في الـ28 من شهر مارس الماضي، وعلى هامش قمّة أردنية سعودية عقدت قبيل القمة العربية في البحر الميّت في الأردن، وقعت السعودية مع الأردن نحو 15 اتفاقية تجاوزت قيمتها 3.5 مليار دولار، في مجالات الاستثمار والطاقة والتعدين والإسكان والصحة والبيئة والمياه والثقافة والإعلام، وذلك بعيد سنوات عجاف مرّ بها الأردن مؤخرًا بسبب توقف أو شبه انقطاع الدعم السعودية عنه، حيث اعتبر الأردن أن زيارة الملك سلمان الأخيرة جاءت بالفرج عليه، أملًا في انعاش الاقتصاد المحلي الذي أنهكته الديون ومرض وشح الاستثمار.
والآن، وبعد 4 شهور على توقيع هذه الاتفاقيات والوعود بهذه الملايين والمليارات، لم يصل الأردن منها شيء لا من باب الدعم والمساعدة ولا من باب الاستثمار، ولم يتم البدء بها بعد، وإذا ما سُأل المسؤولون قالوا إن أولويات الشقيق السعودي ربما هي سبب التأخر، وأن الأزمة الخليجية تؤجل وصول هذه الأموال، فالسعودية منغمسة في أزمة كبيرة مع قطر، ومجلس التعاون الخليجي على وشك الانهيار، ولذا وبحسب مسؤولين أردنيين فلا بد من الصبر والانتظار أكثر.
الأردن كانت على الدوام تحافظ على سياسة امساك العصا من الوسط، والوقوف على مسافة واحدة من الجميع، وهي سياسة ذكية لطالما جنّبت الأردن الكثير من الخصوم والعداوات، لكن ما حصل خلال الأزمة الخليجية يبدو أنه كان خارج نطاق سيطرة القرار الأردني
لكن هذه الأزمة وهذه الانشغالات لم تؤخر السعودية عن دعم عبد الفتاح السيسي خلال الفترة الماضية، فدعم المشاريع والمساعدات لم يتوقف، وهذا ما يفتح باب السؤال على مصراعيه لدى كثير من الأردنيين الذين يعتبرون أن كل هذه التبريرات والحجج لتأخر وعود ابن سلمان ليست صحيحة، فالسعودية التي تغدق الآن المليارات على واشنطن بصفقات لم يكن يحلم بها ترامب يومًا ما، وتغدق كذلك على كثير من شركائها ومن يقف بصفها، لن تقف ملايين الأردن في وجهها كـ”حجر عثرة”.
وهنا يعتبر كثير من المتابعين أن الموقف الأردني من الازمة في قطر ربما لم يرضي السعودية بالشكل المطلوب، حيث أن الموقف جاء متأخرًا بعض الشيء ولم يعلن في الوقت نفسه الذي أعلنت فيه السعودية والإمارات والبحرين ومصر والحكومة الليبية مقاطعتها لقطر، فالأردن اكتفت وعلى مضض وببيان خجول بتخفيض البعثة الدبلوماسية القطرية لديها، ويبدو أن قطر تفهمت الموقف الأردني والذي يظهر فحواه تعرّض عمّان لضغوط كبيرة لتتخذ مثل هذا الاجراء، فالأردن كانت على الدوام تحافظ على سياسة امساك العصا من الوسط، والوقوف على مسافة واحدة من الجميع، وهي سياسة ذكية لطالما جنّبت الأردن الكثير من الخصوم والعداوات، لكن ما حصل خلال الأزمة الخليجية يبدو أنه كان خارج نطاق سيطرة القرار الأردني.
الأردن الآن يعاني كثيرًا، الدين العام على وشك بلوغ حد الـ40 مليار دولار، وتبلغ خدماته وفوائده حوالي ملياري دولار سنويًا، بينما وصل العجز في ميزانية هذا العام حوالي المليار دولار
هذا التأخر سواء أكان متعمدا أم لا من قبل السعودية، يؤدي حتمًا ويومًا بعد يوم إلى تردي الأوضاع الاقتصادية في الأردن، وربما تلجئ الحكومة كما نقل عن أحد وزراءها مؤخراً إلى وضع ضرائب على جميع السلع وجميع الخدمات، وهذا ما سيؤدي بالطبع إلى انفجار المواطن الأردني الذي ضاق ذرعًا برفع الأسعار وزيادة الضرائب والميل على جيبه لسداد أزمات الوطن التي لا تنتهي.
فالأردن الآن يعاني كثيرًا، الدين العام على وشك بلوغ حد الـ40 مليار دولار، وتبلغ خدماته وفوائده حوالي ملياري دولار سنويًا، بينما وصل العجز في ميزانية هذا العام حوالي المليار دولار، واضطرت حكومة الدكتور هاني الملقي إلى فرض ضرائب باهظة على أكثر من مئة سلعة معظمها أساسية في محاولة لتعويض هذا العجز، بسبب توقف المساعدات المالية الخليجية والسعودية على وجه التحديد، في إطار المنحة السنوية المقدرة بحوالي مليار دولار سنويًا ولخمس سنوات، واعتمدت اثناء انطلاق “الربيع العربي” ولم تجدد هذا العام.
القطاع الزراعي الأردني تضرر أيضا بشكل كبير من الأزمة، إذ تراجعت صادراته إلى السوق القطرية من نحو 500 طن يوميًا إلى ما يقارب 150 طنا فقط، تشحن جوا إلى قطر وبتكاليف أعلى بكثير مقارنة بالنقل البري
وإضافة إلى هذا الضيق والتضييق وبسبب تبعات حصار قطر، أصبحت معاناة الأردن الاقتصادية مضاعفة، حيث قال مصدرون أردنيون إن الأزمة الدبلوماسية كبدت قطاعات تصديرية في الأردن خسائر بملايين الدنانير منذ بدايتها في 5 يونيو/ حزيران الماضي، حيث توقفت الصادرات الأردنية إلى قطر براً بشكل كامل منذ بدء سريان قرار مقاطعة قطر، إذ تسبب ذلك بإعادة ما يقارب 40 قافلة فورًا من الحدود القطرية السعودية إلى الأردن.
ويقول نقيب تجار المواد الغذائية الأردني، إن العديد من مصانع المواد الغذائية ترتبط بعقود مع جهات قطرية، وإن بعض هذه الصناعات يكاد يخسر العقود نتيجة تأخر توريد منتجاتهم إلى قطر وتحصيل أثمانها، لا سيما المخصصة منها للمطاعم. كما أن القطاع الزراعي الأردني تضرر أيضا بشكل كبير، إذ تراجعت صادراته إلى السوق القطرية من نحو 500 طن يوميًا إلى ما يقارب 150 طنا فقط، تشحن جوا إلى قطر وبتكاليف أعلى بكثير مقارنة بالنقل البري.
مواقف الأردن لم تشفع له لدى سلمان وابنه
تقول الإحصاءات الرسمية الأردنية إن حجم التبادل التجاري بين الأردن والسعودية يصل الى خمسة مليارات دولار سنويًا، وإن حجم الاستثمارات السعودية في الأردن يصل الى 13 مليار دولار، وكانت هناك آمال عريضة حول زيارة الملك سلمان -والتي اعتبرت حينها الأولى من نوعها واستقبلها الأردن بالحف والزف بكل الأشكال- إلى زيادة كبيرة في التبادل التجاري وقطاع الاستثمارات وانعاش الاقتصاد المحلي الأردني.
وكان باسم عوض الله، مبعوث العاهل الأردني إلى السعودية، والمعروف بعلاقاته الوثيقة بالأسرة الحاكمة في كلا البلدين، ظهر على شاشة التلفزيون السعودي قبل أيام قليلة من القمة العربية السعودية متحدثًا عن أهمية هذه زيارة الملك سلمان، وكان اللافت إلى النظر في حديثه القول “بإن تعاون ودعم السعودية للأردن سيسهم في التصدي للتحديات الأمنية والإقليمية”، وهذه التحديات التي أشار إليها عوض الله ولم يفصح عنها بالتفاصيل، هو ما يقول محللون إنه حول الخدمات الأمنية الكبيرة التي يقدمها الأردن في حماية حدود المملكة السعودية الشمالية الغربية، من حيث منع التهريب، ومحاربة الإرهاب، دون أن يحصل إلا على القليل في المقابل، علاوة على إغلاقه الحدود السعودية في وجه موجات الهجرة وخاصة من سوريا.
تحاول السعودية الآن الضغط بما تملك على الأردن من أوراق قوة لعقابها أو لنقل “فرك أذنها” حتى تسير في المرة القادمة بالركب بالشكل الصحيح، دون خجل أو مواربة
إضافة إلى ذلك، فالمقصود من التحديات الإقليمية ما يتمثل في الشراكة الأردنية السعودية في الحرب في سورية، ومحاربة الارهاب في العراق، وعضوية الأردن في التحالف العربي الذي يخوض الحرب في اليمن، وارسال قوات خاصة لحفظ “الاستقرار” في البحرين بطلب سعودي.
لكن كل هذا لم يشفع للأردن فعلتها بعدم البصم بشكل كامل ومتجرّد للسعودية وحربها التي تخوضها ضد شقيقتها وجارتها قطر، وبالطبع لا يمكن المقارنة هنا بين الدعم السعودي المفتوح -سابقًا- للأردن وبدون مراجعة أو حساب، مع الدعم القطري للأردن والذي كان شحيحًا في بعضه وموجهًا للقضايا الإنسانية واللاجئين وتوظيف العمالة الأردن وغيره، لذلك، تحاول السعودية الآن الضغط بما تملك على الأردن من أوراق قوة لعقابها أو لنقل “فرك أذنها” حتى تسير في المرة القادمة بالركب بالشكل الصحيح، دون خجل أو مواربة.
للأردنيين في لبنان عبرة
إلى ذلك، ما زال كثير من الأردنيين يشككون في تقديم أي دعم مالي سعودي إلى عمّان بسبب الارهاق المالي السعودي، وانخراط السعودية في حروب استنزاف مالي باهظة التكاليف في اليمن قادها ابن سلمان على أمل انهائها في أيام، ولكن ما زالت مستمرة هناك منذ 3 سنوات، ومن غير الواضح متى تنتهي أو تتوقف. إضافة إلى ذلك فالشارع السعودي أصبح يعاني من سياسات التقشف التي فرضتها عليه حكومته رغم محاولات التعويض والدغدغة المؤقتة بإعادة الحوالات والبدالات بأثر رجعي مع نهاية شهر رمضان، حتى أن المواطن السعودي بات يتحسس من مساعدات بلاده المالية للآخرين ويتذمّر بشكل كبير.
وعدت السعودية ميشيل عون بإحياء منحة الثلاثة مليارات دولار لتسليح الجيش وقوات الأمن اللبنانية، ولكن لم يحدث أي شيء منذ ذلك الوقت
ويبقى السؤال هنا عما إذا كانت هذه المساعدات والوعود بالاستثمار ستأتي للأردن لاحقًا أم لا، خصيصًا إذا علمنا أن سلمان وابنه وبحسب التسريبات السعودية إلى الوفد المرافق للرئيس اللبناني ميشال عون أثناء زيارته إلى الرياض بداية هذا العام، قد وعدوا بأن السعودية ستعيد إحياء منحة الثلاثة مليارات دولار لتسليح الجيش وقوات الأمن اللبنانية، ولكن لم يتغير أي شيء منذ ذلك الوقت، وتبدد تفاؤل اللبنانيين حكومة وشعبًا، وأصبح الأمر في طي النسيان. حيث تم تكن السعودية راضية عن عون وسياساته منذ أن أصبح رئيسًا بعد الفراغ الكبير، كما أن مواقف لبنان من الأزمات في المنطقة ومن حروب السعودية وعداواتها لا ترضي الرياض ولا تسير وفق ما تريد، على عكس ما كان في الزمن غير البعيد.