“اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية” عنوان كتاب ألفه أكاديميان بارزان هما ستيفن والت عميد كلية كينيدي في جامعة هارفرد، وجون ميرشايمر بروفيسور العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، وصفا فيه اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة بأنه تحالف واسع بين الأفراد والمنظمات التي تعمل بنشاط لتوجيه السياسة الأمريكية الخارجية لتأييد “إسرائيل”.
اللوبي الإسرائيلي يضر بالمصالح الأمريكية
يتحدث الكتاب بإسهاب عن تأثير اللوبي على السياسة الأمريكية الخارجية وكذلك تأثيره السلبي على مصالح أمريكا، حيث ورد فيه “ينبغي أن تحظى المصلحة القومية الأمريكية بالصدارة المطلقة في أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، إلا أنه وعلى امتداد الفترة الزمنية الماضية، لا سيما منذ حرب يونيو/حزيران 1967 ظلت علاقة الولايات المتحدة بـ”إسرائيل” حجر الزاوية في سياسة الولايات المتحدة الشرق أوسطية”.
“وأدت المزاوجة بين سياسة الدعم المتواصل وغير المحدود من أمريكا لـ”إسرائيل”، والسعي لنشر الديمقراطية في أرجاء المنطقة، إلى إلهاب مشاعر السخط في أوساط الرأي العام العربي والإسلامي، وهددت أمن الولايات المتحدة”، وفقًا للمؤلفين.
كما يشير الكتاب إلى سلوك مرشحي الانتخابات، سواء كانوا جمهوريين أم ديمقراطيين، بأنهم جميعًا يتحدثون خلال الحملات الانتخابية عن تعهدهم حال الفوز بأن تبقي الولايات المتحدة على التزامها بقوة في الدفاع عن أمن “إسرائيل” في كل الظروف، ولفتا إلى أنه من المستبعد تمامًا أن يقدم أحد المرشحين على مجرد الإيحاء بأن الولايات المتحدة سوف تسلك سبيلًا أكثر توازنًا في المنطقة، وإلا انتهى به الحال إلى قارعة الطريق، حسب تعبير المؤلفين.
ويتساءل ميرشايمر ووالت في كتابهما عن سبب إصرار الولايات المتحدة على تجاوز الإطار الأخلاقي في دعم “إسرائيل”، رغم أنها تقتل وتعتقل وتشرد الفلسطينيين، ولا تتبنى سياسة متوازنة في الملف الفلسطيني، قبل أن يستدركا بقولهما: “السبب الحقيقي لهذا القدر من المراعاة التي يبديها السياسيون الأمريكيون، هو قوة اللوبي الإسرائيلي داخل معظم مراكز القرار في الإدارة الأمريكية”.
61% من الناخبين المحتملين يؤيدون وقف إطلاق النار في غزة
منذ اللحظة الأولى لبداية العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن دعمه المطلق لـ”إسرائيل”، وتولّى الترويج لروايتها المضللة بشأن الحرب في غزة، بما في ذلك التشكيك في أعداد شهداء القصف الإسرائيلي الوحشي لقطاع غزة، لكن مع مرور الوقت، بدأت لهجة الخطاب الأمريكي تجاه العدوان الإسرائيلي تتغير بشكل لافت، لكن من دون أن يؤثر ذلك على مستوى الدعم العسكري للاحتلال.
غير أن دراسة حديثة لموقع Responsible Statecraft توصلت إلى أن 61% من الناخبين الأمريكيين المحتملين يؤيدون الدعوة إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، ما يشكل ضربة لجهود اللوبي المؤيد لـ”إسرائيل”، حيث أدى أكثر من شهرين من العدوان الإسرائيلي إلى ارتقاء ما يقرب من 20 ألف فلسطيني أغلبيتهم الساحقة من الأطفال والنساء، فضلًا عن الدمار واسع النطاق الذي طال أغلب مناطق القطاع.
وفي الوقت نفسه، أشار الموقع الأمريكي إلى أن نحو 14% فقط من أعضاء مجلس النواب -الغرفة الأدنى في الكونغرس- أعلنوا تأييدهم العلني لوقف إطلاق النار.
وذكر في تقريره أن الجماعات المؤيدة لـ”إسرائيل” تقدم مساهمات كبيرة في الحملات الانتخابية، وتزور أعضاء الكونغرس بشكلٍ متكرر، وتضغط من أجل دعم أنشطة حكومة الاحتلال، وفق ما قال النقاد الذين تحدثوا إلى الموقع.
أيباك.. أقوى جمعية يهودية للضغط على أعضاء الكونغرس
المحللة والباحثة الإيرلندية كارولين فرامبتون أشارت إلى الدور الذي تلعبه لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية بالإنجليزية “American Israel Public Affairs Committee” -المعروفة اختصارًا بـ”أيباك” باعتبارها أقوى جمعيات الضغط على أعضاء الكونغرس الأمريكي بشتى السبل.
وكشفت فرامبتون في حديثها لـ”نون بوست” أن عضوية “أيباك” لا تقتصر فقط على اليهود، بل يوجد بها أعضاء فاعلون من الحزبين الديمقراطي والجمهوري كلهم يعملون للضغط على المشرعين الأمريكيين لصالح “إسرائيل” منذ عهد الرئيس دوايت أيزنهاور (20 يناير/كانون الثاني 1953 – 20 يناير/كانون الثاني 1961).
20 مليون دولار لأجل إزاحة رشيدة طليب
استدلت محدثتنا على استمرار جهود اللوبي اليهودي بما كشفه مرشح ديمقراطي لمجلس الشيوخ عن عرض قدمه له رجل أعمال مرتبط بـ”أيباك” تبلغ قيمته 20 مليون دولار مقابل الموافقة على الانسحاب من المنافسة على عضوية مجلس الشيوخ عن ولاية ميشيغان، والاستعاضة عن ذلك بمنافسة النائبة المسلمة رشيدة طليب على مقعد مجلس النواب عن الولاية ذاتها.
وكان هيل هاربر قد أوضح – في تدوينة على موقع إكس – أنه لم يكن يود أن يصبح ما جاء في مكالمة هاتفية خاصة علنيًا، أما الآن وقد حدث ذلك، فإن الحقيقة هي أن أحد أكبر المانحين بلجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) عرض عليه مبلغ 20 مليون دولار إذا انسحب من سباق مجلس الشيوخ، وخاض الانتخابات ضد رشيدة طليب في مجلس النواب، موضحًا أنه رفض أن يتم شراء موقفه.
I didn’t intend for a private phone call to turn public. But now that it has, here’s the truth.
One of AIPAC’s biggest donors offered $20m if I dropped out of the U.S. Senate race to run against @RashidaTlaib.
I said no. I won’t be bossed, bullied, or bought. https://t.co/Ji76jwPE3X
— Hill Harper (@hillharper) November 22, 2023
تعتقد كارولين فرامبتون أن المرشح هاربر فضح كيفية عمل اللوبي الإسرائيلي واستعداده لدفع ملايين الدولارات مقابل إزاحة النائبة المسلمة رشيدة طليب، مذكرةً بانزعاج اللوبي المستمر من طليب ورفيقتها في مجلس النواب إلهان عمر.
واختتمت الباحثة الإيرلندية حديثها لـ”نون بوست” بقولها إنّ احتفاظ طليب وعمر بمقعديهما في انتخابات التجديد النصفي عام 2020 يعكس ثقة الشعب الأمريكي في المرشحتين المسلمتين رغم الحملات الضارية التي شنها اللوبي اليهودي وأعوانه ضدهما، لافتة إلى أنّ مجرد وجودهما في الكونغرس منذ العام 2019 دليل على فشل اللوبي الإسرائيلي، إذ لم يحدث قبل ذلك في تاريخ الولايات المتحدة وجود نواب مسلمين ينتقدون “إسرائيل” داخل قبة الكونغرس الأمريكي.
احتجاجات الطلاب تزعج اللوبي الإسرائيلي
آيات ناصر وهي شابة أمريكية من أصل سوداني تخرجت حديثًا من إحدى كليات التقنية في نيوجيرسي حكت لـ”نون بوست” كيف أن الشهرين الأخيرين من دراستها الجامعية شهدا احتجاجات مستمرة للطلاب في الحرم الجامعي للتنديد بالعدوان والحصار الإسرائيلي لقطاع غزة، ذلك إلى جانب الطلاب الذين كانوا يعبرون من جيرسي سيتي إلى مدينة نيويورك للمشاركة في الاحتجاجات الحاشدة التي شهدتها الأخيرة.
وتجزم بأنّ الغالبية العظمى من طلاب جامعتها متعاطفون مع القضية الفلسطينية رغم الدعاية التي يحاول اللوبي اليهودي بثها للتأثير على الرأي العام الأمريكي، مشيرةً إلى أن الجمعيات الداعمة لـ”إسرائيل” نفذت حملات رقمية عديدة بدعم من جامعة هارفارد وكبرى الشركات مثل غولدمان ساكس، للتأثير على الرواية الفلسطينية فيما يتعلق بالوضع في غزة.
وبشأن الفجوة الكبيرة بين الناخبين الأمريكيين، 61% منه يؤيدون وقفًا دائمًا لإطلاق النار في غزة و14% فقط من أعضاء مجلس النواب يؤيدون ذلك الموقف -وفقًا لاستطلاع Responsible Statecraft- تبرر ناصر تلك الفجوة بسبب تغلغل اللوبي الإسرائيلي وسط أعضاء الكونغرس خاصة لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية “أيباك” التي تم الإشارة إليها سابقًا.
قالت آيات إن اللوبي الإسرائيلي انزعج جدًا من احتجاجات طلاب الجامعات الأمريكية ما دفعه إلى تحريك أذرعه داخل الكونغرس لاستدعاء رئيسات 3 من أفضل الجامعات الأمريكية للإدلاء بشهاداتهن عن “التوتر” الذي تشهده ساحات الحرم الجامعي على خلفية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
إذ تم استجواب رئيسة جامعة هارفارد كلودين جاي، ورئيسة جامعة بنسلفانيا ليز ماجيل، ورئيسة معهد ماساشوستس للتكنولوجيا سالي كورنبلوث، من لجنة التعليم بمجلس النواب في وقت سابق، بتهمة تصاعد “العداء للسامية” في الجامعات المذكورة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وفي النهاية أُجبرت رئيسة جامعة بنسلفانيا ماجيل على الاستقالة بسبب تمسكها بموقفها، ووافقت على البقاء في منصبها حتى يتم تعيين رئيس مؤقت للجامعة.
Liz Magill has resigned as president of the University of Pennsylvania after widely-criticized testimony before Congress on antisemitism, in which she declined to say that a call for genocide against Jewish people violated the University’s conduct code. @lipoftv reports. pic.twitter.com/pJmyMaMNJn
— World News Tonight (@ABCWorldNews) December 10, 2023
وترى الشابة الأمريكية في ختام حديثها لـ”نون بوست” أنّ الجيل الحالي المتحكم في السياسة الأمريكية على مستوى السلطتين التنفيذية والتشريعية سيكون آخر جيل يخشى حملات وابتزاز “اللوبي الإسرائيلي” ويسعى لاسترضائه لهذه الدرجة، موضحة أن نتائج استطلاع موقع Responsible Statecraft تشكل أحدث دليل على تضاؤل تأثير اللوبي رغم الأموال الطائلة التي ينفقها.