ككل حكومة عرفتها تونس بعد ثورة الـ14 من يناير 2011، ما إن تقترب من غلق العام الأول على بدء عملها حتى تتعالى أصوات من داخل الائتلاف الحاكم وخارجه مطالبة بضرورة تغييرها أو إجراء تعديل عميق فيها، لتفعيل الأداء الحكومي وإيجاد حلول للمشاكل التي تعيش على وقعها البلاد في شتى المجالات.
ومن المنتظر أن يبدأ رئيس الحكومة يوسف الشاهد مشاوراته لإجراء التعديل الوزاري المنتظر على حكومته التي انبثقت عن وثيقة قرطاج أواخر أغسطس/آب الماضي، مباشرة عقب عودته من الولايات المتحدة الأمريكية التي سيزورها ما بين 9 – 13 من الشهر الحالي.
النداء أول الداعين
أول الداعين إلى إجراء تعديل وزاري، قيادات حركة نداء تونس (59 مقعدًا في البرلمان من مجموع 217) التي ينتمي إليها رئيس الحكومة يوسف الشاهد، حيث دعا حافظ قائد السّبسي، المدير التنفيذي للحركة، نهاية يونيو الماضي، إلى إجراء تعديل وزاري على الحكومة الحالية.
شوكات: التعديل الوزاري في هذا الوقت بالذات من مصلحة رئيس الحكومة الذي كان قد وعد بأن يجري تقييمًا للأداء الحكومي قبل مرور سنة على تنصيبها
وقال نجل الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، في تدوينة نشرها، عبر صفحته على فيسبوك: “بعد مرور أكثر من 10 أشهر على توقيع وثيقة قرطاج، أصبح اليوم من الضروري تعديل الحكومة في العمق وحتى إعادة هيكلتها”، وأضاف أن رؤيتهم لضرورة هذا التعديل الوزاري العميق، تندرج ضمن فهم الشروط التي ينبغي أن تتوفر لفائدة النجاعة والفاعلية والانسجام في العمل الحكومي، بما يخدم مصلحة الشعب التونسي وانتظاراته قبل أي تقدير لمصلحة أشخاص أو أحزاب.
واستدرك أنه لا يمكن تحقيق ذلك (النجاعة المطلوبة) دون الالتزام باختيارات الشعب التونسي التي عبّر عنها في انتخابات أكتوبر 2014، وأعطت ثقتها لحركة نداء تونس كحزب أول فائز في الانتخابات، وتابع أن ما تقدّم يقتضي احترام هذه الإرادة الشعبية، واحترام العملية الديمقراطية وعدم القفز عليها تحت أي مسمى من المسميات، وفق تعبيره.
نداء تونس يأمل في تعديل عميق للحكومة
من جهته قال القيادي في نفس الحزب، خالد شوكات، إن التعديل الحكومي بات أمرًا ضروريًا وليس خيارًا، مذكرًا أن الحركة نادت بهذا التعديل منذ أشهر، أي منذ تسجيل فراغ على مستوى عدد من الوزارات وكذلك مع ظهور بوادر فشل في أكثر من وزارة، إضافة إلى شبهات الفساد تعلقت ببعض الوزراء، وفق تعبيره.
وأوضح شوكات، في تصريح سابق لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، أن الدعوة للقيام بتعديل وزاري في هذه الفترة بالذات لا تعد تشويشًا على الحكومة أو ضربا لها، بل في صميم الحرص على إضفاء النجاعة على عمل الحكومة وتدارك نقاط الضعف فيه، كما اعتبر أن التعديل الوزاري في هذا الوقت بالذات من مصلحة رئيس الحكومة الذي كان وعد بأن يجري تقييمًا للأداء الحكومي قبل مرور سنة على تنصيبها.
النهضة موافقة على التعديل بشرط
حليفة حركة نداء تونس في الحكم وصاحبة المرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية الأخيرة حركة النهضة، طالبت هي الأخرى بتعديل وزاري في حكومة الشاهد، إلا أنها ترفض أن يكون التعديل على أساس المحاصصة الحزبية وتقسيم المناصب.
الهاروني: النهضة تطالب بتعديل وزاري لا من أجل التعديل فقط بل من أجل مصلحة تونس
حيث قال رئيس مجلس شورى النهضة إن حركته التي تتصدر مقاعد البرلمان بـ69 نائبًا، تطالب بتعديل وزاري في حكومة يوسف الشاهد وترفض سياسة تقسيم المناصب وذلك بعد يوم من دعوة المنسق العام لحزب نداء تونس الحاكم إلى تغيير وزاري عميق في حكومة الشاهد.
وقال رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبد الكريم الهاروني، في تصريح إعلامي إن النهضة تطالب بتعديل وزاري لا من أجل التعديل فقط بل من أجل مصلحة تونس، وشدّد الهاروني على رفض حركته عقلية تقسيم المناصب، مؤكدًا أنها مستعدة للتشاور مع كل الأحزاب وتحترم اختيارات رئيس الحكومة يوسف الشاهد.
شبهات فساد
الحديث عن تعديل وزاري تزامن مع فتح النيابة العمومية تحقيقًا ضد وزير البيئة في الحكومة الحالية عن حزب “آفاق تونس” وأحد المستشارين السابقين على خلفية اتهامات وجهتها نائبة في البرلمان للوزير، ومفادها أنه عين مستشارًا خاصًا له تحوم حوله شبهة فساد وصدر ضده حكمًا قضائيًا، بواسطة عقد ممارسة نشاط خاص مقابل أجر سنوي يقدر بـ40 ألف دينار (17 ألف دولار) بما يخالف القانون.
يتساءل تونسيون، لماذا تأخر رد فعل رئيس الحكومة يوسف الشاهد بخصوص هذه الملفات التي تؤكد شبهات الفساد التي تحوم حول بعض وزراء حكومته
وينص الفصل 96 من المجلة الجزائية التونسية على معاقبة كل موظف عمومي بالسجن لمدة 3 سنوات وغرامة قدرها 3 آلاف دينار، يعمد وهو في حالة المباشرة أو عدم المباشرة أو الإلحاق إلى المساهمة بنفسه أو بواسطة عمل أو برأس مال في سير منشأة خاصة خاضعة بحكم مهامه لرقابته أو كان مكلفًا بإبرام العقود معها أو كان عنصرًا فاعلًا في إبرام تلك العقود.
إلى جانب ذلك وجه حزب آفاق تونس (مشارك في الائتلاف الحاكم) تهمًا بالفساد للوزير مهدي بن غربية، حيث نُشرت وثائق تتعلق بفساد في صفقات شركة الطيران المدني التونسية لصالح مصطفى بن غربية والد الوزير مهدي بن غربية سنة 2003، وانتهت وفق التقرير المنشور في وسائل إعلام محلية إلى أن والد بن غربية، الحاصل على صفة مدير بشركة الطيران، عمل على نقل عملائها والمتعاونين معها لشركة طيران خاصة أسسها سنة 1997 ويديرها ابنه الوزير الحالي.
يواجه عدد من وزارء الشاهد قضايا فساد
هذان الوزيران لم يكونا الاستثناء فغيرهم كثر في الحكومة والدوائر المقربة لها، وما الفضيحة التي طالت وزيرة الشباب والرياضة مجدولين الشارني حين نظمت وزارتها دورة، قالت إنها عالمية، في رياضة الملاكمة ليُكتشف بعدها أنها بطولة وهمية، جمعت ملاكمان واحدًا من تونس وآخر من روسيا يحتلان أسفل ترتيب قائمة الملاكمين، ولا يلتفت إليها أحد، وأسندت مهمة تنظيمها إلى منظمة عرف عنها احتيالها في هذا المجال وإسنادها ألقاب رياضية بمقابل.
ويتساءل تونسيون، لماذا تأخر ردة فعل رئيس الحكومة يوسف الشاهد في خصوص هذه الملفات التي تؤكد شبهات الفساد التي تحوم حول بعض وزراء حكومته، خاصة أنها تضعف عمل الحكومة التي رفعت شعار الحرب على الفساد.
محطات سابقة
لئن جاءت مطالب التعديل أو التغيير هذه بمناسبة قرب انتهاء السنة الأولى لعمل الحكومة، فقد عرفت حكومة الشاهد قبلها العديد من المحطات التي شهدت فيها تعديلات وزارية جزئية، وأواخر أبريل/ نيسان الماضي شهدت الحكومة التونسية تعديلًا جزئيًا تمثّل في إقالة وزير التربية ناجي جلول ووزيرة المالية لمياء الزريبي، من مهامهما، وتعيين سليم خلبوس وزيرًا للتربية بالإنابة، وفاضل عبد الكافي وزيرًا للمالية بالإنابة أيضًا.
حددت “وثيقة قرطاج” التي وُقعت في يوليو/تموز 2016 أولويات حكومة الوحدة الوطنية بقيادة يوسف الشاهد
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي قرر الشاهد إقالة وزير الشؤون الدينية، عبد الجليل بن سالم، من مهامه، وذلك لعدم احترامه لضوابط العمل الحكومي وتصريحاته التي مست بمبادئ وثوابت الدبلوماسية التونسية، وفق بيان رئاسة الحكومة في حينه، وتعويضه لاحقًا بأحمد عظّوم، كما ألغت الحكومة التونسية مطلع آذار/مارس الماضي وزارة الحوكمة والوظيفة العمومية، على خلفية رفض خليل الغرياني، نائب رئيسة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة الأعراف) المكلف بالملف الاجتماعي، هذا المنصب، خلفًا لعبيد البريكي.
عرفت حكومة الشاهد منذ تنصيبها العديد من التغيرات
وحددت وثيقة قرطاج أولويات حكومة الوحدة الوطنية بقيادة يوسف الشاهد، ووقعها في يوليو/تموز 2016، 9 أحزاب سياسية هي حركة نداء تونس، حركة النهضة، حركة مشروع تونس، حزب الاتحاد الوطني الحر، حزب آفاق تونس، حركة الشعب، حركة المبادرة الوطنية الدستورية، الحزب الجمهوري، حزب المسار الاجتماعي الديمقراطي.
كما وقعت على وثيقة قرطاج أيضًا ثلاث منظمات وطنية هي الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد)، الاتحاد التونسي للتجارة والصناعة والصناعات التقليدية (منظمة أرباب العمل)، بالإضافة إلى الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (المزارعين)، وتضم حكومة الشاهد الحالية 26 وزيرًا و14 كاتب دولة (موظف حكومي برتبة وزير).
تحديات اقتصادية واجتماعية كبرى
رغم مرور أكثر من ست سنوات ونصف على الثورة، ما زالت تونس تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية كبرى خانقة ساهمت في اندلاع احتجاجات عارمة بعدة محافظات بالبلاد تطالب الحكومة التونسية بنصيبها في التنمية وحقها في التشغيل، وفي شهر مايو الماضي رصد المرصد الاجتماعي التونسي التابع للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (مستقل) 1533 تحركًا احتجاجيًا تتوزع إلى 1462 احتجاجًا جماعيًا و71 احتجاجًا فرديًا، أبرزها التحركات في مدن الجنوب.
تواصل الحركات الاحتجاجية في تونس بنسق كبير
ويعاني الاقتصاد التونسي من مشاكل عدة أبرزها الفساد والتهريب، حيث نبهت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير سابق بعنوان “الانتقال المعطَّل: فساد ومناطقية في تونس” إلى أن بارونات الاقتصاد الموازي وخصوصًا التهريب على الحدود مع ليبيا والجزائر راكموا المليارات من الدولارات بعد الإطاحة مطلع 2011 بنظام بن علي، وتراجع ترتيب تونس في لائحة الفساد لمنظمة الشفافية الدولية من المرتبة الـ59 في 2010 إلى المرتبة الـ75 في عام 2016.