“من المرجح أن يغضب تقرير مصادر تمويل التطرف في بريطانيا المملكة العربية السعودية، إذ إنه يضعها على قائمة الممولين للإرهاب في الوقت الذي تتهم فيه دولاً خليجية أخرى بأنها الممول الرئيسي للإرهاب في الخارج”، كان هذا ملخص التقرير الذي نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية صباح اليوم الأربعاء 5 من يوليو 2017.
التقرير يشير إلى “ضلوع الرياض منذ الستينيات في إنفاق المليارات من الدولارات من أجل تصدير الوهابية المتطرفة لدول العالم، الإسلامي وغير الإسلامي، عبر العديد من الصور والمظاهر، وهو ما تسبب في انتشار الفكر المتطرف داخل بريطانيا، مما انعكس بصورة أو بأخرى على موقف البريطانيين من المسلمين وتفشي ظاهرة الإسلاموفوبيا”.
يأتي هذا التقرير بعد يومين فقط من تقرير نشرته نفس الصحيفة عن تحفظ رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، بشأن نشر نتائج تقرير مصادر التطرف في المملكة المتحدة، فيما عزت السبب وراء عدم الإفصاح عن مضمونه كونه يحمل انتقادات للسعودية، ويتهمها بالضلوع في هذا التمويل بحسب تصريحات، نائبة البرلمان وزعيمة حزب الخضر كارولين لوكاس.
الرياض على رأس القائمة
كشفت الصحيفة البريطانية في تقريرها المنشور اليوم عن صور تمويل السعودية للتطرف داخل بريطانيا والذي جاء في شكل “تخصيص مليارات من الأوقاف للمساجد والمؤسسات التعليمية الإسلامية التي تستضيف العديد من الدعاة ذوي الفكر الوهابي المتشدد فضلاً عن الاستعانة بالمناهج والكتب السعودية التي تحمل بين ثناياها فكرًا متطرفًا لإقرارها على الطلاب في المدارس الممولة سعوديًا داخل المملكة المتحدة”.
توم ويلسون، الذي أعد تقرير مصادر تمويل التطرف في بريطانيا قال في تعليقه للصحيفة: “في حين أن البلدان من جميع أنحاء الخليج وإيران مذنبون بتمويل التطرف، فإن المملكة العربية السعودية بلا شك على رأس تلك القائمة”، مضيفًا “تشير الأبحاث إلى أن بعض الأفراد والمؤسسات السعودية شاركوا بشكل كبير في تصدير أيديولوجية وهابية متطرفة، لذلك من السخرية، على أقل تقدير، أن تتهم السعودية قطر بأنها الممول الأساسي للإرهاب في العالم”.
التقرير يشير إلى ضلوع الرياض منذ الستينيات في إنفاق المليارات من الدولارات من أجل تصدير الوهابية المتطرفة لدول العالم، الإسلامي وغير الإسلامي
التقرير لفت إلى أنه رغم اعتراف القادة السعوديين بضرورة كبح بعض مصادر تمويل التطرف بما في ذلك إنشاء مركز مكافحة التطرف هذا العام (اعتدال)، فإن مستوى تمويل الوهابية آخذ في الازدياد، حيث أنفقت المملكة على تعزيز الوهابية المتشددة عام 2007 ما لايقل عن ملياري دولار، تضاعف إلى 4 مليار دولار في عام 2015.
الأسر الحاكمة السعودية و”داعش”
“ينبغي على المملكة العربية السعودية والبلدان العربية السنية الأخرى بذل المزيد لضمان عدم قيام الأسر الحاكمة بها بتقديم التمويلات السرية لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف إعلاميا بـ”داعش”، بهذه الكلمات أوصت لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني خلال مناقشتها تقريرًا عن الأوضاع المالية لـ”داعش” في يوليو 2016 والتي تم تصنيفها كجماعة إرهابية من قبل لندن في 2014.
وزير شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية البريطانية توباياس إلوود، بحسب التقرير المنشور، أقر بأنه من الصعب معرفة الكيفية التي تعمل بها الأسر الملكية الملكية في بعض البلدان الخليجية، قائلاً أمام لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان البريطاني: “مسألة التبرعات التي تقدمها أفراد الأسر الملكية السعودية مسألة غامضة جدًا، عندما يكون شخص مقرب من دوائر صنع القرار في أسرة ملكية، متبرعًا ثريًا، قد يحدث هذا على الأرجح.”
من جهته، قال دان تشوج، موظف رفيع المستوى بوزارة الخارجية البريطانية في تحقيق اللجنة: “من الصعب مع بعض من تلك البلدان معرفة الحكومة التي تقدم تمويلات، حينما تتعامل مع الأسر الملكية والأمراء الأثرياء وهذه الأنواع من الأشياء، ولا تهدف استراتيجيتنا إلى محاولة التثبت من المشكلة ومن ارتكبها، ولكن تجفيف منابع تمويل (داعش)، هذا هو المهم، وهذا هو ما نركز عليه.
استنكار من تناقض تصريحات الرياض بشأن مكافحة التطرف في الوقت الذي لا تزال تموله
ينبغي على المملكة العربية السعودية والبلدان العربية السنية الأخرى بذل المزيد لضمان عدم قيام الأسر الحاكمة بها بتقديم التمويلات السرية لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف إعلاميًا بـ”داعش”
مساعٍ لإخفاء التورط السعودي
الصحيفة البريطانية في تقريرها المنشور في الثالث من يوليو الحالي ذكرت أن رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، لم تقرر بعد نشر تقرير العام الماضي الخاص بتحديد مصادر تمويل التطرف في المملكة المتحدة والذي كان مقررًا له أن ينشر في يناير الماضي، إلا أنها قدمت تفسيرًا لذلك على لسان عضو البرلمان وزعيمة حزب الخضر، كارولين لوكاس.
لوكاس عزت موقف ماي من عدم نشر التقرير كونه ينطوي على انتقادات للسعودية في الوقت الذي تسعى فيه رئيسة الوزراء البريطانية إلى تعميق علاقاتها مع دول الخليج وعلى رأسها الرياض، ما يضع العديد من علامات الاستفهام، حول ما إذا كان قرار النشر يتأثر بعلاقات لندن الدبلوماسية.
التقرير نوه في تفسيره للموقف إلى زيارة ماي للرياض وبعض دول الخليج عقب شروع بريطانيا في إجراءات الخروج من الاتحاد الأوروبي مارس الماضي، حيث تسعى إلى فتح نوافذ استثمارية وتعميق مصالحها الخليجية بصورة تعوضها عن الخروج من العباءة الأوروبية، مما تعتبر خطوة رمزية لها دلالاتها الكبيرة، بحسب الصحيفة.
التقرير الذي طلبه رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون والذي كان مقررًا له أن يخرج للنور قبل ستة أشهر ربما يهدد مصالح بريطانيا الاقتصادية، خاصة أن السعودية أحد أهم المستوردين للأسلحة المصنعة في المملكة المتحدة، وأن أي انتقادات توجه لها ربما تهدد هذه الصناعة، حسبما تطرق التقرير.
إلا أن الهجمات الإرهابية التي وقعت مؤخرًا في مانشستر وجسر لندن مع إبقاء التحفظ على نشر نتائج التقرير كشفت النقاب عن نية الحكومة البريطانية في عدم الإفصاح عنها وهو ما أثار الجدل داخل الأوساط السياسية البريطانية لا سيما المعارضة.
أنفقت المملكة على تعزيز الوهابية المتشددة عام 2007 ما لايقل عن ملياري دولار، تضاعف إلى 4 مليار دولار عام 2015
زعيمة حزب الخضر أشارت إلى أن الهجمات الإرهابية الأخيرة جعلت الناس “يطرحون أسئلة مشروعة عن الطرق المؤدية للتطرف، وأن تمويل الإرهاب له دور محوري في ذلك”، وتابعت “إنني أحثُّ تيريزا ماي على الكشف فورًا عن مصدر النصيحة التي يلتزمون بها، فيما إذا كان سيتم نشر هذا التقرير أم لا، وبذل كل ما في وسعهم لوضع الحقائق في متناول الرأي العام إذا كان ذلك آمنًا”.
من جهة أخرى، شن زعيم حزب العمال البريطاني المعارض جيريمي كوربين، هجومًا حادًا ضد قرار إرجاء نشر نتائج تقرير تمويل الإرهاب، مبررًا هجومه بـ”مواصلة ماي نفس منهج سياساتها الخارجية، التي تعزز انتشار التطرف في المملكة المتحدة”، وكان قد تعهد في السابق قبيل الانتخابات أنه حال نجاحه سيلغي عمليات بيع الأسلحة البريطانية إلى المملكة العربية السعودية، ويضع نهاية لها، نظرًا لتوجيه الأمم المتحدة وعدد من المنظمات الدولية الأخرى اتهامات لهذا القطر الخليجي بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق ضد حقوق الإنسان، خلال الحرب التي يقودها ضد حركة أنصار الله، الشيعية والتي تعرف في اليمن باسم الحوثيين”.
لوكاس عزت موقف ماي من عدم نشر التقرير كونه ينطوي على انتقادات للسعودية في الوقت الذي تسعى فيه رئيسة الوزراء البريطانية إلى تعميق علاقاتها مع دول الخليج وعلى رأسها الرياض
وفي المقابل ردت وزيرة الداخلية سارة نيوتن بأن “رئيسة الوزراء مسؤولة شخصيًا عن اتخاذ القرار فيما إذا كان سيتم نشر التقرير أم لا”، مضيفة أن عملية مراجعة ملف تمويل التطرف الإسلامي في المملكة المتحدة كانت بتكليف من رئيس الوزراء السابق، وقُدم التقرير إلى وزير الداخلية ورئيس الوزراء في عام 2016، وتابعت “وقد مكنت عملية المراجعة من تحسين فهم الحكومة لطبيعة وحجم ومصادر تمويل التطرف الإسلامي في المملكة المتحدة، ويعود قرار نشر التقرير لرئيس الوزراء نفسه”.
وفي سياق متصل اتهمت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية، تيريزا ماي، بـ”دفن نتائج تقرير عن تمويل السعودية للإرهاب في المملكة المتحدة”، خشية من أن تضر بالعلاقات مع حليفها السعودي، مشيرة إلى أن خوف رئيسة الوزراء على مصالحها في الرياض دفعها لأن ترجئ إعلان نشر نتائج التقرير، وربما تبقى “مخفية إلى الأبد”، بسبب طبيعة النتائج التي توصلت إليها.
أما توم بريك، المتحدث باسم الشؤون الخارجية الليبرالية الديمقراطية، فقد وجه رسالة إلى تيريزا ماي، التي كانت تشغل منصب وزيرة الداخلية عند انطلاق التحقيقات سنة 2016 قال فيها: “لقد كنتِ وزيرة سابقة للداخلية، عملت في هذا المنصب خلال فترة التحقيقات، وبعد ثمانية عشر شهرًا، لا يزال تقرير التحقيقات غير كامل وغير منشور، على الرغم من ارتكاب هجومين إرهابيين مروعين، استهدفا المواطنين البريطانيين”، حسب موقع”نيوزويك“.
وتابع في رسالة أخرى للسعودية قال فيها “على وجه الخصوص، ليس من السريّ أن توفر المملكة العربية السعودية التمويل لمئات المساجد في المملكة المتحدة، بالإضافة إلى ذلك، تتبنى هذه الأماكن فكرًا وهّابيًا متشددًا، كما أنها غالبًا ما تكون أرضية خصبة لتجذّر التطرف البريطاني”، على حد تعبيره.
تفجير مانشستر الإرهابي الذي أودى بحياة 22 مواطنًا
ماذا تريد بريطانيا من السعوديين؟
فقدت لندن بلا شك عقب خروجها من الاتحاد الأوروبي العديد من الامتيازات التي طالما تمتعت بها في السوق الأوروبية المشتركة، وبانسلاخها عن عمقها التنظيمي كان لا بد من البحث عن منافذ جديدة ومصادر لتعويض هذا الفقد، فكانت السعودية بما لديها من ثراء نفطي واحتياجات عسكرية متزايدة أحد أبرز تلك الخيارات أمام الحكومة البريطانية.
لعل هذا يفسر لماذا شاركت رئيسة الوزراء تريزا ماي، لأول مرة في القمة الخليجية التي عقدت في العاصمة البحرينية المنامة، في ديسمبر 2016، وما أدلت به من تصريحات تمحورت في معظمها على أن “دول الخليج تعد أكبر مستثمر في بريطانيا، وثاني أكبر سوق تصدير لدينا، خارج أوروبا، وأعتقد أن هناك إمكانية كبيرة لتوسيع هذه العلاقة في السنوات المقبلة”.
بريطانيا تعد من بين أكبر موردي الأسلحة والمعدات العسكرية للسعودية على مدى أكثر من أربعة عقود، بما في ذلك صفقة اليمامة التي بلغت قيمتها أكثر من أربعين مليار جنيه إسترليني
وبحسب تقرير نشره “هافنتغون بوست” نقلاً عن قناة “سي إن بي سي عربية”، بلغت الصادرات البريطانية إلى دول الخليج في 2014، 13.6 مليار جنيه إسترليني (نحو 16.5 مليار دولار)، كما بلغت قيمة الاستثمارات الخليجية في بريطانيا 200 مليار دولار، حصة العقارات منها 45 مليارًا، مما يمثل 40% من الاستثمارات الخليجية في العقارات بأوروبا.
الحكومة البريطانية تقول “هناك فرص تقدر قيمتها بـ30 مليار جنيه إسترليني للشركات البريطانية، للاستثمار في 15 مجالاً مختلفًا في الخليج، خلال السنوات الخمسة المقبلة” بحسب التقرير.
التوجه البريطاني نحو الخليج خيار لندن ما بعد الخروج من الأوروبي
جدير بالذكر أن بريطانيا تعد من بين أكبر موردي الأسلحة والمعدات العسكرية للسعودية على مدى أكثر من أربعة عقود، بما في ذلك صفقة اليمامة الشهيرة في ثمانينيات القرن الماضي، والتي بلغت قيمتها أكثر من أربعين مليار جنيه إسترليني أنقذت شركات تصنيع السلاح البريطانية حينها من أزمة مالية كادت تعصف بها.
وقد أثارت مبيعات الأسلحة البريطانية للسعودية الكثير من الجدل داخل الأوساط السياسية والحقوقية في لندن، إذ إن البعض اتهم الرياض باستخدام هذه الأسلحة في قتل المدنيين ونشر الإرهاب والتطرف، وهو ما جسده الطعن المقدم من عدد من النشطاء أمام القضاء البريطاني في السابع من فبراير/شباط الماضي لوقف مبيعات أسلحة بريطانية بأكثر من 3 مليار جنيه إسترليني إلى السعودية، بسبب إمكانية استخدامها باليمن في انتهاك للقانون الإنساني الدولي.
علاوة على ذلك تسعى حملة مناهضة تجارة الأسلحة المعروفة اختصارًا بـ”كات” إلى استصدار أمر من المحكمة العليا في لندن لوقف تراخيص لتصدير مقاتلات وقنابل وذخائر بريطانية الصنع إلى السعودية، في الوقت الذي تسعى فيه حكومة ماي لإجهاض هذه المحاولات من أجل تعميق علاقاتها مع الرياض.
كثير ما اتهمت السعودية بتمويل الإرهاب ليس في بريطانيا وحدها، فهناك الولايات المتحدة الأمريكية عبر قانون ” تطبيق العدالة على رعاة الإرهاب” المعروف اختصارا باسم قانون “جاستا”
ماذا عن النفوذ القطري؟
“في ليلة من ليالي يوليو من العام 2013، وقف رئيس وزراء قطر آنذاك الشيخ حمد بن جاسم الثاني مع عُمدة لندن بوريس جونسون، ليفتتحا معًا مبنى الـ”شارد” Shard، بينما انطلقت الأروكسترا الإنجليزية في لندن ليبدأ عرض افتتاح أطول مبنى في أوروبا الغربية، والذي يبلغ طوله أكثر من 300 متر، ويملك جهاز قطر للاستثمار 95٪ منه”.. بهذه الكلمات استهل “نون بوست” تقرير له عن النفوذ القطري المالي في بريطانيا.
التقرير تناول تجليات هذا النفوذ الذي وصل إلى الاستحواذ على منطقة كناري وارف المالية، قلب لندن الاقتصادي والمالي إلى جانب لندن القديمة، والتي تضم مقرات أكبر البنوك والشركات الإعلامية، حيث قام جهاز قطر للاستثمار مع شريك كندي بشراء المنطقة مقابل 2.6 مليار إسترليني في مطلع هذا العام، فضلا عن إنفاق أكثر من 13 مليار إسترليني في السنوات الأخيرة لشراء ممتكلات عدة في بريطانيا، أبرزها ثكنات تشيلسي المعروفة في لندن وهارودز والقرية الأولمبية، بالإضافة إلى استحواذها على أكبر نصيب من الأسهم في بنك باركليز، وكذلك في بنك كرديت سويس وملكية مطار هيثرو، كما ستحصل على السفارة الأمريكية التي سيتم إخلائها قريبًا في لندن.
وتعد قطر القابضة الذراع الأساسية لجهاز قطر للاستثمار صاحبة النصيب الأكبر من هذه الاستثمارات، حيث تملك حوالي 12.7٪ من بنك باركليز، و17٪ من مجموعة فولكس فاجن، كما أنها جزء من مجموعة تسمّى فيلميارد اشترت شركة الإنتاج السينمائية المعروفة ميراماكس عام 2010، أضف إلى ذلك استحواذها على مقر بنك كرديت سويس في لندن، والذي تمتلك منه 6٪، واستثمارها لخمسة مليارات في مشاريع بتروكيماوية في ماليزيا، وهي خطوة قال كثيرون أنها ستعزز من قوة ماليزيا في هذا المجال بمواجهة منافستها سنغافورة.
ومن ثم فإن ظهور مثل هذه التقارير التي تدين السعودية وتضعها على قوائم الدول الداعمة للإرهاب في أعقاب اتهامها لقطر بتمويل المنظمات الإرهابية على خلفية الأزمة الخليجية المشتعلة يدفع إلى التساؤل حول مدى وقوف النفوذ المالي القطري وراء خروج مثل هذه التقارير للعلن في هذا التوقيت على وجه الخصوص، كأحد أساليب الرد على ما تقوم به الرياض وأبو ظبي من تحريض بعض الأذرع الإعلامية الإقليمية والدولية للنيل من الدوحة ونظامها الحاكم.
وليس بخاف على أحد الدور الذي يمكن أن يلعبه النفوذ المالي في التفوق على بعض القوانين المعمول بها خارجيًا، كأن يتم إرجاءها وتأجيل العمل بها، كذلك تجاهل التقارير التي قد تتعارض مع سلطة المال، فكثير ما اتهمت السعودية بتمويل الإرهاب ليس في بريطانيا وحدها، فهناك الولايات المتحدة الأمريكية عبر قانون ” تطبيق العدالة على رعاة الإرهاب” المعروف اختصارا باسم قانون “جاستا ” الذي وافق عليه الكونجرس في أكتوبر الماضي والذي يسمح لعائلات ضحايا تفجيرات 11سبتمبر بمقاضاة السعودية والحصول على تعويضات، ومع ذلك لم يتم تفعيله حتى الآن بحكم سلطة المال التي نجحت الحكومة السعودية في استغلالها بشكل جيد للحيلولة دون تنفيذ مثل هذه القرارات التي تدينها في الداخل والخارج.
الرد والرد المقابل بين قطر من جانب والسعودية والإمارات من جانب آخر، ليس إلا جولة واحدة في معركة النفوذ المستعرة بين الطرفين أوروبيًا، وهنا يجب التنويه إلى آخر الجولات سخونة بين الطرفين، حين سعت حكومتي الرياض وأبو ظبي إلى الضغط على الحكومة البريطانية لوضع جماعة الإخوان المسلمين على قوائم التنظيمات الإرهابية في مقابل ضغوط قطرية للحيلولة دون ذلك، وهو ما يفسر حالة الانقسام داخل الأوساط البريطانية حيال الموقف من الجماعة والذي يعكس شراسة الصراع على النفوذ بين الجانبين.
ظهور مثل هذه التقارير التي تدين السعودية وتضعها على قوائم الدول الداعمة للإرهاب يدفع إلى التساؤل حول مدى وقوف النفوذ المالي القطري وراء خروج مثل هذه التقارير للعلن في هذا التوقيت على وجه الخصوص
النفوذ المالي الخليجي في أوروبا وأمريكا صراع على صفيح ساخن
الموقف البريطاني من الأزمة الخليجية
يعكس الموقف البريطاني من الأزمة القطرية الخليجية حالة صراع النفوذ بين طرفي الأزمة، فاختيار لندن للوقوف على مسافة واحدة من الجميع أعطى الضوء الأخضر للفريقين لاستغلال نفوذهما المالي عبر كسب تأييد ودعم بعض المنصات الإعلامية والمجتمعية لموقف كل طرف على حده.
وقد أعربت الخارجية البريطانية عن أملها بـ”التوصل إلى حل قريباً، وأن يستعيد مجلس التعاون الخليجي وحدته،” كما جاء على لسان المتحدث باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إدوين سموأل، والذي قال إن: “من مصلحة بريطانيا أن يتم التوصل إلى حل للخلافات التي نشأت بين دول مجلس التعاون الخليجي وتتم استعادة وحدة مجلس التعاون الخليجي حتى نتمكن من مواجهة تحديات المستقبل معا.”.
الرد والرد المقابل بين قطر من جانب والسعودية والإمارات من جانب آخر، ليس إلا جولة واحدة في معركة النفوذ المستعرة بين الطرفين أوروبيًا
ومن ثم قد تجد في الدولة الواحدة انقسام بين بعض وسائل الإعلام والمراكز البحثية وتوجهات عدد من المسئولين حيال الأزمة الخليجية، فتيار يدعم الفريق السعودي الإماراتي، وآخر يدعم الفريق القطري، وهكذا، في صورة تعكس حجم النفوذ المالي للدول أطراف الأزمة ومدى التصارع بينها، وهو ما يلقي في نهاية الأمر في صالح الدول الأجنبية، أوروبية كانت أو أمريكية، والتي تحقق حزمة من المصالح على حساب تلك الدول قد لا تحققها في أوقات التفاهم والتنسيق والاستقرار بينها.
العديد من الملاحظات باتت محط أنظار البريطانيين بشأن مصير تقرير تمويل الإرهاب في بريطانيا والذي يضع السعودية على رأس القائمة، ومدى استجابة الحكومة لضغوط المعارضة الداخلية والجهات الحقوقية التي تطالب بكشف النقاب عن النتائج التي خرج بها التقرير في مقابل انتصار لغة المصالح ومواصلة تيريزا ماي المضي قدمًا في طريقها نحو جعل تلك النتائج “مخفية إلى الأبد” .