تنعقد غدًا الجولة الخامسة من مفاوضات أستانة السورية التي ستستمر ليومين، في ظل إصرار النظام السوري وحلفائه على التصعيد عسكريًا في جبهات مختلفة، وصل إلى حد استخدام الغازات السامة في شرق دمشق ضد أفراد من الجيش الحر بعد فشل قوات النظام من اقتحامها.
ومن المفترض أن يتم إصدار خرائط نهائية عن مناطق خفض التوتر من قِبل الدول الضامنة لاتفاق التهدئة، تركيا وروسيا وإيران، وهو ما يكسب الجولة أهمية بالغة أكثر من الجولات السابقة، فماذا سيصدر عن هذه الجولة؟
تصعيد ما قبل المؤتمر
كما هو معتاد قبل أي جولة محادثات، بدأ النظام السوري بتصعيد عسكري لقلب الموازين الميدانية لصالحه، وهذه المرة تشهد كل من درعا في الجنوب والبادية ودير الزور في الشرق تصعيدًا ملحوظًا من قبل قوات النظام السوري وبمساندة جوية وبرية من حلفائه روسيا وإيران.
تذهب مجموعات المعارضة السورية إلى أستانة، ترفض وتعارض مخرجات المفاوضات!، ومع ذلك تسري تلك القرارت ويتم البناء عليها ويُطلب من المعارضة في الأخير الموافقة والتوقيع، وفي بعض الأحيان تبرم الدول الفاعلة اتفاقات وتفاهمات دون الرجوع إلى المعارضة، فالمعارضة شعرت بتوجس كبير من اتفاق مناطق خفض التصعيد المقرر عملها في كل من محافظة إدلب وأجزاء من حلب ودرعا واللاذقية وحمص والغوطة الشرقية، ومرد توجس المعارضة أن هذه الاتفاقات ستقضي على فرص إبقاء سوريا موحدة عبر تقسيمها إلى مناطق نفوذ بين الدول المتدخلة.
التنازلات التي تقدمها روسيا اليوم لتدفع الفصائل نحو حضور أستانة هي ذاتها التي قدمتها قبل مذبحة حلب، ثم تنصلت وأمعنت قتلاً في قاطني حلب .
— وائل عبد العزيز (@waelwanne) July 2, 2017
درعا ومحيط دمشق شاهدة على هذا الكلام، فالنظام السوري حاول اقتحام الغوطة الشرقية من جهة عين ترما 31 مرة خلال 13 يومًا كما أشارت فصائل سورية معارضة، بهدف السيطرة على محيط العاصمة، والانطلاق منها باتجاه حي جوبر آخر الأحياء الخاضعة لسيطرة المعارضة بدمشق، ولما فشل في محاولاته تلك استهدف كل من زملكا وعين ترما بغازات سامة، حيث ذكرت إحدى فصائل الجيش الحر العاملة في الغوطة الشرقية “فيلق الرحمن” قبل يومين أن نحو 30 مقاتلًا تعرضوا لحالات اختناق بسبب استنشاق الغازات السامة.
يرى الجربا أن تقسيم سوريا مستحيل، مع ضرورة اعتماد اللامركزية لسوريا المستقبل، لافتًا إلى أن الأكراد جزء لا يتجزأ من النسيج السوري، ولا بد من إعادة الاعتبار لهم كقومية ثانية في البلاد.
وقد أعلن نحو 28 فصيلًا يتبع للجبهة الجنوبية رفضهم حضور أستانة 5 بسبب استمرار الحملة الشرسة على المنطقة الجنوبية ومحاولات حثيثة لفتح ممر للنظام مع الأردن، واعتبرت تلك الفصائل في بيان لها أن أستانة ممر لتقسيم سوريا وأن النظام يستغل فترات الهدن ووقف إطلاق النار لتنفيذ عمليات همجية باتجاه مناطق مختلفة من سوريا، فضلًا أن الميليشيات المدعومة من قبل إيران لا تزال تتوافد إلى درعا لمساندة قوات النظام هناك، كما أن الصواريخ والقنابل لم تتوقف على درعا وأزيز طائرات روسيا لا تزال تقصف وتمطر درعا وريفها بالقذائف والبراميل حتى اللحظة.
ولإقناع فصائل الجنوب بحضور أستانة قدمت روسيا تنازلات للفصائل تتضمن بحسب ما ذكر أحمد أبازيد في تغريدة له، وقف القصف خلال أيام المؤتمر، إلا أن موقف الفصائل بقي، المقاطعة، حتى التزام روسيا بإلغاء الحملة على درعا برمتها، ورأى أحمد أبازيد وهو ناشط وباحث سياسي سوري في تغريدة له أن اتفاق خفض التوتر يشمل محافظة درعا ورغم ذلك استمرت الحملة الروسية والإيرانية عليها وطُلب من الفصائل الحضور إلى أستانة مجددًا، وهي عنجهية وإذلال مقصود كما يصفها أبازيد.
عرضت روسيا وقف القصف خلال أيام مؤتمر الأستانة فقط، لكي تقبل الجبهة الجنوبية بالمشاركة، موقف الجنوب هو المقاطعة حتى التزام روسيا بوقف الحملة.
— أحمد أبازيد (@abazeid89) July 2, 2017
منذ أكثر من شهر ودرعا تشهد حملة لقوات النظام بمساندة من الميليشيات الإيرانية مدعومة من روسيا في الجو لتغيير معادلة السيطرة في درعا، ولا يخلو يوم إلا وتمطر الطائرات الروسية والسورية أحياء مدينة درعا وريفها بعشرات البراميل المتفجرة وصواريخ فيل ذات الأثر المدمر، وأشار أبازيد أن الحملة الروسية الإيرانية على درعا مسألة تخص السوريين ككل، وتقوض اتفاق خفض التوتر الذي تحول للعبة لتجميد الشمال وينبغي أن يكون الموقف موحدًا.
أما الناشط السوري وائل عبد العزيز فغرد في حسابه على تويتر أن أي موافقة لفصائل الشمال السوري على حضور أستانة رغم رفض الجبهة الجنوبية حضوره في ظل الهجمات على درعا هو تقويض لوحدة الصف والموقف الموحد، ورأى أن تقديم روسيا تنازلات للفصائل الجنوبية لحضور أستانة تتشابه مع تلك التي قدمتها قبل مذبحة حلب ثم تنصلت وأمعنت قتلًا في قاطني حلب.
مراقبون للشأن السوري حذروا من تحول اتفاق مناطق خفض التوتر مع الزمن إلى مناطق نفوذ، وهو ما يعني تقسيم البلاد إلى دويلات تتبع كل دويلة إلى إيران أو روسيا أو تركيا أو واشنطن، فمن شأن إقرار الخرائط في جولة أستانة الخامسة أن يصبح الشمال السوري منطقة نفوذ تركية، وتصبح دمشق ومحيطها منطقة نفوذ إيرانية، فيما يتحول الساحل السوري برمته إلى منطقة نفوذ روسية، ومن المتوقع أن تكون الرقة ودير الزور وأجزاء من البادية السورية بيد واشنطن.
أستانة أكثر من مجرد تقسيم بل هو محاولة روسية لتثبيت الأسد وإعادة إنتاجه من جديد
وفي حديث لأحمد الجربا رئيس الائتلاف السوري سابقًا ورئيس تيار سوريا الغد الذي يشارك عبر قوات النخبة في معركة الرقة، مع صحيفة الشرق الأوسط، يرى الجربا أن فكرة تقسيم سوريا مستبعدة وقال إن تقسيم سوريا مستحيل، مع قناعة بضرورة اعتماد اللامركزية لسوريا المستقبل، لافتًا إلى أن الأكراد جزء لا يتجزأ من النسيج السوري، ولا بد من إعادة الاعتبار لهم كقومية ثانية في البلاد.
فيما يذهب محللون بالقول إن أستانة أكثر من مجرد تقسيم بل هو محاولة روسية لتثبيت الأسد وإعادة إنتاجه من جديد، فالأسد أفضل خيار لروسيا للحفاظ على مصالحها هناك فالمعلوم أنه قدم سوريا وثرواتها للروس على طبق من ذهب، ولم يتوان الأسد لدعوة روسيا للتدخل في سوريا لتوسيع نفوذها في المنطقة.
وقد بدأت الاستثمارات الروسية في حقول النفط والغاز والفوسفات، ومن المتوقع أن تبدأ الإنتاج قريبًا، بفضل الاتفاقات والعقود الممنوحة لروسيا من قبل الحكومة السورية، ويأتي هذا كنوع من رد الجميل للروس لقاء تدخلهم العسكري لحماية الأسد من السقوط.
ما بعد أستانة
سيجتمع المفاوضون في أستانة بمن سيحضر، وستتقرر قررات بين الدول المعنية بالمؤتمر والضامنة لاتفاق خفض التصعيد سواء قبلت المعارضة، حضرت أم لم تحضر.
وفي هذا الخصوص من المتوقع أن يتحدد مصير العملية العسكرية التركية التي تنوي إطلاقها في الشمال السوري التي تسعى أنقرة من خلالها بتر نفوذ الوحدات الكردية في مدينة عفرين، كما ستشمل العملية أيضًا محافظة إدلب وبالتالي الاشتباك مع جبهة تحرير الشام، وفي هذا الشأن التقى الرئيس التركي أردوغان أمس الأحد وزيرالدفاع الروسي، سيرغي شويغو، في إسطنبول مما يؤكد عدم تبلور تفاهمات نهائية بين الدول الضامنة عن الخرائط النهائية لمناطق خفض التوتر، والمرحلة التي تعقبها.
مباحثات أستانة عبارة عن جولة لن تؤدي إلى إنهاء صراع دام سبع سنوات بهذا الشكل، وبسبب تضارب مصالح الدول المتدخلة في سوريا لن يكون هناك استقرار على أبعد تقدير في منطقة معينة
من جهة أخرى فإن التفاهمات في الجنوب لن تسفر عن تفاهمات جذرية تنهي الأزمة هناك، فبحسب مصادر إعلامية فقد وصلت التفاهمات في عمان في الاتفاق على بقاء قوات النظام في درعا على أن تنسحب المليشيات التي تدعمها إيران إلى مسافة 30 كيلومترًا من الحدود الأردنية، وسط مطالبة الأردن خلال المفاوضات بضم المنطقة الشرقية في درعا والتي تصل إلى حدود منطقة التنف، إلى منطقة “خفض التصعيد” في الجنوب، مقابل أن تضغط عمان على فصائل المعارضة من أجل السماح للنظام بالوصول إلى معبر نصيب الحدودي، على أن يكون هذا الوجود مقتصرًا على مرور الشاحنات الآتية من مناطق النظام والسماح بعبورها إلى الأردن، على أن يكون للنظام وجود “ما” في المعبر الذي يبقى عسكريًا تحت سيطرة قوات المعارضة.
ولا تزال الفصائل المعارضة في درعا ترفض وصول قوات النظام إلى المعبر عبر المفاوضات بعد فشله بالحصول عليه عبر الحملة العسكرية، أستانة بجولتها الخامسة قد تظهر فرص تفاهمات بين واشنطن وموسكو حيال العديد من القضايا أبرزها البادية السورية ودير الزور.
لإقناع فصائل الجنوب بحضور أستانة قدمت روسيا تنازلات للفصائل تتضمن وقف القصف خلال أيام المؤتمر
ومن المتوقع أيضًا أن يكون موضوع نشر قوات المراقبة حاضرًا بقوة في محادثات المؤتمر، إضافة لموضوعات وقف إطلاق النار، وسبل تعزيزه، وكان إبراهيم كالن المتحدث باسم الرئاسة التركية أشار الخميس الماضي، إنه يتم العمل حاليًا على آلية تقضي بوجود قوات بين مناطق سيطرة النظام والمعارضة في سوريا، وأوضح كالن أن العمل جارٍ على آلية تقضي بوجود قوات روسية تركية في منطقة إدلب، وروسية إيرانية في محيط دمشق، فيما من المتوقع أن ترفض المعارضة نشر أي قوات إيرانية في دمشق، وأردنية أمريكية في درعا، فيما كشف عن أن هناك مقترح روسي لإرسال قوات محدودة من قرغيزيا وكازاخستان إلى سوريا، و”يمكن أن يشارك هؤلاء أيضا في قوة المهام هذه”.
وبالنهاية مباحثات أستانة عبارة عن جولة لن تؤدي إلى إنهاء صراع دام سبع سنوات بهذا الشكل، فبسبب تضارب مصالح الدول المتدخلة في سوريا لن يكون هناك استقرار على أبعد تقدير في منطقة معينة.