لقد استخدمنا كلمة إنعش تجربتك هنا للتعبير عن التحديث في نوعية الأفلام التي تحتويها القائمة المعروضة هنا من الأفلام الوثائقية، إذ أنها تختلف عن المعتاد منها من توثيق الأحداث التاريخية، أو السيرات الذاتية، أو توثيق كواليس الحروب في غرف صنع القرار أو ما تبعها من كوارث بشرية، ولكنها قائمة مختلفة، اُختيرَت خصيصًا لأنها كل ما تثيره هو الحث على التفكير المستمر.
لا تعرض هذه الأفلام حقائق تاريخية مطلقة، بل تثير النتائج، و تتوقع توقعات غريبة بناءًا على العلم و وفيزياء الكون، وتُثير في نفسك بعض الأسئلة التي يتجنب البعض التفكير فيها، إلا أن كل شيء غير مُثبت في أيامنا الحالية لا يعني بالضرورة أنه غير صحيح، فقوانين آينشتاين الفيزيائية لم يُصدق عليها بالإجماع فورًا، إلا أنها الآن منهاجًا للتدريس والتعليم وخصوصًا نظرية النسبية التي احتاجت أكثر من عقد من الزمان لكي يؤمن بها العلماء.
لا يكون الشك الملحق بالتفكير من تبعات التفكير السلبي، وربما نقتدي هنا بفكر العالم الإسلامي “أبو حامد الغزالي” حين قال بأن من لم يشك فلم يبصر، ومن لم ينظر فلم يُبصر، ومن لم يُبصر يبقى في متاهات العمى، مشيرًا في قوله هذا الذي اتفق عليه البعض واختلف عليه الكثيرون أن الشك في بعض الأحيان، يكون أول مراتب اليقين، وإذا أُلحق بالتفكير والبحث، فهو أول مراتب البصيرة.
لا تعرض هذه الأفلام حقائق تاريخية مطلقة، بل تثير النتائج، و تتوقع توقعات غريبة بناءًا على العلم و وفيزياء الكون، وتُثير في نفسك بعض الأسئلة التي يتجنب البعض التفكير فيها
تعتمد هذه القائمة في الأساس على التحديات التي يواجهها العالم اليوم، والأفكار الجريئة المُبتكرة، وإذا أردت أن تشاهد بعض الأفلام الخاصة بإثارة عقلك في التفكير في بواطن وأسباب بعض الأمور، فستجد مبتغاك أيضًا بين عشرة أفلام سنعرضها لك في هذه القائمة.
1- CENTURY OF THE SELF أو فيلم “قرن النفس”
يختلف هذا الفيلم عن أفلام The Matrix في كونها حقيقية ومرتبطة بشكل كبير بالواقع، حيث يُسلط الضوء على ظهور “المادية” (materialism) بين طبقات المجتمع وهيمنتها كونها الاتجاه الجديد التي تدفعنا إليه المؤسسات
هو من أكثر الأفلام الوثائقية التي يُنصح بمشاهدتها لفهم ما يدور حولنا في العصر الحالي، هو فيلم من أربعة أجزاء، حيث تدور أحداثه حول مبادئ “فرويد” وما بعد “فرويد” حول الطبيعة الإنسانية، والتي استغلتها الشركات والمؤسسات كما استغلها الساسة و صانعي القرار في التلاعب بالمجتمعات التي تسيطر عليها، وفي التلاعب أيضًا بالقيم والمبادئ العامة لدى تلك المجتمعات في القرن العشرين وامتدادًا إلى القرن الواحد والعشرين.
يختلف هذا الفيلم عن أفلام The Matrix في كونها حقيقية ومرتبطة بشكل كبير بالواقع عوضًا عن كونها خيال علمي كما في حالة سلسلة أفلام ذا ماتريكس، حيث يُسلط الضوء على ظهور “المادية” (materialism) بين طبقات المجتمع وهيمنتها كونها الاتجاه الجديد التي تدفعنا إليه المؤسسات وتبيعه لنا مستغلة رغباتنا وخوفنا ومشاعرنا، حيث ستشاهد ذلك في الجزء الأول من الفيلم بعنوان “ماكينات أو آلات سعيدة”.
سيخبرك الفيلم الكثير عن التحكم في قرارات الجماهير العقلانية، وكيف يمكن أن يكون اللاوعي لدى تلك الجماهير سلاحًا بل تهديدًا في يد المُتحِكِم، مثل المؤسسات أو الإعلانات التجارية وصولًا بالسياسيين والحكام وصناع القرار.
تدور أحداث الفيلم حول مبادئ “فرويد” وما بعد “فرويد” حول الطبيعة الإنسانية، والتي استغلتها الشركات والمؤسسات كما استغلها الساسة و صانعي القرار في التلاعب بالمجتمعات التي تسيطر عليها
2- Waking Life أو “الحياة الصحوة”
لا يمكن أن تكون شخصية كرتونية تتحدث عن الوجودية أو الواقعية في فيلم (آنيميشن) بالشيء الذي يدعوننا للسخرية، فلا تتوقع أن تقوم بالضحك على الحوار الفلسفي الذي يدور بين الشخصيات
في رحلة سينمائية للبحث عن أسرار خلق الكون، تم تصوير هذا الفيلم للرسوم المتحركة “آنيميشن” في عام 2001، وهو تحفة المخرج “ريتشارد لينكلاتر” الحالمة، فلا تتوقع في هذا الفيلم مغامرات ولا أحداث عنيفة و متسارعة، و لا سلسلة من مشاهد الغموض التي يُكشَف عنها الستار في النهاية، بل على العكس تمامًا، هذا الفيلم مبني على الحديث والحوار، فهو عن مجموعة من الناس تتحدث عن معنى الحياة، فهو يتمحور حول الواقعية والوجودية بشكل فلسفي مصور بين شخصيات رسوم متحركة.
لا يمكن أن تكون شخصية كرتونية تتحدث عن الوجودية أو الواقعية في فيلم (آنيميشن) بالشيء الذي يدعوننا للسخرية، فلا تتوقع أن تقوم بالضحك على الحوار الفلسفي الذي يدور بين الشخصيات، ولا تتوقع حتى أن تضحك معهم، بل سَيسلبَك طريقة عرض الأفكار في الحوار بشكل ساحر سيجعلك تنتظر كل شخصية منهم أن تنهي كلامها لكي تُفكر فيه بشكل أعمق.
3- الكون مع “كارل ساجان” COSMOS WITH CARL SAGAN
إذا أردت أن تعرف كيف يدور الكون من حولك من خلال سلسلة أفلام وثائقية علمية، فسلسلة “الكون مع كارل ساجان” ستكون خيارك الأمثل من بين أغلب الأفلام العلمية والوثائقية المعلوماتية التي قد تتناول نفس الأفكار المطروحة، لا سيما أن “كارل ساجمان” استطاع ببراعة من خلال أجزاء سلسلته، التي تمتد إلى 13 ساعة إذا ما جمعناها كاملة، بلغة بسيطة و بطريقة عبقرية تبسيط أكثر المفاهيم الكونية والفيزيائية تعقيدًا من أجل أن يشاهدها المشاهد العادي.
كما اختار “كارل ساجان” عنوان السلسلة “كوزموس” أو Cosmos وهو أصل كلمة الكون المستوحاة من اللغة اليونانية، فكان يعود إلى الأصل في تأسيس الكون خلال بحثه في تلك السلسلة، لإظهار الانسجام والجمال الموجود في تلك الجذور التي تشكل منها الكون .
إذا أردت أن تعرف كيف يدور الكون من حولك من خلال سلسلة أفلام وثائقية علمية، فسلسلة “الكون مع كارل ساجان” ستكون خيارك الأمثل من بين أغلب الأفلام العلمية والوثائقية المعلوماتية
4- المؤسسة THE CORPORATION
إذا تساءلت في يومًا ما عن حجم سيطرة الشركات والمؤسسات أو حتى النقابات على سلوكيات البشر، فيمكنك أن تجد الإجابة من خلال الفيلم الوثائقي “المؤسسة“، ولأن المؤسسات تُعرف بشكل قانوني في عالم الإدارة على أنها أشخاص، كان من حق القائمين على الفيلم أن يتساءلوا عن كينونة الشخص الذي يُمثل كل مؤسسة من تلك المؤسسات التي تسيطر على المجتمعات بشكل مرضي.
لا يكون الفيلم ضمن قائمة الأفلام الوثائقية فحسب، بل هو فيلم له علاقة واضحة بعلم النفس و العلاج النفسي، من خلال تشخيصه المعتمد على حالات الاستغلال وانتهاك الحقوق الشخصية التي تمارسها المؤسسات والشركات من أجل الحصول على الربح الأكبر.
على الرغم من ظهوره على الساحة في عام 2003، إلا أن الفيلم ناقش قضايا عديدة مازلنا نعاني منها حتى بعد مرور أكثر من عقد كامل على إنتاج الفيلم، حيث يسلط الفيلم الضوء بشكل رئيسي على قضية تجاهل المؤسسات والشركات الكبرى حق الآخرين في الحياة بشكل كريم، أي بشكل مُبسط، تجاهل رفاه الآخرين.
إذا تساءلت في يومًا ما عن حجم سيطرة الشركات والمؤسسات أو حتى النقابات على سلوكيات البشر، فيمكنك أن تجد الإجابة من خلال الفيلم الوثائقي “المؤسسة”
يقوم الفيلم في الواقع بتصوير المؤسسات أو الشركات بصورة المريض العقلي، حيث يحاول فك عقدة جدلية ما إن كان هناك علاج لهذا المريض أم لا، يصورها أحيانًا في صورة النشاطات العُمالية أو أحيانًا بتصوير المسئولية الشخصية والأخلاقية التي يتسم بها بعض المُدراء و رواد الأعمال القلة، إلا أنه في النهاية يعرض ما سبق على أنها محاولات للعلاج التي أحيانًا لا تأتي إلا بنتائج هامشية.
5- عملية النجاة SURVIVING PROGRESS
على الرغم من أن قضية الفيلم الرئيسية هي قضية اقتصادية في المقام الأول، إلا أنها صُورت بشكل درامي قد تقشعر له الأبدان، فهو يصور معدل النمو الضخم الذي موله العالم عن طريق تشجيع الحكومات على أخد الرهون العقارية
يصف البعض هذا الفيلم الوثائقي بالتحفة الفنية، ذلك لأنه صور مشكلة اقتصادية عالمية ضخمة بشكل درامي بسيط، فهو يدور حول إحدى المبادئ الاقتصادية التي تتبعها شركات الرهن العقاري والبنوك العقارية وكذلك التجارية، وهي “إحدى أكثر الطرق فعالية لكسب الربح هي صُنع الدين” أي عن طريق الرهن العقاري ومنح القروض أو الديون تستطيع المؤسسات المذكور سابقًا كسب أكبر قدر من الربح.
على الرغم من أن قضية الفيلم الرئيسية هي قضية اقتصادية في المقام الأول، إلا أنها صُورت بشكل درامي قد تقشعر له الأبدان، فهو يصور معدل النمو الضخم الذي موله العالم عن طريق تشجيع الحكومات على أخد الرهون العقارية والتي لا يمكن الاعتماد على ردها في المستقبل، ولا الرهان على مستقبلها نفسه، حيث ضرب الفيلم البرازيل دولة وحكومة كمثال للقروض الهائلة التي يتم منحها للأمة، والتي لا يتم في النهاية تلبية مستحقاتها ودفعها، وبعد أن تستنزف الزبون أو العميل، تتركه غارقًا في دينه و تبدأ الكرة من جديد مع مُقترض آخر.
الجميل في كل الأفلام السابقة أنها متاحة بشكل مجاني على شبكة الإنترنت وقد تجدها بجودة عالية على موقع يوتيوب، كما أن القائمة الخاصة بالأفلام الوثائقية التي تُبهر العقل وتستحثه على ربط كل تلك النظريات والحقائق العلمية المطروحة بالواقع لا تنتهي عند تلك القائمة فحسب، إلا أن الموجودين فيها لن يخيبوا آمال المشاهد بالتأكيد.