ترجمة وتحرير: نون بوست
دمرت القنابل الأمريكية المقر الرئيسي لتنظيم الدولة في مدينة الطبقة التي تمثل البوابة الغربية لمدينة الرقة، وسقط صرح التنظيم تماما مثلما تتهاوى قصور الرمال. ولم يتبق في محيط سد الطبقة على نهر الفرات، حيث كان تنظيم الدولة يعذب المساجين ويرمي المتهمين بالشذوذ الجنسي من أعالي البنايات، سوى بعض الشعارات التي خطها المتطرفون على الجدران وبقايا حطام.
من السابق لأوانه أن نجزم بأن الحياة ستعود إلى طبيعتها في مدينة الطبقة بعد تحريرها، ولكن أجواء الرعب قد انتهت على الأقل بالنسبة للمواطنين. فقد تم إزالة كل الألغام والمتفجرات محلية الصنع خلال الأسبوع الماضي، في حين جسد الأطفال بأيديهم علامة النصر، واختفت تقريبا كل المظاهر المرتبطة بوجود التنظيم على غرار اللحى التي كانت تغزو وجوه الأشخاص هناك. وخلال يوم الخميس، حل المبعوث الأمريكي الخاص بريت ماكغيرك، رفقة عناصر من قوات العمليات الخاصة الأمريكية بالمدينة لمعاينة الوضع.
أمام أكوام الركام، أورد أحمد الأحمد، مساعد الرئيس الجديد للمجلس المدني في الطبقة، أن المكان أصبح بمثابة “مدينة للأشباح”، فقد دمرت قرابة 40 بالمائة من بناياتها. فضلا عن ذلك، تم الإضرار بشكل كبير بأنظمة توزيع المياه والكهرباء في حين سوت المدارس بالأرض. وفي الأثناء، يحاول الأطفال الصغار الذين تشبعوا بفكر تنظيم الدولة في المعسكرات التدريبية التابعة له أن يجدوا توازنهم في عالم جديد، اندثرت فيه كل جرائم قطع الرؤوس في حين تم التخلص من كل شعارات التنظيم. حين تتأمل في وجوه المواطنين الوجلة، الذين يملأ عيونهم الأمل، تشعر وكأنهم استيقظوا لتوهم من كابوس رهيب.
من ناحية أخرى، يجتمع المجلس البلدي المشكل حديثا بإشراف من القوات الكردية التي حررت المدينة والتي ما فتئت تلقى تعاونا ودعما من قبل السكان المحليين العرب. في الوقت ذاته، تنشط في المدينة شرطة محلية تعنى بحراسة الشوارع والطرقات، وعادة ما تقوم بإطلاق أعيرة نارية تحذيرية. والجدير بالذكر أن أول شحنة من المواد الغذائية الأمريكية قد وصلت يوم الأربعاء إلى مستودع كبير بالقرب من وسط المدينة. وتتمثل هذه الشحنة في أكياس من الدقيق والأرز مكدسة على منصات تحميل ومجهزة ليتم توزيعها. وفي هذا الصدد، أفاد أحد منسقي الإغاثة الأممية: “من المرتقب أن يصل مثل هذه الشحنات خلال الأسبوع القادم”.
لا شيء ثابت في هذه البلاد المحطمة، لكن بعض المؤشرات الإيجابية توحي بأن الأمور على وشك اتخاذ منحى مغاير تماما. وفي ظل اندلاع معركة الرقة، تمثل مدينة الطبقة أفضل تجسيد لما سيحدث هناك خلال الأيام القادمة
في الجهة المقابلة من المستودع، اجتمع مجموعة من الشباب الحانق وقد كانت علامات الغضب بادية على محياهم. من جانبهم، لم يكن مستشارو الجيش الأمريكي متيقنين ما إذا كان من الآمن الحديث معهم. وفي الأثناء، توجه العديد من هؤلاء الشبان نحو صحفيين جاءا لزيارة المكان بغية اخبارهما بما يعانونه. وقد تولى عبد القادر خليل، البالغ من العمر 22 سنة، الذي كان يرتدي سترة زرقاء من النايلون، الحديث باسم المجموعة. وتذمر خليل من نقص الطعام والماء والغاز والخبز وانعدام الوظائف. ولكنه أكد عزمهم على طرد تنظيم الدولة في حال أقدم على العودة من جديد إلى المدينة.
وفي هذا الصدد، أورد خليل، أنه “من غير الممكن أن نسمح بدخول التنظيم للمدينة من جديد، من المستحيل أن نتمكن من مباشرة حياتنا إذا عادوا، سيقتلوننا جميعا”. وكان الرجل الذي يقف بجواره يومئ برأسه مؤكدا ما قاله خليل. في واقع الأمر، لا شيء ثابت في هذه البلاد المحطمة، لكن بعض المؤشرات الإيجابية توحي بأن الأمور على وشك اتخاذ منحى مغاير تماما. وفي ظل اندلاع معركة الرقة، تمثل مدينة الطبقة أفضل تجسيد لما سيحدث هناك خلال الأيام القادمة.
من المتوقع أن تتلاشى فقاعة الخلافة السوداء لتنظيم الدولة في كل من سوريا والعراق. وخلال السنوات القادمة، ستشهد المنطقة معارك محتدمة بين التنظيم وبقية الأطراف. ولكن المفاجأة بالنسبة للإدارة الأمريكية أن المعركة في شرقي سوريا تتقدم بنسق متسارع، أسرع مما هو متوقع. ولعل أبرز دليل على ذلك، الخاتم الذي قدمته القيادات الكردية لماكغيرك. ويعود هذا الخاتم إلى أمير تنظيم الدولة الذي استخدمه في ختم أوامر قتل سكان الطبقة. والجدير بالذكر أن هذا الأمير قد فجر نفسه عندما حوصر في مقره في أيار/ مايو، مخلفا وراءه خاتمه.
من ناحية أخرى، خفت حدة المواجهة بين سوريا وروسيا من جهة والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى على الأقل خلال هذه الفترة، علما وأنه وفي خضم هذه المواجهات أقدمت القوات الأمريكية على إسقاط طائرة سورية في جنوب مدينة الطبقة. على الرغم من الاعتراض الروسي المعلن، إلا أن موسكو وافقت في كنف الهدوء الأسبوع الماضي على إنشاء خط تفادي الاشتباك القائم على امتداد ثمانين ميلا انطلاقا من غرب مدينة الطبقة وصولا إلى مدينة الكرامة التي تقع على مشارف نهر الفرات. وفي الأثناء، لا يزال هذا الخط قائما مما يبشر بمزيد تعزيز التعاون الأمريكي الروسي في سوريا في الأيام المقبلة.
في سياق متصل، أبدت القوات الكردية المعروفة باسم قوات سوريا الديمقراطية قدرة كبيرة على مواجهة وهزيمة تنظيم الدولة، خاصة في ظل الدعم الجوي الأمريكي لها. في أيار/ مايو، انطلقت معركة الطبقة التي كانت تعد من أكثر المعارك طموحا وجرأة في هذه خضم هذه الحرب الطويلة. وفي هذا الإطار، تم نقل 5 آلاف جندي كردي عبر الجو وذلك بهدف تجاوز بحيرة الأسد، في غزوة أخذت قوات تنظيم الدولة على حين غرة. وقد راح ضحية المعركة 100 قتيل كردي وجرح أكثر من 300مقاتل.
أكد المسؤولون الأمريكيون أنهم يفتقرون إلى الموارد والرؤية الواضحة فيما يتعلق بإعادة إعمار سوريا. وبالتالي، تبنى هؤلاء المسؤولين الشعار التالي: “افعل كل ما يمكنك فعله بما تمتلك من قوة، ولا تعد بأكثر مما تستطيع أن تفي به”
على الرغم من الخسائر التي تكبدتها القوات الكردية إلا أن العملية كللت بالنجاح، وفي هذا الجزء من العالم يولد النجاح نجاحا آخر. فقد أصبح اللاجئون العرب في الوقت الراهن يتدافعون لطلب الحماية من القوات الكردية عوضا عن أي جهة أخرى، في حين انضم 8200 شخص من القوات العربية التي دربتها الولايات المتحدة إلى خط الجبهة. وفي سياق متصل، أوضح ستيفن تاونساند، قائد القوات والتحالف الأمريكي في سوريا والعراق، في حوار معه، أن القيادة العسكرية الكردية قادرة على الصمود في وجه العدو طالما أنها نجحت في استقطاب المزيد من العناصر إلى صفوفها.
من ناحيته، وخلال كل اجتماع مع المسئولين المحليين، كان السيد ماكغيرك يصر على أن قدرة الولايات المتحدة على إصلاح الوضع في سوريا محدودة. عموما، قد تقدم واشنطن يد المساعدة للسوريين لسحق تنظيم الدولة، فضلا عن أنها تستطيع توفير الدعم لتحقيق استقرار سريع للبلاد من خلال صيانة البنية التحتية للتزود بالماء والكهرباء، ولكنها لن تتمكن من القيام بكل شيء.
في واقع الأمر، يتمثل أبرز ما خلصنا إليه خلال هذه الزيارة في اكتشاف ما يمكن للولايات المتحدة أن تقدمه لسوريا، كما تبينا ما تعجز واشنطن عن توفيره لفائدة السوريين. ومن المثير للاهتمام أن الولايات المتحدة الامريكية قد عثرت على الطريقة المثلى للإطاحة بتنظيم الدولة في شرقي سوريا وإعادة الاستقرار إلى هذا الجزء من البلاد، وذلك من خلال حليفها الأبرز، أكراد سوريا. في المقابل، أكد المسؤولون الأمريكيون أنهم يفتقرون إلى الموارد والرؤية الواضحة فيما يتعلق بإعادة إعمار سوريا. وبالتالي، تبنى هؤلاء المسؤولين الشعار التالي: “افعل كل ما يمكنك فعله بما تمتلك من قوة، ولا تعد بأكثر مما تستطيع أن تفي به”.
وفي سياق متصل، أورد اللواء روبرت جونز، النائب البريطاني لقوات التحالف في العراق وسوريا، الذي رافق ماكغيرك إلى مدينة الطبقة، أن “الأمر معقد للغاية وقد يؤدي إلى سفك الكثير من الدماء ولكن ذلك ما يقتضيه الواقع”. على العموم، تساند الولايات المتحدة وشركائها القوات الحليفة في المعارك الخاصة من خلال التدريبات وتأمين الدعم الجوي في حين يتحتم على أكراد سوريا وحلفائهم العرب خوض المعارك والتضحية بقواتهم على أرض المعركة. ومن المرجح أنه سيتم تطبيق رؤيتهم ومنظورهم للحكم بمجرد سقوط تنظيم الدولة في المناطق التي يسيطر عليها.
المصدر: واشنطن بوست