التحليق فوق كل من السعودية والامارات”، وهو ما سيترتب عليه تأثير رئيسي على المسافرين من رجال الأعمال، أو المسافرين لأغراض تجارية، بين دبي والدوحة، وهو المسار الأكثر نشاطًا بالنسبة لقطر.
انتشرت صور توضح الخط الجديد لمسار الطائرات القطرية بعد فرض الحصار، وفي الصورة أدناه صورة توضح المسار المفروض أن تسلكه رحلة الطائرة لو قررت السفر من الدوحة إلى الخرطوم، حيث يظهر واضحًا بأن المسافة تُصبح أكثر من ضعف ما كانت عليه سابقًا.
مراقبون رأوا أن هذه الأزمة ستربك حسابات قطر وخطوط الطيران القطرية في استضافة بطولة كأس العالم 2022، ففي حال بقاء المجال الجوي مغلق حتى ذلك الوقت أن تتعرض الشركة لضغوط من الفيفا، أو تنخفض أعداد الزائرين لقطر بسبب الأزمة مع جاراتها فضلا أن قد تخسر ركاب لصالح شركات أخرى أجنبية وعربية بسبب طول فترة السفر وارتفاع التكلفة.
لذلك تسعى قطر للدفاع عن حقوقها في المنظمات الدولية، علمًا أنه حتى الآن لم يصدر أية تصريحات مع أو ضد خطوات دول المقاطة بشأن العقوبات على شركة خطوط الطيران القطرية، مثل الهيئة العربية للطيران التابعة لجامعة الدول العربية ومن الاتحاد العربي للنقل الجوي، حيث فضلت تلك الكيانات النأي بنفسها عن الأزمة الخليجية وآثرت الصمت على القيام بأي إجراءات.
فيما توجهت الحكومة القطرية إلى المنظمة الدولية للطيران المدني “إيكاو” والتي تعقد جسلة استماع اليوم الجمعة للنظر بالإجراءات المتخذة دول الحصار الخليجية الثلاث والآثار السلبية المترتبة عليها والنظر في مطالب الدوحة بفتح المجال الجوي أمام حركة الطيران والملاحة. وإيكاو تم تأسيسها بمبادرة من الولايات المتحدة لأكثر من 50 دولة من حلفائها لنظام ملاحة جوية مشترك في 1944 تتبع للأمم المتحدة، بحيث تعتمد على التوافق لبسط إرادتها، ويضم مجلس منظمة “إيكاو” بعضويته في المنظمة البالغ عددها 191 دولة.
الغريب في الموضوع أن كل من السعودية والإمارات ومصر، أعضاء في تلك المنظمة، ومن المفترض من هذه الدول أن تنخرط في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للمنظمة حول تعزيز أمن الطيران المدني وتسهيله، ولكن تلك الدول استغلت الخلاف السياسي وخالفت هدف المنظمة لـ”عرقلة الطيران المدني وحظره”.
ومن المقرر أن ينظر مجلس المنظمة في جلسته، اليوم الجمعة، في طلب دولة قطر باستخدام آلية تسوية النزاعات الواردة في المادة 84 من اتفاقية شيكاغو لعام 1944. وتنص تلك المادة على أنه “إذا وجد خلاف بين دولتين أو أكثر على تفسير أو تطبيق هذه المعاهدة أو ملحقاتها ولم تفلح المفاوضات في فضّه، فعلى المجلس- بناء على طلب أية دولة طرف في الخلاف- أن يتخذ قرارًا في هذا الشأن”.
كما نصت تلك المادة على أنه “لا يجوز لأي عضو في المجلس أن يصوت عند بحث المجلس لخلاف يكون هو طرف فيه” وحددت المادة 84 طرق الاستئناف على قرار مجلس “إيكاو” إذا خرج لغير مصلحتها. ونصت على أنه “لكل دولة أن تستأنف قرار المجلس إلى محكمة تحكيم يقبلها باقي الأطراف في النزاع أو إلى محكمة العدل الدولية الدائمة”.
وكان “أكبر الباكر”، الرئيس التنفيذي للخطوط الجوية القطرية، صرّح بأن على المنظمة الدولية للطيران المدني “إيكاو”، أن تعلن “عدم قانونية” الإجراءات التي اتخذتها دول خليجية تجاه حركة النقل الجوي القطري، بعد أن قطعت علاقاتها مع الدوحة في خلاف سياسي. وحول تأثير الحصار على الخطوط القطرية قال الباكر “حدث تأثير نقدي، وواجهنا إلغاءات كثيرة وبخاصة في الرحلات المتجهة إلى الدول الأربع التي تفرض هذا الحصار غير الشرعي، لكننا عثرنا على أسواق جديدة، وهذه هي استراتيجيتنا للنمو”.
استخدم مطار الدوحة العام الماضي أكثر من 37 مليون و300 ألف مسافر، بعضهم مر مرورًا بالدوحة (ترانزيت) وآخرون كانت وجهتهم النهائية
من جهة أخرى، يرى البعض أن هناك ملامح للإضرار بعمل شركة الطيران القطرية من قبل دول الحصار، فالشركة منافس قوي لشركات الطيران الخليجية وفي مقدمتها الإماراتية والاتحاد، وتعد هذه الشركات من أكبر شركات الطيران في الشرق الأوسط إلى جانب القطرية.
وعلى ما يبدو فإن شركات الطيران الأمريكية والأوروبية ستكون سعيدة من هذا النزاع فشركات الطيران الخليجية هي شركات حكومية تتلقى اهتمام خاص من قبل حكوماتها وتسعى لدعمها في أوقات الأزمات، وهذا يخلق ميزة تنافسية “غير عادلة” مع شركات القطاع الخاص في كل من أوروبا وأمريكا التي ترفض تلقي أي دعم حكومي من قبل حكوماتها.
كما أن النمو الذي تحققه شركات الطيران الخليجية الثلاث (القطرية والاتحاد والإمارات) يأتي على حساب خطوط جوية أوروبية وأمريكية تصارع لاجتذاب نفس الركاب وتتعرض لمشاكل ارتفاع أسعار النفط والذي تواجهه من خلال سياسات تخفيض التكاليف، ويُذكر أن تلك الشركات تمكنت من مضاعفة رحلات خطوطها بين أوروبا الغربية والخليج من نحو 65 رحلة يوميًا في 2010 إلى 128 رحلة يوميًا نهاية العام 2016.
القطرية الأولى عالميًا
عبر أكثر من 150 وجهة حول العالم أعلنت القطرية أن رحلاتها مستمرة بشكل طبيعي بالرغم من الحصار الجوي المفروض على قطر من قبل كل من البحرين والسعودية والإمارات ومصر وغيرها.
في هذا الظرف العصيب الذي تمر به البلاد وشركاتها العاملة في مختلف القطاعات والمتضررة من العقوبات، وفي الوقت الذي حظرت شركة طيران القطرية من 18 وجهة وصول وإغلاق المجال الجوي أمامها، فضلا عن إغلاق مكاتب لها في البلدان المقاطعة، فقد انتزعت شركة القطرية لقب أفضل ناقلة في العالم من الخطوط الإماراتية لتحصل على هذه الجائزة للمرة الرابعة في تاريخها وذلك في حفل “سكاي تراكس” العالمية لشركات الطيران 2017 الذي أقيم خلال معرض باريس الجوي الأسبوع الماضي.
استقبل مطار الدوحة 19 مليون مسافر خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى يونيو/حزيران 2017
حلّ في المركز الثاني خطوط الطيران السنغافورية وهبطت خطوط الطيران الإمارتية إلى المركز الرابع بعدما كانت في المركز الأول العام الماضي، كما جاء طيران الإتحاد في المركز الثامن في قائمة أفضل خطوط الطيران في العالم. ويُذكر أن هذه هي المرة الرابعة التي تفوز بها الخطوط القطرية بالجائزة الكبرى بعدما حصلت على اللقب ذاته في 2011 و 2012 و 2015.
أكدت الخطوط القطرية في بيان لها، أنها حصلت أيضًا، خلال الحفل، على جوائز أخرى، من بينها “جائزة أفضل خطوط طيران في الشرق الأوسط” و”أفضل درجة رجال أعمال في العالم” و”أفضل صالة انتظار لمسافري الدرجة الأولى”.
شفت النتائج عن تحقيق ارتفاع صافي الأرباح السنوية للقطرية بنسبة 21.7% وزيادة في الإيرادات السنوية بنسبة 10.4%، ووسعت القطرية شبكة وجهاتها في العام المالي الماضي وبلغت نسبة النمو في المقاعد المتوفرة لكل كيلومتر 21.9%. وخلال العام المالي 2017 قامت الخطوط الجوية القطرية باستثمارات وشراكات ضخمة حيث دشنت 10 وجهات جديدة وأعلنت عن تحديث مجموعة من المنتجات على متن طائراتها وزادت عدد الطائرات في أسطولها إلى 196 طائرة.
واستمرت في العام الحالي بتوسيع شبكة وجهاتها بإضافة 10 وجهات جديدة حول العالم وهي: أديلايد في أستراليا وأتلانتا في الولايات المتحدة الأميركية وأوكلاند في نيوزيلندا وهيلسينكي في فنلندا وكرابي في تايلاند ومراكش في المغرب وبيزا في إيطاليا وماهي في جزر السيشيل وويندهوك في ناميبيا ويريفان في أرمينيا.
وتشير البيانات الصادرة من مطار حمد الدولي إلى نشاط وفورة في عدد من استقل المطار سواء من القادمين أو المغادرين، فبحسب بيانات صادرة من مطار حمد الدولي مؤخرًا، فقد استقبل المطار 19 مليون مسافر خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى يونيو/حزيران 2017، ما يعني زيادة الأعداد بنسبة 8% مقارنة بأعداد المسافرين خلال الفترة ذاتها من العام الماضي. ويشمل هذا العدد جميع المسافرين من مغادرين وقادمين ومسافري الرحلات المحولة في المطار.
بالرغم من الحصار لا يبدو أن خطط الشركة التوسعية قد تأثرت، فالشركة التي تحتفل بتواجدها في السوق منذ 20 عامًا، تخطط لإطلاق 24 وجهة جديدة في الفترة المقبلة، وشراء المزيد من الطائرات وإضافة مقاعد “كيو سويت” للأسطول.
استمرت القطرية بتوسيع شبكة وجهاتها في العام المالي 2017 وذلك بإضافة 10 وجهات جديدة
تعتبر الدوحة ومطارها محطة مرور رئيسية لملايين المسافرين حول العالم، حيث استخدم مطارها العام الماضي أكثر من 37 مليون و300 ألف مسافر، بعضهم مر مرورًا بالدوحة (ترانزيت) وآخرون كانت وجهتهم النهائية، وتشير صحف بريطانية أن عدد المسافرين القادمين من بريطانيا يبلغ أكثر من مليون بريطاني يسافرون إلى الدوحة أو يمرون بها سنويًا.
وأعلنت القطرية في وقت سابق عن زيادة حصتها في المجموعة الدولية لشركات الطيران من 15.24% إلى 20.01% في شهر يوليو/تموز 2016، كما أنجزت في شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2016 استثمارًا استراتيجيًا آخر بالاستحواذ على 10% من الأسهم الإجمالية لمجموعة خطوط “لاتام” الجوية، وهي شركة طيران قابضة أمريكية لاتينية.
ووقعت خلال العام المالي الماضي اتفاقية شراكة مع الخطوط الجوية البريطانية التابعة للمجموعة الدولية لشركات الطيران بحيث يتم تقاسم إيرادات الرحلات على الخط الجوي بين مطار هيثرو لندن والدوحة، وأتمت عددًا من اتفاقيات الرمز المشترك مع شركة “فين إير” والخطوط الجوية الأيبيرية، وهي شركة الطيران الرسمية الأسبانية، والخطوط الجوية السريلانكية وشركة طيران فيولينغ وشركة طيران بوتسوانا.
عدد المسافرين القادمين من بريطانيا إلى الدوحة يبلغ أكثر من مليون بريطاني يسافرون إلى الدوحة أو يمرون بها سنويًا.
من غير المتوقع أن تتأثر القطرية بالحصار المفروض عليها من حيث التكاليف، فكون الشركة حكومية فالحكومة هناك مستعدة لدعم الشركة لأبعد الحدود للبقاء على خط المنافسة الشرسة مع خطوط الطيران الخليجية والأجنبية، فيما ستظل الحكومة تسير وفق الإجراءات القانونية في المنظمات الدولية للمطالبة بحقها برفع الحصار الجوي المفروض عليها.