تعمل جماعة الحوثي اليمنية بعيدًا عن حدود “إسرائيل”، لكن في الأسبوع الماضي بالتحديد، أصبحت جهودها للتأثير على الحرب الدائرة في غزة محسوسة في منطقة أوسع، حيث تصاعدت الهجمات – من الطائرات المسيَّرة أو الصواريخ التي تُطلق من القوارب أو من الشاطئ – على سفن الشحن التجارية قبالة سواحل اليمن، بعد أيام من شنها سلسلة هجمات بالصواريخ على جنوب “إسرائيل”.
دخول الحوثيين على خط الصراع منذ بداية الحرب على غزة فرض قواعد جديدة على الميدان ووضع السفن الإسرائيلية وسفن الشركات التي تتعامل معها “إسرائيل”، التي تمر من مضيق باب المندب والبحر الأحمر في مرمى النيران، ما يشكل تهديدًا إقليميًا يبدأ من هذه البقعة ذات الأبعاد المهمة إستراتيجيًا واقتصاديًا.
الحوثيون على خط التصعيد
يُنظر إلى البحر الأحمر اليوم على أنه من أكثر بقاع المنطقة غليانًا منذ بداية التصعيد في غزة، فلا يكاد يمر يوم واحد دون أن تشهد أجواؤه أو مياهه تصعيدًا من نوع مختلف.
في هذه المنطقة الحيوية، تكررت عمليات الحوثيين وتهديداتهم، واستهدفوا من مناطق سيطرتهم في مضيق باب المندب السفن التي قالوا إنها “مملوكة جزئيًا على الأقل لإسرائيليين أو لأي شخص يشحن بضائع إلى إسرائيل”، احتجاجًا على حربها ضد قطاع غزة.
أولى هذه العمليات تعود إلى 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عندما استولى الحوثيون على أول سفينة شحن، وهي “جالاكسي ليدر”، التي لها صلات برجل أعمال إسرائيلي يُدعى رامي أونجر، واقتادوها إلى السواحل اليمنية بعد تنفيذ عملية إنزال بمروحية على سطحها، ولا تزال في ميناء الحديدة الذي يسيطرون عليه.
فيديو استيلاء الحوثيين على السفينة “جالاكسي ليدر” واقتيادها إلى ميناء الحديدة
منذ ذلك الحين، تزايدت قوة الهجمات التي نفذها الحوثيون، وبلغت ذروتها بتنفيذ هجمات صاروخية وطائرات دون طيار ضد سفن شحن تجارية غير مسلحة وسفن بحرية مدججة بالسلاح تابعة لعدة بلدان، في الممرات الملاحية المزدحمة.
وأثبتت الأيام الأخيرة مدى خطورة هذه الهجمات بشكل خاص، ومع ذلك، لم تكن جديدة بالنسبة للحوثيين الذين يتمتعون بتاريخ في مهاجمة السفن بالبحر الأحمر، ففي يناير/كانون الثاني 2017، في أثناء صراعهم مع التحالف العربي الذي تقوده السعودية، هاجموا الفرقاطة “المدينة” باستخدام ثلاثة زوارق متفجرة يتم التحكم بها عن بعد، ما أجبر البحرية الملكية السعودية على الانسحاب من المياه اليمنية.
وفي مايو/أيار ويوليو/تموز 2018، هاجموا ناقلتي نفط سعوديتين ضخمتين بصواريخ كروز (إيرانية الصنع)، مماثلة لتلك المستخدمة في الهجمات الأخيرة، كما تعرضت السفن التي ترفع العلم المحايد للهجوم في نفس الفترة، ومما زاد الأمور تعقيدًا، في عام 2021، انخرطت إيران و”إسرائيل” في صراع بحري غير معلن في البحر الأحمر إلى جانب الشواطئ اليمنية.
اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، يغلي البحر الأحمر، ويهدد التصعيد حركة السفن، ويهدد الحوثيون، الذين يسيطرون على أجزاء كبيرة من اليمن منذ عام 2014، بمواصلة تنفيذ مثل هذه الهجمات حتى يتم تنفيذ وقف كامل لإطلاق النار في غزة، وهذا جزء من إستراتيجية تهدف إلى رفع التكاليف التي تتحملها الولايات المتحدة وغيرها من الدول لدعم دولة الاحتلال بطرق مختلفة.
تتضخم كرة اللهب في البحر الأحمر إثر هجمات الحوثيين على المصالح الإسرائيلية في البحر الأحمر، وتصبح السفن التي تعبر هذا الطريق أضرارًا جانبيةً للحرب بين “إسرائيل” وحماس
كما تعمل مثل هذه الأعمال الهجومية على إظهار أن الحوثيين قوة باقية في اليمن، وجزء متزايد الجرأة مما يسمى “محور المقاومة”، ويشمل ذلك أيضًا حماس في غزة، وحزب الله اللبناني، ونظام الأسد، وميليشيات عديدة موالية لإيران في سوريا والعراق.
وإلى جانب استهداف السفن في البحر الأحمر، واصل الحوثيون استهداف “إسرائيل” نفسها دون أن يردعهم عدم التوصل إلى نتائج ملموسة، فقد اعترضت “إسرائيل” عددًا من الصواريخ بعيدة المدى فوق البحر الأحمر جنوب إيلات، واعترضت السعودية بعضها في عرض نادر للتضامن بين البلدين، وفي مناسبة واحدة على الأقل، تم استخدام أحدث طائرة إسرائيلية من طراز “F-35”.
المياه الملغومة لشركات الشحن
لطالما كانت المياه الإستراتيجية المحيطة باليمن والقرن الإفريقي وبحر العرب محفوفة بالمخاطر بالنسبة لشركات الشحن العالمية، وفي الفترة بين عامي 2009 و2016، أحبطت قوة متعددة الجنسيات العديد من هجمات القراصنة، التي انطلق العديد منها من الصومال.
لكن هجمات الحوثيين تمثل تهديدًا أكثر تعقيدًا بكثير، فالجماعة تمتلك صواريخ باليستية تطلق من الشاطئ، ويمكنها التحليق لمسافة تزيد على 500 كيلومتر، وصواريخ كروز ذات مدى أقصر، وجاءت هجمات الحوثيين أيضًا من زوارق سريعة تحمل مسلحين ببنادق آلية، وفقًا للقيادة المركزية الأمريكية.
“حارس الازدهار” خلا من أي دولة مشاطئة للبحر الأحمر، مثل مصر والسعودية وجيبوتي وإريتريا، وهي الدول التي يُفترض أن يكون لها الدور الأساسي، ويمكن الانطلاق من مياهها الإقليمية أو أراضيها
ومع مرور الوقت، تتضخم كرة اللهب في البحر الأحمر إثر هجمات الحوثيين على المصالح الإسرائيلية في البحر الأحمر، وتصبح السفن التي تعبر هذا الطريق أضرارًا جانبيةً للحرب بين “إسرائيل” وحماس، وتضطر شركات شحن دولية إلى تعليق نشاطها البحري هناك حتى إشعار آخر.
خطوة لم تأت من فراغ، فالهجمات الأخيرة للحوثيين لم تترك لتلك الشركات أي مجال للمخاطرة أو الانتظار، وردًا على ذلك، عززت القوات البحرية الأمريكية والفرنسية بالفعل وجودها في البحر الأحمر لحماية السفن من خطر هجمات الحوثيين الذين يسيطرون حاليًا على أجزاء كبيرة من الجزء الغربي والشمالي من اليمن، بما في ذلك على طول ساحل البحر الأحمر ذي الأهمية الإستراتيجية.
هل يمكن وقف هجمات الحوثيين؟
في أعقاب الاستيلاء على سفينة “جالاكسي ليدر”، أفادت التقارير بأن الولايات المتحدة تدرس تصنيف الحوثيين “جماعة إرهابية”، لتورطها في “قرصنة سفينة في المياه الدولية”، واستهداف شبكات تمويلهم، لكن الولايات المتحدة تحركت بحذر، وقررت عدم جعل التصنيف رسميًا.
أثار هذا التردد الأمريكي تساؤلات عديدة عما يسميه البعض “ضبط النفس الزائد عن الحد” الذي تمارسه الإدارة الأمريكية تجاه الحوثيين، رغم تنديدها المتواصل بالأخطار التي تسببها هذه الهجمات سواء على الأمن البحري أم استقرار المنطقة.
فرغم مسارعة السفن الحربية الأمريكية المنتشرة في المنطقة بالاستجابة لنداءات الاستغاثة من سفن مدنية تعرضت لهجمات، تسعى واشنطن لتجنب التصعيد مع إيران، بل وتتعمد ترك الباب مفتوحًا للمناورات السياسية رغم خطورة الوضع على كل تلك السفن التجارية.
وأمام تكثيف الحوثيين هجماتهم الصاروخية قرب باب المندب وغياب الرد الأمريكي الحازم، ازدادت مطالبات الحكومات الغربية والإقليمية بتشكيل قوة دولية هناك لحماية السفن والتجارة العالمية، فعدم استقرار الأمن في البحر الأحمر سيؤدي بحسب خبراء إلى زيادة تكاليف النقل ومدة العبور في التجارة العالمية بنسبة تتجاوز 40%.
وبعد مرور شهر تقريبًا على احتجاز أول سفينة في البحر الأحمر، أعلنت الولايات المتحدة إطلاق قوة حماية بحرية موسعة تضم دولًا عدةً، أطلق عليها اسم “حارس الازدهار”، الهدف منها بحسب وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن حماية التجارة من هجمات الحوثيين المتكررة، ودعم حركة الملاحة في البحر الأحمر عبر تنفيذ دوريات مشتركة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن.
الإعلان الذي جاء على لسان أوستن خلال زيارته إلى منطقة الشرق الأوسط، جرى التمهيد له من خلال مشاورات واسعة استمرت أسابيع طويلة، ركزت على إمكانية حشد أكبر عدد ممكن من القوى الدولية الراغبة في حماية الملاحة، وترتكز في الأساس على التحالف البحري الدولي المكون من 39 دولة معنية بحماية ممرات المياه الحيوية في محيط منطقة الخليج، لكن اقتصرت هذه القوة المشتركة التي ستقودها واشنطن على 10 دول من بينها فرنسا وبريطانيا وألمانيا وكندا وإيطاليا وهولندا وإسبانيا وسيشل، وسيكون مقرها البحرين.
قوة التحالف الجديدة تبدو شبيهة بقوة المهام المشتركة “153”، التي تعمل بالفعل في البحر الأحمر، لمواجهة القرصنة، بالإضافة إلى تهديدات أخرى، لكن منذ التلميح بإنشائها، أبدت إيران اعتراضها، وحذَّر وزير الدفاع الإيراني محمد رضا أشتياني من أن أي قوة عمل متعددة الجنسيات ستواجه “مشاكل غير عادية” في أثناء محاولتها حماية الملاحة في البحر الأحمر.
خلو القوة من أي دولة واقعة على ساحل البحر الأحمر، وتحديدًا مصر والسعودية، يشير إلى فشل الولايات المتحدة الواضح في حشد قوة ردع للحوثيين
اللافت – بحسب ما أُعلن حتى هذه اللحظة – أن “حارس الازدهار” خلا من أي دولة مشاطئة للبحر الأحمر، مثل مصر والسعودية وجيبوتي وإريتريا، وهي الدول التي يُفترض أن يكون لها الدور الأساسي، ويمكن الانطلاق من مياهها الإقليمية أو أراضيها، واقتصر على دولة عربية واحدة، هي البحرين، على الرغم من حرص وزارة الدفاع والإدارة الأمريكية الواضح على حشد واسع من الدول العربية، وقد أعرب أكثر من مسؤول أمريكي في البنتاغون عن خيبة الأمل من عدم وقوف دول كانت واشنطن تراهن عليها للتصدي لإيران بشكل مباشر، وتحديدًا دول الخليج.
ويرى محللون أن خلو القوة من أي دولة واقعة على ساحل البحر الأحمر، وتحديدًا مصر والسعودية، يشير إلى فشل الولايات المتحدة الواضح في حشد قوة ردع للحوثيين، باستثناء البحرين التي ينحصر سبب مشاركتها في وجود الأسطول الخامس الأمريكي على أراضيها، وبالتالي لا يتعلق وجودها بقدرتها على المشاركة بقدر ما يتعلق بمحدودية دورها، وحصره في التنسيق بين القوى المشاركة.
كذلك خلا البيان أيضًا من “إسرائيل” ربما بحكم الإشكالات السياسية التي قد يثيرها وجودها علنًا في هذا التحالف، خصوصًا مع استمرار حربها على غزة التي حصدت حتى الآن أرواح أكثر من 20 ألف فلسطيني، ودمرت مساحات واسعة من القطاع، فضلًا عما يجري في الضفة الغربية.
هذه الإشكالات التي تحد من جدوى هذا التحالف، تطرح تساؤلات عن قدرة هذا الحضور المتعدد الأطراف على إعادة الثقة لشركات الشحن خصوصًا فيما يتعلق بنقل البضائع والنفط إلى “إسرائيل”، وإقرار البنتاغون بامتلاك الحوثيين أسلحة متطورة للغاية من بينها الصواريخ البالستية المضادة للسفن والطائرات المسيرة.
خيارات المواجهة
من بين ما يقرب من 1500 سفينة تعبر مضيق باب المندب كل شهر، قد تكون هناك عشرات السفن التي يمكن للحوثيين ربطها بـ”إسرائيل” لتبرير الهجوم أو الاستيلاء عليها، وبالتالي تكون عرضة لمزيد من الهجمات الحوثية، فهل ستُترك جميع السفن “المرتبطة بإسرائيل” تحت رحمة الحوثيين؟
تبدو خيارات منع المزيد من هجمات الحوثيين محدودة، ويتعلق أحدها بإرسال سفن مسلحة لمرافقة حركة المرور التجارية، وهو جزء من مهمة التحالف الجديد المزمع إنشاؤه، لكن السؤال هو من يستطيع توفير دوريات بحرية مسلحة في البحر الأحمر مع إحجام الكثير من الدول عن المشاركة في هذا التحالف؟
تمتلك السعودية ومصر، الدولتان المطلتان على البحر الأحمر، قوات بحرية قوية ومتطورة، لكن الأولى تنأى حتى الآن بنفسها لأنها تعيش هدنة هشة مع الحوثيين، وتحاول الثانية أن تُظهر الحياد، ولا تريد الانجرار إلى التوترات مع الحوثيين أيضًا، ولا يمكن لـ”إسرائيل” توفير أي سفن بمفردها لهذه المهمة.
في الوقت الحاليّ، تنشط السفن الحربية التابعة لأسطول أربع دول على الأقل: الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة و”إسرائيل” بالفعل في البحر الأحمر، وهي دول أغلبها مشاركة في التحالف الجديد، وقد نجح بعضها في إحباط هجمات ضدها وضد أهداف برية في “إسرائيل”، ومع ذلك، ينصب تركيزها الفوري على الدفاع ضد الهجمات المستقبلية، بدلًا من ضرب مواقع الحوثيين في اليمن، وهو ما يجعل مشروع إطلاق التحالف البحري مفلسًا حتى قبل إطلاقه.
ومع إدراكهم التام لتحضيرات التحالف، يريد الحوثيون منع هذا التحالف من أن يصبح نشطًا وفاعلًا، وفي وقت سابق من هذا الشهر، حذَّر عضو المكتب السياسي للحوثيين، محمد البخيتي، السعودية والإمارات من أنه إذا انضمتا إلى مثل هذا التحالف، فإن الحوثيين سوف يستهدفون منصات النفط ومرافق التخزين الخاصة بهما.
🔴 عضو المكتب السياسي لحركة #أنصار_الله محمد البخيتي في مقابلة مع “فرانس ٢٤”: في حال أنضمام #السعودية و #الإمارات لأي تحالف تقوم به #أمريكا ضد #اليمن فإننا لن نبقي لا على حقول نفط ولا على سفن في السعودية والإمارات @M_N_Albukhaiti #أبوعبيدة #اليمن_قول_وفعل #اليمن_سند_فلسطين pic.twitter.com/tikFiiuyVG
— وكالة مهر للأنباء (@mehrnewsarabic) December 6, 2023
ويبدو التهديد واقعيًا، فالبنية التحتية النفطية في كلا البلدين تقع في نطاق صواريخ الحوثيين، ومن شأن أي هجوم كبير على المنشآت النفطية في شبه الجزيرة العربية أن يكون تصعيدًا واضحًا وعالميًا، وسيدفع أسعار النفط إلى الارتفاع، ويرفع أسعار التأمين على الناقلات الدولية التي يتم تحميلها على طول شواطئ البلدين الخليجين.
بخلاف توفير الحماية للسفن البحرية، يبدو أن “إسرائيل” والولايات المتحدة ودول أخرى ليس لديهم خيارات عسكرية لوقف هجمات الحوثيين، فمن الممكن أن يؤدي استهدافهم بشكل مباشر أو تدمير قدراتهم الهجومية في البحر أو الحد منها بشدة إلى المخاطرة بتصعيد كبير.
لهذه الأسباب، استبعد نائب الأدميرال البريطاني المتقاعد دنكان بوتس، شن عملية عسكرية ضد جماعة الحوثي، ويرجع ذلك بحسب قول بوتس الذي قاد القوة البحرية متعددة الجنسيات التي كانت تحمي المياه المحيطة بخليج عدن والقرن الإفريقي من القراصنة قبل عقد من الزمن، إلى أن مقاومة صواريخ “كروز” المضادة للسفن ستكون كثيفة الاستخدام للأصول، وستؤدي حتمًا إلى إبطاء تدفق التجارة أيضًا.
وبشكل عام، تمثل تهديدات الحوثيين بإغلاق مضيق باب المندب، واستمرار هجماتهم حتى انتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة، اختبارًا لقدرات الردع لإدارة بايدن، التي حتى اللحظة فشلت فيه، فقد كانت آخر مرة قامت فيها الولايات المتحدة بعمل عسكري علني ضد الحوثيين عام 2016، عندما أطلقت صواريخ “توماهوك” على مواقع الرادار الساحلية التابعة للحوثيين بعد تعرض سفينة حربية أمريكية لهجوم.
اليوم، تبدو إدارة بايدن مترددة في شن مثل هذه الضربات ضد الحوثيين، في حين تبدو أكثر راحة في استخدام القوة ضد وكلاء إيران في العراق وسوريا من اليمن، وهو ما جعل الحوثيون يعتقدون أن بإمكانهم فعل ما يريدون دون مواجهة العواقب، فمنذ اندلاع الحرب في غزة، وقع ما لا يقل عن 76 هجومًا على القوات الأمريكية في العراق وسوريا، ورغم أن الهجمات توقفت خلال الهدنة المؤقتة بين حماس و”إسرائيل”، فإنها استؤنفت بعد انهيارها.
ومن المعروف أن الحوثيين مستعدون لمواجهة أعداء أقوى مما سبق، ويستوطنون بين السكان اليمنيين، ما يجعل مهمة ملاحقتهم صعبة، وليس لديهم معسكرات أو قواعد عسكرية يمكن استهدافها، حتى إذا حدث عكس ذلك، فإن الضربة العسكرية على ميناء الحوثيين أو منطقة الإطلاق لن تؤدي إلا إلى تأجيج خطاب الجماعة ومنحها انتصارًا رمزيًا مع أنصارها.
وما زالت الولايات المتحدة تقف عند “مفترق طرق” وهي تدرس كيفية الرد على تهديد الحوثيين، ومع الحديث عن اقتراب التوصل إلى اتفاق مع كل من السعوديين والحوثيين، فإن هذا يدفع صناع السياسة الأمريكيين إلى توخي الحذر فيما يتعلق بفرض عقوبات أو بدء ضربة عسكرية مباشرة ضد الحوثيين، يمكن أن تعرِّض للخطر ليس فقط عملية السلام بينهم وبين السعودية في اليمن، لكن أيضا التقارب الأوسع بين إيران والسعودية.
وبحسب ما ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية، فإن الولايات المتحدة حذرت الحوثيين من أن الفرصة التي تم التفاوض عليها بشق الأنفس لإنهاء الحرب الأهلية في اليمن التي دامت 9 سنوات ستفشل إذا استجابت إدارة بايدن للضغوط في الكونغرس لتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية، ويظهر التحذير للحوثيين الثمن الذي ترغب الولايات المتحدة في دفعه لدعم خطة “إسرائيل” للقضاء على قيادة حماس.
يمكن أن يكون لهجمات حوثية أخرى تأثير كرة الثلج، ستجر على إثرها بلدانًا أخرى بشكل أكثر نشاطًا إلى صراع مدمر بالفعل وتدفعه إلى نقطة اللاعودة
بخلاف ما سبق، يشكك البعض في جدوى العقوبات المختلفة المفروضة على اليمن كخيار لردع الحوثيين، لأنها فشلت في وقف القتال هناك على مدى العقد الماضي أو نحو ذلك، ويُعتقد أن المسار الأرجح للأحداث هو استمرار الحوثيين في إطلاق الصواريخ والتسبب في تعطيل الملاحة الدولية، لكن دون زيادة شدة الهجمات، وهو ما يؤكده مسؤولون غربيون حذروا من استمرار هجمات الحوثيين على خطوط الشحن.
الخيار الأخير، وهو وقف التصعيد، حيث يمكن للولايات المتحدة أن تنخرط في دبلوماسية هادئة لدفع إيران – إذا كان الاستيلاء على السفن عملًا حوثيًا مستقلًا لم تحرِّض عليه – إلى السيطرة على وكيلها وتجنب هجمات جديدة في البحر الأحمر، وقد يكون هذا هو السبيل الأكثر واقعية للخروج بحسب المحلل الجيوسياسي والأمني زوران كوسوفاتش، لكن فقط إذا أظهرت جميع الأطراف المعنية ضبط النفس.
وفي حال فشل الحل الدبلوماسي، يمكن أن يكون لهجمات حوثية أخرى تأثير كرة الثلج، ستجر على إثرها بلدانًا أخرى بشكل أكثر نشاطًا إلى صراع مدمر بالفعل وتدفعه إلى نقطة اللاعودة، وفي أسوأ السيناريوهات، يمكن أن يكون هذا هو الخطوة الأولى في جذب الولايات المتحدة وإيران إلى المشاركة المباشرة في الحرب.
وفي المجمل، أخطأ الأمريكيون والإسرائيليون في حساباتهم، فقد ظنوا أن تصفية قضية فلسطين أمر يسير، ولم يقرأوا جيدًا خريطة المنطقة وتاريخها، فالمصالح الإستراتيجية ذاتها التي تدعم لأجلها تل أبيب، هي ذاتها عامل إفشال لديمومة المشروع الإحلالي التوسعي لـ”إسرائيل” مهما طال احتلال فلسطين.