منذ بدء الربيع العربي أصبح لدول الخليج حضور كبير في الفراغ الذي أحدثه الربيع العربي، وقد اشتعل التنافس بين الإمارات والسعودية من جهة وقطر من جهة أخرى، حيث دعمت هذه الدول أطرافًا مضادة للثورة في مقابل دعم قطر للقوى الثورية.
يمكن القول إن هناك 3 دول فاعلة في منطقة الخليج العربي هي السعودية وقطر والإمارات، حيث استخدمت هذه الدول ثرواتها وإمكانياتها لتنفيذ سياستها الخارجية في المنطقة، وفي مقابل مبادرة قطر بدعم الثورات العربية ومساندة الشعوب العربية التي بدأت الثورات، دعمت الإمارات والسعودية القوى المضادة.
حيث أصبح لدول الخليج الثلاثة دور كبير في التأثير على المشهد السياسي العربي من تونس إلى اليمن، وبدا كأن السعودية والإمارات والبحرين يتحركون بشكل واحد مقابل قطر، حيث استضافت السعودية الرئيس التونسي المعزول زين العابدين بن علي واستقبلت أبوظبي الفريق المصري أحمد شفيق وحاولت الإمارات إحباط نجاح جماعة الإخوان المسلمين في مصر وتونس واليمن.
استطاعت الإمارات مع قدوم الربيع العربي أن تجعل عداء الرياض للحركات الإسلامية وللقوى والدول الداعمة للتغيير، أولوية متقدمة على التنافس مع إيران
أما دول الخليج الأخرى فقد كانت البحرين تابعة للسياسة السعودية، والكويت وعمان كان حضورهما أقل بكثير وأقرب للحياد، حيث استطاعت الإمارات مع قدوم الربيع العربي أن تجعل عداء الرياض للحركات الإسلامية وللقوى والدول الداعمة للتغيير أولوية متقدمة على التنافس مع إيران.
من المعروف أن النظام في السعودية كان دائمًا يضع إيران كأولوية في قائمة التهديدات، لكن مع قدوم الربيع العربي وفي عهد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز حدث تبدل في أولويات الرياض حيث ركزت على مواجهة الربيع العربي والحركات الإسلامية، ورغم حضور السعودية في اليمن وسوريا حيث الوجود الإيراني هناك، فالسعودية تحديدًا قامت ببذل جهد كبير في مساندة نظام الانقلاب في مصر ومساعدته في الوقوف على قدميه، وقد دعم الطرفان معًا نظام الانقلاب في مصر وظهر أن هناك توزيع للأدوار بين الإمارات والسعودية حسب الاهتمامات.
ولم تغب الإمارات عن جميع هذه الساحات، حيث كان لها نشاط كبير أيضًا في كل من تونس وليبيا، ومع قدوم الملك سلمان إلى العرش كان متوقعًا أن تعود إيران إلى صدارة قائمة التهديدات خاصة مع بدء الحملة على الحوثيين في اليمن التي شاركت فيها كل من قطر والإمارات، ولكن الهجمة الأخيرة على قطر من السعودية والإمارات والبحرين والعلاقات القوية بين ولي عهد الإمارات محمد بن زايد وولي عهد السعودية الجديد محمد بن سلمان تظهر تأثيرًا واضحًا من الإمارات على السعودية.
يوجد قناعة لدى السعودية والإمارات بأن الدعم القطري للقوى الثورية في المنطقة والتي من بينها جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس يشكل عائقًا كبيرًا أمام هذه الدول ويتعارض مع سياستها ويبقي هذه الحركات واقفة على قدميها وبالتالي قررت هذه الدول ممارسة تأثيرها على قطر
حاولت كل من السعودية والإمارات في 2014 ممارسة تأثير على قطر من خلال قطع العلاقات الدبلوماسية معها وإجبارها على وقف دعمها لمسيرة التغيير في المنطقة العربية بحجة التدخل في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون الخليجي، ولكن قطر لم تتجاوب مع مطالب هذه الدول واستطاعت من خلال الطرق الدبلوماسية بعد 8 شهور من الأزمة التي بدأت في مارس 2014 وبوساطة كويتية من حل الأزمة وعاد السفراء الخليجيون الثلاث إلى الدوحة.
إدارة أوباما لعبت دورًا في تخفيف الخلاف بين هذه الدول انطلاقًا من رؤية إدارة أوباما أن هذه الدول كلها حليفة لواشنطن ولا بد ألا يحدث بينها خلافات.
وقد حاولت الدوحة بعد ذلك تبني مسار تقاربي مع السعودية من خلال المشاركة في حملة التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن في مارس 2015، كما أبدت مرونة أكثر في التعامل مع النظام المصري.
لكن العلاقات بين قطر والسعودية والإمارات لم تتحسن كثيرًا حيث لم تنفتح قطر على نظام عبد الفتاح السيسي تمامًا، وبقيت قناة الجزيرة الفضائية تمارس الانتقاد لنظام الانقلاب في مصر ولمليشيات حليفة حفتر المدعومة من الإمارات في ليبيا، كما استمر الدعم القطري للكثير من النشطاء العرب المؤيدين للربيع العربي مثل عزمي بشارة ويوسف القرضاوي وخالد مشعل وغيرهم.
كما وثقت قطر خلال السنوات الثلاثة الماضية علاقاتها مع تركيا بشكل كبير وفتحت قاعدة تركية عسكرية على أراضيها، مما أبقى عوامل التوتر موجودة بين قطر وهذه البلدان، وجعل هذه الدول تتنتظر الفرصة لإعادة ممارسة التأثير والتهديد لقطر مرة أخرى.
وفرت زيارة ترامب الأخيرة إلى الرياض وتل أبيب وعقده لصفقة تاريخية مع السعودية فرصة لكل من السعودية والإمارات لأخذ الضوء الأخضر لمعاودة التأثير مرة أخرى على قطر
بعد أيام قليلة من زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الرياض وترتيبه لصفقة أسلحة بقيمة 400 مليار دولار أمريكي وزيارته بعدها لتل أبيب وحديثه عن تطبيع إقليمي بين “إسرائيل” والدول السنية، بدا واضحًا أن هذه الدول استغلت زخم هذه الزيارة في معاودة الكرة وتهديد قطر من أجل إجبارها على تغيير سلوك سياستها الخارجية وبطريقة أكبر من التي حدثت في 2014.
حيث قطعت هذه الدول علاقاتها مع قطر في 5 من يونيو 2017 وانضمت إليها مجموعة من الدول على رأسها مصر، وبدا الأمر أشبه بمحاولة فرض وصاية على قطر، حيث إن الأسباب التي ادعتها كل من السعودية والإمارات كانت متعلقة بدعم قطر لحركات إرهابية واستمرار العلاقات الدبلوماسية مع إيران وقد نفت قطر دعمها للإرهاب كما أن الإمارات نفسها تمتلك علاقات تجارية مع طهران ومصر تمتلك علاقات دبلوماسية مع طهران.
ولم تنجح الوساطة الكويتيىة أو الجهود التركية في دعوة السعودية والإمارات لحل الخلاف بالحوار وقد قدمت هذه الدول المقاطعة لقطر مجموعة من المطالب طلبت تنفيذها خلال مهلة مدتها 10 أيام، مما يشير إلى أن هذه الدول لا ترغب في حل الخلاف مع قطر، حيث جاء ضمن قائمة هذه المطالب إغلاق قناة الجزيرة وقطع العلاقات مع إيران وإغلاق القاعدة العسكرية التركية في الدوحة وهي مطالب غير منطقية وتعتبر تدخلاً مباشرًا في الشؤون الداخلية لقطر وفي علاقاتها مع الدول الأخرى.
قد تبدو العلاقات بين الإمارات والسعودية كتحالف قوي، لكن هذا الأمر ليس دقيقًا/ حيث توجد العديد من الخلافات بين البلدين
ستبذل هذه الدول قصارى جهدها في محاولة إخضاع قطر، خاصة أن فشل السعودية والإمارات في اليمن إذا تلاه فشل في إخضاع قطر فمن المرجح أن تكون هذه نقطة تحول في صعود كل من السعودية الإمارات، وسيشكل عائقًا كبيرًا أمام الطموحات الإقليمية لكل من محمد بن سلمان ومحمد بن زايد.
قد تبدو العلاقات بين الإمارات والسعودية كتحالف قوي، لكن هذا الأمر ليس دقيقًا، حيث يوجد العديد من الخلافات بين البلدين، فتوجد عدة خلافات تاريخية منها الخلاف على الحدود، حيث حاولت الإمارات قبل عام 1972 ضم كل من قطر والبحرين ولكن لم تستطع تحقيق ذلك بسبب الرفض السعودي، كما اعترضت السعودية في 2005 على إنشاء جسر بحري بين الإمارات وقطر، والحدود البحرية بين البلدين ما زال مختلفًا عليها.
ومن الخلافات أيضًا العلاقات بين الإمارات وإيران، حيث إن الإمارات أصبحت في 2010 ثاني أكبر شريك تجاري لإيران، ويشكل الإيرانيون 17% من سكان دبي ويمتلكون 15% من عقاراتها ويوجد شكوك بشأن مدى جدية الإمارات في الدخول في أي مواجهة سعودية مع إيران، خاصة أن الإمارات تبنت أسلوب الحوار مع إيران لعدة عقود بخصوص الجزر الأماراتية المحتلة من إيران.
كما يوجد بعض الخلافات تجاه أولويات العمل في اليمن وعلاقة الإمارات مع الرئس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح وأبنائه وملف تقسيم اليمن.
لم تظهر نتائج الأزمة بين قطر والدول الخليجية، ورغم أن قطر ما زالت تبدي إمكانية للصمود وعدم الرضوخ لمطالب هذه الدول، فمن المرجح أن توسع هذه الدول نطاق الحصار والتأثير على المصالح القطرية، وفيما لا يزال خيار التدخل العسكري ضد قطر مستبعدًا، فإن الأزمة متوقع أن تطول مقارنة بأزمة 2014 التي استمرت 8 شهور، ويعد التدخل الأمريكي المخرج الأكثر منطقية لحل الأزمة ولكن هذا المخرج محمل بالتناقضات.