فجّر أسطورة السينما مارلون براندو عام 1996 جدلاً كبيرا بعد انتقاده سلطة اليهود على “هوليود” قائلاً : مملوكة لليهود، وينبغي أن يكون لديهم حساسية أكبر تجاه الناس الذين يعانون لأنهم تعرضوا للاستغلال”.
هوليود التي عملت لعشرات السنين على جعل الجيش الأمريكي وحلفائه قوة الخير المطلق التي تحارب الشر في العالم، مستخدمة علاقتها مع الجيش، الذي أمّن المواقع العسكرية والسلاح وحتى الجنود للسردية الهوليودية.
هذه القوة الناعمة كانت عام 1902 عبارة عن مجموعة من المنازل الفاخرة التي بناها قطب العقارات الأمريكي “إتش جي وايتلي” الذي لقّب بالأب الروحي لهوليود، التي كان يتوسطها فندق هوليود الذي يضم اليوم مسرح دولبي الذي يستضيف حفل توزيع جوائز أوسكار العالمية.
هوليود: صانعة المجد
أحد الأبواب التي دخلت من خلالها الولايات المتحدة الأمريكية الحرب العالمية الثانية كان السينما، حيث جنّد الجيش الأمريكي هوليود، عبر تخصيص وحدة حصرية لها، أطلق عليها “مكتب الصور المتحركة”، وراجع هذا المكتب بين عامي 1942 و 1945 نحو 1652 نصّاً سينمائياً.
وكالات أمريكية كالأمن القومي والتحقيقات الفيدرالية تستفيد من النفوذ الضخم لهوليود عالميا، لكن على رأس هذه الوكالات تأتي وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
في تحقيق أعده ماثيو ألفورد أستاذ السينما والتلفزيون في جامعة بريستول بالتعاون مع روبي غراهام المحاضر في الإعلام بجامعة ستانفورد، كشف أن هذه الوكالات هدفت لتقديم صورة تتماشى مع مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في مختلف أنحاء العالم، ولا تنفي وزارة الدفاع الأمريكية – على سبيل المثال – علاقتها مع هوليود، بل تعلنها على شكل أسئلة للجمهور عبر معرفاتها الرسمية، لتوحي بأن “التعامل” يأتي بصفة مشورة تقدمها الوزارة إلى صناع الأعمال السينمائية.
كما تفخر وزارة الدفاع الأمريكية بإنجازاتها في هوليود، منها تقديم الجنود والطيارين، لإتمام فيلم الأجنحة، حيث قام طيارو سلاح الجو الأمريكي بالتحليق بالطائرات الأمريكية أثناء تصوير مشاهد الفيلم، الذي حاز على جائزة أوسكار عام 1929.
وبذلك، يخرج عشاق الشاشة الذهبية، بفكرة راسخة في عقلهم اللاواعي، بأن منقذ البشرية يجب أن يكون أمريكي الجنسية، أو أنه يتبع لإحدى السلطات الأمريكية.
تصعيد العداء ضد العرب والمسلمين
دأبت هوليود على تشكيل صورة نمطية ضد الشعوب في العالم، فجعلت الأمريكان السود وحشيون وعدوانيون، اما اللاتينيون فهم مجرمون، أما العرب حملوا كل تلك الصفات في كثير من الأفلام، ومن الطبيعي أن يكون الأمريكي هو المخلّص من شرور كل ما سبق.
أثار فيلم “قناص أمريكي” للمخرج كلينت أيستوود الذي تم عرضه عام 2014، جدلاً بين محبي أفلام السيرة الذاتية التي توثّق حياة قناص أمريكي، قتل 160 شخصاً في العراق، فقد وصف كريس كايل وهو القناص الذي قام عليه العمل قتل العراقيين بالمتعة، الأمر الذي رآه منتقدو الفيلم أنه يمجّد القتل ويحط من قيمة العرب.
إذ دفع حب الانتقام لضحايا الـ11 من سبتمبر ذلك القناص لقتل العراقيين، وهي الصورة التي صدّرها الفيلم دفعت اللجنة الأمريكية العربية لمناهضة التمييز، لتوجيه خطاب للمخرج العمل، بعد ازدياد حالة العداء ضد العرب والمسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية.
هوليود تقول للعالم: لا أريكم إلا ما أرى
لا تسمح هوليود بأصوات تؤرق راعيها الأمريكي، ففي ممرات هوليود بدأت تخرج أصوات تستنكر مشاهد القتل الموثّق ضد الفلسطينيين في غزة، مستغربةً كيف يتم التعامي عنها دون إدانة.
من هؤلاء الأسماء كانتا الممثلتين سوزان ساراندون وميليسا باريرا، فقد شاركت ساراندون في مسيرة للمطالبة بوقف العدوان على غزة، جاءها الرد من قبل وكالة “يونايتد تالنت” التي هددتها بعواقب وخيمة، في حين كانت باريرا أقل حظاً حيث تم طردها من فريق عمل “سكريم”، الذي تنتجه مجموعة “سباي غلاس ميدياغروب”، حيث استبعدت المجموعة باريرا، لأنها شاركت على حسابها الشخصي في انستغرام حالة كتبت فيها :” أنا أيضا أتيت من بلد مستعمر، فلسطين ستكون حرة، لقد حاولوا دفننا، ولم يعلموا أننا بذور”.
وسّعت هوليود دائرة استهداف مناصري القضية الفلسطينية، من خلال الضغط على كوادر هذه الصناعة، منها “مها الدخيل” التي أجبرت على الاستقالة من منصبها كرئيسة مشاركة لقسم الصور المتحركة في وكالة الفنانين المبدعين “CAA” الشهيرة.
تعمل الدخيل مندوبة لفنانين عالميين بارزين كناتالي بورتمان ومادونا وتوم كروز، غير أن الأخير وقف إلى جانبها رافضاً الضغوط التي مورست عليها، لتبقى الدخيل مندوبة لأعماله فقط.
لم تكن تلك الإجراءات هي الأولى من نوعها في هوليود، فقد منعت الأكاديمية الأميركية للعلوم والفنون السينمائية المسؤولة عن جوائز الأوسكار، الفيلم الفلسطيني “اليد الإلهية” من الترشح لجائزة الأوسكار، عن فئة ” أحسن فيلم بلغة أجنبية” لعام 2002، بسبب عدم وجود دولة فلسطينية، في ذلك الوقت نفت الأكاديمية استبعادها للفيلم، في حين قال حسين أبيش المتحدث باسم رئيس اللجنة العربية الأميركية لمكافحة التمييز :” هناك شخصيات مؤثرة وذات نفوذ سواء من اليهود أو غيرهم وهم ملتزمون بدرجة كبيرة (تجاه إسرائيل) ويفضلون على الأرجح عدم التعامل مع… فيلم فلسطيني يدخل المسابقة تحت اسم فلسطين”.
هل يغير طوفان الأقصى هوليود؟
إن حجم القتل الذي مارسته “إسرائيل” ضد قطاع غزة بعد عملية طوفان الأقصى، دفع عدداً كبيرا من مشاهير العالم ومنهم مشاهير في هوليود للتضامن الفطري إنسانياً قبل كل شيء.
أنجلينا جولي كتبت في حسابها على انستغرام :” هذا هو القصف المتعمّد للسكان المحاصرين الذين ليس لديهم مكان يفرون إليه، لقد بقيت غزة بمثابة سجن مفتوح منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، وها هي تتحوّل بسرعة إلى مقبرة جماعية”
ومثلها كان الممثل جون كوزاك يغرد في حسابه على منصة “إكس” عدداً من التغريدات المتضامنة مع القضية الفلسطينية.
I don’t believe it’s brave to value Jewish and Palestinian lives equally – to tell the truth of the conditions and historical context .
To unconditionally condemn anyone who commits wars crimes – to openly express that human beings myst be able to live with security and dignity… https://t.co/pNEGtLRKk0
— John Cusack (@johncusack) October 16, 2023
هذا الصراع بين الحقيقة والبروباغندا، والتآكل المستمر للرواية الإسرائيلية وضعف موقف داعميها أخلاقياً وسياسياً، يأخذنا جميعاً إلى سؤال جوهري، فهل نجد في المستقبل القريب فيلماً يروي تفاصيل الجريمة الإسرائيلية، ونرى العربي ضحية إرهاب يدفع ببندقيته الظلم عن نفسه أم أن نادي هوليود الصماء الداعمة لـ “إسرائيل” ستتغاضي عن الحقيقة الإنسانية لعقود أخرى قادمة؟