ترجمة وتحرير: نون بوست
يبدو أن دونالد ترامب، ينتشي مثل المراهقين المهووسين بالمشاهير، بالعلاقات الوثيقة التي تربطه بالملك سلمان في المملكة العربية السعودية وولي العهد الجديد محمد بن سلمان، البالغ من العمر 31 سنة، الذي يطلق عليه الدبلوماسيون الأمريكيون اسم “أم بي أس”.
فمنذ عهد الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، كانت العائلة المالكة السعودية مولعة بالرؤساء الأمريكيين. ولكن في هذه الحالة، قد يكون ولع السعوديين بالرؤساء الأمريكيين خطيرا جدا عليهم، إذ أن الأمير الشاب، الذي سيكون ملكا في المستقبل، لن يجلب المتاعب فقط لبلده بل سيوقع الولايات المتحدة أيضا في المآزق.
مما لا شك فيه، لم يكن ترامب الوحيد الذي أغدق الثناء على ولي العهد الجديد، فالأمر سيان بالنسبة لوزير الخارجية ريكس تيلرسون، ووزير الخارجية الألماني، وصندوق النقد الدولي ورئيس البنك الدولي، الذين أشادوا بإنجازات محمد بن سلمان. وبما أنه صاحب رؤية 2030، التي تعتبر من إحدى الخطط الطموحة الهادفة إلى تحديث الاقتصاد السعودي وتنويعه، یُنظر إلى محمد بن سلمان على أنه ملك ذو نظرة معاصرة وديناميكية، تقطع مع جميع المبادئ التقليدية للمملكة والمسائل التي كان يخشى الملوك السعوديون الشيوخ الخوض فيها.
طيلة السنتين الماضيتين، وبصفته ولي ولي العهد ووزير دفاع المملكة، ارتكب محمد بن سلمان سلسلة من الأخطاء الملكية في اليمن، وقطر، وإيران
لكن، من يدري ما إذا كان الملك الشاب سيكون قادرا على تحقيق هذه التوقعات على الصعيد المحلي، علما بأن هناك العديد من القوى المعاكسة و التحديات الأخرى التي تقف عقبة في آفاقه. في الحقيقة، إن الأمر الوحيد الواضح هو إستراتيجية السياسة الخارجية التي يتبعها.
طيلة السنتين الماضيتين، وبصفته ولي ولي العهد ووزير دفاع المملكة، ارتكب محمد بن سلمان سلسلة من الأخطاء الملكية في اليمن، وقطر، وإيران. ومن المحتمل أن وعوده سوف تتجاوز ما تستطيع المملكة العربية السعودية الوفاء به على جبهة السلام الإسرائيلية الفلسطينية.
وبعيدا عن ما يظهره من حنكة وخبرة سياسية، ثبُت أن ولي العهد محمد بن سلمان شخص متهور ومندفع، فضلا عن أنه لا يملك القدرة على الوصل بين التكتيكات والإستراتيجيات. وما يؤسف أكثر أنه تمكّن من توريط وسحب إدارة ترامب الجديدة إلى بعض مغامراته الفاشلة.
في الواقع، نحن لا نلوم ولي العهد على إقحام واشنطن في مخططاته ومشاريعه، فهذا يُعد تقريبا خطأ البيت الأبيض. وبالتالي، يبدو جليا أن الإدارة الأمريكية تتمتع بقدر من السذاجة التي جعلتها تعتقد أن كلا من الرياض والتحالف الخليجي عاملان مهمان في مساعدة الولايات المتحدة على تحقيق أهدافها الرئيسية الثلاثة في الشرق الأوسط التي تشمل؛ تدمير تنظيم الدولة، والتصدي لنفوذ إيران المتنامي في المنطقة، وتحقيق السلام العربي الإسرائيلي.
هل يستطيع السعوديون تجنب خوض المزيد من المغامرات الفاشلة؟ في هذه النقطة تجدر الإشارة إلى أن ولي العهد محمد بن سلمان يملك التأثير العكسي “للمسة ميداس”، إذ أنه قادر على تحويل كل مبادرة يقودها إلى فوضى عارمة
واستنادا إلى السلوك السعودي منذ وصول الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان إلى السلطة في سنة 2015، ليس من الواضح على الإطلاق أن الرياض يمكن أن تحقق أي من هذه الأهداف. فإذا لم تضع واشنطن بعض القواعد ولم تنأى بنفسها بعيدا عن المغامرات السعودية الفاشلة، فإنها ستجد صعوبة في تحقيق الأهداف التي وضعتها نصب عينيها. فيما يلي ثلاثة اعتبارات تحتاج إدارة ترامب إلى التفكير فيها قبل أن تصبح سياستها في الشرق الأوسط خاضعة بالكامل للمملكة العربية السعودية.
هل يستطيع السعوديون تجنب خوض المزيد من المغامرات الفاشلة؟ في هذه النقطة تجدر الإشارة إلى أن ولي العهد محمد بن سلمان يملك التأثير العكسي “للمسة ميداس”، إذ أنه قادر على تحويل كل مبادرة يقودها إلى فوضى عارمة.
فمن الناحية الأولى، قاد ولي العهد الحرب ضد المتمردين الحوثيين في اليمن. وفي ظل توجيهاته، شن السعوديون مع بعض حلفائهم العرب الخليجيين حملة جوية وحشية تسببت في كارثة إنسانية، ما أسفر عن مقتل الآلاف من المدنيين، وإلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية واستمرار تفاقم المجاعة اليمنية.
وبناء عليه، ظلت المملكة العربية السعودية عالقة في مستنقع الفشل، فعلى الرغم من شنّها حملة عسكرية ضخمة على اليمن إلا أنها فشلت في طرد الحوثيين وحلفائهم من العاصمة، والسيطرة على الجزء الشمالي من البلاد، فضلا عن أنها لا تملك إستراتيجية دبلوماسية واضحة تُمكنها من إنهاء الحرب اليمنية.
ومن خلال مساعدة السعوديين وتحريضهم، تمكنت الولايات المتحدة من تعزيز قوة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وتنمية النفوذ الإيراني في اليمن، فضلا عن تقويض الأمن السعودي، وجعل مصير اليمن على المحك. علاوة على ذلك، ألقى السعوديون بأنفسهم والولايات المتحدة في مستنقع عميق من الانتهاكات والأخطاء الفادحة.
بالإضافة إلى ذلك، تبدو بصمات الأمير السعودي واضحة في القرار الذي اتخذته المملكة مؤخرا، المتعلق بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر. وعلى غرار ما فعلته المملكة العربية السعودية في اليمن، فقد شجعت أيضا بعض حلفائها العرب السنة على تأييد قرارها ومساندتها.
يبدو واضحا أن ولي العهد لم يختلق هذا الصراع لمعاقبة قطر على تمويلها للإرهاب (نظرا لأن الكثير من السعوديين قد لعبوا دورا مهما في تمويل المتطرفين على مر السنين)، وإنما للتدخل في السياسة الخارجية المستقلة لدولة قطر، وخاصة لإنهاء دعمها لجماعة الإخوان المسلمين، وإجبارها على قطع علاقاتها مع إيران
من جانب آخر، وجّهت هذه الأزمة، التي تفاقمت بسبب دعم ترامب المفتوح للموقف السعودي، ضربة خطيرة للسياسة الدبلوماسية الأمريكية في الخليج. فقد كانت تأمل إدارة ترامب بناء تحالف عربي سنّي قوي وموحد يساعدها على تحقيق أهدافها في الشرق الأوسط؛ إلا أن الصراع، الذي لا داعي له والذي استأنفه السعوديون مع قطر، فند إمكانية تكوين هذا الائتلاف.
في الحقيقة، يبدو واضحا أن ولي العهد لم يختلق هذا الصراع لمعاقبة قطر على تمويلها للإرهاب (نظرا لأن الكثير من السعوديين قد لعبوا دورا مهما في تمويل المتطرفين على مر السنين)، وإنما للتدخل في السياسة الخارجية المستقلة لدولة قطر، وخاصة لإنهاء دعمها لجماعة الإخوان المسلمين، وإجبارها على قطع علاقاتها مع إيران.
ببساطة، يريد السعوديون تحويل دولة قطر إلى دولة خاضعة لهم، كما فعلوا مع البحرين، وذلك كجزء من خطتهم التي ترمي إلى فرض هيمنة المملكة العربية السعودية على الخليج العربي بأكمله. ويبدو أن طموح ولي العهد العظيم وشعوره المفرط بالوطنية قد وضع المملكة على مسار تصادمي مع إيران والولايات المتحدة، التي بفضل دعمها غير النقدي للمملكة العربية السعودية، وموقفها المعادي لإيران، يمكن أن تنجذب بسهولة إلى دوامة هذا الصراع.
وفي شأن ذي صلة، زادت الخطابات اللاذعة لولي العهد الجديد وموقفه الثابت تجاه طهران من تعمق الصراع الطائفي الذي يمزق المنطقة. في الواقع، يبدو قرار إدارة ترامب بشأن دعم السعودية في صراعها مع قطر وفي اليمن شبيها بتأجيج نار الفتنة، التي يجب على واشنطن أن تفعل كل ما في وسعها لإخماد لهيبها بدلا من ذلك.
عند هذه المرحلة لسائل أن يسأل، هل بإمكان المملكة العربية السعودية الالتزام بمسار عملية السلام؟ مما لا شك فيه أن التهديدات المزدوجة لإيران والجماعات المتطرفة السنية، على غرار تنظيم الدولة والقاعدة، فضلا عن الإجهاد العربي جراء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي اللامتناهي، قد تسبب في خلق توافق أكبر للمصالح بين دول الخليج وإسرائيل أكثر من أي وقت مضى.
من جانب آخر، يتمثل السؤال الذي لا زال يفتقد للإجابة في ما إذا كان التوافق الجديد قابلا للتحول إلى عملة جاهزة للاستخدام في إطار تسهيل ودعم المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، التي ستؤدي بدورها إلى مطلب ترامب المنشود بشأن “الصفقة النهائية”. من جهتهم، يبدو السعوديون على أهبة الاستعداد للقيام بأكثر مما قاموا به في الماضي لا سيما فيما يتعلق بحقوق تحليق الطائرات الإسرائيلية في المجال الجوي السعودي، ومجال الاتصالات والتواصل التجاري مع إسرائيل.
في المقابل، لن يتحقق ما ذُكر آنفا إلا في حال كانت واشنطن مستعدة للقيام بدورها، حيث لا مكان للمصالح التي تتحقق دون بذل مجهود. أما وجهة نظر السعوديين، فإن العربون الذي يجب دفعه من قبل الولايات المتحد، ينطوي على إبداء إدارة ترامب رغبتها في تكثيف جهودها ليس لاحتواء النفوذ الإيراني في المنطقة فحسب، بل الحد منه (وهو ما نعتقد أنه غير واقعي ومضر نسبيا بالولايات المتحدة). فضلا عن ذلك، لا بد أن تبذل واشنطن جهودها للضغط على الإسرائيليين بهدف تقديم تنازلات، كبيرة و صغيرة على حد سواء، نيابة عن الفلسطينيين.
من جهة أخرى، قد يكون السعوديون على استعداد للبدء في تقديم تنازلات صغيرة تهدف إلى بناء جسور الثقة مع الإسرائيليين. وفي حال بحث فريق ترامب عن خطوات كبرى من الجانب السعودي، كإقامة علاقات دبلوماسية على سبيل المثال، فستكون الإدارة الأمريكية حينها في حاجة إلى تسليم القدس للإسرائيليين وحدود حزيران/يونيو 1967. في الأثناء، تبدو هذه الخطوة بمثابة مهمة مستحيلة بالنسبة لحكومة بنيامين نتانياهو.
يضطلع محمد بن سلمان بقيادة الجزء الأكبر من هذه المخاطر المتهورة، حيث قام باستدراج الولايات المتحدة إلى خلافاته المحلية. وبالتالي، خلق ولي العهد خطرا محدقا من خلال زيادة إمكانية اندلاع مواجهة أمريكية-إيرانية مباشرة
عموما، يلوح خطر حقيقي في الأفق فيما يتعلق بتوقعات الإدارة الأمريكية غير الواقعية والمبالغ فيها بشأن ما يستطيع السعوديون القيام به. من هذا المنطلق، لن تعرّض الرياض نفسها لانتقادات إيران والعالم العربي حول قضية القدس ما لم يتم الوفاء بالمتطلبات الفلسطينية والعربية، كما لن تكون هناك صفقة نهائية من دون تسليم إسرائيل للقدس.
هل بإمكان الولايات المتحدة سحب البساط من تحت السعوديين ووضع عدة قواعد؟ في الحقيقة، يبدو من الواضح أن ترامب مفتون بالسعوديين، حيث جمعته بهم علاقات تجارية على امتداد سنوات، كما أنه لم يتردد في إطرائهم خلال الزيارة التي أداها للمملكة مؤخرا. علاوة على ذلك، يعتبر ترامب السعودية بمثابة المفتاح لتحقيق أهداف السياسة الأمريكية في المنطقة عبر غض الطرف عن مسألة حقوق الإنسان، ومنحها حرية واسعة لمتابعة تنفيذ أجندتها المناهضة لإيران دون الأخذ بعين الاعتبار المصالح الأمريكية.
وفي هذا الإطار، يضطلع محمد بن سلمان بقيادة الجزء الأكبر من هذه المخاطر المتهورة، حيث قام باستدراج الولايات المتحدة إلى خلافاته المحلية. وبالتالي، خلق ولي العهد خطرا محدقا من خلال زيادة إمكانية اندلاع مواجهة أمريكية-إيرانية مباشرة، التي بإمكانها تقويض الاتفاق النووي في الوقت الذي تواجه فيه الولايات المتحدة تحديا نوويا أكثر خطورة من قبل كوريا الشمالية.
اجتماع بين الأمير محمد بن سلمان ودونالد ترامب في المكتب البيضاوي، خلال شهر آذار/مارس الماضي
وفقا للمعطيات السابقة، حان الوقت لتقوم إدارة ترامب برسم بعض الخطوط الحمراء مع الرياض نظرا لامتلاك واشنطن نفوذا بالإمكان ممارسته على السعوديين الذين لا يزالون يعتمدون بشكل كبير على الدعم العسكري والاستخباراتي الأمريكي لضمان أمنهم. أما في اليمن، ينبغي على واشنطن تقديم إشعار إلى الرياض بضرورة تقديمها الدعم غير المشروط للجهود التي ترعاها الأمم المتحدة كوسيط بغية وضع حد للنزاع عن طريق التفاوض.
وإذا ما امتنعت الرياض عن ذلك، فستُقدم واشنطن على قطع الدعم العسكري والاستخباراتي واللوجستي الذي تقدمه للسعودية وقوات التحالف. وفيما يتعلق بالأزمة القطرية، لا بد للبيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية من التدخل مباشرة مع السعودية (والإمارات العربية المتحدة) للضغط على كلتا الدولتين من أجل جعل المطالب المتطرفة التي قدمتها لقطر أكثر اعتدالا لإنهاء النزاع القائم بينها.
أما في الملف الإيراني، يجب على الرئيس ترامب اتباع نهج سلفه باراك أوباما نوعا ما، حتى وإن شكل ذلك مصدر ألم بالنسبة له. وبدلا من الانخراط في الخطابات التي تأجج من الصراع، لا بد أن توضح الولايات المتحدة للسعودية أن الدعم الأمريكي لمؤسستها العسكرية والأمنية ترافقه شروط، كما أنها ستعوّل إلى حد ما على الجهود السعودية للتخفيف من حدة خلافاتها مع إيران.
في حال لم نقم بوضع بعض القواعد الأساسية والالتزام بها حين يتراجع السعوديون إلى الخلف، ستغرق واشنطن أكثر في جدول الأعمال ضيق الأفق للقوة الصغيرة التي لا تلتقي مصالحها بمصالحنا بشكل تام
في المقابل، لسنا على يقين تام من أن البيت الأبيض مستعد للقيام بأي من هذه الخطوات. وعلى امتداد سنوات عديدة خلال فترة عملنا الطويلة في وزارة الخارجية، كان كلانا ينتقد، ضمن مذكرات متتابعة، الاعتماد غير الصحي للمملكة العربية السعودية على الولايات المتحدة من أجل حل مشاكلها الأمنية الخاصة، وفشلها في عكس نفوذها لوضع حد ا لكم التهديدات الأمنية الإقليمية.
علاوة على ذلك، كنا قد أعربنا عن أسفنا إزاء نفور المملكة المزمن من المخاطرة في صنع السلام العربي الإسرائيلي. أما الآن، وبعد حصولنا على ما كنا نتمناه، والمتمثل في مملكة عربية سعودية أكثر استقلالا وحزما، فربما تستطيع واشنطن توجيه بعض الاستعدادات السعودية الجديدة للمخاطر بطريقة تفيد السياسة الأمريكية.
خلافا لذلك، وفي حال لم نقم بوضع بعض القواعد الأساسية والالتزام بها حين يتراجع السعوديون إلى الخلف، ستغرق واشنطن أكثر في جدول الأعمال ضيق الأفق للقوة الصغيرة التي لا تلتقي مصالحها بمصالحنا بشكل تام. ومن السيئ بما فيه الكفاية أن يقع استخدامنا واستغلالنا من قبل خصومنا، خاصة روسيا وإيران، والأسوأ من ذلك ابتزازنا من طرف من أصدقائنا.
المصدر: بوليتيكو