أحدثت الإبادة الإسرائيلية في غزة دمارًا شديدًا بصناعة التكنولوجيا في فلسطين، فكما أدت الهجمات الانتقامية المتصاعدة – من جيش الاحتلال – إلى استشهاد آلاف الأرواح، كان التأثير كارثيًا أيضًا على البنى التحتية، ومنها شركات التقنية التي كانت قد أظهرت بريق أمل في أحد أكثر المناطق التي تواجه تحديات لا تنتهي.
قطاع التكنولوجيا في فلسطين
على مدار السنوات الطويلة الماضية، كانت شركات التقنية وقطاع التكنولوجيا في فلسطين، يواجه عقبات وتحديات جمة، ولعل ذلك يرجع إلى الظروف السياسية والاقتصادية الخاصة بتلك المنطقة، ورغم أن هذا الأمر كان عليه أن يجعل غزة منطقة منبوذة، فإن العكس هو ما حدث.
أدركت شركات التكنولوجيا العالمية أن هناك قوى عاملة تمتلك مواهب وإمكانات غير مُستغلة حتى الآن، لهذا نشأت أول أكاديمية لتعليم البرمجة في غزة، بدعم من المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة البرمجيات “سيلز فورس”، مارك بينيوف، أيضًا، شركة “إنفيديا” هي الأخري تعتمد على العديد من مهندسي ومتخصصي التكنولوجيا الفلسطينيين من أجل تشغيل خدماتها التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، كما يتزايد اهتمام وادي السيليكون بالمنطقة، لهذا تم استثمار نحو 10 ملايين دولار في النظام البيئي الفلسطيني، وكل هذا من أجل تعزيز إمكانات المنطقة باعتبارها مركزًا للابتكار التكنولوجي.
في الناحية الأخرى، أنشأ مستثمرون ومديرون تنفيذيون فلسطينيون صندوق فلسطيني لرأس المال الاستثماري تحت اسم “ابتكار” في عام 2016، ومؤخرًا حصل على جولة أخرى من التمويل بقيمة بلغت 30 مليون دولار، ومن خلال ابتكار، تم تمويل العديد من الشركات الناشئة في المنطقة والتي تعمل في مجالات مختلفة بما في ذلك الأمومة والذكاء الاصطناعي والألعاب وغيرها.
شركات التقنية الفلسطينية
رغم التحديات الهائلة التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي نتيجة الهجمات المتتالية برًا وبحرًا وجوًا على قطاع غزة، فإن المشهد التكنولوجي قبل تصعيد الأعمال العدائية الأخيرة، كان في حالة نمو واستقرار حتى مع وجود بعض التحديات التي واجهتها الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا كمحاولة الحصول على تمويل وأيضًا كيفية توفير الموارد اللازمة لسير العمل.
مع ذلك، لم تمنع تلك العقبات العديد من الشركات العربية المختلفة من تأسيس مكاتب لها في فلسطين، وحتى الشركات العالمية مثل آبل ومايكروسوفت وغيرهما، كانوا يستهدفون العاملين في قطاع التقنية بالمنطقة.
كذلك، كانت الشركات الفلسطينية الناشئة تجتذب الاستثمارات مثل Olivery وCoretava وSellenvo وحاكيني (Hakini) وغيرها من شركات التقنية التي يُغذيها الابتكار ويقودها أفراد موهوبون، التي أثبتت أنها ذات فائدة لتترك بصمتها في المشهد التكنولوجي العالمي، ووفقًا لتقرير البنك الدولي، ضخت صناعة التكنولوجيا والاتصالات الفلسطينية ما يقرب من 500 مليون دولار إضافية في الاقتصاد وشكّلت نحو 3% من الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2021.
والآن، يحاول مجتمع الشركات الناشئة التكيُّف مع الوضع الجاري، وبينما لا تزال الشركات في الضفة الغربية والقدس تعمل، إلا أن التأثير الأكبر كان على الشركات في غزة أو الشركات التي تعمل خارج المنطقة، لكن لديها فرق عمل في غزة أو حتى يعتمدون على القطاع من أجل استيراد المكونات الخاصة بعملهم.
مع أن الجميع على دراية بأن الحرب مهما طالت، سوف تنتهي في وقت ما، هناك شعور غامض ممزوج بالمجهول ينتاب العديد من رواد الأعمال في فلسطين، بشأن ما سيحدث بعد تلك الحرب التي قضت على الأخضر واليابس حتى الآن.
وفي حين أن هذه الحرب قاسية بشكل غير مسبوق مُقارنة بالحروب الأخرى السابقة، إلا أن الفلسطينيين اعتادوا أن يكونوا مرنين، وسينتعشون ويُعيدون البناء ويتجاوزون تلك المحنة سريعًا.
انقطاع التكنولوجيا عن غزة
وجهّت الحرب ضربة موجعة لريادة الأعمال وشركات التقنية في غزة، وأدى الدمار الناجم عن هذا العدوان إلى تهديد صناعة التكنولوجيا في فلسطين، وإليكم بعض السلبيات:
هل تتذكرون غزة سكاي جيكس (GSG) المدعومة من جوجل وشركات أخرى، وكان الهدف منها مساعدة رواد الأعمال وتقديم الدعم للشركات الناشئة وتعزيز ثقافة الابتكار في المنطقة، حسنا! استهدفت طائرات الاحتلال مكتب GSG، وتم تدميره إلى جانب البنية التحتية وتلف خطوط الألياف والأجهزة.
ساهم أيضًا القصف المتواصل لتدمير المنازل والمكاتب والبنية التحتية في خلق أزمة إنسانية شديدة الخطورة، مع محدودية الوصول إلى الضروريات الأساسية مثل الغذاء والماء وحتى الكهرباء، وهذا جعل العاملين في القطاع يصلون إلى طريق مسدود بسبب الفوضى والدمار وحتى انعدام الخدمات الأساسية لاستمرار الحياة والعمل.
انخفضت ساعات الاتصال بالإنترنت في غزة بشكل كبير، مع انقطاع الكهرباء في جميع أنحاء القطاع بِرُمَّته، وقد أدى قصف البنية التحتية لشبكة الكهرباء وأبراج الهواتف المحمولة وحتى مزودي خدمات الإنترنت إلى قطع الاتصال بصورة كاملة، ونتيجة ذلك، لم يعد بالإمكان مواصلة العمل بسبب الخطر المستمر وعدم إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية، وحتى المطورين والمبرمجين، الذين يعملون لدى شركات خارج فلسطين، مثل وادي السيليكون وأوروبا، وجدوا أنفسهم غير قادرين على تنفيذ عملهم والمهام المطلوبة منهم أو حتى الاتصال بالإنترنت. وفي النهاية، تم إصابة قطاع التكنولوجيا في غزة بشلل تام.
أيضًا، يواجه رواد الأعمال والعاملون في قطاع التكنولوجيا تحدياتٍ مستمرة، فهم يكافحون بالفعل للتغلب على القصف الإسرائيلي والنجاة بحياتهم ومحاولة الحفاظ على استمرارية أعمالهم، وفي الوقت ذاته، يشعرون بالحزن على فقدان الأرواح، كما أن العديد منهم حاليًا لا يستطيع الوصول إلى الأصدقاء والعائلة والزملاء.
لهذه الأسباب، تعمل شركات التقنية في غزة الآن إما على نطاق محدود جدًا وإما أنها اضطرت إلى إغلاق أبوابها بالكامل، فقد أدى الوضع الخطير وتدمير البنية التحتية إلى تحويل الأولويات بعيدًا عن الأعمال والتكنولوجيا. الواقع المؤلم على الأرض جعل من المستحيل تقريبًا على رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا التركيز على عملهم وتحقيق تطلعاتهم وأهدافهم.
ومع ذلك، هذه ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يقصف فيها الاحتلال غزة، وبالنسبة لشركات التقنية وريادة الأعمال في غزة، الطريق إلى التعافي سيكون طويلًا ومليئًا بالتحديات، لكن بالإصرار والدعم القوي، يمكن لصناعة التكنولوجيا في فلسطين أن تنهض من تحت الرماد لتستعِد مكانتها كمركز للابتكار وريادة الأعمال خلال فترة زمنية وجيزة.
في النهاية، وجهت الحرب على غزة، ضربة قاسية لصناعة التكنولوجيا وشركات التقنية في فلسطين، ما ترك مستقبلها مجهولًا حتى الآن، فقد أدى تدمير البنية التحتية، والخسائر في الأرواح، وتشريد الناس إلى خلق بيئة من عدم اليقين والفوضى، وسيتم اختبار مرونة رواد الأعمال الفلسطينيين في أثناء تعاملهم مع آثار الصراع وسعيهم إلى إعادة بناء قطاع التكنولوجيا وإحيائه مرة أخرى.