ترجمة وتحرير نون بوست
خلال الأسبوع الماضي، قدمت السعودية وحلفاؤها قائمة بالمطالب التي يجب على قطر الاستجابة لها من أجل إنهاء أسوأ أزمة يشهدها مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه سنة 1981. هذه المطالب الثلاث عشر، التي أكدتها أيضا مصادر إعلامية خليجية متعددة ومسؤولون في الخارجية الإماراتية والقطرية، تبدو مجحفة كثيرا لقطر ولا يمكن قبولها دون تجنب حدوث تغيير شامل في سياستها الخارجية.
في المقابل، إن الرباعي المعادي لقطر، السعودية، والبحرين، والإمارات ومصر، ليس بالضرورة في انتظار تسوية سريعة من قطر لحل الأزمة، بل يبدو بصدد البحث عن إطالة أمد الصراع مع الجار الخليجي. فالمطالب تضمنت دفع الدوحة تعويضات لدول الحصار مقابل أي خسائر تكبّدتها بسبب السياسة الخارجية القطرية، بالإضافة إلى غلق قنوات الجزيرة، وهي مطالب متطرفة تكشف عن عدم جدية هذه الدول في التفاوض في المرحلة الحالية.
فضلا عن ذلك، حتى لو توصلت الدول الخمس المعنية إلى تسوية، فإن الجروح التي سيخلفها الصراع ستكون عميقة جدا وستستمر أثارها لوقت طويل. ولدى سؤاله حول ما إذا كانت هذه الأزمة تعني نهاية مجلس التعاون الخليجي، قال مسؤول خليجي رفيع المستوى، “نعم هي النهاية، إلا إذا قبلت قطر بكل المطالب المطروحة”.
والجدير بالذكر أن جذور هذا الصراع تعود إلى الانقلاب الذي وقع في الدوحة سنة 1995، والذي تمثل في صعود الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، حيث عزل الشيخ والده، لأنه كان ينظر إليه على أنه دمية في يد السعوديين. ومنذ ذلك الوقت، اعتمد سياسة مستقلة وابتعد عن هيمنة الجار السعودي، وبدأت قطر تستغل وفرة الغاز لتحديث البلاد وتوسيع مجال نفوذها إقليميا ودوليا. وعلى خلفية ذلك، حاولت السعودية دعم الأمير المعزول للعودة إلى السلطة في العام الموالي، إلا أنها فشلت، ولم يؤدِ ذلك إلا إلى مزيد تدهور العلاقة بين البلدين.
ومن وجهة نظر القطريين، تسعى الدوحة للمحافظة على سياسة مستقلة لا تتضارب بالضرورة مع مصالح جيرانها، ولكنها في نفس الوقت ليست خاضعة لإملاءات مجلس التعاون الخليجي. كما تقول قطر إن تعريفها لما يسمى تطرفا يختلف عن تعريف الرياض وأبوظبي، اللتان تعتبران جماعات مثل الإخوان المسلمين وفصيل أحرار الشام في سوريا مجموعات متطرفة.
وفي سياق متصل، تقول السعودية والإمارات إن قطر تعمدت دعم أفراد ومجموعات ووسائل إعلامية تهدد بشكل مباشر أمن واستقرار مجتمعاتها. وتشير هذه الدول إلى عمان كنموذج معاكس، إذ أن هذه السلطنة عضوة في مجلس التعاون الخليجي ولكنها تعتمد سياسة خارجية مستقلة، تتضمن علاقات جيدة مع إيران، دون أن تهدد استقرار جيرانها الخليجيين. فبالنسبة لهؤلاء تكمن المشكلة في أن أسلوب قطر يؤدي لتقويض الاستقرار في منطقة موجودة أصلا على صفيح ساخن.
مصر أحد أسباب الأزمة
تعمقت الأزمة الحالية مع اندلاع الربيع العربي في سنة 2011، عندما عملت الدوحة على دعم الإسلاميين والنشطاء السياسيين في أنحاء المنطقة، ثم جاءت أحداث صيف 2013. فبعد ثلاثة أيام فقط من تنحي الشيخ حمد في 25 حزيران/ يونيو، اندلعت مظاهرات في مصر تطالب بإسقاط محمد مرسي، المدعوم من قطر والمنتمي للإخوان المسلمين. فصعد إلى السلطة الجنرال عبد الفتاح السيسي، الحليف المقرب من الإمارات والسعودية، الذي ظهر كدكتاتور عسكري معادي للقطريين.
ولكن، تم احتواء التوتر بين قطر وهذه الدول بما أنه تزامن مع تولي الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الحكم وهو في سن 33 سنة، وكان حينها يعتبر صديقا للعائلة الملكية السعودية، ويتوقع أن يعتمد سياسة تصالحية مع جيرانه. وفي الأثناء، تصاعدت الضغوطات ضد الأمير من أجل تغيير السياسة الخارجية القطرية. وفي آذار/ مارس من سنة 2014، أعلنت الرياض وأبوظبي والمنامة عن سحب سفرائها، في خطوة نادرة تهدف للضغط على الدوحة. وقد مثّل هذا القرار دلالة على أن التوتر بين الجانبين وصل لدرجة الغليان.
وفي مقال حصري نشر بعد ذلك القرار، كانت صحيفة فورين بوليسي أول من تحدثت عن محتوى الاتفاق الموقع في الدوحة في سنة 2014 لنزع فتيل الأزمة. وكانت الشروط التي تضمنها الاتفاق حينها مطالبة قطر بكبح جماح وسائل الإعلام المعادية داخل وخارج البلاد، وطرد عناصر الإخوان المسلمين، خاصة أولئك المنحدرين من دول خليجية، فضلا عن وقف تجنيس النشطاء الخليجيين، ووقف أي دعم لجماعات مثل الإخوان المسلمين وجماعة الحوثي في اليمن.
في تلك الفترة، أنكرت الدوحة دعم الحوثيين، وأفادت مصادر مقربة من الحكومة في الدوحة أنها ترفض قبول الاتهامات الموجهة لها من قبل جيرانها، ولكنها وافقت في نفس الوقت على القيام بإجراءات لتقوم بطمأنتهم ومعالجة الخلاف. وتبدو قائمة المطالب التي تم نشرها يوم الخميس الماضي تكرارا لمطالب سنة 2014، مع بعض الإضافات الجديدة، إذ أن القائمة الجديدة، على عكس القديمة، تتضمن غلق قناة الجزيرة، وليس فقط غلق منصات إعلامية تستهدف الدول الخليجية بشكل مباشر. كما تتضمن المطالب ست وسائل إعلامية أخرى، بعضها مرتبط بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، مثل قناة “مكملين”.
مطالب مستحيلة
تتضمن مطالب الدول الأربعة خفض قطر لعلاقاتها مع إيران، حيث تدعو السعودية وحلفاؤها الدوحة لخفض حجم التمثيل الدبلوماسي في إيران، وطرد عناصر الحرس الثوري من أراضيها، ووقف أي تعاون عسكري أو استخباراتي. وعوضا عن ذلك، يجب أن تكون العلاقات القطرية الإيرانية محصورة فقط في المعاملات التجارية، وخاضعة للعقوبات الدولية والخليجية المفروضة على إيران. ويشار إلى أن البلدين يتشاطران حقل غاز طبيعي كبير تم اكتشافه في سنوات السبعينات.
فضلا عن كل تلك المطالب، إن قطر مطالبة بوقف التعاون العسكري مع تركيا، خاصة إنشاء القاعدة العسكرية التركية في قطر، إذ أنه بعد يومين من إعلان معسكر السعودية فرض حصار على قطر، صادق البرلمان التركي على نشر 5 آلاف جندي في قطر. ورغم تطمينات قوية من تركيا من أن هذه الخطوة كان متفقا عليها قبل الأزمة، فإن الرياض وأبوظبي تريان فيها تحديا لدول الحصار. وقد ذكر مسؤول خليجي لفورين بوليسي أنه يعتقد أن التدخل التركي سيعمق القطيعة بين أنقرة والرياض.
كما تتضمن قائمة المطالب دعوة الدوحة لقطع أي علاقات مع مجموعات متطرفة، والقصد هنا بشكل خاص يحيل إلى الإخوان المسلمين، إضافة إلى تنظيم الدولة، والقاعدة وهيئة تحرير الشام (التي كانت في السابق تسمى جبهة النصرة، وفرع القاعدة في سوريا)، ومليشيا حزب الله اللبنانية. وبموجب القائمة، فإن قطر مطالبة بتصنيف هذه المجموعات على لائحة الإرهاب، والانسجام مع كل قوائم الإرهاب الموجودة حاليا والتي ستصدر مستقبلا عن الدول الأربعة.
والجدير بالذكر أن المطالب الموجهة لقطر لم تقف عند هذا الحد، إذ تضمنت الوثيقة مطالبة قطر بدفع تعويضات عن أي خسائر مالية تكبدتها هذه الدول بسبب قطر في السنوات الأخيرة، إضافة إلى تسليم قوائم ببيانات المعارضين الذين تدعمهم الدوحة. وستتم متابعة مدى استجابة قطر لهذه المطالب عبر إجراء تقييم شهري في السنة الأولى، وتقييم ثلاثي في السنة الثانية، ثم تقييم سنوي لمدة عشر سنوات. وأخيرا يجب على قطر أيضا قبول هذه المطالب في مهلة لا تتجاوز عشر أيام، وإلا فإن هذه المطالب تصبح ملغاة.
مجلس التعاون الخليجي يتعرض لهزة
في الواقع، قبول مثل هذه المطالب قد يعد إلغاءً لعقدين من الجهود القطرية لخلق قوة ناعمة في المنطقة. كما أن الدوحة تتعرض لضغوط محلية لإظهار صلابتها، وهو ما أظهره الشيخ تميم في نفس يوم فرض الحصار عبر استقبال الشيخ يوسف القرضاوي علنا، وهو ما مثل استفزازا كبيرا لمصر والإمارات. واستسلام قطر قد يعني تنازلها الكامل عن مكانتها الإقليمية، بالإضافة إلى تعرضها إلى الإهانة محليا، والسعوديون والإماراتيون يعرفون ذلك جيدا.
وحسب تصريحات المسؤولين الإماراتيين والسعوديين، بالإضافة إلى آخرين قريبين من دوائر القرار، فإن البلدين يعتبران أن الشرخ لم يعد ممكنا إصلاحه في هذه المرحلة. ويظهر هذا جيدا من خلال الهجمات الكلامية ضد العائلة المالكة القطرية في وسائل الإعلام التابعة للدوحة والرياض، وهو شيء ما كان ليحدث لو كانت هناك نية لتسوية الأزمة بناء على المفاوضات والضغط.
وبالتالي، تأتي الإجراءات الأخيرة كنتيجة لسنوات من الامتعاض والخلافات، لذلك يبدو جليا أنها لم تكن مفاجئة. ولدى سؤاله حول سبب تحول هذا الخلاف إلى أزمة في هذا الوقت بالذات، قال مسؤول خليجي أنه لم يكن هناك حدث قادح معين، بل إن هذه الخطوة تم تأخيرها بسبب الاعتقاد بأن إدارة باراك أوباما كانت ستعارض التصعيد ضد قطر، كما أنه لم يكن مناسبا القيام بها قبل القمة الأمريكية الإسلامية في الرياض بحضور دونالد ترامب.
كذلك، يبدو أن الوضع مقبل على المزيد من التأزم قبل الانفراج، إذا ما اعتبرنا أصلا أن هناك مجالا للانفراج، إذ أن قطر على الأرجح لن تستسلم، وخصومها غير مستعدين للتسوية، والهوة بين الجانبين يصعب ردمها. كما أن المسؤولين في الرياض وأبوظبي لا يرون أي حاجة للمسارعة بإعادة قطر إلى النادي الخليجي. فمن وجهة نظرهم، قطر لن تتغير دون أن تواجه عواقب وخيمة وضغوطات متواصلة، ناهيك عن أن الموقف المتشدد الذي اتخذه المعسكر الذي تقوده السعودية، لم يترك أي مجال لقطر للوصول إلى تسوية تحفظ بما ماء وجهها.
وبسبب هذا فإن الانفصال بين قطر ومجلس التعاون الخليجي يبدو فرضية قريبة. فالسعودية والإمارات كلاهما يؤمنان باستطاعتهما المضي بدون قطر. وبالنسبة لهم فإن مجلس التعاون الخليجي انقسم فعليا خلال العقد المنقضي، حيث أن السعودية والإمارات والبحرين أصبحت تشكل تحالفا، أما عمان والكويت فإنهما محايدتان، وقطر أصبحت خارج الحسابات. حيث أن الدوحة وقفت ضد هذه الدول أكثر من وقوفها ضد إيران منذ 2011.
وبناء على هذه المعطيات، من المستبعد أن تتم عسكرة هذا التصعيد ضد قطر، خاصة في ظل وجود قاعدة عسكرية أمريكية في هذه الإمارة، إلا أن خطوة التصعيد المقبلة قد تتضمن تجميد عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي. ورغم الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة، فإن الدول الأربعة تبدو عنيدة وترفض توجيه رسائل تعكس جدّيتها في المطالبة بتغيير سياسات قطر مهما كلف الثمن.
المصدر: فورين بوليسي