هل تتذكر ذلك الوقت الذي كان فيه أكثر الهواتف رونقًا وجودة هو البلاك بيري؟ فقد كان ببساطة أفضل هاتف يمكن الحصول عليه حينها، ذلك قبل أن تقوم آبل بتصنيع شاشات اللمس بشكل إلزامي في كل هواتفها، حيث كان من الواضح تمامًا من تصميم هاتف بلاك بيري وطريقة عمله بأنه قد خُصص لأغراض أخرى تختلف تمامًا عن الهدف الذي بزغ نجم شركة آبل من أجله.
خلال ثماني سنوات، منذ عام 2008 وصولاً إلى عام 2016، انخفض سعر سهم شركة بلاك بيري في السوق من 130 دولارًا للسهم وصولًا إلى 9 دولارت فقط، وبالعودة إلى الخلف قليلًا قبل بداية عام 2008، كان بلاك بيري يحقق نجاحًا منقطع النظير، ففي ذلك الوقت لم يكن من اهتمامات كل من جوجل وآبل أن يبنوا علاقة قوية مع مزودي خدمات المحمول، ولم يكن من اهتمامهم أن يكون لديهم شريحة مخلصة من المستخدمين من رجال الأعمال، إلا أن كل ما سبق كان من اهتمامات بلاك بيري، وهو الأمر الذي أدى إلى نجاحه وفشله في نفس الوقت.
تجاهل بلاك بيري دخول الآيفون إلى ساحة المنافسة في مجال الهواتف المحمولة عام 2008، ذلك لأن الشركة ببساطة لم يكن لديها الكثير لتخسره، فلقد كانت رائدة في مجال الهواتف المحمولة، وكان قرارها أن تظل مستمرة في المضمار الذي اختارته بالتقنيات الجديدة التي قدمتها للسوق، ولهذا لم يكن دخول آيفون للمنافسة خطرًا كبيرًا على بلاك بيري من وجهة نظر إدارة الشركة.
ربما يكون أكثر ما اتسمت به شركة بلاك بيري في ذلك الوقت هو “التحفظ”، حيث التزمت بكل ما كان لديها من مبادئ واهتمامات، وتميزت حينها بالرضا عن أدائها دون الالتفات لمن حولها ولمن حل جديدًا على السوق، فكانت مرآتها النجاح الذي حققته لمدة لم تتجاوز الثماني سنوات فحسب.
لم تتجاهل بلاك بيري دخول آيفون للمنافسة فحسب، بل تجاهلت تحول السوق نفسه نحو شاشات اللمس في الهواتف المحمولة، حيث كانت تلك الوجهة التي يتحرك نحوها الركب التكنولوجي برمته، وهو الأمر الذي جعل من شركة آبل في مكانها الصحيح، إذ دخلت إلى المنافسة مطبقة لتلك التقنية، والتي تبعها في ذلك شركات مثل HTC و lG وسوني.
هناك قاعدة في علم التسويق تقول “لا تثق دومًا في ولاء الزبائن”، وهذا الخطأ الذي وقعت فيه إدارة الشركة
لم تجد شركة بلاك بيري مفرًا أمام التحول التكنولوجي السابق سوى أن تدافع عن نفسها، وكوسيلة للدفاع اختارت الشركة أن تحافظ على ما تملكه بالفعل بدلًا من الدخول والمنافسة في مضمار جديد كليًا عليها، فاختارت المحافظة على شريحة المستخدمين التي تملكها بدلًا من اكتساب مستخدمين أكثر، فاهتمت بالمليون مستخدم ولم تعبأ بأن يكون لديها مئات الملايين منهم.
مليون مستخدم أفضل من مئات الملايين
لم تهتم الشركة كثيرًا باكتساب مزيد من المستخدمين، ذلك لأنها تعلم جيدًا أن كثيرًا من رجال الأعمال ورجال الأمن وموظفي الحكومة ذوي المناصب الرفيعة يعتمدون على خدمات بلاك بيري التي تتميز بالأمن والحماية للمعلومات بشكل ممتاز، وحماية للرسائل البريدية، وطريقة عمله الكفء التي تحافظ على أشغالهم بالشكل الذي يرغبون أن تكون عليه.
تجاهل بلاك بيري دخول الآيفون إلى ساحة المنافسة في مجال الهواتف المحمولة في عام 2008، ذلك لأن الشركة ببساطة لم يكن لديها الكثير لتخسره
لا يمكن إنكار أن أجهزة بلاك بيري تتميز بالتشفير المعقد، والذي يجعل من الصعب على الأمن الإلكتروني اختراق الأجهزة والتجسس على أصحابها من خلال محتويات رسائلهم النصية أو البريدية، ربما هو أيضًا النجاح الذي أدى إلى الفشل، كما حدث في انهيار شركة بلاك بيري في منطقة الخليج في عام 2010 و2011 على سبيل المثال، بعد منع بيع واستخدام هواتف بلاك بيري في الإمارات العربية المتحدة وكذلك السعودية بسبب عدم تعاون الشركة معهم لإعطائهم وسيلة لتجاوز ذلك التشفير من أجل التحكم في المراقبة الإلكترونية لأجهزة بعض الشخصيات بعينها.
لا مجال للخطأ
ظنت الشركة أن هناك مجال للخطأ وتصحيحه، فعدلت تصميم الهاتف نفسه مواكبة للتغيرات الجذرية في مجال تكنولوجيا الهواتف المحمولة في ذلك الوقت، إلا أنها انتبهت لذلك متأخرة جدًا، وعلى الرغم من ذلك التأخير، ظنت الشركة أن هناك مجال للتعديل واختبار رغبة السوق في ذلك التعديل، واعتقدت أن هناك مجال لتصحيح الأخطاء التي ستقع فيها الشركة إن لم تعجب تلك التغيرات المستخدمين.
كان من الصعب جدًا أن تتخلى الشركة عن كل ما حققته في مجال التكنولوجيا، وكان من الصعب أن تتحول من لوحة مفاتيح بلاك بيري المشهورة والمألوفة إلى شاشات اللمس التي يتنافس فيها عملاقة التكنولوجيا، ولهذا كان الحل في تغيير التصميم.
عدلت الشركة التصميم، في شكل مربع غريب لا يناسب حجم كف اليد ولا حجم الجيب، كان هذا مثالًا واضحًا لتطبيق بلاك بيري مبدأ “الرضا عن النفس” وهو المبدأ الذي يجعلها في حالة “لعنة الفائز”، أي تظن الإدارة أنها تقوم بأداء جيد وتقترب من الفوز بمضمار المنافسة، إلا أنها في الواقع تتجه نحو الخسارة بخطوات هادئة.
ظنت الشركة أن هناك مجال للخطأ وتصحيحه، فعدلت تصميم الهاتف نفسه مواكبة للتغيرات الجذرية في مجال تكنولوجيا الهواتف المحمولة في ذلك الوقت، إلا أنها انتبهت لذلك متأخرة جدًا
هناك قاعدة في علم التسويق تقول “لا تثق دومًا في ولاء الزبائن”، وهذا الخطأ الذي وقعت فيه إدارة الشركة، لم يعجب الجمهور التصميم المُعدل، كما لم يعجب شريحة مستخدمي هواتف بلاك بيري أنفسهم، ولأن بلاك بيري تأخرت عن ركب التغيرات التكنولوجية كثيرًا، لم يكن هناك أي مجال للخطأ ولا أي مجال لتصحيحه.
كان من الواضح لسوق الهواتف الإلكترونية أن آبل تتقدم المنافسة حينما قدمت شركة آبل آيفون 4 وآيفون 4S، واستطاعت أن تسحب السوق الأمريكية من هيمنة شركة بلاك بيري، وهي السوق الأكثر أهمية بالنسبة لشركات تكنولوجيا الهواتف المحمولة، حيث وجد المستخدمون ببساطة أن آبل تمتلك الكثير مما لا تمتلكه بلاك بيري حتى بعد محاولات الأخيرة الفاشلة.
في عام 2016 أعلنت شركة بلاك بيري توقفها عن تصنيع هواتف بلاك بيري، وستحول تركيزها بعد ذلك في تصنيع البرمجيات وبرامج الحماية الإلكترونية، فكما قال المدير التنفيذي للشركة “جون تشين” في بيان للشركة حينها إن المؤسسة المالية لبلاك بيري قوية، ولهذا فهي قادرة على مواجهة المنعطفات الحادة في تغيير الاستراتيجية، ومستعدة للبدء من جديد في تصنيع وإدارة البرمجيات وبرامج الحماية الإلكترونية.