ترجمة وتحرير نون بوست
عادة ما أخطط لأسبوعي المقبل.
في 5 تشرين الأول/ أكتوبر؛ كان حمود متحمسًا للغاية لأنني أحضرت له زيًا جديدًا لكريستيانو رونالدو، والذي لم يتمكن من ارتدائه على أي حال. في وقت لاحق من ذلك اليوم؛ ذهبنا إلى حفلة عيد ميلاد سارة ومريم، ابنتيْ أخي التوأم. في اليوم التالي، ذهبنا إلى نادي ركوب الخيل. في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، كان من المفترض أن آخذ حمود إلى محل البصريات ليصنع له نظارات جديدة، وفي الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر، كان من المفترض أن أقدم لطلابي قصة جديدة. وفي 9 تشرين الأول/ أكتوبر، خططتُ مع أمي للذهاب إلى متجر أدوات المطبخ المفضل لدينا، وفي 10 تشرين الأول/ أكتوبر، خططتُ مع أختي آلاء لتجربة مطعم المأكولات البحرية الجديد المسمى “باب البحر” مع أطفالنا؛ لقد خططت لأسبوع لأنني اعتقدت أن الحياة كانت جيدة.
لكن أخي عامر، والد عمر وزيد، يعيدني دائمًا إلى كيف انتهت أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر بشكل مختلف تمامًا عما خططتُ له. نحن نعيش بالقرب من بعضنا البعض، وقد سجلنا أطفالنا في نفس روضة الأطفال. علي، ابني، في الروضة 0، وكان ابنه زيد في الروضة الأولى، وعمر في الروضة الثانية. لقد اعتاد أخي أن يأتي ليأخذ علي إلى روضة الأطفال مع أبنائه. وفي ذلك اليوم، استيقظتُ مذعورة على أصوات الصواريخ وأسرعت إلى الشرفة لأرى ما يحدث وأتأكد مما إذا كانت الصواريخ تسقط علينا أم تُطلق. وأرسلتُ لأخي رسالة نصية: “عامر؛ لا تأخذ أطفالك إلى المدرسة، يبدو أن هذا سوف يتحول إلى حرب. ابقوا آمنين”.
يذكرني عامر دائمًا: “كنا ذاهبين إلى المدرسة في ذلك اليوم مثل أي يوم آخر”. أكره نفسي أحيانًا لأنني لا أجد الكلمات المناسبة لأخبر أخي الحزين عن فقدان عائلته وأنا فقط أجلس هناك وأبكي معه. لا يمكن لأي كلمات مطمئنة أن تشفي قلبه المتألم. وكان عامر أبًا عظيمًا؛ حيث كان يقرأ لهم قصص ما قبل النوم، ويأخذهم إلى أي مكان يريدون، ويشتري لهم جميع اللوازم المدرسية من رحلته الأخيرة إلى الصين، وحتى يوفر لهم الاستحمام، لقد أحب مدى مشاركته في حياتهم، ولم يشتكي أبدًا.
لقد كنت حاملًا في الأسبوع الثالث عندما بدأت هذه الحرب. وبعد 18 تشرين الأول/ أكتوبر، اليوم الذي فقدنا فيه إيمان وعمر وزيد، كرهتُ حقيقة أنني كنت أنجب طفلًا جديدًا بينما فقد أخي أبنائه للتو، حتى أنني تمنيت أن أفقد هذا الحمل. وشعرت وكأنني خائنة لأنني أقنعت أخي وإيمان بإنجاب طفل حتى يكون طفلهما في نفس صف الطفل الذي كنت سأنجبه، وكان موعد إيمان مع طبيب النساء يوم 8 تشرين الأول/ أكتوبر.
بعد أيام من حادثة إيمان، بدأت ألاحظ بعض البقع، وبعد أسبوع فقدت الطفل، وقال الطبيب إن ذلك يجب أن يكون بسبب كل التوتر والخوف والحزن الذي كنت أشعر به. وكان لدي مزيج هائل من المشاعر؛ فلقد كنت حزينة حقًا لفقدان الطفل الذي كنت أصلي لتكون فتاة، بينما كنت أشعر سرًا بالارتياح من الشعور بالذنب المؤلم ومشاعر الخيانة التي كنت أشعر بها. لم أفكر مطلقًا طوال حياتي أنني سأحتاج حتى إلى الدعاء إلى الله حتى أفقد طفلًا لأن أخي فقد ابنيه بهذه الطريقة، وأعني أننا كنا نذهب إلى المدرسة مثل أي يوم آخر.
على اليسار: إيمان تستمتع بموعد مع عامر، بعيدًا عن الأطفال، في أحد مطاعمهم المفضلة، الديرة، في 18 تموز/ يوليو. وقد تم تدمير المطعم في الأسابيع الأولى من الحرب. وتقول الكاتبة: “كانت ابتسامتها الجميلة مُعدية، ووجدت أخي وهو يتذكر هذه الصورة بحزن عميق. رحمها الله”. الوسط: من اليسار، علي وصديقه وعمر وزيد يلعبون في صندوق رمل بلاي دو في اليوم الأول من روضة الأطفال لهذه السنة الدراسية، في 3 أيلول/ سبتمبر، على اليمين: صورة شخصية لعمر وعامر وزيد يوم 28 حزيران/ يونيو في مكان عمل عائلة مرتجى الجديد، والذي تم تدميره في الحرب. وتقول أمل مرتجى: “لقد كانت هذه خلفية هاتف والدي وأخي لفترة طويلة. وكان عامر يحب اصطحابهما للعمل معه، وكانا يتطلعان دائمًا للذهاب إلى “عمل أبيهما”.
كان المرور عبر كل هذه الصور مؤلمًا؛ فلقد أعادني ذلك إلى 18 تشرين الأول/ أكتوبر. وكان أخي، الذي أصيب بصدمة نفسية بسبب فقدان عائلته الصغيرة، مضطرًا إلى الدخول إلى غرفة مليئة بالجثث للتعرف على أبنائه وزوجته. وكانوا جميعًا مغطون بالغبار والرمل والدم. ولم يتمكن من العثور على زيد في البداية، لكنه تعرف على يده بعد ذلك. وبعد أن قام بتفتيش جثث الأطفال، لم يجد سوى نصف جثته، ولم يكن هناك سوى جانب واحد سليم من جسده، بلا وجه ولا رأس على الإطلاق.
وكانت عملية دفن الجثث برمتها مروعة. وكان زوجي هناك وأخبرني بما حدث؛ حيث وصل إخوتي عامر وعلي وأبي إلى المنزل في ذلك اليوم وهم عاجزين عن الكلام ومصابين بالصدمة والدموع، وقال زوجي رمضان إن الأطباء وجهوهم أولاً إلى غرفة مليئة بالجثث المتناثرة حولها. وبعد التأكد من الجثث؛ كان عليهم حمل الرفات شخصيًا إلى مكان آخر لاستكمال الأوراق. ثم اضطروا إلى حمل الرفات مرة أخرى إلى سياراتهم الخاصة لنقلها إلى المقبرة، وبالطبع تم دفنهم جميعًا معًا في مقبرة جماعية، فقد اكتظ المستشفى بعدد الضحايا والجثث، وهو ما دفع الأهالي إلى حمل الجثث بمفردهم. وفي ذلك اليوم، كما ذكرتُ سابقًا، ماتت عائلة إيمان بأكملها وجميعهم الـ 42 مدفونين في نفس القبر.
لا أحد يستطيع أن يتحمل الألم والظلم النفسي الذي مر به إخوتي وأبي في ذلك اليوم. آخر وداع أخي لابنه الحبيب كان بيده؛ لم يستطع أن يعانقه أو يقبله أو يهمس في أذنه بشيء أو يقول أحبك. لقد أمسك بيده ليقول كلماته الأخيرة، فكيف سيزورهم ويتحدث معهم ويغرس شجرة بالقرب من قبورهم؟ إنهم ليس لديهم حتى قبورهم الخاصة.
بقيَ أخي بلا نوم طوال الليل، وكذلك والدي أيضا. وما زلتُ أسمع والدي يبكي كل يوم تقريبًا وهو يقول: “يا زيزو، لقد تم تمزيق حبي إلى أجزاء، ولم يكن بوسعي سوى أن أعانق يدي”. ما أدفأ قلب أخي قليلاً كانت رؤيا رآها في منام؛ حيث جاءت إليه إيمان وقالت له: “لا تقلق يا عامر، زيزو بخير، إنه جميل كما كان ولم يتمزق. وعندما قصفت الصواريخ المنزل، كانا كلاهما في حضني”.
عندما مات عمور وزيزو، مات معهم جزء من قلبي، فلقد كانوا يزورونني كثيرًا، وكنت أنتظرهم أيام الخميس، وكانوا يتصلون بي دائمًا قائلين: “نحن نفتقدك يا عمتو (العمة) هل يمكننا القدوم؟”؛ لا أستطيع أن أتخيل الألم المبرح الذي سنعانيه عندما نذهب لمساعدة أخي في منزله. ولا أستطيع أن أضع نفسي مكان أخي وأفكر في ألمه عندما يلتقط أمتعتهم بعد أن أصبح منزله، الذي كان ممتلئًا جدًا في السابق، خاليًا. إن الذهاب إلى منزل والدي سيكون الآن مفجعًا.
يعيش والدي وأخي في نفس المبنى السكني، وكنت أذهب إلى منزل والدي كثيرًا لأدع أطفالي يلعبون مع عمر وزيزو، فهما يعشقان بعضهما كثيرًا ويستمتعان بمشاهدة نفس أفلام ديزني معًا، وفي هذه الأثناء، كانت إيمان تعد بعض الحلويات اللذيذة للاستمتاع بها معي ومع والدتي أثناء شرب النسكافيه وتبادل القيل والقال بينما كان الأطفال منشغلين بمشاهدة الباندا الأحمر الكبير أو لوكا أو العناصر.
يمكنني أن أستمر لأيام، إن لم يكن لسنوات، في الحديث عن مدى حبي لهم، وسيبقون دائمًا في قلبي، ثلاثتهم.
لقد غادرتُ غزة، أو بعبارة أكثر مبتذلة، هربت بحياتي مع طفلي وعائلتي. ونحن الآن في مصر؛ لقد كان من الصعب جدًا أن أترك رمضان وأهلي في تلك المدينة المحترقة، فلقد ودعتهم الوداع الأكثر وحشية وحزنًا. وقال رمضان: دعونا لا نموت جميعًا. اذهبوا للحياة وحاولوا أن تجعلوا حمود وعلي ينسون هذه الحرب القبيحة. أستطيع أن أتحمل هذا، لكنكِ لا تستطيعين. ونرجو أن نلتقي جميعًا مرة أخرى عندما ينتهي الأمر. فقط عديني أن تعتني بالأطفال جيدًا. وسنكون معًا مرة أخرى، إن شاء الله! ثم أضاف مازحًا: “في الدنيا أو في الآخرة”. تلك النكتة لم تُضحك، فلقد بكيت. ولقد رأيت الكثير في الطريق إلى الحدود، ولقد كانت أطول رحلة بالسيارة قمت بها على الإطلاق.
المصدر: ذا تايم