في إطار التفاهمات السياسية والأمنية التي جرت بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والمسؤولين المصريين بعد زيارة القاهرة الأخيرة، شرعت وزارة الداخلية في غزة بأولى خطوات “بناء الثقة” بإقامة منطقة أمنية عازلة على طول الخط الحدودي الفاصل مع مصر بعمق 100 متر.
المنطقة الأمنية العازلة التي جاءت كلها داخل حدود غزة وتمتد بطول 12 كيلومترًا وتأكل مساحة كبيرة من القطاع، هي جزء من خطوات تحسين العلاقات بين حماس ومصر ونتائج لقاءات القاهرة، ولكنها في نفس الوقت تفتح باب التساؤل واسعًا وتضع علامات استفهام بشأن أهمية وفعالية المنطقة العسكرية من الناحية الأمنية، ولماذا تدفع غزة من مساحتها ثمنًا لتلك التفاهمات السياسية والأمنية؟!
وشرعت الأربعاء الماضي (28-6) الجرافات وآليات وزارة الداخلية بغزة بأعمال تسوية الأرض على طول الخط الحدودي مع مصر، وبحسب مصدر أمني فلسطيني فإنه سيتم إزالة البيوت المقامة مباشرة على الحدود وتعويض أصحابها والحدود ستكون عبارة عن جدار أسمنتي تعلوه أسلاك شائكة ومزودة بكاميرات وأبراج مراقبة عسكرية.
خطوة أمنية لأهداف سياسية
وكان القيادي في حركة حماس محمود الزهار، قد أزال الشكوك عما يحكى عن اتفاق بين قيادة الحركة والسلطات المصرية والقيادي الأمني المطرود من حركة فتح محمد دحلان، فأكد وجود اتفاق بالفعل، وذلك خلال برنامج على قناة الجزيرة يوم الأربعاء.
وقال الزهار إن اتفاق القاهرة مع السلطات المصرية ودحلان ينصّ على تفعيل المجلس التشريعي وإدخال الوقود والدواء إلى غزة، كاشفًا أن السلطات المصرية تجري حاليًا إصلاحات على معبر رفح البري، لدخول الأفراد والبضائع، “ومن المتوقع أن تنتهي عمليات الصيانة قبل عيد الأضحى” على حد تعبيره.
وطمأن إلى أن حماس لا تسمح بأي حالة أمنية في غزة تضر بالمقاومة الفلسطينية، لافتًا إلى أنه بالإمكان أن نبدأ بالتبادل التجاري مع مصر بمليار دولار ويمكن أن يصل حجم التبادل إلى 7 مليارات.
ويؤكد وكيل وزارة الداخلية في غزة، توفيق أبو نعيم، الذي كان أحد المحاورين للسلطات المصرية في زيارة الوفد الأخير للقاهرة، أن هذه الإجراءات تأتي في سياق نتائج الزيارة الأخيرة للوفد الأمني لجمهورية مصر والتفاهمات التي تمت في هذا الإطار خلال الشهر الحالي.
ويلفت إلى أن إجراءات ضبط الحدود ستستمر حتى تحقيق السيطرة التامة على الحدود الجنوبية مع مصر، ومنع التسلل والتهريب بشكل كامل، ولم يغفل المسؤول الأمني البارز في حماس توجيه رسائل طمأنة للسلطات المصرية بقوله: “الأمن القومي المصري أمن قومي فلسطيني”، وفق تعبيره.
العقيد علي مسلاتي قائد لواء الجنوب في الأمن الوطني بقطاع غزة، شرح التفاصيل الدقيقة للمنطقة العسكرية المغلقة التي يجري تجهيزها على طول الشريط الحدودي مع مصر، وآلية العمل فيها وأهميتها الأمنية.
وقال: “إنشاء المنطقة الأمنية جاء بناءً على نتائج اللقاءات التي جرت بين وفد حركة حماس والمسؤولين المصريين في القاهرة قبل أسابيع، وداخلية غزة شرعت فعليًا في تنفيذ هذه المنطقة وخلال فترة قليلة سيتم الانتهاء منها بشكل كامل”.
وأضاف: “المنطقة العازلة تمتد بطول اثني عشر كيلومترًا وبعرض مئة متر داخل الأراضي الفلسطينية، وسيتم بعد تعبيد الطريق في الجانب الفلسطيني من الحدود تركيب نظام كاميرات وبناء أبراج مراقبة عسكرية وإنارة دائمة لتكون تحت المراقبة على مدار الساعة”.
وأوضح العقيد مسلاتي أن المنطقة العازلة ستصبح منطقة عسكرية مغلقة ومكشوفة وذلك من أجل تسهيل مراقبة الحدود ومنع تهريب المخدرات وتسلل المطلوبين، مشيرًا إلى أن المنطقة العازلة تحمل أهمية أمنية كبيرة للجانبين الفلسطيني والمصري لمراقبة الحدود بشكل أدق ودائم.
وبحسب حركة حماس فإن هذه الإجراءات تأتي في سياق نتائج الزيارة الأخيرة لوفد الحركة الأمني لمصر والتفاهمات التي تمت في هذا الإطار، وقال توفيق أبو نعيم، وكيل وزارة الداخلية بغزة خلال بدء عملية إنشاء المنطقة الحدودية (28-6): “الأمن القومي المصري أمن قومي فلسطيني، ولا يمكن أن نسمح بأي تهديد للحالة الأمنية المستقرة على الحدود”.
كانت السلطات المصرية سمحت، الأسبوع الماضي، بتوريد نحو مليون ومئتي ألف لتر من السولار الخاص بمحطة توليد الكهرباء المتوقفة منذ شهر أبريل الماضي، فيما وعدت مصر، حماس بتخفيف المعاناة الإنسانية عن قطاع غزة؛ عبر فتح معبر رفح بشكل منتظم
والتقى وفد قيادي وأمني برئاسة يحيى السنوار قائد حركة حماس في القطاع مدير المخابرات المصرية قبل عدة أسابيع خلال زيارة للقاهرة استمرت تسعة أيام، وتوصلا إلى تفاهمات عن الأوضاع المعيشية والإنسانية والأمنية والحدود.
وكانت السلطات المصرية سمحت، الأسبوع الماضي، بتوريد نحو مليون ومئتي ألف لتر من السولار الخاص بمحطة توليد الكهرباء المتوقفة منذ شهر أبريل الماضي، فيما وعدت مصر، حماس بتخفيف المعاناة الإنسانية عن قطاع غزة عبر فتح معبر رفح بشكل منتظم، ووعدت أيضًا بفتح معبر تجاري لتسهيل الحركة التجارية من وإلى القطاع، بحسب خليل الحية القيادي في حركة حماس، بغزة.
لماذا الآن؟
يقول الكاتب الصحفي المصري أشرف أبو الهول: “إقامة منطقة عازلة داخل قطاع غزة كان حلمًا بالنسبة للدولة المصرية، وقد تحقق أخيرًا”، معتبرًا قرار حماس بأنه “خطوة متقدمة”.
ويشير أبو الهول خلال لقاء سابق له ببرنامج “ساعة من مصر” على فضائية “الغد” الإخبارية، أن تفكير حركة حماس في إقامة منطقة عازلة داخل القطاع كان أمرًا مستبعدًا، موضحًا أن الفترة الأخيرة شهدت استجابة من قبل حماس للمطالب المصرية بضبط الحدود وملاحقة العناصر “الإرهابية” داخل سيناء، لافتًا إلى أن مسألة إقامة منطقة عازلة داخل قطاع غزة كانت الأهم والأصعب.
يُذكر أن موقف حركة حماس كان رافضًا لإنشاء هذه المنطقة، وقد قيل ذلك على لسان أسامة حمدان مسؤول العلاقات الخارجية في الحركة، في وقت سابق، بأن حماس ترفض أي منطقة عازلة، والحديث عن إقامة منطقة عازلة بين مصر وقطاع غزة يكرس الحصار على القطاع، في وقت يتوجب فيه العمل على إنهاء هذا الحصار.
المنطقة العازلة نتاج لتفاهمات جادة وإيجابية جرت بين حركة حماس ومصر، وسبقها خطوات بإدخال الوقود لغزة والحديث عن فتح معبر رفح بصورة دائمة ومنتظمة، إضافة لخطوات سياسية لاحقة
وهنا يؤكد المحلل السياسي الفلسطيني أكرم عطا الله، إلى أن موافقة حركة حماس على إنشاء المنطقة الأمنية العازلة جاء بعد حصولها على ضمانات وتعهدات “جدية” من الجانب المصري في خطوات تخفيف الحصار المفروض على قطاع غزة.
وأوضح عطا الله، أن المنطقة العازلة نتاج لتفاهمات جادة وإيجابية جرت بين حركة حماس ومصر، وسبقها خطوات بإدخال الوقود لغزة والحديث عن فتح معبر رفح بصورة دائمة ومنتظمة، إضافة لخطوات سياسية لاحقة.
وأشار أن حماس تعي جيدًا طبيعة المرحلة المقبلة وخاصة في علاقتها مع مصر في ظل الخطوات التصعيدية التي يقوم بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس ضد قطاع غزة، مؤكدًا أن المنطقة الأمنية مصلحة فلسطينية ومصرية وخطوة لكسب الثقة ستكون لها ردود فعل إيجابية مقبلة بين الطرفين.
فيما يرى المحلل السياسي حسام الدجني، أن هذه الخطوة تصب في مصلحة غزة والقاهرة، إذ إنها تضبط عملية تهريب المخدرات والمواد الممنوعة إلى غزة بالإضافة إلى ضبط الحركة التجارية وضبط أي تهريب لمن يحملون الفكر المتشدد باتجاه القاهرة وهنا المصلحة مزدوجة.
وبالتوازي مع تحركات حماس في غزة، أنشأت مصر منطقة عازلة في الجانب الآخر للحدود، وهذه المنطقة ستكون بعمق 500 متر وبطول 14 كيلومترًا، وبدأت عملية الإخلاء وتعويض المتضررين المقيمين في المنطقة الحدودية برفح إلى داخل سيناء، ونشر المزيد من الأكمنة الثابتة والمتحركة للجيش والشرطة، ودعمها بأسلحة متطورة، وتكثيف طلعات الطيران للتمشيط المستمر للمناطق الحدودية ومناطق سيناء كافة.
خطوة تكتيكية
الكاتب الإسرائيلي في صحيفة “معاريف” أليئور أكرمان، قال: “قرار حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بإقامة منطقة عازلة على الحدود بين غزة ومصر لا يغير شيئًا من استراتيجية الحركة”، معتبرًا أنها خطوة تكتيكية منها تهدف لتضليل أعدائها من الجنوب والشمال، على حد قوله.
وأضاف أكرمان وهو مسؤول سابق في جهاز الأمن العام (الشاباك)، أن الهدف المصري من إقامة المنطقة العازلة ممارسة الضغوط على حماس لإغلاق أي ثغرة أمنية يمكن من خلالها دخول مسلحين بين غزة وسيناء، لأن ما يهم مصر اليوم هو ماذا تفعل المنظمات المسلحة في سيناء، وليس ماذا تفعل حماس في غزة، على حد قوله.
ورأى الكاتب أن حماس تبدو مضطرة للقيام بهذه الخطوة تجاه مصر، لأنها تعيش أزمة خانقة عقب العقوبات التي تقوم بها السلطة الفلسطينية ضدها في غزة، مما دفع قادة حماس للاستجابة للمطالب المصرية بإغلاق أنفاق التهريب مقابل التزود بالطعام والكهرباء، وفق تعبيره.
من جهة أخرى يرى يوني بن مناحيم الخبير الإسرائيلي بالشؤون العربية في مقاله بموقع “نيوز ون” أن الخطوات الأخيرة من حماس على الحدود بين غزة وسيناء تعد ترجمة لما وصفها تبادل مصالح مع مصر، مع أن إقامة هذه المنطقة العازلة كانت قبل أشهر معدودة فقط مجرد حلم بعيد المنال لن يتحقق لدى حماس في غزة
وأوضح أكرمان أنه لا يجب النظر للتفاهمات المصرية مع حماس على أنها مرحلة استراتيجية في علاقتهما، لأن قيام حماس ببعض الخطوات الميدانية على الحدود ليس سوى إجراءات اضطرارية للحفاظ على وجودها، على حد قوله.
من جهة أخرى يرى يوني بن مناحيم الخبير الإسرائيلي بالشؤون العربية في مقاله بموقع “نيوز ون” أن الخطوات الأخيرة من حماس على الحدود بين غزة وسيناء تعد ترجمة لما وصفها تبادل مصالح مع مصر، مع أن إقامة هذه المنطقة العازلة كانت قبل أشهر معدودة فقط مجرد حلم بعيد المنال لن يتحقق لدى حماس في غزة.
وأضاف أن التقارب الحاصل بين حماس ومصر حصل مباشرة عقب جملة من التطورات الداخلية والخارجية، أهمها انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، إلى جانب العقوبات التي بدأت تفرضها السلطة الفلسطينية على غزة، فضلاً عن انتخاب يحيى السنوار رئيسًا للمكتب السياسي لحماس في غزة.
وأوضح الخبير الإسرائيلي أن الاتفاق الجديد بين حماس ومصر يحقق لهما مصالح أمنية واقتصادية متبادلة، لكن الأمر منوط بالواقع على الأرض، فإقامة المنطقة الأمنية العازلة ستبقى خطوة إعلامية، والاختبار الحقيقي سيكون على الميدان، مما سيجعل حماس عرضة لأي عقوبة قاسية من نظام عبد الفتاح السيسي إن أخلت بالاتفاق معها، وفق تقديره.