شكل العام الماضي نقطة تحول بالنسبة للاقتصاد العالمي، فوفقا لصندوق النقد الدولي، شاركت الاقتصادات الناشئة بأكبر نسبة في الناتج المحلي الإجمالي للعالم ككل، بنسبة أعلى من الدول الكبرى والمتقدمة. ورغم أن السنة الماضية لم تكن سهلة بالنسبة لتلك الأسواق، إلا أن التوقعات تشير إلى نمو أكبر على المدى الطويل والمتوسط. تقرير ماركت لاين يتوقع نموا في الاقتصادات الناشئة بنسبة 16.4٪ بحلول عام 2017، وهي أعلى بأربع أضعاف من نسبة نمو الاقتصاد الأوروبي في نفس الفترة.
تقول مجلة فورين أفيرز أن الشركات الأوروبية متعددة الجنسيات تعتمد في أكثر من 30٪ من عائداتها على الأسواق الناشئة، في حين أن الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات تحصل على أقل من 10٪، في الحقيقة ليس الاختلاف بين الأمريكيين والأوروبيين خلافا إداريا أو مؤسساتيا أو هيكليا، لكن تشير البيانات إلى أن تلك الفجوة هي نتاج التاريخ، التاريخ الاستعماري على وجه الخصوص.
الولايات المتحدة تُعد مستعمرة سابقة، في حين أن العديد من بلدان أوروبا كانت قوى استعمارية فيما سبق، ومعظم المستعمرات السابقة مثل البرازيل، كولومبيا، إندونيسا أو الهند تشكل الآن جزءا رئيسا في الأسواق الناشة، ولذلك فإن الأسواق الأوروبية لديها ميزة تنافسية: تركة الاستعمار التي توفر الروابط الثقافية واللغوية والسياسية بينها وبين ثكير من تلك البلدان، ولذلك تقول فورين أفيرز أن على الولايات المتحدة أن تحاول اللحاق بمنافسيها الأوروبيين والبدء في تناول الكعكة في أسرع الاقتصادات نموا في العالم.
عن العلاقات
تتحدث فورين آفيرز في مقالها عن الشركات الدولية التي تبحث عما هو مألوف لتجنب المخاطر الجمة. لذلك فإن الأسواق الأوروبية تستطيع العمل بشكل جيد للغاية مع مستعمراتها السابقة، مثلا تشترك أسبانيا والبرتغال في اللغة مع مستعمراتها السابقة في أمريكا الجنوبية، وتشترك فرنسا مع مستعمراتها في أفريقيا، كما أن هناك ذلك التشابه بين المؤسسات السياسية في العديد من المستعمرات الأوروبية السابقة، مثل ساحل العاج، كينيا وماليزيا على غرار تلك التي توجد لدى القوى الاستعمارية الأوروبية.
الآن منظمات مثل الأمم المتحدة تسهل على القوى الاستعمارية القديمة مهمة التواصل مع مستعمراتها السابقة، فهي تسهل تبادل العلاقات السياسية والتجارية والثقافية ما يجعل من السهل على الشركات إنشاء فروع لها في الخارج أو إرسال موظفين أو توظيف مواهب محلية وغيرها.
كما أن العلاقات التاريخية لم تكن من طرف المستعمِر فقط، لكن العديد من القادة المؤثرين والساسة في البلدان الإفريقية والآسيوية وفي أمريكا الجنوبية تلقوا تعليما في قوى استعمارية سابقة، مثل التونسيين أو المغاربة أو الجزائريين في فرنسا، والعديد من الدول الإفريقية تميل للعمل بشكل وثيق مع القوى الاستعمارية السابقة لجذب الاستمرار الأجنبي المباشر.
إن تلك الحقائق تعطي الأفضلية للدول الاستعمارية في مستعمراتها السابقة، شركة مثل إير فرانس تمتلك 20٪ من الخطوط الجوية في ساحل العاج، كما أن شركة فيناجيسشن، الفرنسية أيضا، تسيطر على المياه والكهرباء في ساحل العاج والسنغال! أما شركة الهواتف الإسبانية (تليفونيكا) فهي تخدم 218 مليون عميل في أمريكا الجنوبية وهي الشبكة الرئيسية في دول مثل الأرجنتين وتشيلي وبيرو
بعد أن كانت بريطانيا أكبر قوة استعمارية في العالم بأكثر من 50 مستعمرة، تأتي اليوم لتكون على رأس الدول التي تمتلك أكبر عدد من الشركات العابرة للقارات، فمن بين أهم 500 شركة متعددة الجنسيات، تتصدر بريطانيا القائمة ب31 شركة، تليها فرنسا ب21 شركة، وألمانيا ب20، وهولندا 8، وأسبانيا 6. باستثناء ألمانيا وإسبانيا، فإن تواجد تلك الشركات في القائمة يعكس حجم الدول النسبي تقريبا إبان الحقبة الاستعمارية.
وتتحدث فورين أفيرز عن تواجد الشركات خارج دولها، فتقول إن شركة التبغ البريطانية الأمريكية (ومقرها لندن)، وهي سادس أكبر شركة في بورصة لندن، لديها تواجد في 180 سوقا حول العالم، وتجيء 99٪ من إيراداتها من خارج المملكة المتحدة، لكن علاقات الشركة بمستعمرات بريطانيا السابقة هو مفتاح تدويل عملها، فلدى الشركة عملاء في 35 دولة من 53 مستعمرة بريطانية سابقة مثل مالاوي، بابوا غينيا الجديدة، توغو وأوغندا حيث تعمل من 85 عاما وتسيطر على 80٪ من سوق السجائر في البلاد.
تليفونيكا الإسبانية تعمل في 12 من المستعمرات السابقة وتكسب أكثر من 50٪ من عائداتها (40 مليار دولار) من أمريكا اللاتينية، فرانس تليكوم تعمل كذلك في مستعمرات فرنسا السابقة، وفودافون البريطانية تعمل في 19 من المستعمرات السابقة من بينها مصر، ويشكل وجودها في تلك المستعمرات ثلث وجودها العالمي، وربحا يقارب 29٪ من أرباحها الكلية، كما أن فرانس تليكوم حصلت على قرابة 6 مليارات دولار أي 10٪ من أرباحها من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
كما أن الشركات في الدول الأصغر من حيث التاريخ الاستعماري، مثل هولندا، لا تزال تستفيد من التجارة العالمية بنفس القدر، شركة يونيليفر البريطانية الهولندية تعمل في 190 دولة بأكثر من 117 مليار دولار ومقريها في لندن وروتردام، أكثر من 55٪ من عائداتها التي تبلغ 38 مليار دولار يأتي من الأسواق الناشئة، فهي تبيع الشامبو في باكستان حيث ترتدي النساء الحجاب، وشامبو من الملح في الصين، أو السمسم الأسود أيضا حيث يعتقد الصينيون في فوائده!
بحلول عام 2025 سيستحوذ السوق الناشئ على أكثر من 30 تريليون دولار، ولكن الحقيقة أن أرباح الاستعمار من هذه الأسواق قد يتجاوز أرباح دولها نفسها