بعد أسبوع واحد من استدعاء المملكة العربية السعودية لنائب الرئيس اليمني السابق ورجل الإمارات الأول في اليمن خالد محفوظ بحاح، والانقلاب الأبيض على محمد بن نايف الداعم لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن، بدأت تتسرب معلومات عن اتفاق سعودي إماراتي يتمحور حول إبعاد السعودية للشخصيات الحكومية المحسوبة على التجمع اليمني للإصلاح (إخوان اليمن) وتقريب شخصيات موالية للإمارات مقابل تأجيل مسألة الانفصال ودعم الحركات الجهادية في المناطق اليمنية.
تفاصيل الاتفاق
تشير المعلومات الأولية إلى أن محمد بن زايد يسعى إلى الدفع بمحمد بن سلمان لتقليص نفوذ حزب الإصلاح (إخوان اليمن) من المناصب السياسية، وعدم التعامل معهم والعمل على وضعهم في قوائم الإرهاب تحت ذريعة تلقيهم التمويل من قطر، نظير الدور الذي لعبته الإمارات العربية المتحدة في تصعيد محمد بن سلمان إلى ولي العهد في المملكة.
وبالنظر إلى أزمة بعض دول الخليج مع قطر، هناك اعتقاد واسع بأن العقل المدبر لهذه الحملة هو ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد الذي يعتبر الحاكم الفعلي للإمارات وبالتنسيق الكامل مع محمد بن سلمان الذين تربطهما علاقات شخصية وثيقة، ومع تولي محمد بن سلمان منصبه الجديد من المرجح أن تستمر الأزمة الناشبة في علاقات البلدين مع قطر.
وفي ظل إصرار قطر على إلغاء كل الإجراءات التي اتخذتها السعودية والإمارات قبل النظر في شكاوى هذه البلدين ضدها، لا يتوقع أن يخف التوتر الخليجي وقد يؤدي في النهاية ربما إلى انسحاب قطر من مجلس التعاون الخليجي لا سيما بعد المطالب الـ13 التي تنتهك السيادة القطرية، وبروز محور جديد يضم قطر وتركيا.
لا شك أن تحت تصرف الأميرين ثروات هائلة يستخدمانها لترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط بما يناسبهما عن طريق دعم بعض الزعماء والقادة والمجموعات المقربة منهما ومحاربة الأطراف والجماعات المناوئة لهما.
قطر لها تأثير قوي في المنطقة العربية والعالمية، والدليل أن المقاطعة ورغم الضغط السعودي جاءت من بلدان محدودة جدًا، بعضها مجاملة للنظام السعودي والبعض لا يستطيع أن يجامل، بل فرض عليه كالحالة اليمنية وجزر المالديف ونيبال وجيبوتي والأردن، ولهذا يمكن القول إن ما حصل ضد قطر من مقاطعة جزء من رسائل إلى الدوحة أن دفة الأمور يجب أن تتغير في منطقة الشرق الأوسط ولا مكان للتأثير على البلدان فيها سوى الإمارات والسعودية، وهو نفس الحال ربما قد يتم الاتفاق عليه في الحالة اليمنية، كيف ذلك؟
تخشى الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية من أن يتنامى التأثير القطري، وتصبح لاعبًا محوريًا في القضية اليمنية، أو في المنطقة بشكل عام، ورأت أهمية تقليص نفوذها، وربما يكون ذلك على حساب الشخصيات المحسوبة على التجمع اليمني للإصلاح
لقطر احترام واسع لدى بعض المكونات اليمنية نتيجة لدعمها للجمعيات الخيرية التي يستفيد منها مئات الآلاف من الأسر الفقيرة في البلد المنكوب، فضلاً أنها تتولى مهمة دفع رواتب البعثات الدبلوماسية اليمنية في أنحاء العالم، إضافة إلى دعم مشاريع البنية التحتية في اليمن، قبل وفي أثناء الحرب.
ولهذا تخشى الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية من أن يتنامى التأثير القطري، وتصبح لاعبًا محوريًا في القضية اليمنية، أو في المنطقة بشكل عام، ورأت أهمية تقليص نفوذها، وربما يكون ذلك على حساب الشخصيات المحسوبة على التجمع اليمني للإصلاح (إخوان اليمن) أو من أحزاب أخرى لها دعم قطري سواء مادي أو إعلامي.
ولذا تم الدفع بخالد محفوظ بحاح إلى المملكة العربية السعودية واستقبله بحفاوة محمد بن سلمان، وهو مؤشر على أن هناك عزم من السعودية والإمارات على إجراء تغييرات كبيرة بقيادات “الشرعية” في اليمن بعد الخلاف مع قطر.
هدف ابن سلمان
ما من شك أن إسناد ولاية العهد لمحمد بن سلمان سيكون له انعكاسات في التحالف السعودي الإماراتي وأجنداته ومنها ما هو متصل باليمن، وأهم المرتكزات إبعاد أو التقليل من أي نفوذ لحزب الإصلاح وتمكين حلفاء الطرفين الآخرين، ويميل الأمر خلال المرحلة المقبلة إلى الحل السياسي واجتماع ابن سلمان ببحاح بعد دعوته للسعودية يمثل مؤشرًا على مثل هكذا توجه.
والتوجه نحو الحل السياسي في اليمن ناتج عن عدم قدرة التحالف أو عجزه عن الحل العسكري، هذا أولًا، وثانيًا اختلاق الحرب في اليمن كان مخططًا له في إطار طموحات ابن سلمان للوصول إلى الحكم، وهو الآن قريب من تحقيق هدفه، وبالتالي قد يلعب على الحل السياسي ليظهر أنه الرجل ذو الحزم العسكري والعزم السياسي ورجل السلام في المنطقة.
التقارب الإماراتي السعودي
منذ أن بدأت الحرب في 26 من مارس 2015، أو عاصفة الحزم التي تقودها المملكة العربية السعودية، خرجت الإمارات العربية المتحدة عن طوع السعودية ونفذت في اليمن أجندات خاصة بها تعارض طموح سلطات الرياض فيها، من خلال إنشاء قوة خاصة موالية لها من اليمنيين تعمل على انفصال وتمزيق اليمن، ومن ثم الاستحواذ على ممرات وجزر يمنية مهمة في البحر الأحمر أو البحر العربي وجزيرة سقطرى، ليكون لها نفوذ في المنطقة عسكريًا وسياسيًا يفوق الرياض، تمهيدًا لفتح ملفات قديمة لا سيما الحقول النفطية العملاقة التي تحتلها الرياض عنوة، أهمها حقل “الشيبة” الذي ينتج يوميًا 500 ألف برميل من النفط.
زاد التوتر بين الإمارات العربية المتحدة عندما بدأ الرئيس اليمني بتقليم أظافرها في اليمن من خلال أوامر تقضي بإقالة كل الشخصيات التي لها علاقة بالإمارات، كان أثقلها على الإمارات عندما أقال الرئيس اليمني نائبه خالد محفوظ بحاح، وعين الجنرال الإخواني علي محسن الأحمر بدلًا عنه والذي تضعه الإمارات في قوائمها الإرهابية، لكنها لم تيأس من ذلك، وقادت عملية عسكرية أخرى للسيطرة على المحافظة الغنية بالنفط والثروة السمكية، وموقعها الاستراتيجي المطل على البحر العربي وخليج عدن، إضافة إلى تقوية شخصيات جنوبية ليحلوا محل خالد بحاح، كعيدروس الزبيدي وهاني بن بريك وآخرين ينفذون أجندتها حرفيًا في اليمن.
سعت الإمارات العربية المتحدة إلى تعجيل الانفصال عبر دعم عملائها في اليمن، لتشكيل مجالس سياسية والدعوة إلى الاستقلال، كما جرى في مؤتمر حضرموت الجامع أو المجلس السياسي الانتقالي الجنوبي الذي أسسه عيدروس الزبيدي الداعي لانفصال اليمن
وعندما عين هادي عيدروس الزبيدي وهاني بن بريد الأول محافظًا لعدن والثاني مستشارًا له، لتخفيف التوتر مع الإمارات، عاد مرة أخرى وأقصاهم من منصبيهما، وأحال بن بريك إلى التحقيق، كانت قنبلة موقوتة أظهرت الإمارات وجهها الحقيقي في اليمن.
سعت الإمارات العربية المتحدة إلى تعجيل الانفصال عبر دعم عملائها في اليمن، لتشكيل مجالس سياسية والدعوة إلى الاستقلال، كما جرى في مؤتمر حضرموت الجامع أو المجلس السياسي الانتقالي الجنوبي الذي أسسه عيدروس الزبيدي الداعي لانفصال اليمن، وهو ما زاد التوتر بين السعودية التي تدعم هادي لمثل تلك القرارات، والإمارات الرافضة لها جملة وتفصيلًا وتعتبر أن قرارات هادي تستهدفها من الأساس.
الأزمة الأخيرة مع قطر، جعلت السعودية تسعى إلى كسب الإمارات وجعلها في صفها، بإزالة التوتر معها مقابل اصطفاف الأخيرة معها ضد الدوحة.
ووفقًا لمعلومات حصل عليها “نون بوست” فإن السعودية توصلت مع الإمارات إلى إقالة الجنرال علي محسن الأحمر وابن دغر وعدد من قيادات حزب الإصلاح ( الإخوان المسلمون في اليمن)، وأن يكون هناك موقفًا عدائيًا من حزب الإصلاح، وتقليص نفوذه في اليمن، والعمل على تصنيف قيادات فيها على أنها كوادر إرهابية.
المشهد اليمني
هناك اعتقاد واسع بأن العقل المدبر للحملة على قطر هو ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد الذي يعتبر الحاكم الفعلي للإمارات وبالتنسيق الكامل مع محمد بن سلمان الذين تربطهما علاقات شخصية وثيقة، ومع تولي محمد بن سلمان منصبه الجديد من المرجح أن تستمر الأزمة الناشبة في علاقات البلدين مع قطر.
ويتوقع أن يعمل ابن زايد بالاتفاق مع محمد بن سلمان على ترتيب الوضع في اليمن وفقًا لأهواء الإمارات العربية المتحدة، لا سيما العمل على الحل العسكري جزئيًا وفي مناطق محددة تضمن فيما بعد إقامة دويلات في اليمن حال فشل خطة الحل السياسي الذي ستعمل عليه خلال الفترة المقبلة.
تسعى الإمارات العربية المتحدة بالاتفاق مع المملكة العربية السعودية في الجانب السياسي لإعادة هيكلة ولملمة شعث المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، على اعتبار أنه الضامن الوحيد لاستقرار اليمن وعدم اختطاف البلاد من قبل أي جماعة إسلامية كالحوثيين أو الإخوان المسلمين أو السلفيين الذين تدعهم الإمارات في الجنوب والمناطق الوسطى في اليمن لأغراض بعيدة المدى تعمل عليها سلطات أبو ظبي.
لا شك أن لتنصيب محمد بن سلمان تأثيرًا عكسيًا في اليمن، والخطط التي تخططها الإمارات معه ستأتي بما لا تشتهيه رياحهما السامة، فالإمارات والسعودية يعلمان يقينًا أن من يقاتل معهما في الحرب الجماعات الجهادية والإخوانية
تعتبر هذه الخطة التي بدت تؤتى أكلها أن الإمارات رأت بأن نجل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح هو الرجل المناسب خلال فترة ما بعد الحرب في اليمن لتضمن ولاءه لها أولًا، وثانيًا لخبرته في مكافحة الإرهاب وقيادة الجيش، وثالثًا للتخلص من الإسلام السياسي في البلاد كالحوثيين أو الإخوان المسلمين أو الجماعات الأخرى التي تعاديها الإمارات، ويبدو أن الإمارات تسيّر ابن سلمان نحو هذا الاتجاه.
لا شك أن لتنصيب محمد بن سلمان تأثيرًا عكسيًا في اليمن، والخطط التي تخططها الإمارات معه ستأتي بما لا تشتهيه رياحهما السامة، فالإمارات والسعودية يعلمان يقينًا أن من يقاتل معهما في الحرب الجماعات الجهادية والإخوانية، لهذا في حال وإن عادتهما الإمارات وجرت السعودية معها لذلك، فإن الخطط التي تعمل عليها الإمارات ستنقلب على رأسها.
فمثلًا، نسبة المقاتلين من الإخوان المسلمين الذين ينخرطون في صفوف القوات الموالية للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي والتي يدعمه تحالف “عاصفة الحزم” يشكل نحو 85%، وهم قوة لا يستهان بها، فإن التشكيك بهم أو جعلهم هدف التحالف أو التنكيل بهم إعلاميًا كما بدأ يتعامل معهم الإعلام الإماراتي، قد يجعلهم ينقلبون ضد هذا التحالف، وسيعمل على استغلال ذلك تحالف الحوثي/ صالح.
من خلال ذلك سيعمل صالح على تأليب القيادات الإخوانية القبلية التي تقاتل مع الرياض أو المنخرطة في التحالف لإعادة التحالفات اليمنية الداخلية، لا سيما أن التحذيرات التي كان يحذرها صالح في بداية الحرب أن الرياض تسعى إلى فصل اليمن هي والإمارات، إضافة إلى إبقاء اليمن ضعيفًا وقبائل متحاربة، باتت تؤتي ثمارها، والحرب على الإخوان واستهدافهم الكثير من توقعاته أن الحملة العسكرية الخليجية تستهدفهم في المقام الثاني بعد القضاء على الجيش اليمني وبنيته التحتية.
استغلال صالح والحوثيين القرارات الأخيرة، قد تعمل على كسر التحالف العربي في كل من تعز والمخا إضافة إلى أن هناك مقاومة جديدة ستخترق التحالف وتعمل على إنهاكه، وربما طردته من المناطق التي كان قد سيطر عليها واستقر فيها بفضل القيادات الإصلاحية وقاعدته الجماهيرية العريضة في اليمن.
ما من شك أن إسناد ولاية العهد لمحمد بن سلمان سيكون له انعكاسات في التحالف السعودي الإماراتي وأجنداته ومنها ما هو متصل باليمن، وأهم المرتكزات إبعاد أو التقليل من أي نفوذ لحزب الإصلاح وتمكين حلفاء الطرفين الآخرين، ويميل الأمر خلال المرحلة المقبلة إلى الحل السياسي واجتماع ابن سلمان ببحاح بعد دعوته للسعودية يمثل مؤشرًا على مثل هذا التوجه.
والتوجه نحو الحل السياسي في اليمن ناتج عن عدم قدرة التحالف أو عجزهم عن الحل العسكري، هذا أولًا، وثانيًا اختلاق الحرب في اليمن كان مخططًا له في إطار طموحات ابن سلمان للوصول إلى الحكم، وهو الآن قريب من تحقيق هدفه، وبالتالي قد يلعب على الحل السياسي ليظهر أن الرجل ذو الحزم العسكري والعزم السياسي ورجل السلام في المنطقة، وقد يضحي بأهداف عاصفة الحزم المعلنة إعلاميًا من أجل تحقيق أطماعه.