بعد أشهر من اعتزاله الظهور الإعلامي عقب إعفائه من تشكيل الحكومة، خرج الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة المغربية السابق عبد الإله بنكيران عن صمته أمس بتصريح حذر فيه من امتداد “حراك الريف” لأنحاء البلاد وإمكانية زوال الدولة إذا لم يتم الإصلاح.
لا بد من حل لحراك الريف
تحذير بنكيران من إمكانية انتقال حراك الريف إلى باقي أرجاء البلاد، جاء ضمن لقاء داخلي مع مستشاري حزبه قبل أيام، نُشرت مضامينه أمس الأربعاء على موقع الحزب، وأكد بنكيران في كلمته أن عدم إيجاد حل للحراك الذي تشهده مدينة الحسيمة شمال المملكة منذ عدة شهور من شأنه أن يجعل الاحتجاجات تمتد إلى البلاد برمتها، مشيرًا إلى أن رسالة الحراك وصلت.
تشهد مدينة الحسيمة وعدد من مدن وقرى منطقة الريف شمالي المغرب احتجاجات متواصلة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي
وشدد على أنه يجب حل المشكلة بالحسيمة، وأنه من غير المعقول أن تبقى الأمور متوترة في المنطقة، مؤكدًا ضرورة توفير الهدوء ومساهمة كل واحد في إيجاد حل، واعتبر بنكيران أن المسيرة التي جرت في العاصمة الرباط الشهر الماضي تضامنًا مع مطالب الريف أثبتت أن المغاربة يساندون مطالب الحراك المشروعة ولا يعتبرونهم انفصاليين، وتلك المسيرة كانت حاشدة ودالة.
وتشهد مدينة الحسيمة وعدد من مدن وقرى منطقة الريف شمالي المغرب احتجاجات متواصلة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، للمطالبة بالتنمية ورفع التهميش ومحاربة الفساد، وذلك إثر وفاة تاجر السمك محسن فكري المنحدر من أمزورن، الذي قتل طحنًا داخل شاحنة لجمع النفايات خلال محاولته الاعتصام بها لمنع مصادرة أسماكه.
الدولة في خطر
لم يكتف الأمين العام للعدالة والتنمية بهذا، بل حذر أيضًا من إمكانية زوال الدولة إذا لم يتم الإصلاح، مشبهًا المملكة المغربية بالباخرة، إما المحافظة عليها أو تهديدها بالغرق، وحينها لن يغرق واحد، بل الجميع سيغرقون، وقال إن الإصلاح ليس اختيارًا، بل ضرورة من أجل أن نكون أو لا نكون، مردفًا: “لم أعد أومن بحزب العدالة والتنمية كفاعل للإصلاح وحده، بل أكثر من 90% من المغاربة يرغبون في الإصلاح ومستعدون لتأدية الثمن، نحن في نظام يضم الإصلاح والفساد مختلطين”.
بنكيران شدد على ضرورة الإصلاح لإنقاذ البلاد
واسترسل: “المغاربة متجاوبون مع سكان الريف في مطالبهم المشروعة، وهو ما أثبتته مسيرة الرباط التضامنية، ولا بد من الهدوء من أجل حل هذه المشكلة في أقرب وقت”، مضيفًا: “لا يمكن أن يبقى الأمر على ما هو عليه مما قد يؤدي إلى إشعال البلاد بأكملها”.
وأرجع بنكيران ركونه للصمت في المرحلة السابقة التي أعقبت إعفاءه من تشكيل الحكومة، إلى كونه فكر في إنهاء عمله السياسي، بيد أن الإلحاح الكبير الذي عبرت عنه فئة واسعة من الناس بعدم التخلي عن دوره دفعه إلى مراجعة مواقفه، وقال في اللقاء ذاته إن الظروف الحالية فرضت عليه أن يكون مقلًا أو ممتنعًا عن الكلام مرة واحدة بإرادة منه، مشددًا على أن الأمر ليس خوفًا، ولكن باعتبار أن الكلام في مراحل معينة يكون ثقيلًا، وباعتبار الظرف الذي يمر به الحزب والبلد، وأيضًا باعتبار ظرف أمين عام في آخر مراحله من المسؤولية، إلا إذا وقع شيء آخر غير معروف، في إشارة إلى إمكانية بقائه على رأس الحزب لولاية ثالثة إذا طُلب منه ذلك.
الإقرار بوجود حالات تعذيب تعرض لها المعتقلون
في غضون ذلك، ما زالت أزمة حراك الريف تراوح مكانها بل تزداد تعقيدًا، وفي اعتراف رسمي بوجود حالات تعذيب تعرض لها معتقلون على خلفية هذا الحراك، قالت الحكومة المغربية الثلاثاء إنها أحالت تقريرًا أعده المجلس الوطني لحقوق الإنسان (هيئة حقوقية رسمية) عن مزاعم بتعرض ناشطين، اعتقلوا على خلفية أحداث حراك الريف في شمال المغرب المتوتر منذ ثمانية أشهر، للتعذيب إلى النيابة العامة.
وكان حقوقيون ومحامو المعتقلين قد أكدوا في مرات عدة وقوفهم على حالات التعذيب الجسدي والمعنوي وممارسات تحط من كرامتهم خلال زيارتهم للمعتقلين، كما عاينوا آثار الضرب في أجسادهم، وقبلها أكد رئيس الحكومة المغربية العثماني ضرورة الاحترام التام للمساطر القضائية التي تنظم المحاكمة العادلة، وفتح التحقيق والبحث في أي ادعاء بسبب التعذيب، والخميس الماضي كشفت الحكومة المغربية أنه تمت الاستجابة لـ66 طلبًا لإجراء الفحص الطبي الجنائي بشأن مزاعم تعذيب نشطاء حراك الريف الموقوفين من طرف قوات الأمن المغربي.
بلغ عدد النشطاء الموقوفين على خلفية حراك الريف حتى الخميس الماضي 144 موقوفًا
وأقر التقرير الرسمي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بوجود حالات تعذيب في صفوف المعتقلين الـ34 ممن شملتهم الخبرة الطبية، واعتبر ادعاءات المعتقلين عن تعرضهم للتعذيب معقولة، واستعرض التقرير المسرب المكون من 35 صفحة باللغة الفرنسية الدلائل المادية والنفسية، وشهادات المعتقلين المعنيين بالتقرير المنقسمين إلى قسمين: الأول يهم المعتقلين الموجودين في سجن “عكاشة” بالدار البيضاء، ويضم 19 معتقلًا، والثاني يهم المعتقلين في السجن المحلي للحسيمة، والبالغ عددهم 15 معتقلًا.
واعتمد التقرير على طبيبين شرعيين للتقصي في مزاعم تعرض 34 معتقلًا للتعذيب على أيدي رجال الشرطة، وذلك يومي السبت والأحد 17 و18 من يونيو الماضي، حيث خلص الطبيب عبد الله دامي بعد مقابلته للمعتقلين المعنيين، في السجن المحلي للحسيمة، أن ادعاءات تعرضهم للتعذيب صحيحة ومعقولة، مسجلًا عدم منح المعتقلين خلال فترة الحراسة النظرية حق الصمت والاتصال بالأقارب وتوكيل المحاميين، علاوة على توقيعهم بالقوة على محاضر للضابطة القضائية دون الاطلاع عليها، وخلص إلى وجود آثار تعذيب بناءً على شهادات المعنيين بالأمر والمعاينة الجسدية، في تعارض مع الضمانات الدستورية الممنوحة للمعتقلين.
التقرير كشف عن وجود حالات تعذيب تعرض لها المعتقلون
وأبلغ ناصر الزفزافي، زعيم الحراك، الطبيب الشرعي أنه تلقى ضربة بواسطة عصا على رأسه، وتلقى ضربة في العين اليسرى وأخرى على مستوى البطن والمعدة، كما وضعوا عصا بين رجليه، وهو ما اعتبره اعتداءً جنسيًا عليه، وأقر الطبيب بوجود آثار للتعذيب وجرح في رأس ناصر الزفزافي بقطر سنتيمترين، إضافة إلى أثار الكدمات على وجهه، وبلغ عدد النشطاء الموقوفين على خلفية حراك الريف حتى الخميس الماضي 144 موقوفًا، إضافة إلى 18 شخصًا يتابعون في حالة سراح (إجراءات محاكمتهم جارية دون أن يكونوا معتقلين)، و40 شخصًا حُكم عليهم بالسجن لمدد متفاوتة.