منذ أن أصبح دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، لم تكف عناوين الصحف ووسائل الإعلام عن طرح تساؤلات بشأن مدى جدية ترامب في تنفيذ قراراته التي صرح عنها في فترة ترشحه للانتخابات، ولم تأخذ قرارات ترامب منحى التغيرات الاعتيادية الروتينية التي تطرأ على كل مرحلة رئاسية جديدة، بل كانت جميعها صادمة للرأي العام وحاسمة، ولهذا كانت دوماً ما تثير جدلاً واسعاً وتصبح حديث العالم.
وفي الوقت الذي كان يتكلم به ترامب بحماس كبير وثقة عالية وهو يكشف عن نواياه في جعل “أمريكا عظيمة مجدداً”، كان العالم يستمع لخططه وحتى لتغريداته بقلق واضح وخوف من هذه القرارات التي كان أشهرها وأبرزها حظر السفر ومنع المهاجرين من الدخول إلى أمريكا وتضييق فرص الحصول على التأشيرة. لكن هذا القرار رفضه القضاء في المرة الأولى في 27 من يناير الماضي.
أما قرار الحظر الجديد الذي وافقت عليه السلطات القضائية جزئياً لمدة 120 يوم وباستثناء العراق، ومع بقاء الحكم ساري على الدول ذات الأغلبية المسلمة، وهي إيران وليبيا والصومال والسودان وسوريا واليمن. علق عليه ترام قائلاً أنه”انتصاراً” للأمن القومي. وبوصفه رئيساً للبلاد لن يسمح لأناس يريدون الشر للبلاد بالدخول إليها. كحد تعبيره.
قام وادي السيليكون وهو أهم منطقة تقنية في الولايات المتحدة، بالوقوف ضد هذا القرار الذي سيضر موظفيها الأجانب ويعطل سير العمل.
وذكر أنه تم حذف العراق من قائمة الدول الواردة في الأمر التنفيذي الأول، لأن الحكومة العراقية فرضت إجراءات فحص أمنية جديدة على تأشيرات السفر والبيانات. وتبعاً لهذا الاستثناء قال المتحدث باسم الخارجية، أحمد جمال، إن الوزارة “تعبر عن عميق ارتياحها للقرار التنفيذي الصادر عن ترامب الذي تضمن استثناء العراقيين من حظر السفر إلى الولايات المتحدة”.
ونتيجة لموافقة القضاء على هذا القرار جزئياً وانتصار ترامب علانية، قام وادي السيليكون وهو أهم منطقة تقنية في الولايات المتحدة، بالوقوف ضد هذا القرار الذي سيضر موظفيها الأجانب ويعطل سير العمل، ليس فقط بالقطاع التكنولوجي، بل كل القطاعات التي يعتمد عليها الاقتصاد الأمريكي.
الاقتصاد الأمريكي بين أيدي أجنبية
رداً على قرار ترامب الأخير، ظهرت تقارير وأدلة وافرة على أن المهاجرين خلقوا فرص عمل عديدة وأنهم من أنشط القوى العاملة في البلاد، وفي الفترة من 2006 إلى 2012، كان هناك أكثر من 50 شركة تكنولوجية تملك مؤسس أجنبي واحد على الأقل، وفقاً لمؤسسة كوفمان التي تعمل في مجال ريادة الأعمال في مدينة كنساس، والتي بدورها نشرت تقرير يكشف عن ضرورة الشراكة الأجنبية لحماية الاقتصاد الأمريكي، كما يدعو التقرير إلى دمج الأيدي العاملة الأجنبية في سوق العمل، إذ أن 28% من الشركات الصغيرة هي أجنبية الأصل، وفقاً لإحصائيات عام 2011.
المهارات الأجنبية لا تستفيد فقط من الفرص والتسهيلات في أمريكا، بل تساهم في ازدهارها اقتصادياً.
وبجانبه ذكر الاقتصادي في جامعة كاليفورينا، جوفياني بيري، في مقال نشره معهد كاتو، وهو مؤسسة مؤيدة لقضية الهجرة، يلخص المقال رأي بيري في أن المهاجرين يعززون من إنتاجية الاقتصادية الامريكية ويضيفون النشاط على الوضع الاقتصادي. حيث تعد كل من نيويورك ولوس انجلوس وشيكاغو وهيوستن من الوجهات الرئيسية للمهاجرين، ومراكز اقتصادية، إذ تُمثل ما يقرب خمس من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. كما أن المهاجرين يشكلون نسبة 44% من القوى العاملة في نيويورك لعام 2011.
وجدير بالذكر، أن المهارات الأجنبية لا تستفيد فقط من الفرص والتسهيلات في أمريكا، بل تساهم في ازدهارها اقتصادياً، مثال على هذه مدينة ناشفيل التي رحبت بالمهاجرين بعبارة “Welcome the immigrant you once were”، وبدأت بتسليط الضوء على مساهمات المهاجرين ودورهم في مستقبل هذه المدينة.
القطاع الخاص
حسب إحصائية للعام 2011، فإن 75% من المهاجرين في أمريكا سجلوا براءات اختراعات في أفضل 10 جامعات أمريكية منتجة للاختراعات. وفي عام 2007، المشاريع الصغيرة التي كان أصحابها رؤوس أموالها أجانب ساعدت في توظيف 4.7 مليون شخص، والتي ساعدت في تحقيق إيرادات للصندوق الأمريكي بشكل كبير جداً.
القطاع التقني
وهو أكثر القطاعات التي اعتراها حالة من الغضب وعبرت بشكل متكرر عن مخاوفها تجاه قرارات ترامب بشأن الهجرة واللاجئين، وعُرفت بمواقفها الصدامية مع سياسته، وكانت حجتها واضحة، وذلك بأن وادي السيليكون لم يكن ليصبح ما عليه لولا وجود العاملين المهاجرين في هذا المجال.
ووفقاً للعديد من التقارير، فإن أكثر من نصف شركات التقنية الناشئة التي تقدر بقيمة مليار دولا لها مؤسس مهاجر، وأنجح الشركات في مجال التكنولوجيا تعتمد على العقول الأجنبية بالذات.
الرئيس التنفيذي لمايكروسوفت هو ساتيا ناديلا من الهند، وأحد مؤسسي شركة جوجل هو لاجئ روسي واسمه سيرجي برين.
ونتيجة لهذا القرار، قام الرئيس التنفيذي لشركة جوجل الشهيرة، ساندرا بيتشاي، بإرسال رسالة لموظفيه، يطلب فيها عودتهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية بأسرع وقت، خشية من تابعيات هذا القرار على سير العمل. كما أضاف بيتشاي، أن قرار ترامب الأخير قد يؤثر على أكثر من 100 موظف لدى جوجل وقد يتسبب بتحميل الموظفين تكاليف مؤلمة.
ومن جانبها قامت شركات آبل وفيسبوك ومايكروسوفت باستنكار قرارات ترامب وأعلنت استعدادها الكامل للتقديم المساعدة القانونية لأي عامل مهاجر يتعرض للمضايقة أو للحظر. إذ يذكر أن الرئيس التنفيذي لمايكروسوفت هو ساتيا ناديلا من الهند، وأحد مؤسسي شركة جوجل هو لاجئ روسي واسمه سيرجي برين.
وتحقيقاً لهذه الوعود بالمساعدة، قدمت شركة جوجل تبرعات بقيمة 4 ملايين دولار للقضايا والمؤسسات الراعية لقضايا الهجرة. ونددت بكل القرارات التي قد تؤثر على عمل الشركات التقنية أو يهدد موظفيها وقد يعرقل عملية البحث والتطوير، إذ تعتمد هذه الشركات عدد كبير من المهارات الأجنبية داخل مكاتبها ومختبراتها.
لولا هؤلاء المهاجرين لما كان هناك وجود لشركات أمازون وآبل التي كان مؤسسها من أصل سوري وجوجل وغيرها في العالم. لكن هذا أمر يصعب على أمريكا الاعتراف به.
وفي مكتوب شارك فيه أكثر من 100 مؤسس من الشركات المبتدئة قال أصحاب الأعمال “ازدهر وادي السيليكون بسبب ثقافتنا الحرة والمنفتحة عل روح المبادرة والتميز، إن إجراءات الرئيس لن تؤثر فقط سلباً على القدرة التنافسية للتقنية، لكنها تضر الاقتصاد الأمريكي ككل”.
وبعد انتصار ترامب في الحصول على موافقة القضاء على قرار حظر السفر، وإذا ما استمر هذا الحظر أو امتد ليشمل دول أخرى، فإن ذلك سيسبب في حدوث فجوة في وادي السيليكون، فلولا هؤلاء المهاجرين لما كان هناك وجود لشركات أمازون وآبل التي كان مؤسسها من أصل سوري وجوجل وغيرها في العالم. لكن هذا أمر يصعب على أمريكا الاعتراف به.