كان جواز السفر السوري يكلف في الماضي ما يقرب من 9 دولارات على أبعد تقدير وتأخذه بعد ساعات من التقديم عليه، لكن بعد دخول البلاد في أتون حرب شرسة، ارتفع ذلك المبلغ إلى 325 دولار ويتم استلامه بعد نحو شهر ونصف و 825 دولار يتم استلامه بعد عدة أيام. وللعلم فإن جواز السفر هو الوثيقة الوحيدة التي يمكن أن يحصل عليها المغترب السوري في الخارج، والقنصلية السورية هي المكان الوحيد للحصول عليها.
العشرات من المواطنين السوريين يقفون يوميًا على أبواب القنصيلة السورية في اسطنبول، وعلى الرغم من وجود القنصلية في منطقة فاخرة إلا أن مشاهد غريبة صار يشاهدها المار من أمام القنصلية، إذ صار منظر الازدحام والطوابير الطويلة لمواطنين ينتظرون دورهم للدخول إلى مبنى القنصلية أمرًا شبه معتاد إضافة إلى السماسرة الذين يقفون بالخارج منتظرين يأس أحدهم من الوقوف في الطابور ليتوسل لهم إعطائه دور مقابل مبلغ مالي كبير.
فأي جواز سفر هذا وأي صعوبات تلك التي يواجهها المواطن السوري خارج بلاده لاستصدار جواز صنف على أنه الأغلى في العالم ورابع أضعف جواز عالميًا!!
رابع أضعف جواز في العالم
لم يصبح جواز السفر السوري الأغلى على الإطلاق في العالم فقط بل الأضعف أيضًا، فهناك بلدان تعد على الأصابع تسمح للسوريين بدخولها بدون فيزا. وبعد مناقشة مجلس الشعب السوري في ابريل/نيسان الماضي قانونًا لتعديل الرسم القنصلي لمنح وتجديد جوازات ووثائق السفر للسوريين، واقترابه من إقرار هذه التعديلات أصبح جواز السفر السوري أحد أغلى الجوازات في العالم إن لم يكن الأغلى على الإطلاق.
حيث نصت المادة الأولى من مشروع القانون، بحسب وكالة الأنباء الرسمية (سانا) على تحديد الرسم القنصلي لمنح أو تجديد جواز أو وثيقة سفر للسوريين، بشكل فوري ومستعجل بمبلغ 800 دولار أميركي، في حين يحدد الرسم القنصلي لمنح الجواز وتجديده ضمن نظام الدور بمبلغ 400 دولار أميركي، علمًا أنه حتى الآن لا تزال التكلفة 325 دولار.
وبحسب تصنيف لموقع “وورلد أطلس” في آذار/ مارس من العام الماضي، فإن كلفة إصدار الجواز السوري – غير السريع – هي الأغلى في العالم، وذلك حتى قبل القانون الذي يرفع سعر الجواز السوري.
وحسب تصنيف Henley & Partner فإن جواز السفر السوري حل في المرتبة 101 من حيث القوة من أصل 104 جوازات سفر على المؤشر، وهذا يعني أنه رابع أضعف جواز في العالم. لا تنتهي الدوامة بعد تأمين الشخص تكاليف إصدار الجواز بل من هنا ستبدأ معاناته التي قد تستمر لأشهر، وقد يحصل علىالجواز في النهاية أو لا يحصل!.
معاناة السوريين
يتراءى للشخص للحصول على أحد أضعف جواز في العالم بإن عملية استصداره ستكون سهلة وسريعة، لكن هذا لا ينطبق على الجواز السوري الذي يرى صاحبه الأمرين ليمسكه بين يديه، وقد يستنفذ مدخراته المخصصة لأمور كالعلاج وحالات الطوارئ ليصدره من القنصلية، وقد يأخذ إجازته السنوية (15 يومًا) من عمله للوقوف أمام القنصلية في طابور طويل للدخول إلى القنصلية.
أحيانًا يكون الدور الذي يأخذه الشخص من السمسار مزيف فيضطر لتكبد مبالغ إضافية، أو يتعمد موظف القنصلية ذلك لإذلال الشخص وجعله يدفع المزيد من الأموال.
ولا يتعلق الأمر بجواز السفر فقط بل يتجاوزه إلى الأوراق الثبوتية الأخرى كتسجيل بيان عائلي، وإصدار ورقة وكالة، وأوراق كثيرة أخرى يحتاجها الشخص المغترب في الخارج. وبعد معاناة طويلة لأخذ موعد من موقع القنصلية يقول أحد من تواصل معهم نون بوست، راويًا تجربته لتسجيل حادثة الولادة وتقييد ابنه لدى سجلات القنصلية للحصول على وثيقة وطنية وجواز سفر فيما بعد “تمكنت من أخذ موعد من موقع القنصلية على الانترنت، كان هذا في العام 2015 أما الآن فموقع القنصلية شبه معطل”.
ويتابع أنه “عندما جاء دوري ذهبت إلى القنصلية وإذ بطابور طويل من الأشخاص كل له حاجته في القنصلية وينتظر الدخول، اضطررت أن أقف لساعات طويلة، ولكن سرعان ما أخبرنا الموظف أن الدور قد توقف وعلينا القدوم في اليوم التالي، جئت في اليوم التالي باكرًا وحالفني الحظ ودخلت” ويذكر الشخص لنون بوست الذي آثر عدم ذكر اسمه أن هناك أشخاص لا يدخلون إلى القنصلية على مدار أسبوع، تذهب جهودهم سدى للدخول بسبب تصرفات موظفي القنصلية المقصودة.
جواز السفر السوري الأغلى في العالم بحسب تصنيف موقع “وورلد أطلس” في آذار/ مارس العام الماضي
الدخول إلى المبنى لا يعني أن المشكلة قد حلت فهناك معاناة أخرى في الداخل، ودور آخر عليك انتظاره، القنصلية وضعت شخصين يتحدثون للمواطنين من وراء زجاج، عندما جاء دوري وشرحت له ما أريد ذكر لي أن هناك ختم ناقص من والي اسطنبول وأن علي أن أذهب لهناك لأختم الأوراق ومن ثم العودة إلى القنصلية مجددًا.
طابور أمام مبنى القنصلية السورية في اسطنبول
يكمل الشاب قصته “بالفعل قمت بختم الأوراق من هناك، وعدت في اليوم التالي ودخلت بعدما أريت الموظف في الخارج أنني استكمل المعاملة، بعد فترة قصيرة من إعطائي الأوراق لموظف القنصلية وانتظاري ساعات أمام الباب لكي آخذ النتيجة، نودي على اسمي وطُلب مني الدخول إلى مكتب القنصل العام.
أشخاص كثر يجوبون أمام القنصلية ويضعون نظارات شمسية، يعرضون للناس منحهم موعد في السفارة لقاء مبلغ قدره 225 دولار
يروي الشاب لنون بوست أن الدخول إلى داخل القنصلية يشعرك برهبة حقيقية، إذ يمكن أن تتخيل أن هذا المكان هو فرع أمني أو مخابرات، أو أي شيء سوى أن يكون مبنى مدني للتعامل مع المواطنين، تم إدخالي إلى القنصل ليشرح لي أن البيان العائلي الذي قدمته لا يحمل تصديق الخارجية السورية في دمشق!، وأنه علي إرسال الأوراق إلى دمشق عبر البريد لتصديقها ومن ثم العودة إلى هنا مرة أخرى. ويختم الشاب أنه راسل أحد أقاربه في دمشق وطلب منه أن يصدر له بيان عائلي جديد ومصدق من الخارجية السورية.
وبعد نحو أربعة أشهر جاءت الأوراق من دمشق مع أحد الأشخاص القادمين من هناك إلى اسطنبول، بسبب عدم إمكانية إرسالها في البريد السريع، وطلب مني دفع غرامة مقدارها 80 يورو في القنصلية بسبب تأخير تسجيل الطفل، وفي النهاية تم تقييد الطفل في البيان العائلي بعد أكثر من 6 أشهر من هذه العملية المريرة.
شخص آخر يروى قصته أثناء التقدم لتجديد جوازه الذي انتهت مدة صلاحيته، يقول بعد محاولات عديدة لأخذ موعد من موقع القنصلية باءت جميعها بالفشل لجأت إلى أحد السماسرة الواقفين بالقرب من القنصلية. الموعد ليس رخيص الثمن إذ نأخذه بحوالي 225 دولار وهو مبلغ قمت باستدانته من أحد الأصدقاء، إذ لم يكن متوفر لدي كما يقول الشاب.
جواز السفر السوري حل في المرتبة 101 من حيث القوة من أصل 104 جوازات سفر على المؤشر Henley & Partner
ذهبت إلى القنصلية في الساعة 8 صباحًا وموعدي كان في الساعة 9:30 كما يقول الشاب، كان يقف أمام القنصلية حوالي ١٠٠ شخص، وقد بدأوا في الساعة 11:30 بالسماح للناس بالدخول، كان دوري في الطابور رقم 30 ودخلت إلى قلب المبنى في الساعة 2 ظهرًا بعدما بدأوا بإدخالنا على شكل دفعات كل دفعة عددها 5 أشخاص، هناك أشخاص يقول لهم الحارس أن الموعد خاصته مزيف ومن غير الممكن إدخاله إلى الداخل.
يشير الشاب أن أشخاص كثر يجوبون أمام القنصلية ويضعون نظارات شمسية، يعرضون للناس منحهم موعد في السفارة لقاء مبلغ قدره 225 دولار. وبحسب ترك برس فإن السمسار يتقاسم المبلغ مع موظفي القنصلية الذين يُعلمونهم بموعد فتح الموقع الإلكتروني خلال اليوم.
من أمام مبنى القنصلية السورية في اسطنبول
بعد دخولي إلى الداخل ولقائي بموظف كبير في العمر خيّرنا بين الجواز العادي والسريع، فالبطيء أو العادي تبلغ تكلفته 325 دولار تحصل عليه بعد شهر ونصف أما المستعجل فتأخذه بعد 3 أيام وتكلفته 825 دولار.
مع العلم أن هذه المواعيد غير دقيقة بتاتًا فهناك أشخاص انتظروا شهر، وآخرين 3 أشهر للحصول على الجواز الذي تسميه القنصلية سريع، وهناك أشخاص انتظروا سنة كاملة إلى أن حصلوا على الجواز العادي، أما بالنسبة للتكلفة ووفقًا للظروف المذكورة فإن تكلفة إصدار الجواز قد تصل إلى ألف دولار بالحد الأدنى، وإذا كان الشخص قادم من خارج اسطنبول فسترتفع التكلفة إلى 1500 دولار، وهناك أشخاص تكلفوا أكثر من 2000 دولار، وقد يكلف الناشطين الإعلاميين وأشخاص مطلوبين للنظام أكثر من ذلك بكثير.
يمكن تلخيص الصعوبات التي تواجه السوريين في القنصلية السورية:
1- تجديد أو أخذ جواز جديد يتطلب حجز موعد من موقع القنصلية الإلكتروني، ولما كان هذا شبه مستحيل يلجأ الشخص إلى السماسرة الذين يتاقضون نحو 225 دولار، وأحيانًا يكون الدور مزيف فيضطر الشخص لتكبد مبالغ إضافية، أو يتعمد الموظف ذلك لإذلال الشخص وجعله يدفع المزيد من الأموال.
2- معاملة الموظفين في القنصلية غير لطيفة بالمرة وتوصف بأنها مزاجية وتشير أنهم غير مكترثين بحقوق المراجعين، وكأهم ليسوا أبناء هذا البلد.
3- الانتظار في طوابير طويلة ولساعات كثيرة قد لا يثمر في النهاية، وقد يأخذ هذا الانتظار يوم عمل كامل.
4- قد يذهب كل هذا سدى بعد مجيء قرار الرفض من دمشق بحجة عدم مجيء الموافقة الأمنية، بعد أن يكون الشخص تكبّد عناء الحجز، وعناء السفر إلى إسطنبول بالنسبة إلى المواطنين الذين يقدمون من ولايات أخرى بشكل خاص.
رحلة المواطن السوري لاستصدار جواز سفر ليست وحيدة، بل هي جزء لا تقل عنه رحلة اللجوء عبر البحر أو البر إلى أوروبا مأساة وخطورة، وكل هذا متعمد من قبل النظام السوري الذي يسعى إلى استغلال أموال هذا المورد الهام من جهة، وإذلال المواطن السوري في الخارج من جهة أخرى.