عشية أول لقاء بين بوتين وترامب على هامش قمة العشرين في هامبورغ الألمانية، ورغم الخلافات الحاصلة مؤخرًا بين البلدين وتدني مستوى العلاقات بينهما، أعلنت أمس الجمعة كل من واشنطن وموسكو والأردن التوصل إلى اتفاق لإعلان وقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا، يبدأ سريانه منتصف نهار غد الأحد 9 من يوليو/تموز.
الإعلان جاء لينفي ملامح خلافات كبيرة بين البلدين بشأن قطع التنسيق بينهما وأن الأمور تنحدر إلى الأسوأ، ويؤكد من جهة أخرى أن إشعال وإيقاف الجبهات في مختلف مناطق سوريا يأتي بعد خلاف وتوافق كلا البلدين على جملة من الأمور في سوريا، بدليل أن قائد “جيش اليرموك”، بشار الزعبي، أحد أكبر الفصائل التابعة لـ”الجيش الحر” في درعا، قال إنه تم إبلاغهم بهذا الاتفاق من دون ذكر أي تفاصيل أخرى، والأمر الأهم والأبرز من كل هذا هو الدور الروسي المتنامي في سوريا والذي يتعزز يومًا بعد آخر في مناطق عدة بسوريا ويترسخ لدى العقيدة الأمريكية، ونجاح مساعي روسيا في هذا الشأن يستدعي فشل مسار جنيف ونجاح مسار أستانة واعتماده من قبل واشنطن.
اتفاق روسي أمريكي
شهدت محافظة درعا وبالأخص درعا البلد وأحيائها هجمة شرسة من قبل النظام السوري وروسيا والمليشيات الإيرانية، أُمطرت درعا بمئات القذائف الصاروخية أسفرت عن مقتل العشرات من المدنيين، ظاهر الحملة أن النظام يود استعادة ما خسره في الأيام الأخيرة في درعا والوصول إلى منطقة جمرك درعا القديم، معبر نصيب الحدودي، فيما باطن الحملة كان خلاف روسي أمريكي في سوريا يترجم في كل مرة على الأرض بتوسيع أي من البلدين من مناطق سيطرتهما وذلك بدعم حلفائه لفتح معارك جديدة.
الاتفاق الروسي الأمريكي في الجنوب سيسمح بفتح معبر نصيب الحدودي مع الأردن أو معبر آخر في السويداء يشرف عليه النظام السوري، ويكرس وجود إيراني ما بعد المناطق العازلة المحددة بـ40 كيلومترًا والمتاخمة للحدود السورية مع فلسطين المحتلة والأردن
فلو كان هناك اتفاقًا روسيًا أمريكيًا من البداية لما حصلت هذه الحملة من الأساس، في الأمس خرج المتحدث باسم الحكومة الأردنية محمد المومني بتصريحات أفاد فيها أنه سيتم العمل بالاتفاق اعتبارًا من يوم الأحد، وأضاف حسب ما نقلته وكالة الأنباء الأردنية “بترا” أنه سيتم وقف إطلاق النار على طول خطوط تماس اتفقت عليها قوات النظام السوري والقوات المرتبطة بها من جانب، وقوات المعارضة السورية المسلحة من جانب آخر.
روسيا استهدفت أحياء درعا البلد بمئات القذائف الصاروخية
على أن هذا الاتفاق بين الأطراف الثلاث سيكون خطوة باتجاه الوصول إلى خفض دائم للتصعيد في جنوب سوريا، ينهي الأعمال العدائية ويعيد الاستقرار ويسمح بوصول المساعدات الإنسانية إلى هذه المنطقة المحورية في سوريا.
الجدير بالملاحظة هنا، أن هذا الاتفاق تم خارج مباحثات “أستانة” في جولتها الخامسة التي انتهت قبل أيام قليلة، والتي كانت فصائل الجنوب قد قاطعت المؤتمر تمامًا ولم ترسل أي ممثل لها في المحادثات، نظرًا لعدم قدرة المؤتمرات الدولية المتتالية على اتخاذ أي قرارات حادة من شأنها إيقاف إراقة الدم السوري بحسب الفصائل المنضوية تحت الجبهة الجنوبية.
في الواقع فإن أستانة بجولته الخامسة لم يتوصل إلى اتفاق نهائي بشأن الفكرة الأساسية في المباحثات وهي مناطق خفص التصعيد، ولا المراقبين المنوط بهم مراقبة حدود المناطق العازلة، فما الذي جرى إذًا بعد يومين من المباحثات في أستانة؟ الذي جرى استبعاد الاتفاق بخصوص إدلب والمنطقة الجنوبية وبقاء الخلافات تحوم بشأن هاتين المنطقتين، فيما تم التوافق على ترسيم خرائط المناطق في شمال حمص والغوطة الشرقية، واللتين ستتبعان لروسيا وإيران والنظام السوري بالمحصلة.
هذا الاتفاق يعني فصل جنوب سوريا عن بقية البلاد، وإقامة ما يشبه الحكم الذاتي فيه، وهذا أمر خطير يحدث لأول مرة في تاريخ الثورة السورية
وبعد انتهاء أستانة يأتي اتفاق علني بين موسكو وواشنطن وعمّان بحكم أنها معنية بالجنوب السوري، إذ يشارك بحدود مع سوريا بطول 378 كلم وينشر قواته على طولها، للتوافق على وقف إطلاق النار في المنطقة الجنوبية، إلى الآن لم يتم التصريح بماهية ذلك الاتفاق ولا بنوده كاملة، وتم تتويج هذا الاتفاق في أول لقاء بين بوتين وترامب على هامش قمة العشرين في هامبورغ، والأيام القادمة كفيلة بكشف ذلك الاتفاق، محللون أشاروا أن هكذا اتفاق لا بد أن يكون شمل تبادل في مناطق النفوذ بين البلدين وبالأخص مع اقتراب إنهاء “داعش” في الرقة والبادية السورية.
فيما اكتفى وزير الخارجية الروسي لافروف بتصريحات ذكر فيها أن بوتين توصل لاتفاق مع نظيره الأمريكي، ترامب، على وقف لإطلاق النار في جنوب سوريا يبدأ الأحد، وأضاف “اتفقنا مع واشنطن والأردن على سلامة وحدة الأراضي السورية”.
وبدوره علق وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، على الاتفاق قائلاً “نأمل أن نتمكن من توسيع اتفاق وقف إطلاق النار، ليشمل مناطق أخرى في سوريا”، مشيرًا إلى أن بلاده لا ترى دورًا على المدى البعيد لعائلة بشار الأسد في سوريا، مضيفًا “لم نقرر بعد كيفية رحيل الأسد، ولكن هذا سيحدث خلال المرحلة الانتقالية”.
من الممكن أن يكون هناك رغبة أمريكية روسية بعدم تأمين مصالح تركيا بتركها منفردة شمال سوريا
أما عن اللقاء الأول بين الزعيمين والذي دام لساعتين وربع تقريبًا، وأتى بعد أربعة اتصالات هاتفية بين الزعيمين منذ وصول ترامب للسلطة، على الرغم أن السلام لم يكن حميميًا لدرجة عالية كما كان متوقع بينهما، فقد وصف تيلرسون أن الزعيمين أظهرا تفاعلًا إيجابيًا واضحًا خلال أول لقاء مباشر بينهما، وقال: “بالنسبة لطبيعة الساعتين و15 دقيقة من المحادثات، دعوني أصفها لكم: كان اللقاء بناءً جدًا، وتفاعل الزعيمان بسرعة كبيرة، وكانت بينهما كيمياءً إيجابية واضحة جدًا”.
تركيا والمعارضة السورية خارج اللعبة
ليس بعيدًا عن اتفاق جنوب سوريا، والذي سيخرج الآن من حسابات أستانة بسبب التوافق على المنطقة الجنوبية المعنية بالاتفاق الروسي الأمريكي، يبدو أن المنطقة العالقة إلى الآن هي إدلب التي من المفترض أن تشرف عليها تركيا، فهل تم إخراج تركيا من التوافق في سوريا؟ مراقبون أشاروا أنه من الممكن أن يكون هناك رغبة أمريكية روسية ولا يستبعد أوروبية أيضًا بعدم تأمين مصالح تركيا بتركها منفردة شمال سوريا، مما دعاهم إلى فرض الصديق اللدود روسيا، كي تحافظ على المصالح الغربية والأمريكية في المنطقة حفاظًا على الأكراد وضمانًا بعدم تغلل تركيا في سوريا.
لكن روسيا باعت لتركيا منظومة صواريخ إس 400 كما أعلن وزير الدفاع التركي فكري إيشق قبل أيام، وهذا بدوره قد يدعم العلاقات بين البلدين ويعزز أيضًا نظرية دخول تركيا في الشمال السوري، إلا أنه حتى الآن لم تدخل تركيا بالعملية العسكرية التي أعلنت أنها في صددها، وهذا يثير الشكوك بشأن إعطاء الإذن لتركيا بالدخول، فيما عمدت إلى قصف متواتر لأماكن وجود القوات الكردية في شمال حلب.
وفي حال عدم السماح لتركيا بالدخول إلى إدلب والإشراف عليها، فإنها ستواجه بلا شك خسارة نفوذها في الشمال، ناهيك أن تركيا خسرت أي نفوذ مفترض لها في جنوب وشرق سوريا، فهل ترضى بخسارة نفوذها في الشمال؟ يعتمد هذا برأي مراقبين على طبيعة التوافقات الجارية بين روسيا وأمريكا وانعكاساتها على الوضع في سوريا وأسس الحل والتوصل إلى مناطق خفض التصعيد.
مؤتمر أستانة المعقود في 4 – 5 من الشهر الحاليّ
كما يرى محللون أن روسيا وعبر رؤيتها في سوريا تحاول الاستفادة من جميع الأطراف وهي ربما أكبر المستفيدين حتى الآن في سوريا، فهي من جهة تتفاوض مع أمريكا على مناطق النفوذ، ومن جهة أخرى تبيع السلاح لتركيا والدول العربية فتستفيد من هذا اقتصاديًا، وبتحالفها مع إيران والنظام السوري تضمن بشكل قاطع مصالحها في سوريا.
وبالعودة إلى نقطة الجنوب السوري والاتفاق الأمريكي الروسي المعقود بشأنه، أبدى وفد المعارضة السورية من الفصائل المسلحة قلقًا تجاه التفاهمات التي أسموها سرية بين روسيا وأمريكا والأردن عن الجنوب السوري، وقال الناطق باسم وفد الفصائل إلى أستانة أيمن العاسمي لوسائل إعلامية إن هذا الاتفاق يعني فصل جنوب سوريا عن بقية البلاد، وإقامة ما يشبه الحكم الذاتي فيه، وهذا أمر خطير يحدث لأول مرة في تاريخ الثورة السورية.
وأضاف العاسمي أن الاتفاق ليس وليد اللحظة، وكان هناك تمهيدًا له منذ إصدار ما سمي بـ”وثيقة العهد” التي تسربت في الشهر الثالث من العام الحالي، وأشرف على إعدادها عدد من الشخصيات في محافظة درعا، وأثارت في حينه جدلاً واسعًا وانتقادات حادة، إذ رأى البعض أنها تؤسس لمشروع يساعد على تقسيم سوريا، من خلال طرحها تطبيق مبدأ اللامركزية الإدارية كنموذج حكم في درعا، إضافة إلى اتهامات لبعض الشخصيات التي صاغت الوثيقة بأنها تطبق أجندات إقليمية تحاول تفكيك ما تبقى من سوريا.
ويؤكد هذه المخاوف ما أشار إليه وزير الخارجية ريكس تيلرسون في تصريحات له، عبر فيها عن استعداد الولايات المتحدة للتعاون مع الروس في سوريا. وعن استراتيجية أمريكية جديدة في سوريا يتم التجهيز لها بحسب مراقبين تقوم على عدد من الملامح أهمها بقاء الأسد في السلطة والقبول بالمناطق الآمنة التي اقترحها الروس وحلفاؤهم والاعتماد على موسكو بما في ذلك قوات روسية تقوم بحراسة مناطق من البلاد.
الإعلان جاء لينفي ملامح خلافات كبيرة بين أمريكا وروسيا بشأن قطع التنسيق بينهما وأن الأمور تنحدر إلى الأسوأ، ويؤكد من جهة أخرى أن إشعال وإيقاف الجبهات في مختلف مناطق سوريا يأتي بعد خلاف وتوافق كلا البلدين على جملة من الأمور في سوريا
ومن المتوقع من الاتفاق الروسي الأمريكي أن يسمح بفتح معبر نصيب الحدودي مع الأردن أو معبر آخر في السويداء يشرف عليه النظام السوري، ومن ثم يكرس وجود إيراني ما بعد المناطق العازلة المحددة بـ40 كيلومترًا والمتاخمة للحدود السورية مع فلسطين المحتلة والأردن.
يبدو أن المعارضة السورية شعرت بعد هذا الاتفاق أنها أصبحت خارج اللعبة، ففي بيان صار عن الجبهة الجنوبية حول اتفاق الهدنة بين أمريكا وروسيا في الجنوب، قالت إن تحقيق وقف إطلاق النار لا ينتج إلا بقرار من الفصائل الحقيقية صاحبة الكلمة الفصل التي أجبرت إيران وروسيا والنظام على الاعتراف بهزيمتهم على الأرض، ولكن هل لهذا الكلام أي تأثير بعد هذا الاتفاق؟
ابتداءً من التوصل لاتفاق من المؤكد أن الضغوط بدأت على فصائل الجنوب للالتزام بالتهدئة المعلنة غدًا، ومن جهة أخرى سيتم اختبار الهدنة في الغد وتوصل كل من روسيا وأمريكا لاتفاق فعلي على الأرض، فإذا استمرت روسيا بالقصف، والنظام بمحاولات التقدم فإن المعارضة لن تقف مكتوفة الأيدي، وسيفشل الاتفاق وكأن شيئًا لم يكن، وفي حال نجاح الاتفاق فيجب أن ننتظر التوزيع الجديد لحصص روسيا وأمريكا وحلفائهما في سوريا.