ترجمة وتحرير نون بوست
ستشهد قمة مجموعة العشرين، التي تعد بمثابة منتدى يجمع بين الاقتصادات الصناعية الكبرى والناشئة، مداولات ونقاشات حامية الوطيس. وقد تنتهي هذه القمة بفشل ذريع ومدوي، يجسد حالة عدم الاستقرار الحالي فضلا عن عدم نجاعة العلاقات الدولية. عموما، ليس من السهل دفع 20 بلدا مختلفا للتوافق فيما بينهم. علاوة على ذلك، ساهم قدوم ترامب إلى البيت الأبيض في تفجير التوازنات العالمية غير المستقرة. في الوقت نفسه، ستستضيف هذه القمة أول لقاء وجها لوجه بين ترامب وبوتين، ومن المتوقع أن يتطاير الشرر بين الطرفين خلال هذا اللقاء.
من جانب آخر، أكدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي تتولى هذه السنة رئاسة قمة العشرين، هذه المعطيات منذ الأسبوع الماضي. ومن المرجح أن لا يتوصل قادة الدول المشاركة في هذه القمة، التي ستنعقد يومي الجمعة والسبت القادمين في هامبورغ، إلى أدنى توافق أو حتى إصدار بيان نهائي. وفي أسوأ الحالات، يمكن أن يصدر في نهاية هذه القمة بيان جماعي مشابه لبيان قمة مجموعة الدول السبع التي التأمت مؤخرا في تاورمينا الإيطالية، الذي كان نصه مفرغا من القرارات ويفتقر لأي مضمون.
بشكل عام، ستبقى المواقف متناقضة، كما هو الحال دائما، بشأن القضايا الرئيسية. ومن وجهة نظر سياسية، لا يمكن أن يعود التوصل إلى حل وسط، بالنفع على أية جهة من الجهات. إذا، مرحبا بكم في قمة المصارعات الدبلوماسية الدولية.
الجولة الأولى: ترامب مقابل بوتين
مما لاشك فيه، يعد اللقاء بين بوتين وترامب الاجتماع الثنائي الأكثر انتظار، مع العلم أن صورة مصافحة القائدين الدوليين لبعضهما البعض ستجوب جميع أنحاء العالم. وفي الأثناء، ستٌوثق هذه الصورة مصافحة استثنائية بين رئيس عادة ما يشكل قبضة يده بطريقة تجعل مفاصل أصابعه تبدو واضحة أثناء مصافحته لبقية الرؤساء؛ ونظيره الذي يحب أن تُلتقط له صور وهو يغض الطرف عن مصافحة غيره، أو يتسبب في احراجه خلالها.
على العموم، سيلتقي ترامب ببوتين للمرة الأولى منذ توليه منصب الرئاسة. وأخيرا، وإثر العديد من المكالمات الهاتفية، سيلتقي ترامب وبوتين وجها لوجه، وهو ما سيمثل نقلة نوعية في العلاقة بينهما. وفيما يتعلق بنتيجة هذا اللقاء، تكاد تكون التوقعات منعدمة. أما بشأن القضايا الرئيسية، أي الحرب في سوريا والحرب ضد الإرهاب الدولي، ستبقى الاختلافات قائمة بين الحكومتين. وفي حال شهدت هذه القمة أية اتفاق محتمل بين واشنطن وموسكو، فلن يكون هذا التوافق إلا مشروعا تم التخطيط له بشكل مسبق، في ظل تدخل موسكو في الانتخابات الرئاسية الأمريكية السابقة التي كانت في صالح ترامب.
في الأثناء، ستعمل روسيا على إبراز موقف واضح وجلي للعلن من خلال التلاعب بمفاهيم نظرية في إطار لعبة سياسية غالبا ما ستنتهي نتائجها بالتعادل السلبي. وفي هذا السياق، أشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الأسبوع الماضي إلى أن “روسيا على ثقة بأن الاجتماع المعلن عليه بين الرئيسين، الأمريكي والروسي، في هامبورغ، سيبرز آفاق التعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا”. وفي الإطار نفسه، دعا المسؤول الروسي إلى “ضرورة التقيد بالبراغماتية والعزم على ضمان السيادة الوطنية”، من خلال “مخططات واقعية”.
في سياق متصل، كان مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، هربرت ريموند ماكماستر، غامضا فيما يتعلق بالأسلوب الذي يجب اتباعه مع روسيا وأهداف العلاقة معها، مع العلم أن رأيه كان يتراوح بين الموقف ونقيضه. وفي هذا الصدد، أوضح ماكماستر أن الاجتماع مع الرئيس الروسي يهدف إلى إقامة علاقة “بناءة” مع موسكو، كما أن الرئيس الأمريكي يرغب في “استطلاع الفرص” المتاحة مع نظيره الروسي. في المقابل، شدد ماكماستر على أن ترامب “سيتخذ الإجراءات الضرورية” من أجل مواجهة “الممارسات الروسية المزعزعة للاستقرار”.
رسم على الحائط، لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية، دونالد ترامب، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في بلغراد، صربيا
الجولة الثانية: ترامب مقابل أوروبا
يبدو أن المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على استعداد لتكوين جبهة مشتركة ضد زحف ترامب. وخلال الأسبوع الماضي، وبالإضافة إلى باقي القادة الأوروبيين الذين سيشاركون في قمة هامبورغ، أظهر كلا القائدين استعدادهما للاتحاد حول قضيتين رئيسيتين، ألا وهما تغير المناخ والتجارة الحرة، علما وأن الخلاف بين ترامب والأوروبيين حول هذه المسألة يعد حادا للغاية.
من جهة أخرى، أكد ماكرون على أن الأوروبيين سيكونون “حازمين” في دفاعهم عن اتفاق باريس بشأن تغير المناخ، وهو موقف يتناقض مع رأي ترامب الذي أعلن مؤخرا عن تخلي بلاده عن هذا الاتفاق. من جهتها، ساندت ميركل وبقوة التجارة الحرة والاتفاقات متعددة الأطراف، مقابل “الحمائية والانعزالية” التي وصفتها “بالخطأ الجسيم”. وفي خطوة لم تنل إعجاب واشنطن البتة، أبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقا تجاريا مع كندا، تحت مسمى الاتفاقية الاقتصادية الشاملة الأوروبية الكندية. من جانب آخر، تدرس أوروبا إمكانية إعادة التفاوض في نص هذا الاتفاق مع المكسيك. والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية قد أبرمت مع هذين البلدين اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا).
ومن هذا المنطلق، يمكن القول أن العوامل الأساسية لتفعيل القطيعة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي خلال الزيارة الدولية التي أجراها ترامب إلى بروكسيل (خلال قمة الناتو) وتاورمينا (خلال قمة الدول السبع). عقب ذلك، حثت مستشارة الاتحاد الأوروبي، دول الاتحاد على “تحديد مصيرهم بأيديهم”، معبرة عن أسفها فيما يتعلق “بالعصر الذي كان يعتمد خلاله الأوروبيون كليا على جهات أخرى”، في إشارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة.
من جانب آخر، يمكن اعتبار معارضة ميركل للقطب الأمريكي بمثابة أيديولوجية وبراغماتية، لكن، هذه المعارضة لا تخلو أيضا من تأثير الحسابات السياسية. في الحقيقة، من الجيد بالنسبة لماكرون وميركل، اتخاذ موقف معارض لترامب، خاصة وأنه يلاقي الكثير من الرفض من قبل الأوروبيين. بشكل عام، يعمل الرئيس الأمريكي على اتخاذ تدابير تدعم موقعه في صلب رئاسة الجمهورية الفرنسية. أما بالنسبة للمستشارة الألمانية، فتنتظرها انتخابات عامة خلال الأشهر الثلاثة القادمة، في حين أنها تأمل أن يتم انتخابها لولاية رابعة.
إيمانويل ماكرون وأنجيلا ميركل خلال مؤتمر صحفي عقد في مقر المستشارية في برلين
أوكرانيا وقطر وجدار المكسيك
فضلا عن هذه التصادمات الكبرى، ستكون هامبورغ مسرحا لاشتباكات مماثلة تحمل في صلبها الهوية ذاتها، لكن ربما مع تغطية إعلامية محدودة. وفي الأثناء، سيكون هذا اللقاء فرصة حتى يندد ماكرون وميركل مرة أخرى بالتدخل الروسي في أوكرانيا. كما لن تتوان هذه الجهات عن تناول مسألة ضم موسكو غير القانوني لشبه جزيرة القرم والدعم العسكري والسياسي والمالي الذي تقدمه روسيا للانفصاليين في شرق البلاد. وتجدر الإشارة إلى أن الصراع القائم بشأن جزيرة القرم لا زال متواصلا. وفي الوقت الذي عمدت فيه كل من برلين وباريس إلى محاولة لعب دور الوساطة، اعترفت هذه الجهات بأن كييف لم تلتزم هي الأخرى بالاتفاق بشأن هذه الأزمة.
وفي شأن ذي صلة، ستتيح قمة العشرين القادمة فرصة حتى يلتقي الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بالملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، للمرة الأولى منذ اندلاع الأزمة القطرية. وفي هذا الصدد، تعهد أردوغان “بتكثيف الجهود من أجل وضع نهاية للتوتر” الذي ترتب على خلفية أزمة الخليج الأخيرة. في المقابل، لن يكون من السهل إحراز أي تقدم بشأن هذه المعضلة نظرا لتصلب المواقف وقسوتها من الجهتين. وفي الوقت الذي أظهر فيه الرئيس التركي موقفا تصالحيا بشأن هذه المسألة، استفز أردوغان برلين من جديد بعد إعلانه رغبته في لقاء أنصاره في هامبورغ، الأمر الذي قابلته الحكومة الألمانية بالرفض.
بالإضافة إلى ما سبق ذكره، يمكن أن يكون لترامب والرئيس المكسيكي، بينيا نييتو، الذين اشتد الجدال بينهما حول قضية الجدار العازل بين البلدين، فرصة تسوية الخلافات. و في الأثناء، سيُسجل غياب الرئيس البرازيلي، ميشال تامر، عن قمة هامبورغ، على خلفية شبهة ارتكاب جرائم مزعومة تتعلق بالفساد. ومن المرجح أن تتولد عن قمة العشرين جملة من الاحتجاجات.
على العموم، من المُقرر أن تخرج المنظمات غير الحكومية والناشطين وجماعات يسارية ألمانية في مظاهرة حاشدة يوم السبت القادم، أعلنت عنها بشكل مسبق. من جهتهم، دعا المنظمون والحكومة الألمانية إلى ضرورة الالتزام بأشكال التعبير السلمي. وفي الوقت نفسه، تم تجهيز حوالي 15 ألف رجل شرطة لحماية هذه القمة، في حين حُددت منطقة حظر كبيرة تشمل وسط مدينة هامبورغ.
المصدر: الكونفيدينسيال الإسبانية