للمرة الأولى في تاريخها اضطرت تونس مؤخرًا إلى استعمال جزء من مخزونها الاستراتيجي من المياه لمواجهة النقص الحاد في الموارد المائية بفعل موجة الجفاف التي تعيش على وقعها البلاد منذ أكثر من سنتين، مما ينذر بالخطر المحدق الذي يهدد هذه البلاد العربية.
اللجوء إلى المخزون الاستراتيجي
تراجع معدل سقوط الأمطار حتم على تونس القيام بخطوة هي الأولى من نوعها باستخدام مخزونها الاستراتيجي من المياه، فضخت 170 مليون متر مكعب من المياه من سدودها في الشمال في محاولة منها للسيطرة على النقص الحاد في موارد المياه.
تصنف تونس ضمن الدول التي تعاني فقرًا في المياه، إذ سجلت حصة الفرد أقل من 500 متر مكعب من المياه سنويًا
وتهدف هذه الخطوة، حسب مصباح الهلالي المدير العام للشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه، إلى تعويض النقص الحاد في المياه الذي تعاني منه تونس وتخطي الأزمة المائية في الوقت الراهن، ويقع المخزون الاستراتيجي لتونس من المياه أساسًا على مستوى سدي سيدي البراق في ولاية (محافظة) باجة، وبربرة في ولاية جندوبة بالشمال الغربي للبلاد.
وتصنف تونس ضمن الدول التي تعاني فقرًا في المياه، إذ سجلت حصة الفرد أقل من 500 متر مكعب من المياه سنويًا، مقارنة مع 700 متر مكعب كمتوسط عالمي، وهو ما تعتبره منظمة “GIZ” الألمانية غير الحكومية التي تشرف على دراسة استغلال الماء في تونس، قليلًا، وتشير إحصائيات رسمية أن معدل الموارد المائية للفرد الواحد في انخفاض متواصل، على أن يصل إلى أقل من 350 متر مكعب في السنة مع حلول عام 2020 نتيجة ارتفاع نسق الاستهلاك وتراجع منسوب المياه المخزنة.
تراجع مخزون السدود
وتعود أسباب أزمة المياه في تونس، حسب خبراء، إلى عوامل عديدة منها سوء التصرف وغياب الترشيد الاستهلاكي مقابل تزايد النمو السكاني وتنامي الحاجات التنموية، بالإضافة إلى تعاطي الدولة مع الحلول البديلة لتفادي النقص في موارد المياه التقليدية بطريقة عشوائية وغياب الحد الأدنى من التخطيط والهدر المتواصل للماء وسوء استثمار الموارد فضلًا عن التصحر وتملح التربة وتلوث البيئة.
تراجع مخزون السدود
سجل مخزون السدود إلى حدود يوم الـ28 من شهر يونيو الماضي، وفق ما نشره المرصد الوطني للفلاحة (حكومي) 884.457 مليون متر مكعب مقابل 1.315.690 مليون متر مكعب كمعدل الفترة ذاتها خلال السنوات الثلاثة الماضية بفارق 431.233 مليون متر مكعب، ويوجد في تونس 34 سدًا بقدرة تخزين تبلغ 1.9 مليار متر مكعب، ويعتبر سد “وادي الكبير” قرب العاصمة تونس أول سد تم بناؤه سنة 1928 في عهد الاستعمار الفرنسي.
بلغت أزمة نقص المياه السنة الماضية ذروتها نتيجة تراجع مخزون السدود التونسية
من جهته أكد المرصد التونسي للمياه أن الأيام القادمة ستشهد مشاكل التزود بمياه الري أمام التراجع الكبير الذي يشهده سد سيدي سالم أكبر السدود والمزود الأول لمياه الري مع تسجيل نقص كبير في التزود بمياه الري، وكانت السنة الماضية قد بلغت أزمة نقص المياه ذروتها نتيجة تراجع مخزون السدود التونسية، وانطلقت الإشكالية من شهر مايو 2016 وتواصلت إلى أواخر السنة، وتأثرت العديد من الأشجار خاصة المثمرة منها وكذلك أشجار الزيتون.
توترات اجتماعية
نتيجة هذا التراجع في مخزون المياه سجل شهر يونيو الماضي 182 حالة قطع للمياه الصالحة للشرب و40 احتجاجًا بسبب اضطراب التزود بالمياه و23 حالة تسرب مياه من الشبكة بالإضافة إلى 12 حالة إبلاغ عن مياه غير صالحة للشرب، حسب المرصد التونسي للمياه، ومثلت محافظة قفصة أكثر الولايات إبلاغًا عن انقطاع المياه بـ53 حالة تلتها القصرين وصفاقس بـ21 ثم تطاوين بـ18، وتقدر الموارد المائية لتونس بـ4503 مليون متر مكعب منها 2700 متر مكعب مياه سطحية و1803 مياه جوفية، وتتمركز أعلى نسبة من المياه السطحية بمنطقة الشمال الغربي، فيما توجد أعلى نسبة للمياه الجوفية بالجنوب التونسي وتأتى هذه المياه من الأمطار.
ارتفاع حالات انقطاع المياه
وتسجل تونس سنويًا عجزًا يقدر بـ275 مليون متر مكعب، إذ تستهلك سنويًا 4845 مليون متر مكعب في حين تبلغ مواردها المائية 4503 مليون متر مكعب، وتعد الفلاحة القطاع الأكثر استهلاكًا للماء بـ3600 مليون متر مكعب في حين لا تتعدى نسبة الماء الذي يستهلكه القطاع الصناعي 400 مليون متر مكعب والاستهلاك المنزلي نصف مليار متر مكعب، ويتم توزيع المياه الصالحة للشرب عبر شبكة من القنوات يصل طولها إلى 41619 كلم و1126 خزانًا مختلف الأحجام.