ترجمة وتحرير: نون بوست
لا يكاد يمر يوم واحد منذ الهجوم الذي شنته حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر دون قيام وسائل الإعلام الغربية بإعادة النظر في تلك الأحداث، للكشف في كثير من الأحيان عما تدعي أنها تفاصيل جديدة عن الفظائع المذهلة التي ارتكبتها الجماعة الفلسطينية. وقد أدى هذا إلى إدامة السخط العام في الغرب، وجعل نشطاء التضامن الفلسطيني في موقف دفاعي.
وقد سهّل هذا الغضب مسار إسرائيل بعد أن قامت بتسوية مساحات شاسعة من غزة بالأرض وقتلت أكثر من 18700 فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال وحرمت سكان الجيب البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة من الحصول على الغذاء والماء والوقود. كما ساعد الحكومات الغربية على أن تلقي بثقلها خلف إسرائيل ـ وتسليحها ـ حتى حينما انخرط القادة الإسرائيليون مرارًا وتكرارًا في الحديث عن الإبادة الجماعية ونفذوا عمليات تطهير عرقي.
أدت حملات القصف الإسرائيلية المكثفة إلى الترحيل القسري لما يقارب مليوني فلسطيني في قطاع صغير من غزة ودفعهم نحو حدودها القصيرة مع مصر، في حين بدأت المجاعة والأمراض القاتلة في التسبب في خسائر فادحة.
العديد من الادعاءات المتعلقة بيوم 7 تشرين الأول/أكتوبر كانت صادمة لدرجة لا يمكن تصديقها، مثل القصص التي تقول إن حماس قطعت رؤوس 40 طفلاً، وحرقت آخر في الفرن، ونفذت عمليات اغتصاب جماعية ومنهجية، وقتلت جنينًا في رحم أمه. حتى أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن وصف بتفاصيل دقيقة – وكاذبة تمامًا – هجوم حماس على عائلة إسرائيلية حيث “اقتلعوا عين الأب أمام أطفاله، وقطعوا ثدي الأم، وبتروا قدم الفتاة، وقطعوا أصابع الصبي قبل إعدامهم”.
القليل من الأدلة
استمرت هذه الفظائع في غزة كل يوم منذ ذلك الحين، خاصة من خلال القصف الإسرائيلي المستمر بلا هوادة للمدنيين، ومن خلال رفض حماس إطلاق سراح ما تبقى من الرهائن الإسرائيليين دون تبادل الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية.
وفيما يتعلق بالادعاءات الأكثر إثارة للصدمة ضد حماس التي روّجت لها وسائل الإعلام الغربية – والتي عززت قضية الهيجان الإسرائيلي الذي استمر شهرين في غزة – فإنه لم يتم تقديم سوى القليل من الأدلة أو لم تُقدم أي أدلة على الإطلاق بخلاف المزاعم التي قدّمها المسؤولون الإسرائيليون والمستجيبون الأوائل المتحيزون للغاية وغير الموثوق بهم.
في الأسبوع الماضي، تصدّرت قصص عن عمليات الاغتصاب الجماعي المنهجية التي قامت بها حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر عناوين الأخبار في بي بي سي ووسائل إعلام أخرى، بينما تعرقل إسرائيل الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة للتحقيق في هذه الادعاءات.
مرة أخرى، تم تهميش تغطية الدمار المتزايد في غزة. لكن استعداد وسائل الإعلام لإعادة النظر في أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر بعد فترة طويلة من وقوع تلك الأحداث كان ضمن حدود صارمة، إذ لا يتم بثّ سوى الادعاءات التي تدعم الرواية الإسرائيلية لما وقع في ذلك اليوم.
هناك مجموعة متزايدة من الأدلة التي تشير إلى واقع أكثر تعقيدا بكثير، واقع يصوّر أفعال إسرائيل بطريقة أكثر إثارة حيث يجري تجاهلها أو قمعها. يُشير هذا النهج غير الصادق إلى حد كبير من جانب وسائل الإعلام الغربية إلى أنهم لا يسعون وراء الحقيقة بلا خوف، كما يعلنون، وإنما يكرّرون نقاط الحوار التي تغذيهم بها إسرائيل. هذا ليس أمرًا غير معقول فحسب، خاصة في ضوء سجل إسرائيل الطويل في الترويج للأكاذيب، الصغيرة والكبيرة على حد سواء، ولكنه يعد انتهاكًا لجميع القواعد الصحفية الأساسية.
والأسوأ من ذلك أن تضخيم وسائل الإعلام الساذج للنسخة الإسرائيلية من أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر ما زال يبث الحياة في الحجة الإسرائيلية التي ترى أن تدمير غزة للقضاء على حماس أمر مبرر أخلاقيًا.
المشجعون النشطون
ما لا يعرفه معظم الجمهور الغربي أن هناك تدفقًا مستمرًا للأدلة من مصادر إسرائيلية على مدى الشهرين الماضيين تشير إلى تورط الجيش الإسرائيلي في بعض عمليات القتل المنسوبة إلى حماس. واعترف الجيش الإسرائيلي هذا الأسبوع أخيرًا بأنه قتل مدنيين تابعين له في 7 تشرين الأول/أكتوبر بأعداد كبيرة وفي ظل ظروف معقدة، مضيفًا بطريقة شفافة وغير منطقية أنه “لن يكون من السليم أخلاقياً التحقيق في هذه الحوادث”.
كيف يمكن، في ظل اهتمامهم المستمر بالتدقيق في أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر، ألا تلتقط أي من وسائل الإعلام الغربية أيًا من هذه الأدلة المؤلمة، ناهيك عن التحقيق فيها. يصعب بذلك ألا نستنتج أن وسائل الإعلام الغربية مهتمة فقط بالقصص التي تصور حماس دون إسرائيل كأشرار – بغض النظر عن صحتها أو كذبها – وهذا يعني أن وسائل الإعلام ليست مراسلة محايدة، بل تم تجنيدها من قبل إسرائيل كمشجعين نشطين لها.
الرواية الإسرائيلية الرسمية، التي ترددها وسائل الإعلام الغربية، هي أن حماس خططت منذ فترة طويلة لشن حملة همجية مجنونة عبر المجتمعات المحلية في إسرائيل، مدفوعة بمزيج من التعطش الديني البدائي للدماء وكراهية اليهود. وجاءت فرصة المجموعة لتحقيق هذا الهدف في 7 تشرين الأول/أكتوبر – وفقًا للرواية الإسرائيلية – عندما تخلت إسرائيل عن حذرها للحظات واخترقت حماس السياج عالي التقنية الذي كان يهدف إلى إبقائها وسكان غزة الآخرين البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة في سجن دائم.
أثناء الاختراق، ركزت حماس على ذبح المدنيين وقتل الأطفال بقطع رؤوسهم واستخدام الاغتصاب كسلاح حرب وهتك العرض، وأطلقوا النار على منازل المجتمعات الإسرائيلية المجاورة، مما أدى في كثير من الأحيان إلى تحويلها إلى أنقاض وإحراق ضحاياهم أحياء. ولا شك أن الادعاء بشأن قطع رؤوس 40 طفلاً قد تم تجنبه بهدوء، لأنه لا يوجد أي دليل محدد على ذلك وتشير الأرقام المنشورة في إسرائيل إلى أنه توفي رضيعان فقط في ذلك اليوم.
مع ذلك، نادراً ما تتحدى وسائل الإعلام المتحدثين الرسميين الإسرائيليين، أو السياسيين الغربيين، عندما يطلقون هذا الادعاء الذي فقد مصداقيته منذ فترة طويلة. لكن العديد من هذه الادعاءات الأخرى تماثل هذا الادعاء في الخلو من الأدلة وتحتاج إلى التدقيق أيضًا. ومع أنه نادرًا ما يتم منحهم الفرصة، إلا أن الفلسطينيين لديهم روايتهم البديلة الخاصة لما حدث في ذلك اليوم، ويتم تعزيز أجزاء منها بروايات من مصادر إسرائيلية.
تحدي الرواية الرسمية
بناءً على هذه الرواية، تدربت حماس منذ فترة طويلة على الاقتحام، مع وضع هدف استراتيجي في الاعتبار، وكان الهدف هو شن هجوم على طراز الكوماندوز على أربع قواعد عسكرية تحيط بغزة لقتل أو احتجاز أكبر عدد ممكن من الجنود الإسرائيليين، وهجوم مماثل على المجتمعات الإسرائيلية المحلية لأخذ رهائن مدنيين. وكان الهدف، وفقًا لهذه الرواية، هو مقايضة الرهائن بالسجناء الفلسطينيين، الذين يقبع الآلاف منهم في السجون الإسرائيلية، بما في ذلك النساء والأطفال، وغالبًا ما يُحتجزون دون محاكمة عسكرية أو حتى تهم. بالنسبة للجمهور الفلسطيني، يعتبر هؤلاء السجناء رهائن مثل الإسرائيليين المحتجزين في غزة.
اقتحمت حماس قواعد عسكرية وبلدات بئيري وكفار عزة الإسرائيلية، ولهذا السبب كان نحو ثلث القتلى الإسرائيليين البالغ عددهم 1200 قتيل في ذلك اليوم من الجنود أو الشرطة أو الحراس المسلحين، لهذا السبب كان العديد من الرهائن البالغ عددهم 240 يخدمون في الجيش الإسرائيلي أيضًا. وفقًا لمعظم الروايات، حتى الإسرائيلية منها، عثرت حماس بالصدفة على مهرجان نوفا الموسيقي، الذي تم نقله إلى منطقة قريبة من السياج مع غزة، ووقعت اشتباكات غير متوقعة مع حراس الأمن حيث تحول الهجوم على رواد المهرجان إلى أمر فوضوي ومروع بشكل خاص.
لماذا إذًا حادت حماس عن خطتها بقتل هذا العدد الكبير من المدنيين؟ ولماذا فعلت ذلك بهذه الطريقة الوحشية وغير المبررة والمستهلكة للوقت، التي تضمنت حرق الإسرائيليين أحياء، واستخدام قوتها النارية لتفجير منازلهم وتحويلها إلى أنقاض، وإضرام النار في مئات السيارات على الطريق السريع بالقرب من مهرجان الموسيقى؟
ما الذي كسبته حماس من إنفاق كل هذا القدر من الطاقة والذخيرة على عروض الرعب المسرحية بدلاً من خطتها لاختطاف الرهائن؟ بالنسبة للعديد من القادة والصحفيين الغربيين، يبدو أنه لا توجد حاجة إلى إجابة عقلانية، إن حماس ـ وربما كل الفلسطينيين ـ هم ببساطة همجيون يعتبرون قتل الإسرائيليين أو اليهود أو ربما كل غير المسلمين أمراً طبيعياً بالنسبة لهم.
ولكن بالنسبة لأولئك الذين تكون عقولهم أقل انحيازاً للافتراضات العنصرية، فإن الصورة البديلة للأحداث كانت متماسكة بشكل مطرد، مدفوعة بشهادات الناجين والمسؤولين الإسرائيليين، فضلاً عن التقارير الواردة من وسائل الإعلام الإسرائيلية. ولأنها تتناقض مع رواية إسرائيل الرسمية، فقد تم تجاهل هذه الشهادات بشكل متعمد من قبل وسائل الإعلام الغربية.
أُحرقوا أحياءً
الأمر المثير للدهشة أن الشخص الذي أربكت تصريحاته الرواية الرسمية أكثر من غيره هو مارك ريجيف، المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. في مقابلة مع قناة “إم إس إن بي سي” في 16 تشرين الثاني/نوفمبر، أشار ريجيف إلى أن إسرائيل خفضت عدد القتلى الرسمي بمقدار 200 بعد أن أظهرت تحقيقاتها أن البقايا المتفحمة التي أحصتها لا تشمل الإسرائيليين فحسب، بل مقاتلي حماس أيضًا، وكان المقاتلون، الذين تم حرقهم أحياء، مشوهين للغاية بحيث لا يمكن التعرف عليهم بسهولة.
وقال ريجيف لمضيف قناة “إم إس إن بي سي” مهدي حسن: “كانت هناك في الواقع جثث محترقة بشدة لدرجة أننا اعتقدنا أنها جثثنا، وفي النهاية، على ما يبدو، كانوا إرهابيين من حماس”. كانت هناك مشكلة واضحة في ما كشفت عنه ريجيف، التي لم يعترض عليها مذيع قناة “إم إس إن بي سي”، وتجاهلتها وسائل الإعلام منذ ذلك الحين، كيف انتهى الأمر بإحراق الكثير من مقاتلي حماس – وفي نفس المواقع تمامًا التي كان فيها الإسرائيليين، مما يعني أنه لا يمكن التعرف على رفاتهم بشكل منفصل لعدة أسابيع؟
هل قام مقاتلو حماس بتنفيذ بعض الطقوس الغريبة، حيث أحرقوا أنفسهم في السيارات والمنازل إلى جانب رهائنهم؟ إذا كان الأمر كذلك، لماذا؟ هناك تفسير محتمل، أكده أحد الناجين الإسرائيليين من أحداث السابع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر، وكذلك حارس أمن ومجموعة متنوعة من العسكريين. لكن هذه الروايات تقوّض بشكل صارخ الرواية الرسمية لإسرائيل.
قصفتها إسرائيل
وكانت ياسمين بورات، التي فرت من مهرجان نوفا وانتهى بها الأمر بالاختباء في بئيري، واحدة من القلائل الذين نجوا في ذلك اليوم في حين قُتل شريكها تال كاتز. وقد شرحت مرارا لوسائل الإعلام الإسرائيلية ما حدث.
وفقا لرواية بورات لإذاعة “كان” في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر، تحصن مقاتلو حماس في بئيري في منزل يضم مجموعة من نحو عشرة رهائن إسرائيليين – كانوا إما يخططون لاستخدامهم كدروع بشرية أو كورقة مساومة للخروج. لكن الجيش الإسرائيلي لم يكن في مزاج للمساومة. ولم تتمكن بورات من الهروب إلا لأن أحد مقاتلي حماس أخلى المنزل في وقت مبكر، واستخدمها كدرع بشري، قبل أن يسلم نفسه.
وتصف بورات الجنود الإسرائيليين الذين شاركوا في معركة بالأسلحة النارية استمرت أربع ساعات مع مقاتلي حماس، على الرغم من وجود مدنيين إسرائيليين. لكن لم يُقتل جميع الرهائن في تبادل إطلاق النار. وأنهت إسرائيل الاشتباك بإطلاق دبابة إسرائيلية قذيفتين على المنزل. وفي رواية بورات، عندما سألت عن سبب القيام بذلك، “أوضحوا لي أن ذلك كان لكسر الجدران، من أجل المساعدة في تطهير المنزل”.
أبلغت الناجية الوحيدة الأخرى، هداس داغان، التي كانت مستلقية على العشب أمام المنزل أثناء تبادل إطلاق النار، بورات بما حدث بعد سقوط القذيفتين على المنزل. رأت داغان كلا شريكهما ممددين بالقرب منها وقد قُتلا بشظايا الانفجارات. صمتت الفتاة ليل هاتسروني البالغة من العمر 12 سنة، التي كانت تصرخ داخل المنزل طوال تبادل إطلاق النار. وتوفيت هاتسروني وخالتها أيالان حرقا حتى الموت. واستغرق الأمر أسابيع للتعرف على جثتيهما.
والجدير بالذكر أن بقايا ليل هاتسروني المتفحمة كانت واحدة من الأدلة العاطفية التي استشهدت بها إسرائيل لاتهام حماس بقتل وحرق الإسرائيليين. وفي تقريره عن وفاة ليل، وخالتها، وشقيقها التوأم وجدّها، ذكر موقع “نت” الإخباري الإسرائيلي أن مقاتلي حماس “قتلوهم جميعًا. وبعد ذلك أشعلوا النار في المنزل”.
طيارون مرتبكون
إن شهادة بورات ليست المصدر الوحيد الذي يوضح أن إسرائيل من المحتمل أن تكون مسؤولة عن نسبة كبيرة من الوفيات بين المدنيين في ذلك اليوم – وعن الجثث المحترقة.
أكد المنسق الأمني في بئيري، توفال إسكابا، رواية بورات لصحيفة هاآرتس. وقال إن “القادة الميدانيين اتخذوا قرارات صعبة، بما في ذلك قصف المنازل بساكنيها من أجل القضاء على الإرهابيين والرهائن”. ويبدو أن السيارات المحترقة في مهرجان نوفا وركابها عانوا من مصير مماثل. ويبدو أن القلق من أن مسلحي حماس كانوا يفرون من المنطقة مع رهائن في السيارات، دفع طياري المروحيات إلى فتح النار، مما أدى إلى حرق السيارات وجميع ركابها.
هناك تفسير محتمل لهذا، فقد كان لدى الجيش الإسرائيلي منذ فترة طويلة بروتوكول سري – يُعرف باسم توجيه حنبعل – حيث يُطلب من الجنود قتل أي من رفاقهم الأسرى لتجنب احتجازهم كرهائن. ومن غير الواضح كيف ينطبق هذا التوجيه على المدنيين الإسرائيليين، مع أنه يبدو أنه تم استخدامه في الماضي.
الهدف هو منع إسرائيل من مواجهة مطالب إطلاق سراح الأسرى. وفي حالة واحدة على الأقل، صرح مسؤول عسكري إسرائيلي، العقيد نوف إيريز، بأنه “تم تطبيق توجيه حنبعل على ما يبدو”. ووصف الغارات الجوية الإسرائيلية في السابع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر بأنها “توجيه حنبعل الجماعي“.
ذكرت صحيفة “هاآرتس” أن محققي الشرطة خلصوا إلى أن “مروحية قتالية تابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي وصلت إلى مكان الحادث وأطلقت النار على الإرهابيين هناك، ويبدو أنها أصابت أيضًا بعض المشاركين في المهرجان”. وفي مقطع فيديو نشره الجيش الإسرائيلي، تظهر مروحيات أباتشي وهي تطلق الصواريخ بشكل عشوائي على السيارات التي تغادر المنطقة، على افتراض أنه على متنها مقاتلون من حماس يحاولون تهريب رهائن إلى غزة.
استشهد موقع “نت” الإخباري بتقييم للقوات الجوية الإسرائيلية لطائرات الهليكوبتر الهجومية التي يبلغ عددها عشرين في السماء فوق مهرجان نوفا، قائلا “كان من الصعب للغاية التمييز بين الإرهابيين والجنود أو المدنيين الإسرائيليين”. ومع ذلك، صدرت تعليمات للطيارين “بإطلاق النار على كل ما يرونه في منطقة السياج” مع غزة. وذكرت الصحيفة أنه “فقط عند نقطة معينة بدأ الطيارون في إبطاء هجماتهم واختيار الأهداف بعناية”.
أشارت صحيفة إسرائيلية أخرى، ماكو، إلى أنه “لم تكن هناك أي معلومات استخباراتية تقريبًا للمساعدة في اتخاذ قرارات مصيرية”، مضيفة أن الطيارين “أفرغوا “ذخيرة المروحية” في دقائق، وطاروا لإعادة تسليحهم وعادوا إلى الجو مرة أخرى وأخرى”. وفي تقرير آخر لـ “ماكو“، نُقل عن قائد وحدة أباتشي قوله: “إطلاق النار على الناس في أراضينا – هذا شيء لم أعتقد أنني سأفعله مطلقًا”. وتذكر طيار آخر الهجوم قائلاً: “أجد نفسي في معضلة بشأن من يجب إطلاق النار عليه”.
أسرار إلى القبر
على نحو غير عادي، تجاهل المراسلون تمامًا، أثناء تغطيتهم للدمار الذي لحق بالمنازل المدمرة والسيارات المحترقة والمحطمة، الأدلة المرئية التي تحدق في وجوههم وقاموا ببساطة بتضخيم الرواية الإسرائيلية الرسمية. وهناك الكثير من الأسئلة الأكثر وضوحا التي لا يطرحها أحد ــ والتي من غير المرجح أن نجد لها إجابات على الإطلاق.
كيف تمكنت حماس من إحداث مثل هذا الدمار واسع النطاق والمكثف عندما أظهرت مقاطع الفيديو التي نشرها مقاتلوها أنهم يحملون أسلحة خفيفة في الغالب؟ هل كان أولئك الذين يحملون قذائف “آر بي جي” الأساسية قادرين على تتبع وضرب مئات المركبات سريعة الحركة الهاربة من المهرجان بدقة، والقيام بذلك من مستوى الأرض؟
وتُظهر مقاطع فيديو من كاميرات حماس الشخصية سيارات تغادر مهرجان نوفا وبداخلها مسلحون ورهائن. لماذا تخاطر حماس بإحراق عناصرها؟ نظرا لحرص حماس على تصوير انتصاراتها، لماذا لا يتم تصوير مثل هذه الأعمال؟ ولماذا تهدر حماس ذخائرها الثمينة في هجمات عشوائية على السيارات بدلا من ادخارها للقيام بمهمة أكثر صعوبة تتمثل في مهاجمة القواعد العسكرية الإسرائيلية؟
يبدو أن إسرائيل غير مهتمة بالتحقيق في مسألة السيارات المحترقة والمنازل المدمرة، ربما لأنها تعرف الإجابات مسبقا وتخشى أن يكتشف الآخرون الحقيقة أيضا في يوم من الأيام. ومع مطالبة المنظمات الدينية بالإسراع بدفن السيارات حفاظا على حرمة الموتى، فإن الهياكل المعدنية ستحمل أسرارها إلى القبر.
خرافات بشعة
ما يبدو مؤكدًا من خلال هذه المجموعة المتزايدة من الأدلة – ومن خلال القرائن المرئية – هو أنه في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، قُتل العديد من المدنيين الإسرائيليين إما في تبادل إطلاق النار بين إسرائيل وحماس أو بسبب التوجيهات العسكرية الإسرائيلية لمنع مقاتلي حماس من العودة إلى غزة وأخذ الرهائن معهم.
هذا الأسبوع، وصف أحد المعلقين الإسرائيليين في صحيفة “هاآرتس” هذه الشهادات بأنها “مزلزلة”، وأضاف قائلا “هل تم تطبيق توجيه حنبعل على المدنيين؟ يجب إجراء تحقيق ومناقشة عامة الآن، بغض النظر عن مدى صعوبتها”. ولكن كما أوضح الجيش، فإنه ليس لديه أي نية للتحقيق عندما تكون حملة الإبادة الجماعية التي يشنها ضد غزة مبنية على ادعاءات مثيرة يبدو أنها ذات علاقة محدودة بالواقع. ولا شيء من هذا يبرر الفظائع التي ترتكبها حماس، وخاصة قتل واحتجاز المدنيين كرهائن. لكنها ترسم صورة مختلفة تمامًا لأحداث ذلك اليوم.
لنتذكر أن إسرائيل ومؤيديها سعوا إلى مقارنة هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر بالمحرقة النازية. لقد اختلقوا خرافات بشعة لتقديم الفلسطينيين على أنهم متوحشون متعطشون للدماء يستحقون أي مصير يصيبهم. وكانت تلك الخرافات بمثابة الأساس للتساهل والتعاطف الغربي مع إسرائيل أثناء قيامها بالتطهير العرقي والإبادة الجماعية في غزة.
في الحقيقة، كان من الصعب على الحكومات الغربية إقناع شعوبها بالعدوان الإسرائيلي في غزة لو أن جرائم حماس اعتبرت، للأسف، نموذجا للمواجهات العسكرية الحديثة التي يتحول فيها المدنيون إلى أضرار جانبية. بدلا من ذلك، كان ينبغي للحكومات والمؤسسات الغربية المطالبة بإجراء تحقيق مستقل لتوضيح مدى الفظائع التي ارتكبتها حماس في ذلك اليوم بدلاً من ترديد صدى المسؤولين الإسرائيليين الذين أرادوا ذريعة لتدمير غزة ودفع سكانها إلى سيناء المجاورة.
كان أداء وسائل الإعلام الغربية أكثر كآبة وخطورة. وهي تدعي أنها حارسة على السلطة لكنها قامت مرارا وتكرارا بتضخيم ادعاءات المحتل الإسرائيلي الخالية من الأدلة، وروّجت للتشهير ضد الفلسطينيين دون أي تدقيق أو مساءلة تُذكر، وقمعت بنشاط الأدلة التي تتحدى الرواية الرسمية الإسرائيلية. لهذا السبب وحده، فإن الصحفيين الغربيين متواطئون تماما في الجرائم ضد الإنسانية التي تُرتكب حاليا في غزة – الجرائم التي ترتكب الآن وليس قبل شهرين
المصدر: ميدل إيست آي