أصدر البنك السوري المركزي أمس الأحد 2 من يوليو/تموز ورقة نقدية جديدة من فئة ألفي ليرة، تحمل صورة رئيس النظام السوري بشار الأسد للمرة الأولى منذ تسلمه السلطة في العام 2000.
وبعد إصدار الورقة التي بدأ التعامل بها ابتداءً من الأمس في دمشق وباقي المحافظات السورية، قال حاكم المركزي دريد ضرغام إن ورقة النقد فئة 2000 ليرة من بين أوراق نقد جديدة طبعت قبل أعوام، بينها أوراق نقدية جديدة من فئة 50 و100 و200 و500 و1000، لكن قرار طرحها للتداول تأخر نظرًا لظروف الحرب وتقلبات سعر الصرف.
وتعادل ورقة النقد الجديدة نحو أربعة دولارات بأسعار الصرف الحالية، فسعر صرف الليرة مقابل الدولار يبلغ ما يقارب 500 ليرة سورية، وفقدت الليرة خلال السنوات الماضية قرابة 90% من قيمتها الشرائية، وبلغ متوسط دخل المواطن السوري شهريًا 65 دولارًا.
فمنذ اندلاع الصراع في سوريا 2011 هبطت قيمة العملة السورية من 47 ليرة مقابل الدولار في 2010 إلى نحو 526 ليرة للدولار حاليًا، وأشار حاكم المركزي إلى زيادة اهتراء أوراق النقد الحالية، مؤكدًا أن الوقت بات ملائمًا لطرح الورقة الجديدة للتداول، بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء السورية “سانا”.
انهيار الليرة السورية
طول السنوات السبعة الماضية حذر محللون ومراقبون من انهيار وشيك في الليرة السورية، بسبب انهيار احتياطي المركزي السوري المستمر، بالتزامن مع الأحداث العسكرية في سوريا وانعدام الأمن وتراجع موارد النقد الأجنبي، ولكن مع كل ذلك حافظت الليرة على نفسها بسبب الدعم المالي والعيني القادم من إيران وروسيا حلفاء النظام السوري الرئيسيين.
بلغ متوسط دخل المواطن السوري شهريًا 65 دولارًا
علل حاكم مصرف سوريا المركزي طرح الفئة الجديدة بأنه ضروري لمعالجة ارتفاع حدث خلال السنوات السابقة، وأن هذا الإصدار لن يؤثر في السياسة النقدية الحالية، وأشار ضرغام إلى أن طرح هذه الفئة سوف يريح السوريين من حمل كمية نقود كبيرة يضطرون إليها في تعاملاتهم اليومية، فيما ذكر محللون أن هذا الطرح سيؤدي إلى ارتفاع نسب التضخم في البلاد بسبب تصرفات الحكومة السورية وإجراءات المركزي غير المسؤولة، فطرح فئات نقدية كبيرة من دون أي تغطية إنتاجية أو خدمية هو تمويل بالعجز، سينعكس سريعًا على السوريين بالفقر، وعلى الليرة بمزيد من التضخم.
ارتفاع نسبة التضخم قادر أن يقلص مداخيل السوريين، بعدما بلغت حد 35 ألف ليرة مترافقًا مع ارتفاع في الأسعار 12 مرة عما كانت عليه عام 2011، ويتوقع محللون أن طرح الفئة الجديدة سيؤدي إلى مزيد من التدهور في قيمة العملة، وارتفاع نسب الفقر التي بلغت نحو 80% من سكان سوريا، ونسب التضخم.
تتأثر العملة بأربعة عناصر رئيسية تفقد من قيمتها حالما تفقد أحد تلك العناصر وهي الحالة الأمنية في البلد، إنتاج السلع والخدمات، الثقة بالاقتصاد الوطني، وعمل المركزي وسياسته النقدية
وحسبما كشفه المحلل المالي علي الشامي لصحيفة العربي الجديد فإن فئة 2000 ليرة مع فئة 500 ليرة موجودة لدى المصرف المركزي منذ عام 2015، ويبين الشامي أن العملة طُبعت في روسيا بعد رفض الاتحاد الأوروبي طبع أوراق نقدية لنظام الأسد، والمعروض النقدي من العملة السورية الآن 660 مليار ليرة سورية، قبل ضخ نحو 10 مليارات من الفئات الجديدة، ستظهر في الأسواق السورية تباعًا.
وكان نظام بشار الأسد قد طبع عام 2013 نحو 10 مليارات ليرة سورية في مطابع روسية، وفق المرسوم الرئاسي رقم 126، بعد امتناع الدول الأوروبية عن طباعة العملة السورية، إثر العقوبات المفروضة على النظام السوري عام 2012.
على النقيض مما توقعه حاكم المركزي السوري من إراحة السوريين من حمل أموال كثيرة عبر طرح فئة جديدة، فإن السوريين بانتظار حمل المزيد من الأموال بسبب ارتفاعات منتظرة في أسعار السلع والخدمات وانخفاض في القوة الشرائية للعملة، بسبب لجوء المركزي للتمويل عبر العجز وليس إصلاح المشكلة الرئيسية التي أدت إلى هذا الهبوط، من توقف الإنتاج في جميع القطاعات وشلل في الاقتصاد، واتباع سياسة نقدية غير مجدية، وإفراغ خزائن المركزي من النقد الأجنبي بعدما كانت تحتوي على 18 مليار دولار في العام 2011.
استمرار طباعة نقود جديدة وطرحها في السوق سيؤدي إلى فقدان ثقة المواطنين بها والتخلي عنها مقابل حمل أي عملة أخرى
ويعتقد مراقبون أن الفترة المقبلة ستشهد زيادة في الرواتب والأجور وهو ما سيؤدي إلى زيادة المعروض النقدي من الليرة في الأسواق، وهذا سيقود بالتالي إلى ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم النقدي، وربما تلجأ الحكومة عندها إلى طرح سندات خزينة بالليرة والدولار بهدف امتصاص فائض السيولة من السوق.
في الواقع فإن طرح عملة جديدة دون أي تغطية من الذهب أو تغطية إنتاجية من سلع وخدمات يمكن تشبيهه بمن يسكب الماء على الحليب ليزيد من إيراداته، فيفقد الحليب قيمته لأنه أصبح مغشوشًا، واستمرار سكب الماء على الحليب سيؤدي في النهاية إلى عدم شرائه من قبل المواطنين، وبالمختصر فإن استمرار طباعة نقود جديدة وطرحها في السوق سيؤدي إلى فقدان ثقة المواطنين بها والتخلي عنها مقابل حمل أي عملة أخرى، خصوصًا إذا أقدم النظام السوري على طباعة فئة 5000 ليرة كما هو متوقع في الفترة المقبلة.
أسباب هبوط العملة
العملة بالحالة الطبيعية تتأثر بأربعة عناصر رئيسية تفقد شيء من قيمتها حالما تفقد أحد تلك العناصر، أولها الحالة الأمنية فالعملة لا تعرف الاستقرار في حالة أمنية مضطربة فالسياحة وواردها من النقد الأجنبي ينقطع بسبب فقدان الأمن، ونشاطات اقتصادية تتوقف وترتفع البطالة والفقر وينخفض الاستهلاك والتشغيل العام.
والعنصر الثاني هو إنتاج السلع والخدمات، وبسبب فقدان الأمن والقصف الممنهج على المعامل والمصانع والمناطق الحرة أدى إلى نفور أصحاب رأس المال وهجرتهم إلى مناطق الجوار لممارسة نشاطهم الإنتاجي في الأردن وتركيا ولبنان ومصر ودول الخليج وغيرها من البلدان.
نظام بشار الأسد قد طبع عام 2013 نحو 10 مليارات ليرة سورية في مطابع روسية، وفق المرسوم الرئاسي رقم 126، بعد امتناع الدول الأوروبية عن طباعة العملة السورية، إثر العقوبات المفروضة على النظام السوري عام 2012.
العنصر الثالث عمل المركزي وسياسته النقدية المتبعة، حيث لم يستطع المركزي السوري تلبية الطلب المتزايد على الدولار كما أنه سيّل احتياطي النقد الأجنبي وما يملك من ذهب وأصول مالية أخرى لخدمة الآلة العسكرية التي تطلبت صرف الكثير من الأموال.
العنصر الرابع وهو الثقة في الاقتصاد التي انعدمت في حالة الاقتصاد السوري، فلا موارد بيد النظام ولا إنتاج، وفقد السيطرة على جزء كبير من الأراضي السورية الغنية بالنفط والغاز لصالح تنظيم الدولة الإسلامية وفقدان ثقة المواطن بالنظام وقدرته على ضبط الأمن وإعادة الاستقرار للبلاد.
كل تلك العوامل مع بعضها البعض ومع الوقت أوراق ضغط على الليرة السورية أدت لاستنزافها لتسجل أرقامًا غير مسبوقة حيث وصل سعر الصرف إلى أكثر من 600 ليرة للدولار.