رغم واقعها المؤلم المفعم بروائح الدم والفقر والمرض، ومستقبلها الغامض الفاقد للرؤية المستنيرة في ضوء اعتلاء صوت المعارك والحروب وإجهاض صوت العقل والحوار، وظروف سكانها الصعبة التي دفعتها لأن تكون في فترة من الفترات مناطق طرد لمواطنيها، فإفريقيا يبدو أنها ستكون على موعد آخر مع التغيير، وذلك حين تصبح قبلة للسائحين في الداخل والخارج، لتتبوأ مكانتها على خارطة السياحة العالمية.
التقارير الواردة من الأمم المتحدة خلال السنوات الأخيرة تسير في مضمونها عكس عقارب الساعة الإفريقية التي تعكسها يوميات الأحداث هنا وهناك، ما بين دمار وخراب، قتل وتشريد، جفاف وفقر، لتضع القارة على قوائم المناطق التي من المتوقع أن تصبح خلال الفترات القادمة سوقًا رائجة للسياحة تفتح آفاقًا جديدة للأفارقة وجيرانهم من البلدان الأخرى، فهل آن الأوان أن تعود القارة السمراء للأضواء مرة أخرى عبر بوابة السياحة؟
200 مليون سائح
شهد قطاع السياحة في إفريقيا نموًّا غير مسبوق في أعداد السائحين الأجانب الوافدين للقارة، حيث تضاعف العدد من 24 مليون خلال فترة 1995- 1998 إلى 48 مليون خلال فترة 2005 – 2008، وبلغ 56 مليون خلال فترة 2011 – 2014، مع توقعات بوصول العدد بحلول عام 2030 إلى أكثر من 200 مليون سائح، وذلك بحسب “تقرير التنمية الاقتصادية في إفريقيا 2017: السياحة في خدمة نمو شامل ومحول للاقتصاد”، الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد”.
التقرير أوضح أن قطاع السياحة في إفريقيا يدعم أكثر من 21 مليون وظيفة، فضلاً عن ارتفاع إيراداته من 6% إلى 9% على مدى الـ20 عامًا الماضية، وخلال العقد القادم من المتوقع أن تساهم السياحة في توفير 11 مليون وظيفة إضافية في إفريقيا، مما يساعد على زيادة النمو.
عدد من المحللين كشف النقاب عن بعض العوامل التي من الممكن أن تساهم في إحداث هذا النمو الملحوظ وتزيد من معدلاته مستقبلاً، منها ضرورة تفعيل خطوات تحرير النقل الجوي، وتعزيز حرية حركة الأشخاص، وضمان تحويل العملات، وهو ما دفع الاتحاد الإفريقي العام الماضي لإصدار جواز سفر إفريقي من أجل تيسير عملية السفر، لكن هذا لم ينتشر على المستوى المطلوب إذ ظل الأمر محصورًا بأيدي بعض المسؤولين وفقط.
كذلك هناك من طالب بإعادة النظر في الإجراءات والمتطلبات المتعلقة بالحصول على تأشيرة الدخول للدول الإفريقية سواء من قبل المواطنين الأفارقة أو الأجانب من خارج القارة، ورغم صعوبة تنفيذ هذا المطلب لا سيما فيما يتعلق بالأجانب من خارج القارة، إلا أنها لاقت قبولاً بين الدول الأعضاء داخل الاتحاد الإفريقي وعلى رأسها غانا ورواندا حيث أعلنتا نيتهما تخفيض متطلبات الحصول على التأشيرة.
وللوقوف على النتائج المترتبة على مثل هذه الخطوة فقط ساهم قرار رواندا إلغاء متطلبات الحصول على التأشيرة للدول الأعضاء في مجموعة شرق إفريقيا في عام 2011 على زيادة عدد السياح داخل البلاد من 283 ألف سائح في 2010 إلى 478 ألفًا في 2013.
تقرير أممي يتوقع وصول عدد السائحين الأجانب القادمين إلى إفريقيا بحلول عام 2030 إلى أكثر من 200 مليون سائح
عشرات المعالم السياحية الإفريقية تنافس على صدارة الأكثر جاذبية على مستوى العالم
المغرب الأول إفريقيًا
تقرير (الأونكتاد) أفاد بأن المغرب البلد الإفريقي الوحيد الذي تجاوز عدد القادمين إليه من السياح الدوليين 10 ملايين سنة 2015، ليتصدر بذلك قائمة الدول الإفريقية الأكثر زيارة من قبل السائحين الأجانب.
جونيور دافيس، رئيس قسم إفريقيا بمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، أشار خلال ندوة صحفية بمقر لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا، أن المغرب تصدر الدول الإفريقية المستقبلة للسياح بـ10.177 مليون سائح، تليه مصر في المرتبة الثانية بـ9.139 مليون، ثم جنوب إفريقيا 8.904 مليون، وتونس 5.359 مليون.
التقرير سجل أنه خلال الفترة من 2011 – 2014 بلغ عدد السائحين الأجانب في مصر 9.9 مليون، ثم المغرب 9.8 مليون، تلتها جنوب إفريقيا 9.2 مليون، ثم تونس 6.8 مليون، موضحًا أن هذه الدول الأربعة استحوذت على 64%من مجموع السياح الأجانب القادمين إلى إفريقيا.
تتوقع الأبحاث في هذا الشأن زيادة نسبة العالم النامي الذي تمثل إفريقيا عصبه الأساسي من نسبة السائحين حول العالم
المغرب يتصدر قائمة الدول الإفريقية الأكثر استهدافًا من قبل السائحين الأجانب
آفاق مستقبلية
في دراسة تحت عنوان (التحليل الجغرافي للحركة السياحية إلى إفريقيا) استعرض الدكتور موسى عتلم، أستاذ الجغرافية الاقتصادية بجامعة المنوفية، واقع السياحة في إفريقيا في ضوء ما تتمتع به من مقومات وقراءة لما يمكن أن تكون عليه مستقبلاً حال تفعيل بعض الآليات التي من شأنها التسويق والترويج لمقومات القارة السياحية.
الدراسة أشارت إلى انخفاض نصيب إفريقيا من السائحين في العالم عن نصيبها من السكان والمساحة، حيث تبلغ مساحتها 22% من مساحة العالم، و16% من سكانه عام 2015، بينما نصيبها لم يتجاوز 5% من السائحين، إلا أنه ومع ذلك فإن معدلات النموّ التي سجلتها أعداد السائحين في إفريقيا خلال الفترة الأخيرة يعكس تفوقها الكبير على المتوسط العالمي خلال الفترة (1950م – 2015).
ففي حين سجل المعدل السنوي لنمو أعداد السائحين في إفريقيا 170%، نجد أن المعدل العالمي لم يتجاوز 67.3% خلال الفترة نفسها، كما تبين معدلات نمو الحركة السياحية خلال الفترة (2005 – 2014) أن المعدل السنوي لنمو السياحة الإفريقية بلغ 5.4% مقابل 3.8% للمعدل العالمي، و2.8% لقارة أوروبا، و3.5% للأمريكتين، وهذا يحمل دلالةً واضحةً على النمو الذي تشهده السياحة الإفريقية، رغم ضآلة نصيبها بالمقارنة بمناطق العالم الأخرى.
تقرير (الأونكتاد) أفاد بأن المغرب البلد الإفريقي الوحيد الذي تجاوز عدد القادمين إليه من السياح الدوليين 10 ملايين سنة 2015، ليتصدر بذلك قائمة الدول الإفريقية
وفي قراءة سريعة لمعدلات النمو في أعداد السائحين في القارة، يلاحظ أن عدد السائحين القادمين لدول إفريقيا زاد من 0.5 مليون سائح (بنسبة 0.2% من السائحين في العالم) عام 1950م، إلى 2.6% عام 1980م، ثم 27.9 مليون سائح (بنسبة 4.1%) عام 2000، إلى 55.7 مليون سائح (بنسبة 4.9% من السائحين في العالم) عام 2015م، ومن المتوقّع أن يبلغ العدد 85 مليون سائح (بنسبة 6.3% من إجمالي السائحين) عام 2020.
ومن ثم فإن دراسة السياحة في إفريقيا باتت تكتسب أهمية محورية في ظل ما تساهم به في الإسراع بمعدلات التنمية في شتى المجالات، حيث ارتفع دخل القطاع السياحي من 7.2 مليار دولار عام 1980 إلى 26.5 مليار عام 2000 و50.3 مليار عام 2010 ومن المتوقع أن يتجاوز الرقم حاجز الـ58 مليار دولار عام 2020.
كما أسهم هذا القطاع بتوفير نحو 11.6 مليون فرصة عمل عام 2000 زادت إلى 20.5 مليون عام 2014م، تمثل نحو 8.1% من جملة الأيدي العاملة بالقارة، وصولاً إلى 26 مليون عام 2015.
المعدل السنوي لنمو السياحة الإفريقية بلغ 5.4% مقابل 3.8% للمعدل العالمي، و2.8% لقارة أوروبا، و3.5% للأمريكتين
20.5 مليون فرصة عمل في إفريقيا بسبب السياحة
استراتيجية تنموية
في الوقت الذي تتمتع به القارة من وفرة في مقومات الجذب السياحي في ظل ما تمتلكه من معروض جغرافي وبشري وبيئي جاذب للسائحين، إلا أن هناك بعض الدول ما زالت تعاني من ضعف الحركة السياحية، وذلك لعدة أسباب، منها انعدام الأمن والاستقرار في بعض البلدان فضلاً عن بعض الكوارث البيئية كالتصحر والجفاف وغير ذلك من معاول هدم هذا القطاع الحيوي، بالإضافة إلى تضخيم بعض وسائل الإعلام للمشكلات الداخلية عندها وهو ما ينعكس بصورة أو بأخرى على حركة السياحة القادمة إليها.
وأمام هذا الوضع قدمت منظمة اليونسكو استراتيجية من أجل تنمية السياحة المستدامة في الصحراء الكبرى، استهدفت تنمية السياحة الصحراوية وتعظيم دورها في حماية التراث الثقافي والطبيعي، وتسويق المنتج السياحي الصحراوي، لما لذلك من انعكاسات اقتصادية واجتماعية، وذلك بهدف التغلب على المعوقات التي تعرقل تنمية القطاع السياحي في تلك المناطق بما يفتح الباب أمام العالم للانفتاح على إفريقيا وحث مواطني العالم على زيارتها.
صفاقس التونسية قبلة سائحي أوروبا ودول المغرب العربي
تتوقع الأبحاث في هذا الشأن زيادة نسبة العالم النامي الذي تمثل إفريقيا عصبه الأساسي من نسبة السائحين حول العالم، وهو ما يشير إليه منحنى النمو خلال السنوات الأخيرة، ففي تسعينيات القرن الماضي بلغت نسبة العالم النامي من الحركة السياحية العالمية نحو 30% زادت إلى 38.1% عام 2000 ومن المتوقع أن تصل إلى 52.7% بحلول 2020، و57.2% عام 2030.
ومن ثم فإن إفريقيا صارت قبلة يقصدها السائحون من مختلف دول العالم، كما أنها باتت سوقًا سياحية رائجة تجسدها أرقام ومعدلات التنمية المعلنة حين تقارن بنظيراتها في المناطق الأخرى من العالم، وذلك في ظل ما تمتلكه من مقومات وإمكانيات سياحية لا تتوفر لكثير من البلدان الأخرى.