ترجمة حفصة جودة
عيون متقرّحة وصعوبة في التنفس والحياة في الشارع بطيئة حد التوقف، حتى الطعام يبدو محملًا بالحصى، تعتبر العواصف الرملية والغبار من أسوأ مظاهر الحياة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي لا تسبب فقط مشاكل صحية خطيرة بل خسائر بعدة ملايين من الدولارات لاقتصاد المنطقة.
في هذا الأسبوع يبدأ مؤتمر دولي كبير في طهران عن الغبار والعواصف الرملية برعاية الأمم المتحدة وإيران، ومن المتوقع أن تزداد العواصف بشكل كبير خلال السنوات القادمة.
يقول إيريك تيراديلاس المحلل بمنظمة الأرصاد الجوية العالمية: “هناك زيادة ملحوظة في تكرار وكثافة العواصف الرملية في منطقة الشرق الأوسط خلال الـ15 عامًا الماضية.
تسرّع العواصف الرملية من عملية تصحرّ الأراضي وتسبب تلوثًا خطيرًا للبيئة
وكان وديد عريان أستاذ علوم التربة بجامعة القاهرة والمتحدث في مؤتمر طهران، قد حذر من الآثار البيئية لمثل هذه العواصف، حيث قال: “تسرّع العواصف الرملية من عملية تصحرّ الأراضي وتسبب تلوثًا خطيرًا للبيئة وتدمر النظام البيئي والبيئة المعيشية”.
تعتبر العواصف ظاهرة معقدة للغاية تتحكم بها عوامل طبيعية وعوامل بشرية، ومع حدوث تغيرات في المناخ لم تعد العواصف تخضع لأي حدود، فهي تحدث في الشتاء والربيع في بعض البلدان، وفي شهور الصيف الحارة في بلدان أخرى.
السدود جزء من المشكلة
السبب الرئيسي للارتفاع المفاجئ في نشاط العواصف ليس معروفًا بالتحديد، لكن التسرع في بناء السدود في المنطقة وتحويل مصادر المياه من أجل الزراعة يعتبر أحد العوامل الرئيسية المسببة للمشكلة، تعمل الرطوبة بمثابة الغراء للتربة، وعندما تجف التربة تبدأ الرياح في إثارة العواصف الترابية.
أدى بناء تركيا لسد أتاتورك العملاق على الروافد العليا لنهر الفرات وسد إليسو على نهر دجلة إلى تناقص تدفق المياه في النهرين العملاقين في المنطقة، مما تسبب في جفاف الأراضي في جنوب العراق، في الوقت نفسه تواصل العراق وإيران برامجهما الخاصة لبناء السدود وتحويل مجرى الأنهار خلال السنوات القادمة.
تعرضت الأراضي الرطبة في المنطقة للاستنزاف والجفاف أيضًا، ففي بداية التسعينيات قام صدام حسين باستنزاف أهوار جنوب العراق لعزل خصومه السياسيين بشكل رئيسي، كانت نتائج هذا الأمر كارثية، فأدت إلى التصحر والمزيد من العواصف الرملية، وتتنبأ الأمم المتحدة أنه خلال عشر سنوات سيتعرض العراق لأكثر من 300 عاصفة رملية سنويًا.
في سبتمبر 2015 ضربت عاصفة رملية عملاقة مناطق كثيرة في الشرق الأوسط أدت إلى إغلاق المطارات وتسببت في العديد من حوادث الطرق، وكانت الرؤية محدودة حتى إن القتال والقصف في سوريا والعراق توقف بشكل مؤقت، وفي مارس حدثت عاصفة مشابهة حولت النهار إلى ليل في بعض أجزاء شبه الجزيرة العربية، وخلال تلك السنوات ضربت إيران العديد من العواصف الرملية والترابية.
تعتبر مدينة الأهواز أكثر المدن تلوثًا في العالم
تقول معصومة ابتكار نائب الرئيس الإيراني ووزيرة البيئة: “لقد شهدنا زيادة مطردة في شدة العواصف الرملية خلال الأربع سنوات الماضية”، في مايو 2016 دُفنت 16 قرية جنوب شرق البلاد بسبب سلسلة متكررة من العواصف الرملية مما أدى إلى تدمير الأرض وموت الماشية.
وفي وقت مبكر من هذا العام حدثت العديد من التظاهرات في محافظة خوزستان جنوب غرب البلاد، وهي محافظة ذات حساسية سياسية وتقع قرب الحدود العراقية وذات أغلبية سكانية عربية، بسبب تلوث الهواء الناتج عن العواصف الرملية والترابية وعن صناعة البتروكيماويات المحلية.
وفي وقت ما انقطعت الكهرباء والمياه عن مدينة الأهواز نتيجة العواصف، وتصنف المدينة وفقًا لمنظمة الصحة العالمية بأكثر المدن تلوثًا في العالم.
تستخدم دول المنطقة موارد المياه الثمينة بلا مبالاة، فأسرعت السعودية إلى محاولة تحقيق الاكتفاء الذاتي من بعض المنتجات الزراعية مستخدمة بذلك كميات كبيرة من المياه مما أدى إلى تجفيف المزيد من الأراضي.
إهمال إيران في مواردها المائية جعلها ضحية للعواصف الترابية
أما إيران، بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليها، فلجأت إلى استنزاف الأراضي والبحيرات من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، فقدت بحيرة أورميا الواقعة في شمال غرب البلاد أكثر من 80% من مياهها في السنوات الأخيرة، وكانت هذه البحيرة واحدة من أكبر بحيرات المياه المالحة في العالم.
ورغم عمليات الترميم ما زالت القوارب غير قادرة على الإبحار في البحيرة، كما تنقل الرياح الأملاح وغيرها من المواد من البحيرة الجافة حيث تسقط تلك الأملاح على الأراضي الأخرى وتسبب في تحويلها إلى أراضٍ جدباء غير صالحة للزراعة.
لا حلول سريعة
درس الدكتور كافي مدني العواصف الرملية كجزء من عمله بكلية إمبريال بلندن، وقال إنه قبل 5 سنوات كانت العواصف الرملية والترابية نادرة في موطنه إيران، لكن إهمال إيران في مواردها المائية جعلها ضحية للعواصف الترابية.
يقول مدني: “أحد أكبر المشكلات في المنطقة أن البيئة لها أولوية أقل، فالناس يريدون حلولًا سريعًا لكن لا يمكن فقط تقديم بعض المال في مشكلة معقدة مثل العواصف الرملية والأتربة، يجب أن يكون هناك طرقًا متعددة تتضمن تنفيذ سياسة إدارة الماء والأرض بشكل صحيح”.
تعتبر الصحاري والمناطق الجافة التي تغطي نحو 40% من سطح الكرة الأرضية مصدرًا للعواصف الرملية والترابية، يأتي نحو 50% من غبار الصحراء للعالم عن طريق الصحراء الكبرى (شمال إفريقيا) حيث تنقلها الرياح، هذه الأتربة لا تنتقل فقط للمناطق المحيطة ومن ضمنها الشرق الأوسط بل تصل للأمريكتين كذلك، كما يمكن لرمال الصحراء الكبرى أن تصل إلى جبل إيفرست وهونج كونج.
24% من السعوديين مصابون بالربو
درس البروفيسور أندرو جودي من جامعة أوكسفور أسباب وآثار العواصف الترابية في الشرق الأوسط خاصة فيما يتعلق بالصحة، ووجد أن العواصف الرملية والترابية لها بعض الفوائد، فهي تحمل المغذيات إلى المحيط والأراضى، فالغبار القادم من الصحراء الكبرى يغذي الغابات المطيرة الشاسعة في أمريكا الجنوبية.
يضيف جودي: “لكن الرمال والأتربة سواء من الصحراء الكبرى أو من الصحراء العربية يمكنها أن تحمل موادًا بيولوجية مثل البكتيريا وجراثيم اللقاح والفطريات والفيروسات، ويمكن للأتربة أن تنقل مواد مثل المبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب والمعادن الثقيلة والمواد المشعة التي تستخدمها الجيوش”، قد يصاب الناس بمشكلات صحية خطيرة جرّاء استنشاق تلك المواد، هذه الجسيمات الدقيقة قد تدخل مجرى الدم بشكل مباشر.
يشير جودي إلى ارتفاع مستوى الربو في جنوب غرب إيران وفي دول الخليج، فنحو 24% من السعوديين مصابون بالربو، كما أن نسبة المصابين بالربو وأمراض الجهاز التنفسي الأخرى مرتفعة في الإمارات والكويت، والتي تعتبر مكانًا لالتقاء مختلف أنظمة الرياح.
قدرت الأمم المتحدة وقوع خسائر بنحو 13 مليار دولار سنويًا في إجمالي الناتج المحلي للمنطقة نتيجة العواصف الرملية والترابية
قد يتسبب استنشاق الغبار في أمراض القلب والأوعية الدموية وغيرهم من المشكلات الصحية، ويشير جدوي إلى وجود أدلة تقول إن جزءًا رئيسيًا من سرطان الرئة في منطقة “حزام الغبار” بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد يسببه التعرض لغبار الصحراء.
يضيف جودي إلى أن أحد المشكلات هو افتقار المنطقة للأبحاث والبيانات المتماسكة، ويرى أن إيران والكويت والأردن وعمان يقومون بعمل جيد لكن باقي الدول لا تفعل شيئًا، وبالطبع فصراعات المنطقة لا تتسبب فقط في نشر غبار التفجيرات والنيران، لكنها تجعل من المستحيل جمع البيانات أو اتخاذ أي إجراءات مناسبة لتخفيف الوضع.
الحاجة إلى التعاون
تتسبب العواصف الترابية في أضرار اقتصادية واسعة النطاق أيضًا، فقدرت الأمم المتحدة وقوع خسائر بما يقارب 13 مليار دولار سنويًا في إجمالي الناتج المحلي للمنطقة، ولا تقع المعاناة على الزراعة وحدها، فإغلاق مطارات دبي وأبوظبي والدوحة بسبب ضعف الرؤية ولو لعدة ساعات يتسبب في خسارة الملايين من العائدات.
عندما اجتاحت العواصف الترابية جنوب غرب إيران بداية هذا العام، انخفض إنتاج النفط آلاف البراميل في اليوم، كما تؤثر العواصف الترابية والرملية على إنتاج الطاقة البديلة، فعندما يغطي الغبار الألواح الشمسية فإنه يثبط إنتاج الطاقة بشكل كبير.
وقعت إيران والعراق مؤخرًا على اتفاقية لإنشاء مركز مشترك لمراقبة العواصف الرملية والترابية
لا يبدو مؤكدًا حتى الآن تأثير التغير المناخي على سلوك العواصف الترابية، لكن من ارتفاع درجات الحرارة المتوقع في معظم أنحاء المنطقة، فمن المرجح أن تصبح الأرض في كثير من المناطق أكثر جفافًا وأكثر عرضة لصعود الغبار في طبقات الغلاف الجوي.
في بعض المناطق يجري إقناع المزارعين بزراعة محاصيل ونباتات أكثر قدرة على مواجهة الجفاف ويمكنها الحفاظ على سلامة سطح الأرض الزراعية، وهناك وعي متزايد بالحاجة إلى الحد من استهلاك المياه في بعض الدول.
تحسنت أنظمة الرصد التي تحذر الناس من العواصف الرملية والترابية مع افتتاح مركز حوسبة جديد في برشلونة بإسبانيا يتتبع العواصف في منطقة الشرق الأوسط، وهناك عمل مشترك بشأن هذه المسألة بين بعض الدول، فقد وقعت إيران والعراق مؤخرًا على اتفاقية لإنشاء مركز مشترك لمراقبة العواصف الرملية والترابية.
تقول الأمم المتحدة إنه من الضروري وجود نهج موحد للتعاون على الصعيدين الإقليمي وتحت الإقليمي، وللأسف مع زيادة العداوات والصراعات الدائرة في المنطقة فالتعاون أحد العوامل المهمة التي تفتقر إليها دول المنطقة كثيرًا.
المصدر: ميدل إيست آي