يبدو أن الحصار الإسرائيلي المشدد على قطاع غزة للعام الحادي عشر على التوالي، وما ترتب عليه من سوء للأوضاع المعيشية والإنسانية والاقتصادية لسكانه، وارتفاع معدلات البطالة والفقر لأرقام جنونية، لم يكن شفيعًا لفقراء غزة فباتوا يعانون الأمرين نتيجة الإجراءات الصارمة التي تتبعها المؤسسات الإغاثية الدولية في القطاع.
فتلعب المؤسسات الدولية دورًا بارزًا في تضييق الخناق وتشديد الأوضاع الاقتصادية، خاصة على العائلات الفقيرة التي تتلقى المساعدات الغذائية من بعض المشاريع الإغاثية، جراء سياساتها التعسفية ومبرراتها بنقص التمويل غير المنطقية، كما تذرع مؤخرًا برنامج الغذاء العالمي حين قرر وقف القسائم الشرائية عن آلاف الأسر المحتاجة.
وأوقفت مؤسسة الإسكان التعاوني (CHF) السبت الماضي، بشكل جزئي مشروع صرف القسائم الشرائية بجميع محافظات قطاع غزة، عن 6 آلاف أسرة مكونة من (35 ألف فرد) من أصل 12 ألف أسرة مكونة من (60 ألف فرد) حتى إشعار آخر لعدم توفر التمويل.
حصار فقراء غزة
ومشروع القسائم الشرائية أحد مشاريع برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، ويُنفذ في قطاع غزة منذ أكتوبر 2009، بواسطة منظمة أوكسفام (Oxfam) الدولية حتى الأول من يناير 2017، لكنه نُقل إلى مؤسسة (CHF) بتمويل من برنامج الغذاء العالمي، وذلك لتلبية احتياجات الأمن الغذائي لسكان القطاع وخلق فرص اقتصادية للمنتج الفلسطيني.
ويمكّن المشروع الأسر المسجلة لديه من استلام المواد الغذائية بشكل مباشر من المحلات التجارية المشاركة في المشروع والواقعة في محيط أماكن سكناهم، على مستوى محافظات القطاع.
المواطنة الفلسطينية “أم البراء“، من منطقة الزيتون في مدينة غزة، عبرت عن حزنها الشديد جراء تلقيها رسالة عبر هاتفها المحمول، تفيد بوقف القسائم الشرائية التي تتلقاها من برنامج الغذاء العالمي، بسبب نقص التمويل.
وأشارت “أم البراء“ إلى أن تلك الحروف القليلة التي خطها المسؤولون على شكل جملة وأرسلوها بكل سهولة لها، ستنعكس سلبًا على مجرى حياتها اليومي وحياة أطفالها الخمس.
معاناة “أم البراء“ التي روتها جراء قطع القسائم الشرائية عن عائلتها، يتقاسمها معها الأربعيني “أبو محمد“ وآلاف العائلات في قطاع غزة، جراء السياسات الدولية التعسفية تجاهه
وبينت أن قيمة القسيمة التي تتلقاها أسبوعيًا (70 شيكلاً) تعتمد بشكل كبير عليها، في توفير السلع والمواد الغذائية الأساسية لأطفالها، خاصة في ظل عدم انتظام عمل زوجها في مهنة النجارة.
معاناة “أم البراء“ التي روتها جراء قطع القسائم الشرائية عن عائلتها، يتقاسمها معها الأربعيني “أبو محمد“ وآلاف العائلات في قطاع غزة، جراء السياسات الدولية التعسفية تجاههم.
“أبو محمد“ الذي كان يضمن قوت أبنائه العشرة، من السلع الغذائية التي توفرها القسيمة الشرائية، يقف محتارًا أمام الحال السيء الذي وصل إليه وعائلته، بعد قرار برنامج الغذاء العالمي، في ظل عدم توفر فرص عمل في القطاع تناسب وضعه الصحي.
وأوضح أبو محمد أنه يعاني من مرض الغضروف الذي يسبب له آلامًا شديدة في الظهر والرقبة ويمنعه من ممارسة الأعمال الشاقة، مما جعله يعتمد على برنامج الغذاء العالمي الجهة الوحيدة التي يتلقى منها المساعدات، مشيرًا إلى أنه في حال بقي قرار البرنامج ساري المفعول ستتراكم الديون على كاهله، وسيضطر للاستدانة من بعض الأقارب، كما حدث معه سابقًا، قبل أن يتم فرزه على رأس أولويات البرنامج لشدة حاجته.
معادلات الدول المانحة
الخبير والمتخصص بالاقتصاد الفلسطيني محمد أبو جياب، رأى أن قطع برنامج الأغذية العالمي القسائم عن آلاف الأسر المحتاجة في قطاع غزة، سيزيد الوضع الاقتصادي والإنساني للمستفيدين منها تعقيدًا جراء اعتمادهم الكبير عليها.
وأوضح أبو جياب أن القسائم الشرائية تلعب دورًا مهمًا في دعم الاقتصاد المحلي من خلال إلزام المستفيدين بقائمة من السلع التي تنتج محليًا، خاصة قطاع الألبان والأجبان وغيرها من القطاعات، كما أنها توفر الاحتياجات الحياتية والأمن الغذائي للأسر المحتاجة، مشددًا أن غياب البطاقات سيؤثر بشكل مباشر على توفير أمن وغذاء العائلات المستفيدة.
لم يستبعد أبو جياب، ارتباط تقليص المساعدات بالعقوبات التي يتعرض لها المواطن الفلسطيني في قطاع غزة من الاحتلال الإسرائيلي
وأكد أن ذريعة نقص التمويل التي يتحجج به المسؤولون لقطع القسائم عن العائلات المستفيدة، غير مبرر وغير منطقي، إذ إن حجم المساعدات للعائلات يقدر بمبلغ 7 ملايين دولار، مشيرًا إلى أن هذا المبلغ صغير، ويمكن توفيره من خلال المؤسسات الدولية المانحة.
وبين أن بعض بنود القانون الدولي تنص على تقديم المساعدات للعائلات الفقيرة، لذا يتم اعتبار الأسر المحتاجة على رأس مشاريع برنامج الغذاء العالمي والمؤسسات الدولية العاملة بمجال الإغاثة في قطاع غزة.
ولم يستبعد أبو جياب، ارتباط تقليص المساعدات بالعقوبات التي يتعرض لها المواطن الفلسطيني في قطاع غزة من الاحتلال الإسرائيلي، وخاصة أن مبرّر الـ”CHF” هو نقص التمويل، وأنها تسعى لجلبه من الدول المانحة.
المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان: “الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة للعام العاشر على التوالي رفع نسبة الفقر بين سكانه إلى 65%“
واتهم الخبير الاقتصادي، السلطة الفلسطينية، بالمشاركة في قرار التقليص في محاولة منها لتحقيق مكاسب سياسية جراء خطوة قطع القسائم عن هذه العائلات، موضحًا أن صاحب الحق في الموافقة على التمويل الدولي للبرامج والمشاريع في أراضي السلطة الفلسطينية، هي السلطة الفلسطينية وحدها وبالتالي هناك توجه منها بعدم التمويل.
ودعا الخبير الاقتصادي، مؤسسات المجتمع المدني وحقوق الإنسان، إلى الضغط على السلطة الفلسطينية لإبعاد المواطنين العزل عن المناكفات السياسية.
وقال المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان: “الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة للعام العاشر على التوالي رفع نسبة الفقر بين سكانه إلى 65%“.
وذكر المركز في تقريره الأخير أن نسبة البطالة في غزة ارتفعت في الآونة الأخيرة إلى 47%، و80% من سكان القطاع باتوا يعتمدون على المساعدات الخارجية لتأمين الحد الأدنى من متطلبات المعيشة اليومية.
وأكد التقرير أن الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ عشر سنوات يمثل “انتهاكًا صارخًا لحقوق سكان غزة الاقتصادية والاجتماعية”، وكان البنك الدولي أصدر تقريرًا في سبتمبر/أيلول 2016 أفاد بأن نسبة البطالة في غزة بلغت 43% ونسبة الفقر بلغت 60%.