بالتزامن مع إعلان الحكومة التركية في 30 آذار/مارس 2017، انتهاء عملية “درع الفرات”، أكدت التصريحات التركية الرسمية أن عملية “درع الفرات” قد تكون انتهت، لكن ذلك لا يعني أن صفحة التدخل التركي في الداخل السوري قد أُغلقت بالكامل.
وما هي إلا سوى بضعة شهور مضت على تلك التصريحات، حتى عادت الصحف التركية تُشير إلى احتمال انطلاق عملية تحت اسم “سيف الفرات” في محيط منطقة عفرين. فما هي محاور وتفاصيل هذه العملية؟
تفاصيل العملية
في ضوء الكشف عن تفاصيل العملية الجديدة التي أُطلق عليها اسم “سيف الفرات”، أوضحت صحيفة “قرار” التركية ـ المقربة من بعض البيروقراطيين الأتراك ـ إلى أن 20 ألف مقاتل من الجيش الحر، و7 آلاف جندي من القوات الخاصة العسكرية التركية سيشاركون في العملية التي ستستمر لمدة 70 يوماً، والتي تستهدف بشكلٍ أساسي الوجود الكردي في عفرين ومحيطها.
وطبقاً لذات الصحيفة، فإن القوات التركية ستنطلق من محيط “تل دقنة” و”منيغ”، وصولاً إلى عفرين وتل رفعت، وقد تتفرع إلى تل أبيض، والحسكة، مع إعطائها امتداداً إلى العراق ـ محيط سنجار وشنكال ـ على المدى البعيد.
يبدو أن تركيا قد تعتمد على حرب الوكالة عبر فصائل الجيش الحر الموالية لها بدون تدخل مباشر. أو ربما تلجأ للتفاوض الدبلوماسي الذي قد يمكنها من الضغط على روسيا لإرغام القوات الكردية على الانسحاب من تلك المناطق
وفي هذا الخصوص، بيّنت صحيفة “أكشام” أن مركز العملية سيكون في مدينة أعزاز، وستشمل العملية جميع المناطق التي تعتبر عربية، مع النظر في إمكانيات إخراج “ب ي د” من عفرين بالكامل. وكون صحيفة أكشام أقرب إلى الحكومة من صحيفة “تقرير”، يمكن أن نستقي من معطياتها بأن العملية تهدف في المقام الأول لإنهاء السيطرة الكردية على المناطق العربية القريبة من الحدود التركية، لكن من دون الدخول إلى مدينة عفرين التي قد تتحول إلى “كوباني” جديدة تعرض تركيا لحرجٍ شديد. فبالأساس، إذا تمت السيطرة على المناطق المحيطة بعفرين، فإن تركيا ستكون قد حققت أهدافها المنشودة من العملية.
وفي ضوء التوقع أيضاً، يبدو أن تركيا قد تعتمد على حرب الوكالة عبر فصائل الجيش الحر الموالية لها بدون تدخل مباشر. أو ربما تلجأ للتفاوض الدبلوماسي الذي قد يمكنها من الضغط على روسيا لإرغام القوات الكردية على الانسحاب من تلك المناطق، لا سيما وأن “لواء المعتصم”، الموالي لتركيا، كان يُجري مفاوضات مع القوات الكردية بهذا الصدد. إذا كان لهذان السيناريوهان سبيلاً للتحقق، فقد تتغير تفاصيل العملية التي كشفت عنها صحيفة “تقرير”، بحيث تصبح العملية عملية تدخل غير مباشر.
أيضاً، أضافت صحيفة أكشام أن القوات التركية ستنطلق من كيليس، والإصلاحية، والحاسة، والريحانلي التركية تجاه إدلب، وسيتم تخصيص الـ17 يوماً الأولى من العملية لضرب مناطق تواجد قوات “ب ي د” بالقذائف، وفي اليوم الثامن عشر تبدأ القوات التركية بدخول تل رفعت، ودير جمال، ومنيغ على وجه الخصوص.
المؤشرات الإعلامية والعملية للعملية
ظهرت المؤشرات الإعلامية للعملية عبر عدة تصريحات لمسؤولين أتراك وبعض المسؤولين الفاعلين في الساحة السورية، غير أن أهمها:
ـ تأكيد المتحدث باسم الرئاسة، إبراهيم كالين، على تفاهم بلاده مع روسيا على الانتشار في منطقة إدلب، والنظر في سبل الحد من سيطرة “ب ي د” في محيط القرى العربية المحيطة بعفرين.
ـ تصريح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بأن القوات التركية ستدخل في إحدى الليالي إلى “مناطق تحصن الإرهابيين” بشكلٍ مفاجئ.
ـ تصريح نائب رئيس الوزراء التركي، “ويسي قايناق”، بأن تطهير منطقة عفرين التابعة لمحافظة حلب من الإرهاب، حق مشروع للجمهورية التركية، مضيفاً أن العملية لا تعود بالفائدة على تركيا فقط، بل على المنطقة عموماً.
ـ تصريح رئيس المكتب السياسي لـ “لواء المعتصم”، مصطفى سيجري، حول تأهب قوات اللواء مع بعض القوات الأخرى لإجراء عملية عسكرية جديدة في سوريا.
ـ أما المؤشرات العملية، فقد بدت من خلال التحركات التالية:
ـ انتشار قوات تركية بشكلٍ ملحوظ في المناطق الحدودية المحاذية لإدلب.
ـ توقيع تركيا اتفاقية منظومة الدفاع الجوي مع روسيا، الأمر الذي يمكن تفسيره على أنه ورقة تركية تهدف إلى شراء الموقف الروسي لصالح العملية، وأن اتفاقات آستانة تمنح تركيا إمكانية نشر قواتها بالتعاون مع روسيا في إطار اتفاق “المناطق مخفضة التصعيد” التي قد تتذرع تركيا من خلالها بضرورة السيطرة على المناطق الخاضعة لهيمنة القوات الكردية، بهدف تخفيف التصعيد بين القوات العربية والكردية لأقل حدٍ ممكن.
ـ تحذير القوات الكردية تركيا من الإقدام على التحرك، ودعوتها المجتمع الدولي للحيلولة دون التحرك التركي الذي قد يحدث في كل لحظة، ورفعها من مستوى الاستهداف المدفعي للأراضي التركية.
الدلالات الاصطلاحية لاسم العلمية
فيما يخص التسميات المستخدمة في العمليات التركية، فهي تنبع من المصطلحات العسكرية التاريخية، فبينما يعني “الدرع” إطلاق عمليات مستمرة لصد خطر ما، يعني “السيف” طعن خطط العدو وإفشالها بشكلٍ حادٍ وجذري. وهذا ما يتحقق على أرض الواقع، “فدرع الفرات” كانت تهدف إلى طرد خطر المنظمات الإرهابية عن الحدود التركية، وما زالت أجزاء تحركاتها الأخرى، كالتحرك في محيط عفرين وتل أبيض السوريتين وسنجار العراقية، مستمرة، و”سيف الفرات” ترمي إلى طعن مشروع الأكراد في التمدد نحو البحر المتوسط بشكلٍ كامل.
أهداف العملية
تتنوع الأهداف التركية من العملية التي تأتي في إطار “تكميلي” لعملية “درع الفرات”، إلا أن الأهداف الأساسية التي يمكن استنباطها في إطار المؤشرات الظاهرة هي كالتالي؛
ـ الحيلولة دون تمكن وحدات الحماية الكردية “ب ي د” من الوصول إلى مناطق ارتباط مع النظام تؤهلها للوصول إلى مياه البحر المتوسط، وتُسهل لها تأسيس دولة مستقلة.
ـ حماية المناطق التركية الحدودية من تهديد “قذائف” “ب ي د”.
إرسال رسالة ضغط إلى لولايات المتحدة مفادها بأن “تركيا لن تتوانى عن التحرك عكس التيار في حال تعرضت مصالحها للتهديد”
ـ إظهار قدرة ميدانية عالية ترفع من رصيد تركيا السياسي والاقتصادي والجغرافي في عملية “تقاسم النفوذ” التي تبدو أنها آخذة في التبلور في سياق محادثات آستانة. وهذا الهدف الذي دفع تركيا للاعتراض على طروحات محادثات آستانة 5 التي انتهت بالأمس، 05 تموز/يوليو، من دون تحقيق توافق نهائي، حيث بدا واضحاً أن تركيا تريد إجراء عملياتها المنشودة قبل الاصطدام بفرامل القوات الدولية التي يُتوقع أن تنتنشر في عدة مناطق سوريا لا زال تدور فيها اشتباكات بين النظام والفصائل المعارضة السورية من جهة، وبين القوات الكردية والفصائل المعارضة من جهةٍ أخرى.
ـ ربما هناك هدف لإظهار القوة الذاتية والإرادة السياسية الجامحة للشعب التركي والمحيط الإقليمي والساحة الدولية، بعد عملية الاستفتاء التي أقرت النظام الرئاسي، للتدليل على أن عملية اتخاذ القرار باتت أسرع وأكثر شجاعة.
ـ على الأرجح، إرسال رسالة ضغط إلى لولايات المتحدة مفادها بأن “تركيا لن تتوانى عن التحرك عكس التيار في حال تعرضت مصالحها للتهديد”، وبالتالي الضغط على الولايات المتحدة لتنسيق العملية مع تركيا بشكلٍ يخدم مصالح الأخيرة في كل من العراق وسوريا.
ـ الذرائع القانونية للعملية:
عن الذرائع القانونية التي تركن إليها تركيا في العملية، يُتوقع أن تحدد من خلال النقاط التالية:
ـ مبدأ “الدفاع عن النفس” أو “الدفاع الوقائي” الذي يكفل للدول القومية حق التحرك العسكري ضد المخاطر التي تحيط بأمنها القومي بشكل وقائي استباقي، لا سيما في حال كان هناك فراغ قوة شرعية في المناطق التي تشكل مصدراً تهديدياً لأمنها.
“قواعد الاشتباك” التي أعلنت عنها تركيا بالتزامن مع انطلاق “ب ي د” نحو الغرب من الفرات، حيث أعلنت في حينه أن “ب ي د” سيكون في إطار أهدافها كونه تمدد في المناطق الموجودة غربي الفرات،
ـ مبدأ “مسؤولية الحماية” الذي يمنح الدول القومية شرعية التدخل ضد المنظمات غير الحكومية التي تستهدف المدنيين، وترتكب ضدهم الجرائم، وقد تسوق تركيا تقارير منظمة العفو الدولية التي اتهمت “ب ي د” بارتكاب “جرائم فصل عنصري” و”تطهير عرقي” بحق المواطنين العرب المتواجدين في المناطق المحيطة بعفرين، كتل رفعت، ومنّغ، وبلبل، والمعيطي، وتل أبيض، وشيخ الحديد، وعين دقنة، وأحرص، وتل الجيجات.
ـ المادة “51” من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تمنح الدول حق التحرك المنفرد أو المشترك من أجل حماية أمنها وحدودها، ويأتي التحرك التركي في إطار قانوني يستند على التحالف مع روسيا التي تتواجد في سوريا وفقاً لذات المادة، والتي تدعي بأن النظام السوري “الشرعي” استدعاها في إطار “تحالف شرعي” يحارب الإرهاب.
ـ “قواعد الاشتباك” التي أعلنت عنها تركيا بالتزامن مع انطلاق “ب ي د” نحو الغرب من الفرات، حيث أعلنت في حينه أن “ب ي د” سيكون في إطار أهدافها كونه تمدد في المناطق الموجودة غربي الفرات، وفي حين ثُبت اختراقه للحدود التركية وتخطيطه لتنفيذ عمليات إرهابية ضد الأمن القومي، وهذا ما تدعي تركيا حدوثه خلال الفترة السابقة.
مواقف الدول الفاعلة
ـ روسيا:
عن الموقف الروسي من العملية، بينت الصحيفة أن البلدين اتفقا في إطار محادثات آستانة على أن تكونا “ضامنتين” في محيط إدلب، وتم الاتفاق على تفاصيل عملية دخول تركيا وطرد قوات “ب ي د” خلال لقاء زير الدفاع الروسي، سيرجي شويغو، مع رئيس الجمهورية التركية، رجب طيب أردوغان.
يُعتقد أن روسيا قد توافق على التدخل لعدة عوامل:
ـ رغبتها في عدم حصول الولايات المتحدة على “قوة برية” مباشرة أو غير مباشرة فاعلة في سوريا، لا سيما وأن سمة “القوة البرية” مناطة بها كقوة تستمد هيبتها منها حول العالم، وليس في سوريا فقط.
ـ تحقيق الرؤية الروسية “الشيشنة” في عملية الحل، والتي تعني الاستناد إلى “جسرٍ” إقليمي يحول الأزمة من أزمة روسيةـسورية إلى أزمة تنشب بين تركيا والفصائل المعتدلة ضد الجماعات الجهادية، وبالتالي تتحول تركيا إلى “شريك” والفصائل المعتدلة إلى “وكيل” يشاركون روسيا في احتواء الأزمة، وتحقيق رؤيتها في إنهاء الأزمة بشكلٍ يكفل لها حق الصدارة في الهيمنة السياسية.
ـ خلاف روسيا مع إيران استراتيجياً وجيو ـ طاقوياً، حيث ترغب روسيا في الإبقاء على احتكار امدادات النفط للاتحاد الأوروبي بالطاقة، حتى تحقق أداة ضغط تُملي على الاتحاد بعض سياساتها.
ـ التوافق التركي الروسي “المطلق” في قضية عدم تعريض سوريا للتقسيم.
ـ الولايات المتحدة:
على النقيض من عملية “درع الفرات” قد لا تروق تفاصيل ومسارات العملية للولايات المتحدة، لكن قد لا تُبدي الولايات المتحدة معارضة كاملة على العملية لعدة عوامل:
الولايات المتحدة ترى في روسيا وتركيا عنصراً جيداً لموازنة النفوذ الإيراني في سوريا
ـ سلم أولويات مصالحها الجغرافية التي تتركز في جنوب سوريا وشرقها وشمال شرقها، وليس في محيط منطقة عفرين.
ـ توازن القوى بين روسيا وإيران: الولايات المتحدة ترى في روسيا وتركيا عنصراً جيداً لموازنة النفوذ الإيراني في سوريا.
ـ إيران:
في الإطار المطلق لمصالحهما في سوريا، تتفق إيران وتركيا في نقطة إبقاء سوريا واحدة موحدة بعيداً عن منح القوات الكردية حكماً ذاتياً، لاحتضانهما عدداً واسع من المواطنين الأكراد الذين قد تتحرك شهيتهم للانفصال بشكل أكبر، نتيجة حصول القوات الكردية على حكم ذاتي مستقل. وهذا ما قد يجعلنا نتوقع موافقة إيرانية جزئية على العملية. لكن، على الرغم من ذلك، قد تعارض إيران التدخل التركي الموسع للعاملين التاليين:
ـ تخوفها من التمدد الميداني والنفوذ السياسي التركيين في أن يؤثرا على مشاريعها الجيو ـ سياسية والجيو ـ اقتصادية في سوريا.
ـ رغبتها في إبقاء ميزان قوى التعاون مع روسيا في صالحها.
استناداً إلى الاطلاع على مسارات الصحافة التركية يمكن توقع نتائج العملية على النحو التالي:
ـ تسريع عملية حل آستانة من خلال إبراز تركيا تقاطعاً ميدانياً ودبلوماسياً نوعياً مع الرؤية الروسية، وبالتالي يؤول مسار آستانة ليكون مسار الحل المعتمد للقضية السورية، إذ تؤدي هذه العملية إلى إغلاق ملف الفصائل “غير الحكومية” بشكلٍ واسع.
ـ الذهاب نحو تطبيق الرؤية الروسية كما تم التوضيح أعلاه.
ـ إنهاء حلم “الدولة الكردية السورية” لكن، على الأرجح، من دون إنهاء الحكم الذاتي الكردي شرق الفرات، حيث الوجود الأمريكي.
ـ إعادة بعض اللاجئين.
العوائق التي قد تواجه تركيا في العملية
تقدم تركيا على عملية موسعة، وقد تشكل العوامل التالية عائقاً أمام تحركها:
ـ عدم قدرتها على تحويل الشرعية إلى مشروعية إدارية: فدخول تركيا إلى المناطق العربية مدعوم بالشرعية الدولية، لكن إذا عجزت عن توفير الخدمات الإدارية والمصادر الاقتصادية لسكان تلك المناطق فقد تفشل في كسب مشروعيتها الإدارية الشعبية، الأمر الذي يؤدي إلى انتفاض أهالي المنطقة ضد وجودها. وقد أظهرت تركيا معرفتها بهذا العائق، عبر تصريح نائب رئيس الوزراء، ويسي قاينق، بأن العملية سيتبعها دخول مستشارين تنمية زراعية وخدماتية وإدارية يوفرون فرص عمل وفيرة لمواطني المنطقة.
ـ اقتتال الفصائل على المدى البعيد: وما اقتتال بعض فصائل “درع الفرات” ببعيد عن الأذهان.
ـ حرب إعلامية أقوى من الآلة الإعلامية التركية تؤثر سلباً في هويتها، وتزيد من الضغوط الدبلوماسية عليها.
ـ حلول قوات تابعة للنظام السوري الذي لا زال يتمتع بحق السيادة الشرعية في المناطق المتواجدة بها قوات “ب ي د”.
في الختام، تعاني تركيا من تهديد “ميليشياوي” يشكل خطراً ماحقاً على مصالحها القومية الاستراتيجية، وفي سبيل ذلك، لا بد لها من اتخاذ إجراءات وقائية تحول دون سقوط فأس ذلك الخطر على رأسها قبل فوات الأوان. هذه العملية “إن حدثت” تأتي في هذا الإطار.