ما بين عمالقة رواد الأعمال في شركات التكنولوجيا بداية من ستيف جوبس مؤسس شركة آبل، إلى بيل جيتس مؤسس شركة مايكروسوفت، كان هناك ستيفان بتشيكوف الذي لم يحظ بشهرة إعلامية كبيرة مثلما الحال مع المذكورين سابقًا، إلا أنه لا يقل قدرًا عنهم، لا سيما كونه أحد رواد “وادي السليكون”، المنطقة التي نشأت منها أعظم الشركات الناشئة وتحولت لشركات مهيمنة عالميًا.
لم يكن بتشيكوف رائدًا من رواد وادي السليكون فحسب، بل كانت له إنجازات مهمة في كثير من التطورات التكنولوجية، فكان من مؤسسي تقنية الـ3D وتكنولوجيا الواقع الافتراضي VR، حيث يصفه البعض باللغز المحير، كما وصفه الرئيس التنفيذي لشركته “إيفيرنوت” على مدونة الشركة، بأن هناك احتمالية أن يلمس المرء شيئًا في حياته اليومية قد يكون بتشيكوف ساهم في اختراعه.
بداية من توقيعك بخط يدك على جهاز إلكتروني سواء كان الهاتف أو الحاسوب، باستخدام الأقلام ذات خاصية الكتابة اليدوية على الأجهزة الإلكترونية، حيث اهتم بتشكيوف بعدم خسارة الأطفال المولودين في عصر السرعة والتكنولوجيا مهارات الكتابة اليدوية حتى ولو على الأجهزة الإلكترونية، وحتى ألعاب الفيديو والنظارات التي تعمل بتقنية الواقع الافتراضي، كل ذلك كان من بناة أفكار ستيفان بتشيكوف.
رجل ذكي وذاكرة سيئة
بتشيكوف مع العالم ستيفان هاوكينج
في عام 2002، قرر بتشكيوف تأسيس شركة “إيفرنوت”، الشركة الناشئة في ذلك الوقت، والتي تهدف إلى حفظ كل شيء في شكل منظم لكل من لديه ذاكرة سيئة أو غير منظمة كما هو الوضع في حالة بتشيكوف، تعمل “إيفرنوت” على تنظيم الصفحات المهمة والوثائق كل في قسم خاص به، فإذا قمت بزيارة الموقع، سيعرض عليك الموقع خدماته المختلفة التي ستساعدك على توفير الوقت والعمل بشكل منظم أكثر.
تساعد “إيفرنوت” على ترتيب كل ما يمتلكه المرء على حاسوبه أو على صفحات الإنترنت المختلفة التي يزورها المستخدم يوميًا، فتساعده على حفظ ملاحظاته في عمله، أو في أثناء الدراسة، كما تساعد على حفظ الروابط على شبكة الإنترنت بطريقة أكثر تنظيمًا من حفظها على المتصفح نفسه في قسم Bookmarks.
الصورة من موقع إيفيرنوت” مع ثلاثة أقسام تشرح عمل الموقع وهي “تنظيم حياتك أفضل، أو أن تكون أكثر إنتاجية، أو تقوم بأخذ ملاحظات بطريقة أفضل”
ستيفان بتشيكوف رجل حالم بطبعه، وذو رؤية مستقبلية بشكل دائم، وفي الحقيقة لم يكن تأسيس شركة “إيفرنوت” إلا حجر الأساس في خطته المستقبلية التي يصفها البعض بالمهمة المستحيلة، وهي حفظ الدماغ البشري، لطالما كان يحلم بتشيكوف باختراعه طريقه يُمكنه بها نسخ الدماغ البشري كاملًا، حيث كان يهدف إلى اكتشاف طريقة يستطيع بها تخزين المعلومات والذكريات بنفس السرعة التي يفكر بها الدماغ البشري، ولم تكن “إيفيرنوت” سوى البداية.
على الرغم من أن أول خطوة في بناء مشروع بتشيكوف لحفظ الدماغ البشري بدأت مع تأسيسه لشركة “إيفيرنوت” عام 2002، فإن ذلك الحلم يبدأ مع شباب بتشيكوف نفسه، وبالأخص قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، وجد بتشيكوف أن الحل الوحيد في حفظ دماغ الإنسان ومعها لغاته وثقافته وذكرياته هو جهاز الحاسوب، ومع انهيار الاتحاد السوفيتي، وجد أن هناك ثقافات وحضارات بأكملها يمكنها أن تتبخر لو لم تُحفَظ، ليكون ذلك الحافز الأساسي له في خطته لحفظ الدماغ البشرية.
الفيلسوف المخترع
فلسفته الخاصة تؤمن بأن لكل إنسان على وجه الأرض الفرصة في جعل هذا العالم مكانًا أفضل مهما اختلفت درجات أهمية عملهم
يُلقب بتشيكوف بكثير من الألقاب، من بينها الأب الروحي لوادي السليكون والرجل الحالم وكذلك الفيلسوف المخترع أيضًا، وكونه فيلسوفًا فهو يسعى دومًا لخلود الأفكار البشرية، وهذا يفسر حلمه الأكبر في استنساخ الأفكار وحفظها في أشياء ملموسة، حيث يعتبر الخطوة الأولى المتمثلة في شركة “إيفيرنوت” امتدادًا للدماغ البشرية في شكل مقروء وملموس.
يقول ستيفان بتشيكوف في أحد لقاءاته إن فلسفته الخاصة تؤمن بأن لكل إنسان على وجه الأرض الفرصة في جعل هذا العالم مكانًا أفضل مهما اختلفت درجات أهمية عملهم، فلسائق التاكسي القدرة على ذلك وللطاهي ولرجل الأعمال، كلهم سواء في جعل العالم مكانًا أفضل للحياة، ولكن لا يمكن للمرء أن يجعل العالم مكانًا أفضل من دون أن يتذكر الجميع ما فعله، وهذا كله يعتمد على الذاكرة، وعلى طريقتنا في حفظ الذكريات.
تابع بتشيكوف في لقائه عن حلمه في استنساخ الذاكرة، مشيرًا إلى أن الذاكرة تُشكل 99% مما يعرفه الإنسان، وهذا يعني أن كل ما يتذكره المرء في حياته هو ما يشكل شخصيته عبر الزمن، فإذا جُردَ الإنسان من ذكرياته، فما الممكن أن يتبقى منه إذًا!
أن تتذكر وأن يتذكرك الآخرون
بزغت شركة “إيفيرنوت” من مبدأ بيتشكوف الذي يتمثل في “أن تتذكر وأن يتذكرك الآخرون”، ربما يكون ذلك نتيجة لمثابرته على تحقيق حلمه الشخصي الذي تعود بدايته إلى عهد انهيار الاتحاد السوفيتي، إلا أنه الآن ينبع من مسألة شخصية أصابت الفيلسوف المخترع، إذ إنه مصاب بمرض باركينسون والذي يتسبب في فقدان الذاكرة المؤقت.
لا يبدو بيتشكوف شديد التعاسة بسبب مرضه، بل يود أن يستغله ليحفظ ذاكرة الإنسان من التبخر خلال الزمن، ويريد أن يحمي المعلومات التي عرفها وحفظها الإنسان منذ بداية تشكيل وعيه وحتى لحظة مماته، بما فيها من أفكار واختراعات ومعلومات قد تفيد البشرية وتجعل من العالم مكانًا أفضل.
“هناك طريقة وحيدة تستطيع أن تبقى بها الحضارة البشرية على قيد الحياة، وهي أن تجعل الأدمغة البشرية تعمل بطريقة أكثر فعالية مليون مرة ضعف الطريقة التي تعمل بها الأدمغة البشرية الآن”
المهمة المستحيلة والحلم الدائم
يؤمن بتشيكوف أن أجهزة الحاسوب تتضاعف في قوتها وقدراتها الإلكترونية تقريبًا كل 18 شهرًا، وهذا يعني أن البشرية ستكون في صراع البقاء للأقوى مع الماكينة، وهذا لا يعني أن الأمر شديد السوء بالنسبة للبشر في رأي بيتشكوف بل على العكس، هي فرصة ذهبية لتطوير القوة البشرية من جديد، وفرصة ذهبية لتطويع تلك القوة التكنولوجية الهائلة المتمثلة في الآلة أو الماكينة.
“أجهزة الحاسوب لا تجعلنا نحن البشر أفضل ولا أسرع، ولهذا فالوقت حان لتنمية وتطوير البشرية نفسها”
كما ذكرنا سابقًا فإن شركة “إيفيرنوت” لم تكن إلا بداية لتحقيق حلمه، والذي يشارك فيه بتشيكوف رؤيته مع كثير من عمالة التكنولوجيا ورواد الأعمال فيها مثل إليون ماسك، والتي تتمثل في تحقيقه “تمديد ملموس للدماغ البشري”، ربما في رقاقة إلكترونية لا تتجزأ من الدماغ، وهو الحلم الذي بات خيالاً علميًا لعقود مضت، إلا أنه ليس بعيدًا كثيرًا أن يتحقق في المستقبل القريب.