خلّفت تصريحات غير مسبوقة لعمار سعداني، أمين عام حزب جبهة التحرير الوطني، الحاكم، ضد مدير جهاز المخابرات الجزائري الفريق محمد مدين المعروف بلقل الجنرال توفيق، يطالبه فيها بالاستقالة جدلاً واسعًا في الجزائر.
وزاد من حدة هذا الجدل تصريحات أخرى للجنرال المتقاعد، حسين بن حديد، قال فيها أن الفريق أحمد قايد صالح، قائد أركان الجيش الجزائري “عديم المصداقية ولا وزن له في الجيش”، وقال أيضا: “الرئيس وأمام عجزه وظّف حاشيته من بينها عمار سعداني (الأمين العام للحزب الحاكم) للتلاعب بمصير الجزائر والعمل على إضعاف جهاز المخابرات”.
ومع توالي التصريحات اضطرالرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، إلى الخروج عن صمته، حيث جاء في رسالة التعزية التي بعث بها لعائلات ضحايا حادث تحطم الطائرة العسكرية الثلاثاء الماضي، شرقي البلاد، والذي خلف 77 قتيلا: “لا يحق لأحد مهما تعالت المسؤوليات أن يعرّض الجيش الوطني الشعبي والمؤسسات الدستورية الأخرى إلى البلبلة”.
وأشار بوتفليقة بصراحة إلى سقوط الطائرة يمكن أن يكون مفتعلا، قائلا: “لقد اعتدنا على الأجواء التي تخرقها بعض الأوساط قبيل كل استحقاقات –انتخابات الرئاسة – لكن هذه المرة وصل التكالب إلى حد لم يصله بلدنا منذ الاستقلال”، مضيفا: “فكانت محاولة المساس بوحدة الجيش الوطني الشعبي والتعرّض لما من شأنه أن يهز الاستقرار في البلاد وعصمتها لدى الأمم”.
من جهته، ندد رئيس الوزراء، عبد المالك سلال الذي حرم من الترشح إلى الانتخابات الرئاسية بسبب تكليفه بترأس لجنة الإعداد للانتخابات، بتلك الاتهامات خلال زيارة إلى محافظة ميلة شرقي البلاد، قائلاً: “نحن ماضون نحو انتخابات قريبًا، يمكن أن نختلف سياسيًا لكن لا يمكن أن نختلف حول مصير البلاد، يجب ألا نترك أي مجال للفتنة في صفوفنا”.
وفي حديث لوكالة الأناضول عن خلفيات هذا الصراع، قال توفيق بوقاعدة، أستاد العلوم السياسية بجامعة الجزائر: “أعتقد أن الخلاف بين قيادة الأركان والرئاسة من جهة والمخابرات من جهة أخرى ليس مرتبطًا بترشيح الرئيس بوتفليقة من عدمه بقدر ما هو خلاف في المصالح والصلاحيات”، مشيرا إلى أن “الولاية الرابعة لبوتفليقة ما هي إلا واحدة من ميادين المنازلة بين الطرفين”.
وتابع بوقاعدة: “جوهر الصراع في تقديري بدأ منذ تولي عبد العزيز بوتفليقة الرئاسة في سنة 1999، وسعيه الدائم للإشراف على المؤسسة العسكرية بمختلف مديرياتها، وإجرائه سلسلة من التغييرات على هرم هذه المؤسسة بطريقة حيّد فيها كل خصومه في قيادة الأركان، والآن جاء الدور على مديرية الاستعلامات والأمن (المخابرات) وعلى رأسها الجنرال توفيق، حيث قام بتعديلات هيكلية عميقة همّشت بطريقة أو بأخرى دور هذه المؤسسة في تسيير شؤون البلاد بعد أن كانت تقاريرها تؤخذ بالدرجة الأولى من الأهمية”.
وأوضح: “ما أريد قوله هو أن الرئيس بوتفليقة وخلال سنوات حكمه أنهى جميع خصومه السياسيين والعسكريين، ولم يعد للمؤسسة العسكرية الصلاحيات الواسعة التي كانت لها سابقًا، وانحصرت صلاحيات رجال المؤسسة الأقوياء لدرجة عدم الأخذ برأيها في المسائل المتعلقة بمؤسستهم”.
وختم بوقاعدة كلامه بالقول:بأن البوتفليقية (النظام الذي أرساه بوتفليقة منذ بداية الحكم) حسمت الآن أمرها، وأن بوتفليقة سيترشّح للعهدة الرابعة مهما كانت الظروف، وأن هذا الخلاف غير المسبوق عزّز من مكانة البوتفليقية وما تسعى إليه في الفترة الراهنة هو البحث عن شركاء جدد في حكمها من غير كل الذين سبقوا حتى ولو أخرجت وجوهًا من الأرشيف ولمعتها”.