نيو إيسترن ٱوتلوك: هل خسرت واشنطن الشرق الأوسط بعد حصار قطر؟

a1424977814

ترجمة وتحرير: نون بوست

هنالك خط أحمر رقيق وخفي يربط بين العقوبات الأخيرة التي فرضها الكونغرس على إيران وروسيا، وقرار السعودية وحلفاءها من الدول الخليجية فرض حصار على قطر. هذا الخط الأحمر لا علاقة له بالحرب على الإرهاب، بل إنه مرتبط تماما بالسباق للسيطرة على أكبر احتياطات الغاز الطبيعي في العالم، والتحكم بالسوق العالمي لهذا الغاز.

على مدى القرن المنقضي، وبالتحديد منذ 1914، كان العالم في حرب دائمة من أجل السيطرة على الثروات النفطية. ولكن مع صدور قرار الاتحاد الأوروبي بالتشجيع على استخدام الطاقة النظيفة، وموافقة الصين على حفض انبعاثات الكربون عبر تقليص استخدام الفحم الحجري لتوليد الطاقة، وهي خطوات كانت سياسة أكثر من كونها علمية، إضافة إلى التطور الذي تحقق في مجال تقنيات تسييل الغاز الطبيعي ونقله، أصبح هذا الغاز مادة تحظى بأهمية كبرى في الأسواق العالمية تماما مثل النفط.

وفي ظل هذه التطورات، يبدو أننا اليوم نعيش في عهد لا يقتصر فقط على الحرب من أجل الاستحواذ على المقدرات النفطية حول العالم، بل نشهد أيضا فجر عهد جديد تدور فيه الحرب حول الغاز الطبيعي. ويبدو أن هذا الصراع سيكون طويلا ومشوقا.

مثلت زيارة ترامب الأخيرة إلى الرياض وتل أبيب، ودفعه نحو تشكيل حلف عربي جديد يشبه الناتو، بهدف مزعوم هو محاربة الإرهاب الذي تقصد به واشنطن إيران

فيما يخص الدول الفاعلة على المستوى الجغراسياسي، فإنه لا توجد قوة سياسية تتحمل المسؤولية على اندلاع كل هذه الحروب من أجل الغاز أكثر من الحكومة الأمريكية في واشنطن التي تمارس سياساتها بالنيابة عن مصالح الدولة العميقة. وقد بدأ هذا بشكل واضح في عهد أوباما وهو متواصل الآن بأكثر جرأة مع وجود دونالد ترامب وصديقه ريكس تيلرسون في البيت الأبيض.

وقد مثلت زيارة ترامب الأخيرة إلى الرياض وتل أبيب، ودفعه نحو تشكيل حلف عربي جديد يشبه الناتو، بهدف مزعوم هو محاربة الإرهاب الذي تقصد به واشنطن إيران، بدأت مرحلة جديدة في الحروب العالمية حول الغاز التي تتسبب بها الولايات المتحدة.

إحراق المنزل من أجل طهو اللحم

بالنسبة لسياسة إدارة ترامب في الشرق الأوسط، التي تبدو واضحة المعالم، فهي يمكن تشبيهها بتلك الأسطورة الصينية القديمة، التي تدور حول فلاح قام بإحراق منزله بالكامل من أجل طهو بعض اللحم. ومن أجل السيطرة على سوق الطاقة العالمية الصاعدة متمثلة في الغاز الطبيعي، الذي يمكن من خفض انبعاثات غاز الكربون، لم تكتفي واشنطن باستهداف الدولة التي تمتلك أكبر احتياطي من الغاز في العالم، وهي روسيا، بل إنها تستهدف الآن إيران وقطر. فماهي أسباب هذا التوجه؟

حقل الغاز الموجود في الخليج العربي، والذي يسمى الجزء القطري منه القبة الشمالية، والجزء الإيراني جنوب فارس، يقدر الخبراء أنه أكبر حقل غاز في العالم

لقد كتبت في السابق حول الاجتماع سيء الذكر الذي دار في 15 آذار/مارس 2009 بين الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي كان حينها أمير قطر، والرئيس السوري بشار الأسد الذي كان حينها لا يزال يمثل صديقا موثوقا للأمير. وتشير بعض المصادر إلى أنه حين اقترح الشيخ حمد على بشار الأسد تشييد خط أنابيب غز من حقل الغاز التابع لقطر في الخليج العربي، يمر عبر مدينة حلب نحو تركيا بهدف الوصول للسوق الأوروبية الضخمة، رفض الأسد هذا المقترح، بسبب علاقاته القوية والمستقرة مع روسيا، التي تمنعه من الإقدام على هذه الخطوة التي ستؤدي لتراجع مبيعات روسيا للاتحاد الأوروبي من مادة الغاز الطبيعي.

يشار إلى أن حقل الغاز الموجود في الخليج العربي، والذي يسمى الجزء القطري منه القبة الشمالية، والجزء الإيراني جنوب فارس، يقدر الخبراء أنه أكبر حقل غاز في العالم، وقد شاءت الأقدار أن يتواجد هذا الحقل في المياه الإقليمية لكل من قطر وإيران.

ثم في تموز يوليو 2011، وبموافقة غير مباشرة من موسكو، وقعت حكومات سوريا والعراق وإيران على اتفاق مد أنابيب غاز آخر يسمى “خط أنابيب الصداقة”. وقد نص هذا الاتفاق على تشييد خط بطول 1500 كيلومتر من أجل إيصال الغاز من حقل جنوب فارس الإيراني إلى السوق الأوروبية الصاعدة، مرورا بإيران وسوريا ثم البحر الأبيض المتوسط عبر لبنان.

ومن الواضح أن هذا المشروع لا يزال معلقا منذ أن قرر حلف الناتو والسعودية تدمير سوريا إثر سنة 2011. فقد قرر هؤلاء تدمير نظام الأسد وسوريا التي كانت متحدة، عبر دعم مجموعات مختلفة من المسلحين على الغرار الذي كان اسمه القاعدة في العراق وسوريا، ثم أصبح اسمه تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، قبل أن يسميه الناس “داعش”. وبالنسبة لحلف الناتو والدول العربية الخليجية، فإن خط أنابيب يمر من إيران إلى العراق وسوريا كان سيغير الواقع الجغراسياسي في منطقة يوراسيا، وسيضمن لطهران فرض نفوذها في المنطقة على حساب السعودية.

ولم يكن مفاجئا أن نشهد ذلك الصعود الغريب لتنظيم الدولة وتصدره للمشهد في سنة 2014، حيث تحرك عناصره للسيطرة على حلب، حيث كان مبرمجا أن يمر خط الغاز إلى تركيا من قطر، وهذا بالطبع ليس من قبيل الصدفة.

في سنة 2011، بدأت قطر بضخ مبالغ ضخمة وصلت إلى 3 مليار دولار لتنظيم حربها ضد نظام الأسد، وكانت حينها مدعومة بالعربية السعودية ودول أخرى سنية في الخليج، إضافة إلى تركيا التي شاهدت طموحاتها بأن تصبح مركزا حيويا لنقل الغاز بين أوروبا وآسيا تتلاشى.

إذ أن هذا الخط المقترح، والذي كان سيمر من قطر إلى سوريا وتركيا، ثم الاتحاد الأوروبي، كان سيمر عبر محافظة حلب، أما المخطط الآخر الذي كان مطروحا، فهو خط من إيران عبر العراق وسوريا، مرورا بلبنان نحو أسواق الغاز بالاتحاد الأوروبي.

وفي سنة 2011، بدأت قطر بضخ مبالغ ضخمة وصلت إلى 3 مليار دولار لتنظيم حربها ضد نظام الأسد، وكانت حينها مدعومة بالعربية السعودية ودول أخرى سنية في الخليج، إضافة إلى تركيا التي شاهدت طموحاتها بأن تصبح مركزا حيويا لنقل الغاز بين أوروبا وآسيا تتلاشى.

وبعد شهر واحد من الإعلان عن خط الصداقة بين إيران وسوريا في أغسطس/آب 2011، طالبت الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي بتنحي بشار الأسد. كما بدأت قوات خاصة من الجيش الأمريكي والسي آي إي تدريب مقاتلين من المعارضة السورية بشكل سري، وهؤلاء كانوا في الحقيقة متطرفون تم تجنيدهم من كافة الدول السنية المتأثرة بالفكر الوهابي، في قواعد سرية تابعة للناتو في تركيا والأردن، والهدف هو الإطاحة بنظام الأسد وإرساء نظام جديد يكون دمية في يد السعودية من أجل الحصول على موافقة دمشق لإنشاء خط الغاز الذي تريده قطر.

الغباء الجغراسياسي في واشنطن والرياض

ولكن كيف يتفق كل هذا مع ما يقوم به الآن ترامب والملك سلمان من شيطنة لإيران ووصف لها بأنها الممول رقم واحد للإرهاب، ووصفهم أيضا لقطر بأنها داعمة للإرهاب؟

تتعمد واشنطن غض الطرف عن دور المملكة الوهابية، التي تشير تقارير موثوقة إلى أنها ضخت أكثر من 100 مليار دولار في السنوات الأخيرة من أجل بناء شبكات من المسلحين المتشددين من كابول إلى الصين

يصبح هذا الأمر منطقيا إذا عرفنا السبب وهو أن أمير قطر الحالي الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ابن الشيخ حمد، هو شخص واقعي فهد أن أحلام قطر بإنشاء خط الأنابيب الذي يمر عبر حلب إلى تركيا ثم الاتحاد الأوروبي لم يعد ممكنا تحقيقها، منذ أن تدخلت روسيا في الحرب السورية، ولهذا بدأ تميم بالتواصل مع طهران.

وخلال الربيع الماضي، بدأت قطر محادثات مع طهران حول التوصل إلى تسوية فيما يخص استغلال حقل الغاز المشترك. وقد قدمت قطر مقترحات بشأن استغلال هذا الحقل ودخلت في محادثات مع إيران حول التنمية المشتركة لهذه المنطقة. وأشارت تقارير صحفية إلى أن قطر وإيران توصلتا إلى اتفاق على التشارك في إنشاء خط أنابيب غاز قطري إيراني ينطلق من إيران نحو البحر الأبيض المتوسط أو تركيا، من أجل نقل الغاز القطري إلى أوروبا.

وفي المقابل فإن الدوحة وافقت على وقف دعمها لبعض المجموعات في سوريا، وهو ما مثل ضربة موجعة لمخططات ترامب والملك سلمان لتدمير سوريا على طريقة البلقان والسيطرة على تدفق الغاز في الشرق الأوسط.

ومن أجل منع هذا الاتفاق الذي كان يمثل كارثة جغراسياسية بالنسبة لواشنطن والرياض وتل أبيب، قامت هذه الدول الثلاث بتشكيل تحالف لمهاجمة إيران وقطر، التي توجد على أراضيها أهم قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط. وتم توجيه تهم لقطر بأنها أحد أبرز داعمي الإرهاب في العالم، فيما أعلن وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس أن إيران هي أكبر دولة ممولة للإرهاب، أما قطر فكانت مهمتها تمويل جماعات مثل حماس والقاعدة وتنظيم الدولة، رغم أن هذا ربما قد يكون قد حصل في الماضي، قبل أن تغير الدوحة أهدافها.

وبهذه الطريقة تتعمد واشنطن غض الطرف عن دور المملكة الوهابية، التي تشير تقارير موثوقة إلى أنها ضخت أكثر من 100 مليار دولار في السنوات الأخيرة من أجل بناء شبكات من المسلحين المتشددين من كابول إلى الصين، ومن البوسنة والهرسك إلى سوريا، وحتى في إيران وروسيا.

مصيرها الفشل

مثل أغلب سياسات المحافظين الجدد التي تعتمدها واشنطن مؤخرا، فإن شيطنة قطر وإيران وفرض عقوبات عليهما كان له مفعول عكسي وانقلب السحر على الساحر. إذ أن إيران تحركت بسرعة وعرضت إرسال مواد غذائية إلى قطر بشكل عاجل من أجل كسر الحصار، في موقف يذكر بالجسر الجوي الذي قامت دول الحلفاء بتشكيله في 1948 و1949 من أجل كسر الحصار عن برلين.

تعتبر إيران حاليا مرشحة لتحصل على عضوية كاملة في منظمة شانغهاي للتعاون، كما أن العقوبات التي كانت مفروضة عليها من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تم رفعها جزئيا، وهي من أبرز المدعوين للمؤتمر الاقتصادي في الصين تحت شعار “حزام واحد، طريق واحد”

كما التقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع نظيره القطري في موسكو والصين، وكانت البحرية الصينية قد وصلت إلى أحد موانئ إيران للمشاركة في مناورات عسكرية مشتركة بين طهران وبكين في منطقة خليج هرمز، التي تكتسي أهمية بالغة لارتباطها بإنتاج ونقل النفط.

ويذكر أن مضيق هرمز الواقع بين عمان وإيران في مدخل الخليج العربي نحو بحر عمان، يعتبر دون أي جدال أهم بوابة بحرية في العالم الحديث، حيث يمر منها أكثر من 35 بالمائة من النفط المنقول بحريا، متجها نحو الصين وبقية الأسواق العالمية.

وتعتبر إيران حاليا مرشحة لتحصل على عضوية كاملة في منظمة شانغهاي للتعاون، كما أن العقوبات التي كانت مفروضة عليها من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تم رفعها جزئيا، وهي من أبرز المدعوين للمؤتمر الاقتصادي في الصين تحت شعار “حزام واحد، طريق واحد”، بعد أن كان شعاره في السابق “طريق حرير اقتصادي جديد”، في إشارة إلى أكبر مشروع بنية تحتية في العالم يهدف إلى خلق روابط اقتصادية بين بلدان أوروبا وآسيا مرورا بالشرق الأوسط.

كما أن قطر ليست غريبة عن الصين وروسيا. ففي سنة 2015، حصلت الدوحة على اعتراف رسمي من بنك الشعب في الصين كأول مركز في الشرق الأوسط لإجراء معاملات مالية بالعملة الصينية الين، التي أصبحت الآن من بين العملات المعتمدة في صندوق النقد الدولي، وهو ما مثل دفعة هامة لتعزيز قبول المجتمع الدولي للين الصيني. وتكمن أهمية الخطوة التي قامت بها الصين وقطر في تمكين الشركات القطرية من إجراء معاملاتها التجارية مع الصين بأكثر يسر، خاصة في مجال بيع الغاز الطبيعي، حيث سيتم الدفع بشكل مباشر بالين.

وبحسب تقارير جديدة من أمستردام، فإن قطر تبيع إلى الصين كميات هامة من الغز، ويتم الدفع بالين وليس بالدولار الأمريكي. وإذا صحت هذه المعلومة، فإن هذا سيمثل زلزالا مدويا تتعرض له العملة الأمريكية. إذ أن الدولار يمثل الأساس الاقتصادي بالنسبة لواشنطن، ويضمن لها إمكانية شن الحروب في كل أنحاء العالم، والتصرف في العجز المالي الكبير الذي تعاني منه، وارتفاع نسبة الدين العام التي وصلت إلى 19 تريليون دولار.

أما إيران فهي منذ وقت طويل ترفض التعامل بالدولار أثناء بيعها للنفط، وروسيا أيضا تبيع النفط للصين بمقابل الروسي أو الين الصيني. فهل يمثل هذا انتقالا هاما نحو بناء العلاقات التجارية الثنائية واستعمال العملات المحلية والاستغناء على الدولار، وهو ما سيمثل صدمة كبرى بالنسبة للقوة الأمريكية.

قطر ليست غريبة عن الصين وروسيا. ففي سنة 2015، حصلت الدوحة على اعتراف رسمي من بنك الشعب في الصين كأول مركز في الشرق الأوسط لإجراء معاملات مالية بالعملة الصينية الين، التي أصبحت الآن من بين العملات المعتمدة في صندوق النقد الدولي، وهو ما مثل دفعة هامة لتعزيز قبول المجتمع الدولي للين الصيني

وليس من السهل أن تكون القوة العظمى الوحيدة في العالم اليوم، كما لم يكن ذلك سهلا في الماضي، وخاصة في سنوات التسعينات. وحتى الجنرالات والمسؤولون الأمريكيون المختلين عقليا، مثل جيمس ماتيس الذي يسمونه الكلب الغاضب، إذ أن هذا لم يعد كافيا لإخافة الدول الصغيرة وإرغامها على دخول بيت الطاعة الأمريكي.

وفي السابق خلال سنوات التسعينات، كان ذلك ممكنا، بل إنه كان من السهل جدا على واشنطن فرض إرادتها. حيث أنها كانت تدير حروبا في يوغوسلافيا، وتعمل على تقويض الاستقرار في التحاد السوفييتي بعد حرب طويلة في أفغانستان، وتمارس النهب في حق الاقتصاد الشيوعي في كل الدول الشرقية. والأسوأ من ذلك هو أن العالم لا يبدو مدركا لحروب أمريكا الهادفة لنشر الدمار.

هل يعقل أن القرن الأمريكي، الذي تنبأ به بعض المؤرخين، سينتهي ويتم إعلان وفاته في أحد أشهر 2017، وهو تاريخ فقدان واشنطن السيطرة على “الجائزة الاستراتيجية”، كما وصفها ديك تشيني عندما تحدث عن الشرق الأوسط المليء بالموارد الطاقية.

المصدر: نيو إيسترن ٱوتلوك