كشف موقع “والا” العبري في 16 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، عن وصول الدفعة الأولى من الشحنات التجارية التي أرسلتها الإمارات إلى تل أبيب، لمساعدتها في مواجهة الحصار الحوثي على مضيق باب المندب ومنع أي سفن تجارية قادمة إلى دولة الاحتلال، ردًّا على حرب الإبادة التي يشنّها جيش الاحتلال ضد قطاع غزة لأكثر من 70 يومًا، خلفت وراءها ما يقرب من 20 ألف شهيد، معظمهم من الأطفال والنساء.
ووصلت تلك الدفعة -بحسب الموقع العبري- عبر جسر بري يمتد من الإمارات إلى ميناء حيفا، ويمر عبر السعودية والأردن، في الوقت الذي تواصل فيها قوات الاحتلال حصارها المطبق ورفضها إدخال المساعدات الإنسانية اللازمة لسكان القطاع، الذي يعاني من كارثة إنسانية محققة تضع حياة مئات الآلاف من الفلسطينيين على المحك، وسط إصرار على استمرار القصف الوحشي الذي لا يتوقف للمشافي والمدارس ودور العبادة الفلسطينية، وتساقط المدنيين بالعشرات والمئات في القصف الواحد.
من دبي إلى "إسرائيل" مروراً بالسعودية.. وصول أول دفعة شاحنات عبر الجسر البري الجديد.. التفاصيل 👇
📍أكد موقع والا العبري، وصول 10 شاحنات إلى "إسرائيل" عبر الجسر البري الجديد الذي يصل بين ميناء دبي وتل أبيب مروراً بالسعودية والأردن.
📍وبحسب الموقع، فإن ما يميز الجسر البري… pic.twitter.com/GKJ639XbZc
— نون بوست (@NoonPost) December 16, 2023
وتأتي تلك المساعدات ترجمة للاتفاق الموقع في 6 ديسمبر/ كانون الأول الحالي بين شركة “تراكنت” الإسرائيلية وشركة “بيورترانز” الإماراتية للخدمات اللوجستية، لإنشاء جسر بري بين البلدَين، وتسيير الشاحنات المحملة بالبضائع من ميناء دبي مرورًا بالأراضي السعودية ثم الأردنية وصولًا إلى ميناء حيفا في “إسرائيل”، وهو الجسر الذي سيوفر أكثر من 80% من تكلفة نقل البضائع عبر الطريق البحري، بحسب ما نقلته صحيفة “معاريف” الإسرائيلية عن المدير التنفيذي لشركة “تراكنت”.
وأثارت تلك المساعدات الإماراتية لدولة الاحتلال -فيما يقبع مليونا فلسطيني تحت الحصار المطبق وسط أجواء الموت الخانقة- حفيظة الكثير من المهتمين بالشأن الفلسطيني والإنساني بصفة عامة، وسط مطالب بمقاطعة الدولة الخليجية بعدما باتت شريكًا أساسيًّا في دعم الاحتلال في تلك الحرب، وفق عشرات الشواهد والممارسات منذ بداية الحرب
شريك في حرب الإبادة ضد الفلسطينيين
“النظام الإماراتي شريك في حرب الإبادة ضدّ شعبنا ومقاطعته لا تنفصل عن مقاطعة العدو الإسرائيلي”.. تحت هذا العنوان طالبت اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل (BDS) في بيان لها، الأحزاب والنقابات والجمعيات والقوى ومنظّمات حقوق الإنسان في المنطقة العربية، “بمقاطعة جميع المحافل والفعاليات والأنشطة التي تنظم تحت رعاية النظام الإماراتي، وتدعو أيضًا إلى مقاطعة جميع الشركات والأطر الإماراتية والعربية والدولية المتورّطة في التحالف الإماراتي-الإسرائيلي”.
وأشارت الحركة إلى أنه منذ اللحظة الأولى لحرب الإبادة التي تشنها قوات الاحتلال ضد القطاع، “لم يتردد النظام الإماراتي الاستبدادي من إظهار دعمه الكامل واللامشروط لجهود ماكينة الحرب الإسرائيلية، وتأكيد التمسك بالتحالف العسكري-الأمني الخياني مع العدو الإسرائيلي، حتى وصل الأمر إلى مدّ طوق النجاة لإسرائيل عبر محاولات تبرير هذه الحرب الإبادية التي حصدت أرواح أكثر من 18 ألف فلسطيني حتى كتابة هذه السطور”.
واستعرض البيان أبرز مؤشرات الدعم الإماراتي للكيان المحتل في تلك الحرب، بداية من الدعم السياسي عبر الإبقاء على الدبلوماسيين الإسرائيليين في أبوظبي، رغم طرد دول غير عربية لسفراء الاحتلال لديها تنديدًا بالمجازر المرتكبة بحق الفلسطينيين، مرورًا بتبنّي خطاب الشيطنة لحماس والمقاومة بما يتماهى مع الخطاب الإسرائيلي.
كذلك “توقيع اتفاقية الطريق البري بين حيفا ودبي، والتي تشمل تشغيل جسر بري يمتد عبر الأردن والسعودية، لتفادي التهديد اليمني للملاحة البحرية مع إسرائيل، ما يجعله جسرًا ماديًّا وفعليًّا لقطار التطبيع”، فيما اعتبرت الحركة هذا الاتفاق بأنه “يشكّل تهديدًا مباشرًا لقناة السويس، القلب الاقتصادي والاستراتيجي لمصر والمنطقة، وبالتالي للأمن القومي المصري والعربي”.
تجدّد اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل، النداء الذي أطلقته، بالتعاون مع عشرات الأحزاب والنقابات والجمعيّات والقوى ومنظّمات حقوق الإنسان في المنطقة العربية، لمقاطعة جميع المحافل والفعاليات والأنشطة التي تنظم تحت رعاية النظام الإماراتي.#ثريد 1/16🧵 pic.twitter.com/wM5FVVVH3A
— حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) (@BDS_Arabic) December 17, 2023
هذا بخلاف استضافة الإمارات “بحفاوة” رئيس دولة الاحتلال في قمة تغيّر المناخ للأمم المتحدة، و”توقيع مذكرة تفاهم جديدة بين النظامَين الإسرائيلي والإماراتي للتعاون في مجال التوصيل الكهربائي مع شركة أبوظبي الوطنية للطاقة (TAQA) في إطار مشروع الطاقة التطبيعي المعروف باسم EuroAsia Interconnector، والذي من المفترض أن يربط كلّ من قبرص واليونان بدولة الاحتلال”.
أما على المستوى العسكري، فكانت الإمارات أحد المصادر الاقتصادية لإنعاش الخزينة الإسرائيلية، من خلال استحواذها – بجانب المبطعتين المغرب والبحرين، على ربع الصادرات العسكرية الإسرائيلية من الأسلحة بقيمة تجاوزت 3 مليارات دولار، بجانب المناورات العسكرية المشتركة وفتح الدولة الخليجية أراضيها للقواعد الجوية الأمريكية، التي تدعم جيش الاحتلال في حربه ضد غزة لوجستيًّا وعسكريًّا.
وختمت الحركة في بيانها بدعوة “شعوب المنطقة العربية وأحرارها، بمن فيها الشعب الشقيق في الإمارات، لمواصلة مقاومة التطبيع ورفض محاولات تمرير كل ما يعادي نضالنا من أجل حياة كريمة وعادلة”، وذلك من باب الوفاء لشهداء فلسطين وتضحيات الشعب المستمرة، من أجل “إفشال مساعي العدو الإسرائيلي وحلفائه لضرب مصالح أمتنا والتآمر عليها”.
دعم لا يتوقف منذ بداية الحرب
اتساقًا مع بيان حركة مقاطعة إسرائيل (BDS)، فإن أبوظبي منذ عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي لا ترى أي غضاضة مطلقًا في التعبير عن دعمها للاحتلال على كافة المستويات، سياسيًّا وإعلاميًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا، ويمكن الوقوف على ذلك من خلال بعض النقاط:
– الإمارات هي الدولة العربية المطبّعة الوحيدة التي لم توقف اتصالاتها مع دولة الاحتلال، فبحسب ما نشرته شبكة I24 News العبرية في تقرير لها في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، فإن السفير الإسرائيلي في أبوظبي ما زال متواجدًا، ولم يُطلب منه المغادرة، فيما أكدت الصحيفة نقلًا عن مصادر دبلوماسية إماراتية حرص أبوظبي على الحفاظ على العلاقات مع تل أبيب رغم تزايد حصيلة الحرب.
وتجاوز الدعم فكرة الإبقاء على التواصل مع الاحتلال إلى بذل الدولة النفطية مساعي حثيثة لتخفيف مواقف الدول العربية الغاضبة من دولة الاحتلال، واحتواء ردود الفعل القاسية التي قد تهدد مشروع “أبراهام” الذي بدأته تل أبيب في سبتمبر/ أيلول 2020.
– نشرت منصة التحقيقات العربية “إيكاد” عبر حسابها الرسمي على موقع إكس، معلومات نقلًا عن البيانات الملاحية على موقع Flightradar24 الذي يراقب حركة الطيران، تفيد بإقلاع طائرة شحن من طراز Antonov An-124-100 من أبوظبي إلى تل أبيب في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
ووفق سجلّ الطائرة، فإنها صاحبة سوابق في نقل شحنات عسكرية بين الإمارات و”إسرائيل” خلال الأشهر الماضية، الأمر الذي أثار الكثير من التساؤل حول ما كانت تحمله تلك الطائرة، وهو ما يفتح باب التكهنات حول الدعم العسكري الإماراتي لجيش الاحتلال، بما يضع الدولة الخليجية في مرمى التورط في قتل أطفال غزة ونسائها، وتدمير بنية القطاع وتشريد مليوني مواطن.
#جيوبوست | كشفت البيانات الملاحية على موقع Flightradar24 عن إقلاع طائرة شحن من طراز Antonov An-124-100 من أبو ظبي إلى تل أبيب اليوم 19 نوفمبر.
✔️الطائرة تحمل علم أوكرانيا ورقمها التسجيلي UR-ZYD، وتتبع شركة MAXIMUS AIR الإماراتية.
✔️أقلعت الطائرة من مطار أبو ظبي الدولي الذي يضم… pic.twitter.com/1T7Jq4SKHn
— EekadFacts | إيكاد (@EekadFacts) November 19, 2023
– هذه الحادثة تعززها سوابق إماراتية في دعم “إسرائيل” عسكريًّا، وهو ما كشفته صحيفة “وول ستريت جورنال” في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أي بعد حوالي أسبوع من بداية الحرب، حيث نقلت عن البنتاغون استضافة قاعدة الظفرة الجوية (32 كيلومترًا جنوب أبوظبي) سربًا أمريكيًّا من طائرات A-10، لدعم جيش الاحتلال ولردع أي محاولة لدعم المقاومة من القوى الإقليمية.
– ومن الدعم العسكري والسياسي إلى الدعم الاقتصادي، حيث استحوذت الإمارات والبحرين والمغرب على 24% من حجم مبيعات “إسرائيل” من الأسلحة خلال عام 2022، بزيادة قدرها 7% عن عام 2021 بقيمة بلغت 12.5 مليار دولار، وهو ما ساعد الاحتلال بطبيعة الحال في بناء الغطاء الاقتصادي لتلك الحرب ذات الكلفة العالية، والتي تستنزف الكيان اقتصاديًّا.
– الإعلام كان هو الآخر على قائمة الدعم الإماراتي للاحتلال، حيث تبنّى الخطاب الإعلامي الإماراتي، الرسمي وغير الرسمي، الرواية والسردية الإسرائيليتَين بحذافيرهما فيما يتعلق بشيطنة المقاومة وتحميلها مسؤولية ما حدث لأهل غزة في تلك الحرب، وهو ما أكدت عليه بشكل واضح الخارجية الإماراتية في بيانها الصادر في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بوصف هجمات المقاومة بأنها “تشكّل تصعيدًا خطيرًا وجسيمًا” .
– وانتقلت سردية شيطنة المقاومة من الإعلام إلى الأروقة الأممية، وهو ما أكدته المندوبة الدائمة بالأمم المتحدة لدولة الإمارات، لانا نسيبة، في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حين قالت إن “حركة حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني، ولا سكان غزة الذين يعانون أشد المعاناة”، ثم أكدت على كلامها وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي الإماراتية، ريم الهاشمي، في 24 من الشهر ذاته، حين قالت في كلمتها خلال جلسة مجلس الأمن الدولي، إن “الهجمات التي شنتها حماس في السابع من أكتوبر هي هجمات بربرية وشنيعة”.
– وقبل كل هذا، مارس النظام الإماراتي قبضته السلطوية لوأد أي حراك شعبي لدعم غزة والقضية الفلسطينية، رغم مشاهد الإبادة التي يتعرض لها سكان القطاع، والتي دفعت أحرار العالم في جميع البلدان للخروج والتنديد، حتى أولئك القابعين تحت سلطة حكومات داعمة للاحتلال كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.
نجاح واستمرار لحملات المقاطعة
في الوقت الذي تتصاعد فيه دعوات المقاطعة للإمارات وكافة الأنشطة التي تقوم تحت رعايتها، كذا الشركات التابعة لها والتي تتعامل مع دولة الاحتلال، حققت حملات المقاطعة في البلدان العربية نجاحات لافتة، وأجبرت الكثير من الشركات العالمية الداعمة للكيان على إنهاء تواجدها أو تقليصه في بعض البلدان، بحسب ما رصدته “الجزيرة”.
ففي مصر، نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر في إدارة شركات عالمية مثل ماكدونالدز، تراجع مبيعاتها خلال شهرَي أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني بنسبة 70% على أساس سنوي، فيما أشار رجل الأعمال المصري سامح السادات، وهو شريك مؤسس في شركة “تي بي إس هولدينغ”، أحد مورّدي ستاربكس وماكدونالدز، إلى انخفاض الطلب على العلامتَين التجاريتَين في مصر بنسبة 50%.
وفي المغرب، أكّد منسق حركة المقاطعة العالمية لإسرائيل بالمغرب، سيون أسيدون، إن الشعب المغربي حقق انخراطًا كبيرًا في حملات المقاطعة، مستدلًّا على ذلك بخروج عدد من العلامات التجارية من المملكة، فيما اضطرت علامات أخرى إلى تبرئة نفسها بدعم غزة وإجراء تخفيضات على منتجاتها.
أما في الأردن، فالوضع ربما يكون أكثر زخمًا بين الدول العربية، ففي استطلاع لمركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، فإن نسبة التزام الأردنيين بمقاطعة الشركات الإسرائيلية والأمريكية بلغت 93%، فيما أعلن 95% من المقاطعين توجههم إلى المنتجات الوطنية.
كما استطاعت حملة المقاطعة التي دشّنها الأردنيون تحت عنوان “استحي” ورافقتها العديد من الوقفات الاحتجاجية، أن تجبر العديد من العلامات التجارية الدولية على تقليص فروعها في المملكة، وخفض إنتاجها، وتقليص ساعات العمل لديها، فيما وصل تراجع مبيعات العلامات الأمريكية والفرنسية تحديدًا إلى أكثر من 95% حسب المرصد العمالي الأردني.
— حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) (@BDS_Arabic) December 12, 2023
وفي الكويت، كشفت العديد من التقارير الرصدية عن التزام الكثير من الأسر والعائلات الكويتية بمقاطعة المنتجات الأمريكية والإسرائيلية، وتجنب الشراء من العلامات التجارية الداعمة للاحتلال، والبحث عن البدائل الأخرى في السوق المحلي، ما أدى في النهاية إلى التغير الواضح في خارطة البيع والشراء في الكويت، حيث تراجعت سلاسل وصعدت أخرى.
ويحاول الكويتيون تحويل المقاطعة من جهود فردية إلى تشريع قانوني ملزم، كما أشار مسؤول حركة مقاطعة إسرائيل في الكويت، مشاري الإبراهيم، الذي لفت إلى وجود نقاشات بين أعضاء داخل مجلس الأمة (البرلمان) بشأن مقترح قانون خاص بالشركات الداعمة للاحتلال، لمقاطعة منتجاتها وعدم إدخالها السوق الكويتي.
فيما كشف رئيس الاتحاد الكويتي للمقاهي والمطاعم والتجهيزات الغذائية، فهد الأربش، عن تراجع مبيعات سلاسل الوجبات السريعة الأمريكية في الدولة الخليجية، بنسب تتراوح بين 20% و30% نتيجة المقاطعة، بينما تزيد تلك النسبة إزاء المنتجات الإلكترونية والكهربائية بمعدلات بلغت قرابة 50%.
وهكذا تكشف الإمارات يومًا تلو الآخر عن دعمها المطلق للكيان المحتل، فالأمر تجاوز العلاقات الدبلوماسية بين البلدَين إلى ما هو أعمق من ذلك، لتواصل الدولة النفطية انزلاقها نحو قاع الإنسانية التي تدّعيها، لتجد نفسها نهاية المطاف ضمن قائمة العار الواجب مقاطعتها، بعد عشرات البراهين على تورطها في قتل أطفال غزة وترميل نسائها وتشريد الملايين من أبنائها، بحسب BDS.