بعد أقل من شهر على اندلاع حرب 15 أبريل/نيسان في السودان، لفت ممثل الأمين العام للأمم المتحدة السابق فولكر بيرتس إلى اشتراك مقاتلين أجانب مع قوات الدعم السريع في صراعها مع الجيش السوداني.
أشار بيرتيس خلال حوار حصري مع دويتشه فيله DW إلى وجود تحركات في مناطق مثل دول الساحل ومالي والنيجر وتشاد، لجهات وأشخاص وصفهم بـ”الباحثين عن الثروة والمرتزقة” يحاولون الاستفادة من الحرب، وأن هناك عددًا غير قليل منهم يدعم أحد الأطراف المتحاربة في السودان وهي قوات الدعم السريع.
كذلك قال الأكاديمي أندرياس كريغ الأستاذ المساعد في قسم الدراسات الأمنية بكلية كينجز لندن: “تشاديون انضموا فعلًا خلال السنوات الأخيرة إلى قوات الدعم السريع من أجل الرواتب”.
ويؤكد كريغ أن المناطق الخاضعة لسيطرة اللواء المتقاعد خليفة حفتر بشرق ليبيا، تشكل “ملتقى لتسليم الأسلحة إلى قوات الدعم السريع”، ويتابع الخبير البريطاني في مقال له، أن “دولة الإمارات أرسلت إلى حفتر في 2019 و2021 أطنانًا من الأسلحة التي يمكن أن تمنح الآن لقوات الدعم السريع من دون أن يتم رصدها”.
وأشار إلى أن الإمارات قدمت لحميدتي – الذي نمت ثروته من تهريب الذهب – منصةً لتوجيه استثماراته المالية بالإضافة إلى تسخير شبكاتها لإنشاء مركز تأثير وعلاقات عامة لصالح الدعم السريع.
مخاوف من تدفق المزيد من المرتزقة ردًا على اتهامات الجيش السوداني
في عام 2020، توصَّلت تحقيقات قادها المفتش العام لعمليات مكافحة الإرهاب في وزارة الدفاع الأمريكية إلى أن دولة الإمارات تمول مرتزقة شركة فاغنر الروسية في ليبيا.
ونشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية آنذاك تقريرًا أعده جاك ديتش وآمم ماكينون أكدا فيه أن أبو ظبي تساعد في تمويل شركة فاغنر الروسية، واستند الكاتبان إلى تقرير للمفتش العام لعمليات مكافحة الإرهاب.
وجاء نشر هذه التحقيقات بعد تأكيدات من حكومة الوفاق الوطني ووسائل إعلام ليبية وعالمية بوجود علاقة لأبو ظبي بتمويل مرتزقة شركة فاغنر الروسية، بعد ثبوت إرسال الإمارات لشباب عبر شركة بلاك شيلد الإماراتية للقتال بجانب حليفها خليفة حفتر في ليبيا.
واليوم بعد أكثر من 8 أشهر على اندلاع الصراع في السودان، تتزايد مخاوف المراقبين من خطورة تأثير تدفق المرتزقة المقاتلين من تشاد ومالي والنيجر للقتال إلى جانب محمد حمدان دقلو حليف أبو ظبي.
إذ يبدو أن دولة الإمارات لم تكتف بدعمها العسكري الضخم لحليفها دقلو، بل وسعت الدعم باستجلاب مرتزقة أجانب لصفوف “الدعم السريع”.
فبحسب موقع “إمارات ليكس” فإن تعليمات رئيس الدولة محمد بن زايد للرد على تصريحات مساعد قائد الجيش السوداني ياسر العطا – التي اتهم فيها الإمارات بدعم حمديتي – تم ترجمتها سريعًا إلى تدفق آلاف المرتزقة من تشاد ومالي ووسط إفريقيا لإسناد ميليشيات قوات الدعم السريع، وهم نفسهم الذين ساندوا مجرم الحرب خليفة حفتر في ليبيا.
بعد التصريحات الرسمية التي فضحت دور #الإمارات المشبوه في #السودان يبدو أن بن زايد قرر اتخاذ خطوات أكثر خبثاً لتأجيج الفتنة ويظهر هذا جلياً في تدفق آلاف المرتزقة من تشاد و مالي و وسط أفريقيا لإسناد حميدتي وهم نفسهم الذين ساندوا حفتر في ليبيا بتمويل الإمارات
#انقذوا_السودان
— د. تاج السر عثمان (@tajalsserosman) December 19, 2023
ووفقًا لصحيفة “سودان تربيون”، أكد مصدر سوداني رسمي، إبلاغ الحكومة الإماراتية رسميًا السفير السوداني بأبو ظبي عبد الرحمن شرفي، بأن الملحق العسكري ونائبه والملحق الثقافي أشخاص غير مرغوب فيهم، وطالبت بمغادرتهم البلاد خلال 48 ساعة.
وقالت الصحيفة إن هذا التطور جاء “بعد سلسلة انتقادات حادة وجهها مساعد القائد العام للجيش السوداني الفريق ياسر العطا، للحكومة الإماراتية، عما يسميه دعم أبو ظبي لقوات الدعم السريع”.
عاملان جاذبان للمرتزقة
من جهته، يقول الصحفي التشادي محمد طاهر زين رئيس تحرير موقع “رفيق إنفو” إن معظم المقاتلين الوافدين إلى السودان يأتون من تشاد وعدد قليل من النيجر وإفريقيا الوسطى ومالي.
ويوضح لـ”نون بوست” أن هناك عاملين يدفعان الشباب إلى الانضمام لمليشيا الدعم السريع وهما:
– الولاء القبلي: يعتقدون أنه بوجود محمد حمدان دقلو “حميدتي” يمكنهم بدء إقامة دولتهم التي تمتد من السودان إلى الساحل الإفريقي، وعادةً ما يتم الموافقة على التجنيد من شيوخ القبائل والإدارات الأهلية .
– الكسب المادي/الارتزاق: بسبب الفقر المدقع الذي يعانون منه، ينضمون إلى الدعم السريع لتحسين ظروفهم المادية.
ويشير زين إلى أن معظم المقاتلين الذين جاءوا من تشاد كان هدفهم الأساسي السفر إلى اليمن، حيث يُعتبر هذا السفر أسرع طريقة لكسب المال، وبالتالي، يكون التنافس على هذه الفرصة صعبًا بما يكفي، حيث يعتمد على درجة القرابة مع عائلة آل دقلو.
ويقدر عدد المقاتلين الأجانب في السودان قبل الحرب بين 10.000 إلى 15.000 شخص، لكن مع اندلاع الحرب، انضمت أعداد كبيرة ظنًا منهم أن ساعة قيام دولتهم قد حانت، بحسب زين.
كما ذكر موقع “اليمن نت” أنه حصل على معلومات موثوقة تفيد بأن الإمارات أرسلت قرابة 450 من المرتزقة عبر تشاد إلى السودان للقتال مع “الدعم السريع”.
وقالت مصادر “اليمن نت” التي زودته بالمعلومات، إن الإمارات طلبت المقاتلين لإجراء دورات تدريبية لتشكيل كتيبة وحدات خاصة في أبو ظبي من قوات العمالقة والمجلس الانتقالي الجنوبي التي تدعمهما الإمارات.
المصادر ذاتها قالت للموقع، إن السودان ليس الدولة الأولى التي تنقل الإمارات إليها مرتزقة من اليمن، سبق أن أرسلت عشرات المقاتلين من العمالقة والحزام الأمني من محافظتي لحج والضالع للقتال مع قوات خليفة حفتر في ليبيا.
#الإمارات ترسل مئات المرتزقة اليمنيين للقتال في السودان
حيث أرسلت قرابة 450 من المرتزقة إلى السودان للقتال مع قوات الدعم السريع.
استمر ارسال المقاتلين خلال الأسابيع الأخيرة عبر عمليات نقل وشحن سريتين عبر “تشاد” من أبوظبي#طرد_المحتل_واجب_وطني#يمانيون_ضد_الامارات pic.twitter.com/G5RxVlmW3g
— يمانيون ضد الإمارات (@Yamanis_vs_UAE) October 3, 2023
ممتلكات السودانيين غنائم حرب
بالعودة إلى حديث الصحفي التشادي طاهر زين، ذكر أيضًا لـ”نون بوست” أن المقاتلين الذين انضموا أخيرًا إلى الدعم السريع يعتبرون ممتلكات المواطنين السودانيين غنائم حرب، والآن يبيعون السيارات المسروقة في تشاد، لكنّ التشاديين يعلمون أن هذه السيارات مسروقة، وقليل منهم يجرؤون على شرائها، ما أدى إلى انخفاض كبير في أسعار المركبات المنهوبة من السودان في إنجمينا وأبشة.
وفيما يتعلق بمطار أم جرس وعلاقته بالإمارات، قال محدثنا إن الإمارات استأجرت المطار من الحكومة التشادية لتوفير السلاح والدواء للدعم السريع، بهدف مواصلة حربها ضد الجيش السوداني والسعي للاستيلاء على السلطة التي في النهاية ستكون تحت تصرف الإمارات.
“كأفارقة وعرب، ندرك تمامًا خبث السياسة الخارجية الإماراتية، وهذا ما دفع سكان أم جرس للاحتجاج على الوجود الإماراتي، فعلى الرغم من محاولات التأثير على السكان من خلال توزيع المواد التموينية ودعم مشاريع التنمية في المنطقة، فإن السكان يدركون تمامًا مخططاتهم الخبيثة” قال الصحفي محمد طاهر زين.
ويقول رئيس تحرير موقع “رفيق إنفو” إن عددًا من المسؤولين التشاديين اعترضوا على التحركات الإماراتية، ما تسبب في إقالة العديد منهم في المنطقة بسبب رفضهم مرور السيارات المحملة بالإمدادات العسكرية المتجهة إلى السودان، لافتًا إلى أن طائرات الشحن الإماراتية توقفت عن الهبوط في مطار أم جرس منذ منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
رسالة من الكونغرس الأمريكي تدين الدعم الإماراتي لحمديتي
الدعم الإماراتي لمليشيا محمد حمدان دقلو أثار انزعاج الكونغرس الأمريكي بشكل خاص، حيث كشفت مجلة “فورين بوليسي” أن مجموعة من المشرعين الديمقراطيين في مجلس النواب اتخذوا خطوة غير عادية، بإرسال خطاب مباشر إلى وزير الخارجية الإماراتي يدين دعم أبو ظبي لقوات الدعم السريع، ويحذر من أن مثل هذا الدعم سيضر بالعلاقات الأمريكية ويمكن أن يضر بالإمارات، وفقًا لنسخة من الرسالة تلقتها “فورين بوليسي”.
كشفت المجلة أن نشطاء حقوق الإنسان يشعرون بالإحباط بشكل متزايد لأن إدارة بايدن لم تمارس ضغوطًا سياسية كافية على الإمارات لإلزامها بالتوقف عن تزويد قوات الدعم السريع سرًا بالأسلحة والذخيرة، في انتهاك لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على دارفور.
أشارت المجلة الأمريكية إلى أن الدعم السريع ارتكبت فظائع واسعة النطاق ضد المدنيين كجزء من معركتها للسيطرة على البلاد، بما في ذلك تقارير عن الاغتصاب الجماعي والقتل العرقي.
وكتب المشرعون إلى وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد أن دعم الإمارات لقوات الدعم السريع “يشكل خطرًا جسيمًا على سمعة الإمارات ويشكك في الشراكة الوثيقة طويلة الأمد مع الولايات المتحدة”.
وقّع 10 مشرعين ديمقراطيين – بقيادة النائبة سارة جاكوبس، العضو البارز في اللجنة الفرعية لإفريقيا التابعة للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب – على الرسالة التي ورد فيها “أعضاء الكونغرس ينتبهون إلى تصرفات الإمارات في السودان، وقبل كل شيء، نشعر بالقلق من أن أفعال الإمارات تتعارض مع جهود المدنيين السودانيين والمنطقة والمجتمع الدولي الأوسع لإنهاء القتال”.
كانت النائبة الديمقراطية سارة جاكوبس قد علقّت على تقرير المجلة الأمريكية، في منشور لها على صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “إكس” قائلةً: “ترتكب قوات الدعم السريع جرائم حرب مروعة في السودان، بدعم عسكري من الإمارات العربية المتحدة، ولهذا السبب أقود جهدًا لحث الإمارات على التوقف عن مساعدة قوات الدعم السريع والعمل على إيجاد حل دائم يخلق السلام والاستقرار للشعب السوداني”.
The RSF is committing horrific war crimes in Sudan – with military support from the UAE. That’s why I’m leading an effort urging the UAE to stop aiding the RSF and work toward a permanent solution that creates peace and stability for the Sudanese people. https://t.co/AElf6FTrVg
— Congresswoman Sara Jacobs (@RepSaraJacobs) December 20, 2023
وفي الآونة الأخيرة نشط العديد من المؤثرين العرب والأجانب على مواقع التواصل الاجتماعي في تسليط الضوء على الفظائع التي ترتكبها مليشيا حميدتي في السودان، والدور الذي تلعبه الإمارات في دعمها.
سندفع فاتورة ما يحدث السودان ، جميعنا بلا استثناء سندفع الفاتورة إذا لم نحاول تغيير الوضع هناك ، أمّا النظام الإماراتي الذي دعم الاحتلال الاسرائيلي وقوات الدعم السريع في السودان سيدفع الضِعف سيدفع على قدر اتساخ يديه بدماء الابرياء .
#انقذوا_السودان
#Sudan_War_Updates pic.twitter.com/ykTMq0UVee
— ناصر بن عوض القرني (@NasserAwadQ) December 19, 2023
يعتقد كثيرون أن دوافع التدخل الإماراتي العنيف في السودان بدعم “الجنجويد” بهدف الاستيلاء على موارد البلاد خاصة الذهب إلى جانب الموانئ، حيث يتم استخدام حميدتي كورقة سياسية وإثنية لإعداد الملعب لصالح أبو ظبي.